مشهد من فيلم فيسكونتي "لودفيغ" (موقع الفيلم) ثقافة و فنون سيرة ريتشارد فاغنر بين لوثة السياسي ونقاء الموسيقي by admin 31 يناير، 2025 written by admin 31 يناير، 2025 23 حياة تراوح ما بين شوفينية ألمانية ستولد مقدمات النازية وحماسة غامضة للفكر الفوضوي اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب عاش الموسيقي الألماني ريتشارد فاغنر (1813- 1883) 70 عاماً كاملة منذ ما بعد بدايات القرن الـ19 حتى ما يقارب نهايات القرن نفسه. كانت أعواماً صاخبة في المعاني كافة، بل كانت الأعوام التي ولدت الأزمنة الجديدة وليس فقط بالمعنى الإبداعي للكلمة بل بخاصة بمعنييها السياسي والاجتماعي. ولقد عرف فاغنر خلال حياته أعلى آيات المجد وأحط لحظات الذل، صادق حثالة الناس وأعظم رجالات أوروبا ونسائها، وارتبط بما لا يقل عن الملوك… وكتب من الأعمال الفنية – الأوبرالية بخاصة – ما ضمن له مكانة كبيرة في سجلات الخلود الكوني. أحبه كثر وكرهه كثر، وهو وحتى اليوم، لا يزال في مناطق من أوروبا وغير أوروبا، يعتبر قضية مطروحة للسجال وليس دائماً من جراء أفكاره الفنية، وليس طبعاً بسبب ما سجله في كتابه الأشهر “حياتي”، من حكايات وأفكار غالباً ما اتسمت بقدر كبير وحاد من الاستفزاز، ولا سيما الاستفزاز المجاني. وإذا كان السينمائي الإيطالي الكبير لوكينو فيسكونتي قد صوره على تلك الصورة نفسها من دون أن يجعل منه بطلاً في فيلمه “لودفيغ”، الذي كان موضوعه أصلاً عن الملك البافاري الغريب الأطوار لودفيغ الثاني، فإنه، أي فيسكونتي، نجح أكثر وفي الفيلم نفسه في تصويره الشخصية الحقيقية والأخلاق التي لا تنكر بسلبياتها، لفاغنر الذي سيعرف كيف يقفز في الفيلم إلى مستوى البطولة بتعقد شخصيته وسيطرته على أحداث الفيلم إلى درجة أن فيسكونتي حين سئل عن ذلك بعد عرض فيلمه وفي غمرة النجاح الكبير الذي حققه، ضحك مجيباً وهو يدمدم: “في الحقيقة لست أدري كيف غافلني وقفز من المكانة المحطة التي جعلته فيها، إلى تلك المكانة!” وقد يكون ما قاله المخرج طرفة لكنه يعني كثيراً. ريتشارد فاغنر (1813 -1883): عبقري في عالم السياسة الانتهازية (غيتي) في قلب الأحداث في الحقيقة إن ما صوره فيسكونتي في ذلك الفيلم كان حكاية الصداقة بين الملك البافاري وموسيقيه المفضل عند آخر حياة كل منهما، ولكن ما لم يتبد واضحاً، ولا حتى في ذلك الفيلم المميز، هو ما يتعلق بأفكار فاغنر السياسية، ويشكل هذا الموضوع على أية حال قضية تشغل كثراً من باحثين متخصصين أو مؤرخين يحاولون دائماً فهم الأفكار السياسية الحقيقية لفاغنر، ويشكون دائماً من صعوبة، بل حتى استحالة، الوصول إلى يقين، حتى وإن كان ثمة من بين معتنقي الصهيونية، ولا سيما بعد تأسيس إسرائيل، من يختصرون ذلك كله بالقول إن فاغنر لم يكن أكثر من معادٍ للسامية، أوحى لهتلر ونازييه بتلك المواقف لا أكثر ولا أقل، وهو على أية حال “يقين” يرد عليه دائماً بالنفي عدد من كبار المبدعين اليهود، ومن أهمهم دانيال بريمباوم الموسيقي وقائد الأوركسترا اليهودي المعاصر، الذي لكثرة ما اضطر في إسرائيل إلى المجادلة حول الأمر، – نافياً عن فاغنر كونه من “مؤسسي” النازية معترفاً بأن ثمة أموراً سلبية كثيرة تعادي اليهود أو بعض أخلاقهم في نصوصه الأوروبية لكنها لا تجعل منه معادياً أيديولوجياً لليهودية السامية – مغادراً إسرائيل في النهاية غير آسف ليستقر في برلين حيث يمكنه أن يعيد تقديم أعمال فاغنر على مزاجه. وفي السياق نفسه يمكننا أن نشير هنا إلى أن فاغنر ذاته لم يسهل الأمور في سياق الفصول والصفحات الكثيرة التي يتألف منها كتابه “حياتي”، ومن هنا نعرف أن كثراً انكبوا على تتبع تلك الحياة في محاولة منهم للتعرف أكثر إلى التوجه السياسي الذي كانت عليه حياة صاحب “تانهاوزر” و”أساطين الغناء من نورنبورغ” وغيرهما من أوبرات من اللافت فيها أن فاغنر وعلى عكس معظم المؤلفين الأوبراليين، كان يكتب نصوصها وأشعارها بنفسه، وغالباً انطلاقاً من الأساطير الجرمانية القديمة التي كان شغوفاً بها. ميخائيل باكونين وراء ثورة 1849 الأوروبية (موقع الأدب الروسي) سياسات فوضوية مهما يكن يمكننا في الحقيقة أن نستلهم، وإلى حد ما، الصورة التي يمكننا العثور عليها لهذا الموسيقي الكبير في فيلم فيسكونتي المذكور. وهي باختصار شديد صورة الانتهازي الذي لا يهمه في نهاية المطاف سوى حياته ونجاحه الخاص وفي الأقل خلال الفترة التي سبقت مباشرة ثم رافقت من كثب، ارتباطه بلودفيغ البافاري. ففي الفيلم لا نجده مخلصا حقاً لمولاه فهو يريد منه فقط أن ينفق على فنه، وأن يؤسس له مهرجان بايروت، وأن يقبل بزواجه من كوزيما، كان يريد لنفسه كل شيء ولا يعبأ من حياة الملك وشؤونه، إلا بما يخدم مصالحه التي تضمن له الاستفادة بأكبر قدر ممكن من كرم الملك وأريحيته وشغفه بالموسيقى، ولكن في المقابل قد يمكننا أن نعود بضعة أعوام إلى ما قبل ارتباط فاغنر بلودفيغ – وهو ما لا يفعله الفيلم على أية حال – لنجدنا أمام ارتباط لفاغنر برجل سياسة آخر من الذين كان لهم اسم ومكانة كبيرة في أوروبا عند منتصف القرن الـ19، أي القرن الذي عاش فيه فاغنر حياته ووضع مؤلفاته الموسيقية، ونعني به هنا ميخائيل باكونين المناضل الفوضوي اليساري الروسي الذي كان حينها منفياً من بلاده حيث وصلت به الجرأة والقوة إلى مناوءة القيصر والعمل على إحداث ثورة عارمة في بلاد الموسكوب. ونعرف أن باكونين كان واحداً من أولئك المناضلين الأوروبيين الذي ناضلوا على يسار كارل ماركس لتغيير الأوضاع الاجتماعية والسياسية في عديد من الأمم الأوروبية، إلى جانب وعلى الضد حتى من، الفرنسي برودون والروسي الآخر كروبتكين وعدد من غلاة الماركسيين الذين انتهى الأمر بماركس نفسه إلى طردهم والتخلص منهم إذ صاروا في نظره عبئاً على تحركاته الثورية الخاصة. فوضوي ولكن… طبعاً لا يتيح المجال لنا هنا الوقوف عند تفاصيل الصراعات الفكرية التي تفاقمت في أوروبا الباحثة عن مصيرها ودروب مستقبلها في ذلك الحين، ولكن في مقدورنا أن نشير إلى أن الفوضويين بمختلف تياراتهم كانوا بالغي القوة في أوروبا كلها حينها، وبخاصة خلال اندلاع ثورة 1849 التي هزت أوروبا من أقصاها إلى أدناها وكان للفوضويين اليد الطولى فيها. ففي تلك المرحلة كان من الواضح – وفاغنر يتحدث عن ذلك بإسهاب في كتابه “حياتي” على أية حال – أن الموسيقي الكبير العائد من زيارة إلى باريس الصاخبة بالأفكار، كان مرتبطاً بباكونين ويراه بصورة يومية تقريباً، مما جعل كل المحيطين بهما يعتبرون فاغنر من المفكرين المؤثرين في اندفاعة الفكر الفوضوي. ومن هنا، حين اخفقت الثورة وراحت السلطات الحاكمة في ألمانيا وفرنسا بخاصة، كما في غيرهما تطارد الثوار وتعتقلهم إن لم تجهز عليهم ميدانياً، جاء اليوم الأشد ضراوة، يوم الـ30 من أبريل (نيسان) 1849 ليجد فاغنر نفسه ضائعاً حائراً وهو على يقين من أن السلطات الألمانية حيث يعيش تسعى إلى القضاء عليه، وهكذا لم يجد أمامه إلا الانضمام ذات ليلة إلى باكونين ومساعديه في قيادة الثوار الفوضويين، ليهربوا جميعاً معاً لاجئين تحت جنح الليل إلى زيوريخ السويسرية في الوقت نفسه الذي كانت فيه مجمل الثورات الأوروبية تلفظ أنفاسها. المزيد عن: ريتشارد فاغنرالموسيقى الكلاسيكيةالمخرج لوكينو فيسكونتيالملك لودفيغ الثاني 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post أين تكمن قوة رئاسة الحكومة اللبنانية؟ next post ليلى أربيل توثق تاريخاً من الصراع في تركيا “ما بعد التحرير” You may also like مرصد كتب “المجلة”… جولة على أحدث إصدارات دور... 31 يناير، 2025 المجلة في ملف خاص : خمسون عاما على... 31 يناير، 2025 محمد أبي سمرا يكتب عن: أم كلثوم التي... 31 يناير، 2025 البدايات الأولى… مذكرات أم كلثوم كما روتها على... 31 يناير، 2025 سامر أبوهواش يكتب عن: أم كلثوم التي في... 31 يناير، 2025 ما الذي أغاظ اليساريين والإسلاميين في مسيرة أم... 31 يناير، 2025 ليلى أربيل توثق تاريخاً من الصراع في تركيا... 31 يناير، 2025 أعمال والت ويتمان الكاملة عربها عابد إسماعيل مع... 30 يناير، 2025 كاهن من كابول يطمح في أن يكون البابا... 30 يناير، 2025 “ما وراء التلال” فيلم روماني عن المنافس الوحيد... 30 يناير، 2025