تشرشل وشابلن في صورة مشتركة شهيرة (غيتي) ثقافة و فنون “سيدان على الشاطئ” رواية ترسم صداقة غريبة بين تشرشل وتشابلن by admin 15 سبتمبر، 2023 written by admin 15 سبتمبر، 2023 61 جمعت ثعلب السياسة الإنجليزية وسيد الكوميديا السينمائية المشاكسة ضد الوحش الأسود اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب في نهاية الأمر كان ما يجمع بين السياسي البريطاني الداهية ونستون تشرشل والزعيم النازي الألماني أدولف هتلر أكثر بكثير مما يجمع الأول بالفنان تشارلي تشابلن، مبتكر شخصية الصعلوك شارلو التي هيمنت على الفن السينمائي في العالم طوال ما يزيد على نصف قرن. هواية الرسم المشتركة كانت تجمع بين تشرشل وهتلر، والعداء الشرس للشيوعية وكل ما هو شيوعي كان يربط بينهما، والطموحات السياسية لكل واحد منهما كانت تؤهله للتحالف مع الثاني، بخاصة أنه كان للنازيين جماعات ضغط قوية في بريطانيا ما قبل الحرب العالمية الثانية، بل كان ثمة دروب تواصل بينهما سعت إلى تقريب وجهات النظر وجمعهما. وفي المقابل لم يكن ثمة ما من شأنه أن يجمع بين تشرشل وتشابلن. فأصل هذا الأخير الوضيع كان يضعه في تناقض مع أرستقراطية الزعيم البريطاني. وكان هذا محافظاً سياسياً يكره الطبقة العاملة وكل ما له علاقة بالعمل النقابي وبالنضالات التقدمية فيما جعل تشابلن من صعلوكه ناطقاً باسمهما… وكان تشرشل يكره بخاصة تلك الـ”أميركا” التي يدافع عنها “شارلو” على الضد من أميركا الأخرى الانعزالية والتي تريد أن تجعل من نفسها شرطي العالم، ويسعى تشرشل دائماً إلى التقرب منها. ومع ذلك كله جرى التقارب بين تشرتشل والصعلوك بشكل غير متوقع وربما انطلاقاً من تقاسمهما عدواً مشتركاً واحداً هو ما كان الكاتب الإنجليزي صمويل جونسون يسميه “الوحش الأسود” وذلك زمناً قبل أن ينضم إلى ذلك العدو عدو جديد هو هذه المرة أدولف هتلر نفسه! بين التاريخ والرواية ومع ذلك ها هو ذا الكاتب الألماني ميكائيل كوهلميير يصدر عند بدايات القرن الجديد عملاً روائياً يفترض، ولكن بناءً على ألوف الصفحات من الرسائل والنصوص والكتب والمدونات التاريخية، أن صداقة عميقة قد نشأت بين السياسي البريطاني والهزلي الأميركي. ولعل اختيار الكاتب لأن يكون كتابه روائياً لا دراسة علمية تاريخية هو ما أعطاه حرية التصرف كما يحلو له، بالحقائق التاريخية التي انقلبت لديه تخييلاً روائياً. ولعل آية ذلك ما اختاره كوهلميير من عنوان لروايته “سيدان عند الشاطئ”، مما يعني أنه إنما ينطلق أصلاً من تلك الصور الفوتوغرافية الطريفة التي تصور تشابلن وتشرشل يتنزهان معاً عند الشاطئ كأحسن ما يكون الأصدقاء، حتى وإن فشل الكاتب في العثور على صورة تجمعهما وهما في لباس البحر، ولكن لا بأس فالصفحات التي تزيد على 250 صفحة والتي يتألف منها الكتاب (الرواية) تبدو أكثر من كافية للتعويض عن غياب تلك الصورة. ففي نهاية الأمر يذكرنا الكاتب بأننا هنا بصدد رواية متخيلة، لا بصدد بحث تاريخي. وهو لتأكيد هذا البعد لم يروِ لنا حكاية الصداقة بين الرجلين رواية مباشرة، بل بالواسطة، أي من خلال كاتب روائي ألماني شاب يزوده أبوه بالأسس التي يبني عليها روايته. من الأب إلى الابن والابن هنا هو راوي الحكاية الذي بعدما كان أستاذاً جامعياً تحول الآن إلى ممثل هزلي يريد أن يسير على خطى معبوده تشابلن. وكانت تلك الرغبة مناسبة لأبيه الموظف السابق المتقاعد في مدينة ألمانية صغيرة والذي يمضي أيامه مشتغلاً على سيرة، يريدها أن تكون ضخمة و”نهائية” لتشابلن، ها هو ذا يزود ابنه بتلك الوثائق السرية التي تتحدث تحديداً عن الصداقة بين تشابلن وتشرشل. وهي الصداقة التي نشأت منذ اكتشفا أنهما، وتبعاً لـ”الوثائق” يعملان معاً على محاربة عدوهما المشترك “الوحش الأسود” الذي كثيراً ما يذكرانه في رسائلهما التي راحا يتبادلانها، ولكن من هو هذا العدو؟ إنه وبكل بساطة الاكتئاب المرضي الذي عادة ما يوصل المصابين به إلى الانتحار. وعند هذا المستوى من الرواية يحدثنا الراوي، وإلى حد ما نقلاً عن أبيه، أن ذلك الاكتئاب كان يسيطر على تشرشل وتشابلن منذ صباهما، وهما اللذان راودت كل منهما فكرة الانتحار منذ بداياتهما. غير أننا سرعان ما سندرك كيف أن عدوهما المشترك الثاني والذي اكتشفا عداوته وخطورته لاحقاً وعند بدايات اللقاء بينهما، سيكون هو من يخلصهما من فكرة الانتحار نفسها. وليس هذا العدو “الجديد” سوى هتلر نفسه وقد بات، في نظر تشابلن أولاً، ثم في نظر تشرتشل ثانياً، من الخطورة إلى درجة تستدعي عملاً جدياً يشغل كلاً من الرجلين وينسيه كآبته في غمرة النضال المشترك. وهكذا تنطلق الصداقة بين الرجلين ولكن هذه المرة على أسس جديدة، ولا سيما منذ يتاح لتشابلن أن يحقق فيلمه “الديكتاتور” الذي يعتبر حتى اليوم واحداً من أكبر وأقوى الأفلام التي تصدت لهتلر ونازيته. علماً أن الرواية تشير إلى أن مشاهدة تشرشل هذا الفيلم كانت هي ما حسم الأمر بالنسبة إليه، وليس فقط في اتجاه اتخاذ قراره التاريخي بمجابهة هذا “الوحش” سياسياً وعسكرياً، على الضد من كل الأطراف الأخرى في بريطانيا، بل كذلك في اتجاه الضغط على الرئاسة الأميركية لمساندة السوفيات في تصديهم للحصار الألماني لموسكو وستالينغراد. وهو موقف إذا كان قد بدا دائماً مستغرباً من زعيم بريطاني يميني محافظ يكن لستالين عداءً كبيراً، فإن الرواية تحاول أن توضح أنه إنما جاء بتأثير من تشابلن على صديقه الكبير. ثمار ضغط غريب ونعرف طبعاً أن ذلك الضغط الهائل الذي مارسه تشرشل على روزفلت قد أتى ثماره، إذ راحت الولايات المتحدة تدعم السوفيات سياسياً ومالياً وعتاداً، مما مكن هؤلاء في نهاية الأمر من فك الحصار الألماني وصولاً إلى إلحاقهم بالنازيين تلك الهزائم النكراء التي لن تلبث أن تتحول إلى كوارث عسكرية خلصت العالم من شرورهم. تتحدث الرواية عن اكتئاب ظل مسيطراً على تشرشل وتشابلن منذ صباهما (مواقع التواصل) طبعاً لهذا المنطق تاريخه الحقيقي وهو ماثل في كتب التاريخ ومذكرات السياسيين، ولكن ليس تماماً على الشاكلة التي ترد في الرواية والتي تكاد تقول لنا إن الفضل في دحر النازي يرجع إلى فن تشابلن وتمكنه من إيصال هذا الفن إلى مسامع تشرتشل الذي وجد لزاماً عليه أن ينقل نظرته إلى روزفلت، ومن ثم تحقق وضع نهاية للحرب كما للنازية في آن معاً. ومهما يكن فإن الرواية لا تجعل من هذا الموضوع السياسي شغلها الشاغل، بل تطرحه على شكل فرضية فقط، بالنظر إلى أنها رواية تخيلية لا تريد لنفسها أن تكون رواية عن الحرب العالمية الثانية، بل عن الصداقة بين رجلين من أعلام القرن العشرين، تمكنت صداقتهما، وقبل أي شيء آخر من إنقاذهما من الوحش الأسود قبل أن تنقذهما من الوحش النازي، ولكن كيف فعلت ذلك؟ معاهدة سرية ببساطة من خلال تركيزها مثلاً على “وثيقة سرية” تفترض أن الأب الذي كان مولعاً بالرجلين الكبيرين معاً على رغم أنه ألماني – وهذا أمر له أهميته الكبيرة في الرواية طبعاً – أرسلها إلى ابنه فماذا في تلك الوثيقة؟ تعهد مشترك يحمل توقيعي تشرشل وتشابلن ينص على أن على كل من الصديقين أن يهرع لتقديم العون إلى صديقه حال إحساس هذا بأن كآبته تتفاقم وتكاد تدمره. وهنا يتعين على الصديق أن يبادر للقاء صديقه وتخليصه من ذلك العدو “ولا سيما بالنظر إلى أن حربهما المشتركة ضده ستكون مفيدة للاثنين ما دام العدو ليس عدواً خارجياً، بل هو عدو جواني يكمن في داخل كل منهما وقادر على القضاء عليه”. وبما أن هذا العدو، وهو عدو واحد في نهاية المطاف، يتعذر القضاء عليه إلا بتضافر جهودهما معاً فإن في التعاون المشترك ترياقاً يعمل ضده ويدمره. ومن الواضح هنا أن هذه الدعوة إلى التعاون المشترك هي موضوع هذه الرواية الطريفة التي ترجمت حين صدورها إلى عديد من اللغات وفي طليعتها الإنجليزية، وقرئت على نطاق واسع وقد أدرك قراؤها أن العدو الواحد المشترك بين الرجلين فيها، لم يكن في حقيقة أمره سوى كناية عن العدو المشترك الآخر الذي كان على أية حال أقل خطورة من “الوحش الأسود”، إذ في مقابل الجهود الجمة التي كان يحتاج إليها القضاء على “الوحش الأسود” وهي جهود تحتاج لتثمر، إلى زمن طويل، كان يكفي قرار واحد للتغلب على “الوحش الآخر” وهو ذاك الذي اتخذه تشرتشل، واتخذه انطلاقاً من صداقته مع تشابلن، في الأقل بحسب رواية “سيدان على الشاطئ”. المزيد عن: رواية سيدان على الشاطئونستون تشرتشلتشارلي تشابلنأدولف هتلرالاكتئاب 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post وليد الحسيني يكتب عن: “لاعب الحبال” next post تيم بيرتون في حوار عن ثقافة الإلغاء وجزء تتمة لـ”بيتلجوس” ونظرته للمجتمع You may also like استعادة كتاب “أطياف ماركس” بعد 20 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 تحديات المخرج فرنسوا تروفو بعد 40 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 21 قصيدة تعمد نيرودا نسيانها فشغلت الناس بعد... 28 نوفمبر، 2024 الرواية التاريخية النسوية كما تمثلت لدى ثلاث كاتبات... 28 نوفمبر، 2024 بودلير وهيغو… لماذا لا يطيق الشعراء الكبار بعضهم... 27 نوفمبر، 2024 شوقي بزيع يكتب عن: شعراء «الخيام» يقاتلون بالقصائد... 27 نوفمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: ماجان القديمة …أسرارٌ ورجلٌ... 27 نوفمبر، 2024 «سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد 27 نوفمبر، 2024 محمد خيي ممثل مغربي يواصل تألقه عربيا 27 نوفمبر، 2024 3 جرائم سياسية حملت اسم “إعدامات” في التاريخ... 27 نوفمبر، 2024