الخميس, فبراير 20, 2025
الخميس, فبراير 20, 2025
Home » سيرة أميركية جديدة تكشف ألغاز ماري كوري في المختبر

سيرة أميركية جديدة تكشف ألغاز ماري كوري في المختبر

by admin

 

العالمة الفرنسية الفائزة بنوبل مرتين تجلت عبقريتها الشخصية في إطار جماعي

اندبندنت عربية / سناء عبد العزيز

لعل خلف كلمات ماري كوري المقتضبة، تختبئ تفاصيل أكثر تعقيداً وإلهاماً، كشف عنها المقربون وكتاب السيرة عبر العقود، من ابنتها إيف في سيرتها الكلاسيكية “مدام كوري”، إلى باربارا غولدسميث في كتابها المؤثر “هوس العبقرية: الحياة السرية لماري كوري”، مع ذلك يبقى السؤال: هل ما زال مزيد ليقال عن حياة كوري وإنجازاتها؟

في كتابها الجديد “عناصر ماري كوري: كيف أضاء وهج الراديوم الطريق أمام النساء في العلوم”، الصادر عن دار أتلانتيك للنشر، تقدم دافا سوبل رؤية مختلفة تتجاوز السرد التقليدي الذي يمجد العبقرية الفردية، مسلطة الضوء على الطبيعة التعاونية للعلم، والدور الحاسم الذي لعبته زميلات كوري، أو بالأحرى تلميذاتها في مسيرتها العلمية.

كتاب “عناصر ماري كوري” (دار أتلانتيك)

حظي الكتاب بإشادة واسعة من النقاد، فقد وصفت “نيويورك تايمز” أسلوب سوبل بأنه “أنيق في تناول العلوم، إذ تبدو مساعي كوري في المختبر أشبه بلغز مشوق”، بينما أشادت مجلة “نيتشر” بقدرتها على “إيصال الإثارة والبهجة التي صاحبت رحلة كوري وعشرات الباحثات في عالم الاكتشافات العلمية”، وهذا ما يميز أسلوب سوبل، التي تجيد السرد الاستقصائي، إذ تعرض الاكتشافات العلمية كألغاز تتكشف أسرارها تدريجاً، مع إبراز التحديات والمفاجآت التي يواجهها العلماء، مما يخلق إحساساً بالتشويق والإلهام.

الحب في ظلال الراديوم

ولدت ماري كوري عام 1867 في بولندا وهي تحت الحكم الروسي، في زمن حرمت فيه النساء من دخول الجامعات، لكن الفتاة النابغة لم تستسلم لهذا القيد، فانضمت سراً إلى “الجامعة الطائرة”، وهي مؤسسة تعليمية غير رسمية، حيث درست مع كوكبة من الفتيات على رغم أخطار النفي التي لاحقت معلميها عندما اكتشفت السلطات الروسية أمرها.

حينما حلمت بإكمال دراستها في فرنسا واجهتها عقبة أخرى: لم تكن أسرتها تملك ما يكفي من المال، فقبلت العمل كمربية أطفال، وقضت أربعة أعوام في عزلة شاقة، بخاصة عندما وقعت في حب الابن الأكبر للعائلة، وعلى رغم أنه كان يبادلها المشاعر، فلم يجرؤ على تحدي رفض والديه فكرة الزواج من فتاة تعمل، على حد قولهم، في بيوت الآخرين.

الباحثة الأمريكية دافا سوبيل (دار أتلانتيك)

في عام 1891 جمعت ماري ما يكفي من المال وسافرت إلى باريس، حيث التحقت بقسم العلوم في جامعة السوربون، لتصبح واحدة من 23 امرأة فقط بين ما يقارب 2000 رجل. لم تكن الحياة في باريس رحيمة بها، عاشت عامين على الخبز والبيض في غرفة باردة، وكانت تدرس نهاراً وتعطي دروساً ليلية لتغطية نفقاتها، مع ذلك تخرجت الأولى على دفعتها.

في السوربون التقت الفيزيائي بيير كوري، وربط بينهما الشغف ذاته بالمغناطيسية، تزوجا عام 1895 وأنجبا ابنتين، إيرين وإيف.

كان مختبرهما البسيط، بسقفه المتشقق وأرضيته الغارقة في الطين، عالمهما المشترك، حيث كانا يتبادلان الأفكار كما يتبادلان الضحكات، وكانت يده تمسك يدها وهما يدونان ملاحظاتهما، معاً حملا الراديوم بين أيديهما، من دون أن يدركا أن وهجه الخافت سيغير العالم كما سيغير مصيرهما إلى الأبد.

كتبت ماري: “لدي أفضل زوج يمكن أن يحلم به المرء، وكلما عشنا معاً زاد حب أحدنا للآخر”، لكن السعادة لم تدم، ذات يوم ممطر خرج بيير في طريقه ولم يعد أبداً، صدمته عربة حصان وأردته قتيلاً.

ماري كوري لغز المختبر (مؤسسة نوبل)

تحت وطأة الفقد، هربت ماري إلى مختبرها، تحتمي بالوهج الأخضر المنبعث من الراديوم. إلى أن وجدت حليفاً جديداً في رحلة العلم الشاقة وعاد قلبها يخفق من جديد، كان بول لانجفان، الفيزيائي اللامع يجد في تلك المرأة الصرامة، والدفء الذي افتقده في بيته، لكن باريس لم تكن مدينة رحيمة بالخارجين على الأعراف، سرعان ما تحولت الصحافة إلى وحش كاسر، واتهمتها الجموع التي تظاهرت أمام بيتها بأنها “امرأة خطرة” تهدد استقرار عائلة محترمة، قذفت نافذتها بالحجارة وأصبحت حياتها فصلاً جديداً من الجحيم.

وسط تلك الأحداث جاءتها رسالة صادمة: الأكاديمية الفرنسية للعلوم رفضت انضمامها إلى صفوفها، لا بسبب قدراتها العلمية، بل لأنها “امرأة” ولأن صورتها لم تعد تناسب المكانة التي أرادوا الحفاظ عليها.

خلية النحل المشعة

لكن ماري كوري لم تركن يوماً إلى العزلة حتى في أحلك الظروف، لقد ازدهرت عبقريتها في بيئة من الشراكة الحقيقية، سواء مع بيير أو بول، أو مع زمرة الباحثات اللاتي تربين في معملها، يركز الكتاب على دور 45 امرأة عملن إلى جانبها، من بينهن مارجريت بيري، مكتشفة عنصر الفرانسيوم، وابنتها الكبرى إيرين، التي حازت على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1935.

داخل جدران المعمل المتواضع، حيث الهواء مشبع برائحة الكيمياء، كانت تلميذات كوري يشكلن خلية نحل نابضة بالحياة، بينما تقف كوري وسطهن، لا كمعلمة فحسب، بل كملكة تعمل جنباً إلى جنب مع نحلاتها، تحمل الأوعية الزجاجية الثقيلة وتمسح بقايا البودرة المشعة من طاولات التجارب وتلتقي نظراتها بنظراتهن، في صمت يعكس تفهماً خاصاً.

وإذا كان العلم قد خلد اسم ماري كوري، فإنها لم تكن من أنصار العبقرية الفردية، بل آمنت بأن طريق الاكتشاف ليس درباً منفرداً، بل مساراً تلتقي فيه الأرواح المتعطشة للمعرفة. كانت تدرك أن شريكاتها في البحث هن جزء لا يتجزأ من رحلتها، ولا سيما أولئك اللاتي خضن مثلها معارك طاحنة لتجاوز الحواجز المؤسسية، من بينهن هارييت بروكس، العين الثالثة لكوري، وأول من درس سلوك الغازات المشعة وساعدت كوري في زيادة فهمها لانبعاث الإشعاع من العناصر الثقيلة، وعلى رغم موهبتها الاستثنائية فلم يرحمها الواقع الاجتماعي، فما إن أعلنت خطبتها حتى طلبت منها الجامعة الاستقالة، ومع أنها فسخت الخطبة، لم تتردد بروكس لحظة في تقديم الاستقالة ثأراً لكرامتها، ويبدو أنها بعد أعوام حين التقت شخصاً مناسباً كانت قد استوعبت الدرس، لأنها عادت وحدها إلى البيت وعاشت كأي امرأة عادية من دون أن يطلب أحد منها ذلك.

في السياق نفسه لعبت إيلين جليديتش، الكيماوية النرويجية، دوراً حيوياً في تأمين الإمدادات من الراديوم بعد الحرب العالمية الأولى، مما مكن كوري من مواصلة أبحاثها في ظل نقص الموارد، وكانت واحدة من القلائل اللاتي رافقنها إلى الولايات المتحدة لجمع التبرعات لمختبرها، حين كادت أبحاثها تتوقف، لاحقاً أصبحت أول امرأة تعمل في مختبر الفيزياء بجامعة ييل، حيث حددت عمر النصف للراديوم، ثم شغلت منصب أستاذة الكيمياء في جامعة أوسلو، لكن ليس قبل أن تضطر كوري وآخرون إلى التدخل لإجبار العميد على إلغاء قراره بمنع تعيينها لأنها امرأة.

هكذا فتحت ماري كوري طريقاً للمرأة في العلوم، ليس فقط باكتشافاتها الرائدة، بل بخلق مساحة جمعت نخبة من الباحثات اللاتي تفوقن على عديد من علماء عصرهن، متحديات الفكرة الراسخة بأن العلم ساحة لا تتسع إلا للرجال، بل والأهم من ذلك كله دحضن بأعمالهن ادعاءات العقول الرائدة في الفلسفة، وعلى رأسها شوبنهاور، حول محدودية قدرات المرأة الفكرية وعجزها عن الإبداع العلمي، ففي مختبر بارد، وسط أبخرة المواد المشعة، وقفت إلى جانب كوري أكثر من 45 امرأة، ضحين بصحتهن وأعمارهن، من أجل تقدم البشرية.

فهل تشير سوفل بالنصف الأول من عنوان كتابها إلى “العناصر الأساس” في تكوين شخصية هذه المرأة المعجزة، مثل المثابرة والشغف بالعلم ومقاومة التحديات والإيمان بالتعاون، أم إلى هؤلاء الباحثات اللاتي تألقن في كنفها وشكلن تلك الأيقونة الخالدة، سواء من أكملن الطريق، أم من أجبرتهن الظروف على العودة من منتصفه.

المزيد عن: ماري كوريعالمة فرنسيةاختراعاتالعلوم التطبيقيةسيرةجائزة نوبلالمختبراتالعمل الجماعي

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili