آني إرنو (مواليد 1940): جائزة نوبل لتاريخ العائلة من خلال الذات (غيتي) ثقافة و فنون “سنين” آني إيرنو التي انطفأت لتستعاد مع جائزة نوبل by admin 11 يوليو، 2024 written by admin 11 يوليو، 2024 95 الفرنسية التي صورت تفكك الحياة العائلية الحديثة من خلال تخييل للذات الجماعية اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب لئن بدت الكاتبة الفرنسية آني إيرنو ذات حظ سعيد استثنائي، حين كانت قبل عام وأكثر قليلاً الثالثة بين الكتاب الفرنسيين بعد لوكليزيو وموديانو التي تفوز بجائزة نوبل الأدبية، في مأثرة “قومية” لم تتحقق كثيراً في تاريخ هذه الجائزة، فإن حسن حظها هذا بدا غير مكتمل إذ أتى الفوز في زمن يقل فيه اهتمام الجمهور العريض بالأدب العالمي وأهله عاماً بعد عام. بل حتى كونها امرأة تتوج بأرفع جائزة أدبية في العالم لم يثر اهتماماً كبيراً. فالنساء الفائزات تكاثرن في الآونة الأخيرة. لكن سعادة ناشريها كانت كبيرة بالطبع. فهي قبل الفوز لم تكن من صاحبات المبيعات الضخمة في عالم الأدب، أما الفوز فإنه أعاد إلى الواجهة عدداً من كتبها القديمة وبخاصة منها كتب أخرجتها من صورة الكاتبة غير المعروفة بما فيه الكفاية، الصورة تلك التي يتطلع الفضوليون إلى التعرف عليها. ولن يكون مدهشاً بالتالي أن يحظى كتاب يمكن اعتباره نوعاً من سيرة ذاتية لها، كان فاز على أية حال بحصة الأسد من اهتمام القراء أو استعادتهم الاهتمام به وهو كتاب كان صدر للمرة الأولى قبل “نوبل” بأعوام قليلة، بعد عقود من دخول لا بأس به لإيرنو في عالم الأدب. تحت ظل جان جينيه والحقيقة أن ما لفت أنظار القراء الذين اطلعوا عليه حينها وكانوا في معظمهم من النخبويين تمثل في كون الكاتبة في حديثها عنه، إذ وضعته في سياق ينتمي إلى سلوكات جان جينيه إذ لم تتردد في أن تقول نقلاً عن هذا الأخير أن “الكتابة إنما هي الملاذ الأخير لإنقاذ المرء عندما يخون”. وهي كانت قبل ذلك ولمناسبة صدور واحدة من أولى رواياتها “الساحة” قالت متحدثة مرة أخرى عن فعل الخيانة أن “الأمور تزداد تعقيداً، كما في حالتي عندما تكون الخيانة من طريق الكتابة والكتابة ضد العائلة، عائلتي تحديدا”. ومن هنا ما قاله واحد من القراء الذين تناولوا كتاب “السنين” يومها من أن كتابتها أشبه بخنجر قاطع، “خنجر شديد التطلب وحاد في قدرته على القطع”. والحال هنا أنه في وقت نظر فيه قراء كثر إلى “السنين” باعتباره نوعاً من المحصلة لكل ما كانت إيرنو أصدرته قبل ذلك من كتب، وهي كانت حين أصدرته تجاوزت الستين ونحو دزينة من الكتب المميزة، فتنبه القراء بعدما نبههم عدد من النقاد الأكثر معرفة بأدبها إلى عدم صواب اعتباره كذلك فهذه الكاتبة العصية على التصنيف على أية حال “لا يزال عندها كثير مما يمكنها أن تقوله، بل هي قادرة وفي عدة صفحات على أن تحدث تبديلاً جذرياً في أية صورة ترسم لها”. والحقيقة أن آني إيرنو المولودة عام 1940 برهنت على ذلك إذ إن قلة فقط من أهل الأدب نظرت إلى نيلها “نوبل” باعتباره مفاجأة كبيرة. غلاف كتاب “السنين” لآني إيرنو (أمازون) الصور التي تختفي وكان لافتاً في “السنين” على أية حال أن الكاتبة التي افتتحت صفحاته الأولى بعبارة قاطعة هي “إن كل الصور ستختفي” ستعود في ختام الصفحات الأخيرة من الكتاب نفسه لتقول كيف أن الكتابة هي بالنسبة إليها “قوة تمكنها من أن تنقذ بعض الفتات من الزمن الذي لن نكون موجودين فيه”. ومن هنا حار البعض في توصيف هذا الكتاب، فهل هو بالفعل سيرة ذاتية؟ أم هو رواية ترتدي مسوح تلك السيرة؟ ثم هل يمكننا تصديق أن الحياة التي ترويها إيرنو هي حياتها نفسها أم أنها تستعير حياتها لتحكي عن امرأة أخرى تشبهها؟ في النهاية لم يتوقف كثر من القراء عند هذه الأسئلة ولو من باب الفضول. ففي نهاية الأمر، وحتى ولو أن المرء ليس في حاجة هنا إلى استعادة مقولة آلان روب غرييه حول أن الكاتب ومهما كانت موضوعيته لا يكتب في نهاية الأمر إلا عن ذاته، يمكنه أن يدرك هنا في هذا النص الممتع والقاسي في الوقت نفسه أن الكاتبة لا تروي هنا أقل من حكاية ستين عاماً من الحياة العائلية ثم الفردية لأنثى تنطلق فيها من بدايات وعيها الطفولي غداة الحرب العالمية الثانية مباشرة، وصولاً إلى تفاصيل سهرة ميلاد عائلية تقام في بيتها – بيت أناها/الأخرى على أية حال – في بلدة سيرغي في شمال الضاحية الباريسية. وهنا لا بد من التوقف عند ما هو لافت – ويزيد من حيرة القارئ وهو “يقرأ” هذا الكتاب -. وهو أنه ليس كتاباً سردياً عادياً. عناصر “كتابة” لا تنتهي فإلى جانب السرد المكتوب بلغة آني إيرنو المعتادة ثمة في الكتاب مقاطع من رسائل وعشرات الصور العائلية وفقرات من يوميات من الصعب أن نعرف ما إذا كانت متخيلة أو حقيقية، من كتابتها أم من كتابة آخرين أو أخريات بالأحرى، فلا ننسى هنا أن المناخ النسوي يسيطر تماماً على هذا الكتاب – كما عادة معظم نصوص إيرنو السابقة أو اللاحقة عليه – وإذا أضفنا إلى ذلك كله أن الكاتبة تجعل نقطة الذروة في كل نص (أو فصل) يتناول احتفالاً عائلياً ما، وغالباً بعيد ميلاد جديد أو حفل عشاء تتجمع فيه العائلة من حول وليمة احتفالية مما يتيح لها أن تحدثنا عن قائمة الطعام وعن الغناء الجماعي الذي يقدمه الحضور من وحي الاحتفال، نجدنا أمام ما قد يشبه الذكريات الحميمية أكثر مما يشبه أي شيء آخر. وخلال تلك الولائم تخبرنا الكاتبة من منظورات متعددة وحتى عبر استخدام شديد الخصوصية للغة يكاد يفصح عن شخصية كل واحد من الرواة، بل حتى كل ذكرى من ذكريات هؤلاء المتعلقة بأغنية كانت حيناً على الموضة أو بفيلم شاهده ويحاول الآن استعادة ما تبقى في ذاكرته منه. بل حتى أكثر من ذلك بمقاطع من إعلانات إذاعية أو تلفزيونية كانت رائجة ذات زمن ثم طواها النسيان كالعادة. والحقيقة أن تلك الجزيئات التي تذكرها الكاتبة في تفاصيلها ترتبط كل منها ليس فقط بذاكرة راويها بل بمكانته في الذاكرة الجماعية والحياة العائلية وما شابه ذلك، هي ما يخلق تلك الذاكرة الجماعية التي ليست في نهاية الأمر سوى الذاكرة الفرنسية نفسها خلال الـ”الستين سنة الواعية الأولى من حياة الكاتبة” حتى ولو أن الكاتبة بالكاد تتحدث عن الـ”الأنا” في كل مرة حتى ولو كانت تعني ذكرياتها الشخصية مستبدلة إياها بـ”نحن” أو بـ”هم” أو في معظم الأحيان بما يسمى في قواعد اللغة “تجهيل الفاعل”. فما الذي تريد الكاتبة أن تعبر عنه هنا؟ الشيخوخة ومرور الزمن وبكل بساطة وكما يمكن للقارئ أن يستنتج في نهاية الأمر ليس ما تريد أقل من أن تسجل حركة مرور الزمن (مرور السنين بالطبع) والمشاعر المتضاربة حيال الشيخوخة وتغير المناخ العام، وربما أيضاً التفكك الحتمي للعائلة التي قد توحي الاحتفالات والولائم أنها متماسكة، لكنها في العمق بادية التفكك والعفن وصولاً إلى الوقت المتقدم الذي تصبح فيه الكلمات مفتعلة والذاكرة الجماعية مصطنعة بالكاد تستدعى فقط للزعم بأن التماسك قد يضعف لكنه لا يختفي تماماً، بيد أن إيرنو تذكرنا في كل لحظة بأن الكتابة وحدها يمكنها أن تكون حاملة لتلك الذاكرة. وهو ما تؤكده على أية حال في معظم ما كتبته وتحديداً بدءاً من “الساحة” التي تتحدث فيها عن أبيها (1984)، وكانت رابعة رواياتها والأكثر لفتاً للنظر تجاه أدبها “العائلي على رغم كل شيء” كما يقول نقادها، إذ نجدها بعد ذلك تكتب عن أمها في “امرأة” قبل أن تتحول إلى الكتابة عن مراحل من القرن العشرين في “شغف بسيط” و”العار” ولكن دائماً من خلال ذلك التعمق في حياة العائلة، تعمقاً أوصلته إلى ذروته في نهاية الأمر وإلى ذروته في “السنين” الذي على رغم انتمائه إلى ما بات في التصنيف الأكاديمي يسمى “تخييل الذات” يبدو إلى حد كبير وكأنه ينتمي سوسيولوجياً إلى علم الاجتماع، وكأنه يستكمل ببساطته وحميميته تلك المجلدات الثلاثة التي صدرت قبل ثلث قرن بعنوان “تاريخ العائلة”. وفي نهاية الأمر هل ثمة ما هو أفضل للروائي من عائلته يدرس أحوالها إن هو أراد أن يسهم في توضيح ذلك التاريخ؟ المزيد عن: آني إيرنوغوستاف لوكليزيوباتريك موديانوالأدب الفرنسيجائزة نوبل 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post مواقف متناقضة حيال ثورة يناير المصرية في رواية next post عقار جديد يزيد من فرص نجاح عمليات التلقيح الاصطناعي You may also like مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024