السبت, مايو 31, 2025
السبت, مايو 31, 2025
Home » “سردية” روسليني السينمائية لاستيلاء لويس الـ14 على السلطة

“سردية” روسليني السينمائية لاستيلاء لويس الـ14 على السلطة

by admin

 

 

الملك / الشمس كان في سباق مع الزمن ليلة رحيل مازارين في فيلم تلفزيوني وحد بين الشاشتين بتوقيع رائد الواقعية الجديدة

اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب

لم يكن المخرج الإيطالي روبرتو روسليني (1906 – 1977) من أصحاب النزعة الملكية لا في بلده ولا في فرنسا، وكذلك لم يكن من محبذي الخلط بين شاشة السينما وشاشة التلفزيون، في وقت كان ذلك الخلط يعتبر فيه جريمة لا تغتفر. فرائد تيار الواقعية الجديدة في السينما الإيطالية كان معروفاً بتقدميته الجمهورية، وكذلك بسينمائيته الفاقعة التي كان من علاماتها منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية ثلاثيته الكبرى، “روما مدينة مفتوحة” و”باييزا” و”ألمانيا العام صفر”.

صحيح أنه عند انتهاء المرحلة الأولى والكبرى من مجده السينمائي، لم يتوان عن خوض الإنتاج التلفزيوني، إنما كان ذلك بالنسبة إليه عبر مسار منفصل تماماً عن سينماه، وكأنه يعيش ازدواجية ما. غير أنه في عام 1966 بدأ ينتفض على ذاته في معظم اختياراته، ولا سيما بالنسبة إلى العلاقة بين السينما والتلفزيون. وهكذا ولد لديه في ذلك العام فيلمه الكبير “استيلاء لويس الـ14 على السلطة”، الذي سيوحد للمرة الأولى في الأقل بين لغتي الشاشتين، إلى درجة أن عرضه الأول سيكون في مهرجان البندقية السينمائي، إذ هلل له النقد السينمائي العالمي بوصفه “عرف كيف يوحد أخيراً بين شاشتين كان الظن أنهما لن تلتقيا أبداً”، بحسب ما سيقول جان لوك غودار، ولو نقلا عن المخرج الفرنسي الألماني جان ماري شتروب الذي سيحذو، كما غودار على أية حال، حذو روسليني في لعبة توحيد الشاشتين التي باتت من بعدهم جميعاً من نافلة القول.

وصحيح أن فيلمه عن لويس الـ14 لم يكن مجدداً في هذا السياق لدى روسليني الذي كان سبق له أن حقق شرائط عدة للتلفزة، حرص على أن يتحدث عنها بوصفها تنتمي إلى سينما تعليمية يدعو إليها، لكن سينمائية الفيلم الجديد أسبغت عليه نكهة خاصة، وكذلك كان عرضه في المهرجان البندقي الذي استبق عروضه التجارية في صالات باريس وروما السينمائية، قبل انتقاله إلى شاشات التلفزتين الفرنسية والإيطالية.

روبرتو روسليني (1906 – 1977) (غيتي)

 

وحدة حال

أما بالنسبة إلى الناحية الثانية التي افتتحنا بها هذا الكلام، ومفادها بأن روسليني لم يكن ذا نزعة ملكية بل جمهورية تقدمية، فإن ذريعتنا للإشارة إليها هي ذلك المنظور الذي منه انطلق روسليني ليتحدث عن لويس الـ14، الذي عرفه التاريخ بلقبه “الملك الشمس”، وأخذ عليه دائماً عبارة تعزى إليه هي “من بعدي الطوفان”. فالحقيقة أن الذين كانوا يتوقعون من السينمائي الإيطالي أن يوجه سهام نقده في الفيلم لتلك الأخلاقيات المأثورة عن الملك الفرنسي بوغتوا بمنظور في الفيلم، يتبنى ذلك الملك المتسلط تماماً من دون قطرة من نقد أو عتاب، بل إن عدداً من النقاد والمؤرخين رأوا أن ثمة في تصوير روسليني لشخصية لويس الـ14 ما يقارب بينهما إلى درجة مقلقة، من منطلق أن الفيلم تبنى كل ما رواه عن الملك من دون أية ملاحظة أو أي عتاب، مع أن ما رواه عنه كان من شأنه أن يثير عواصف من المواقف المستنكرة من الناحية التاريخية في الأقل. ففي نهاية الأمر أتى الفيلم متطابقاً تماماً مع عنوانه، بالنظر إلى أن الجزء الأكبر من حبكته ينصب تحديداً على تلك اللحظة التي تمكن فيها الملك الشاب حينذاك من أن يصل إلى سدة سلطة كانت منيعة عليه لصغر سنه (23 سنة)، ولتشابك الظروف السياسية في فرنسا عند بدايات القرن الـ17، زمن استيلائه على سلطة كانت من حقه في الأقل، لكن كان مازارين، الحاكم الحقيقي للبلاد ممسكاً بها بقوة في وجه منافسين أقوياء لانتزاعها منه، معتبرين الملك الشاب مجرد متفرج لا يهمه سوى الصيد ولعب الورق وإقامة الحفلات الصاخبة في القصر الملكي. ومن هنا إذا كان الفيلم يفتح على الأيام التي بات فيها مازارين على وشك أن يموت ويبدو الحكم متأرجحاً بين عمالقة السياسة والمال، من دون أن يعبأ أي منهم بالملك الشاب، ولا أمه النمسوية التي كانت تبدو يائسة من فرضه على العرش حقاً، وبالفعل لا كصورة ومجرد رمز، فإنه، أي الفيلم، سينتهي بعد ساعتي عرضه على الملك وقد أمسك بالحكم تماماً، لكنه جالس الآن وحيدا يقرأ “أمثال” الكاتب لا روشفوكو التي تعلم القارئ كيف لا يمكنه أن يحيا وينجح إن لم يكن لئيماً. ولعل روسليني يختصر لنا في تلك اللقطات ليس مسار الملك وحده، بل مساره هو الشخصي!

مصير ثروة طائلة

ومهما يكن من أمر هنا، كان من الأمور ذات الدلالة أن يفتتح روسليني فيلمه – الأمين تماماً على أية حال للواقع التاريخي الذي اتبعه بحذافيره، لكن قوته تبدت طبعاً في مختاراته من ذلك التاريخ – ليس على الملك الشاب، إنما على الكاردينال مازارين، وهو يعيش آخر أيام وليالي حياته، ويفخر بأنه جمع في تلك الحياة ثروة جعلته أغنى رجل في فرنسا، ومكنته من أن يحكم قبضته على البلاد والعباد بما فيهم الملك نفسه.

واليوم ها هي الكنيسة تبعث إليه كبار قادتها لمجرد أن تعرف من سيحصل على ثروته بعد رحيله، وفي الوقت نفسه يكون الأطباء راحوا يفحصون الكاردينال ليتبين لهم أنه راحل لا محالة والأحرى بالكنيسة أن تعجل من المهمة التي أخذتها على عاتقها. المهم، يتخذ هنا القرار بأن تؤول الثروة للملك، ولكن حين يجتمع الأحبار به يرفض معلناً أن الأموال يجب أن تعطى للدولة، لكن الدولة في رأي مازارين يجب أن توضع تحت سلطة فوكيه وزير المال الذي سيقول مازارين للملك في لقاء معه أن عليه أن يعهد إليه بالحكم تحت سلطته، بيد أن الفيلم سرعان ما يكشف لنا عن أن للملك مخططات أخرى لا يفاتح بها حتى ولا أمه التي تراقبه بقلق. ولاحقاً يطلب الملك من وصيفته الخاصة أن تنتقل الآن للنوم ليلها في قصر مازارين لمجرد أن تخبره، إذ ترصد سكنات هذا الأخير وحركاته، بأن ساعته حانت. وذلك، كما سنعرف على الفور من خلال الفيلم، لأن لويس مدرك تماماً بأن عليه أن يقوم بـ”انقلابه” في الدقائق التالية مباشرة لموت مازارين، وإلا سيتكالب عليه كبار الدولة ويحدون من تطلعاته، ويبقونه أسير الصيد والقمار والحفلات وإلهائه ببناء القصر المنيف في فرساي.

ففي الحقيقة يبين لنا الفيلم هنا أن طموحات الملك أكبر كثيراً مما نعتقد، بل حتى مما تعتقد أمه، أو مما اعتقد مازارين الذي كان من كبار محبيه على أية حال. غير أن لويس لم يكن يثق إلا بنفسه ويضع مخططاته وحيداً لتتضمن إصلاحات في المملكة وصلابة في المواقف وتساهلاً في المسرح والفنون، جميها لن تنكشف تاريخياً إلا لاحقاً بعد إمساكه حقاً بالسلطة وذلك في الساعات، بل الدقائق والثواني التالية لعلمه من خلال رصد وصيفته بأن مازارين أسلم اللوح. فهو يفعل هذا كله بدهاء يطرح الفيلم مليون سؤال حول كيف جاءه ومن أين جاءه، هو الذي كان الكل لا يتحدثون إلا عن طيبته وبساطته.

خبطة رجل وحيد

فالحال أن لويس وبعد منتصف الليل، كما يصور لنا الفيلم، يجمع مجلس الدولة حتى قبل أن يعلم أي من أعضائه برحيل مازارين، ليخبرهم هو بما ستكون عليه الأمور، ومن بينها وفي مقدمها اعتقال فوكيه نفسه وتسلم الدولة لإرث الراحل. وما ستكون عليه الأمور ليس سوى إمساك الملك بمقاليد الحكم تماماً ممارساً ليس فقط حقه الشرعي، بل واجبه تجاه البلد والشعب. وطبعاً يسقط في يد الجميع، ولا يكون أمام أي واحد من الكبار أية فسحة من الوقت لإحداث أي تغيير في ما سيبدو عفو خاطر من لدن الملك، ولكن سيفهم الجميع أنه إنما كان يخطط لذلك كله غير مستشير سوى كتاب لاروشفوكو الذي كان جعل منه باكراً دليله إلى الحكم والنجاح. غير أن الفيلم ينتقل في قسمه الأخير نحو عقدين من السنين قدماً في الزمان، ليرينا الملك بعد النجاحات الضخمة التي حققها، جالساً وحده يقرأ عبارات محددة من الكتاب نفسه ويرددها بصوت عال، في نوع من لقطة أحجية لعلها اللقطة الأكثر ذاتية في الفيلم كله، وربما أيضاً في تاريخ روبرتو روسليني نفسه، السينمائي الذي حين نتحدث عن الذاتية هنا، فإننا نعني ذاتيته.

المزيد عن: روبرتو روسلينيالملك لويس الرابع عشرفرنساالسيما الإيطاليةتيار الواقعية الجديدةجان لوك غودار

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili