شاه إيران محمد رضا بهلوي (من الكتاب - دار صفصافة) ثقافة و فنون “ستموت في القاهرة” رواية عن شاه إيران وصراعاته by admin 11 ديسمبر، 2024 written by admin 11 ديسمبر، 2024 23 حميد رضا صدر يكتب سيرة شاملة ويرصد الوقائع السياسية والعسكرية والاجتماعية معتمدا المرويات الثابتة والأرقام والتواريخ اندبندنت عربية / شريف الشافعي كاتب وصحافي يختلف قارئ الرواية عن دارس التاريخ وفلسفته جذرياً في تطلعاتهما إلى قراءة عمل يتعلق بشخصية حقيقية بارزة، من المؤثرين في أحداث هذا العالم. فمتلقي الرواية، المنحاز بطبعه إلى الجمالي، ينشد التخييل والتشويق والمتعة والدهشة، وأسرار الصراعات البشرية، والمكابدات الذاتية الداخلية، وترددات المشاعر الوجدانية المتأرجحة بين حالات شتى، إلى آخر هذه التفاصيل التي تستهدف الغوص تحت الجلد، وتسكتشف الأبعاد الإنسانية والأعماق الكامنة وراء سطح الأحداث. الرواية بترجمتها العربية (دار صصفصافة) أما دارس التاريخ وفلسفته، الممسك بزمام العقل، فإنه يبحث بالضرورة عما يرضي قناعته من الوقائع الموثقة ذات الصدقية العالية، والمعلومات الأمينة، والأفعال الثابتة المنسوبة إلى الشخصية محل البحث. وهو يتقصى أيضاً دوافع هذه الأفعال ومبرراتها ودلالاتها ونتائجها، سعياً إلى استنباط مفاتيح الشخصية وتحليلها وتقييمها فوق ميزان الموضوعية والحُكم الرشيد المحايد. وتبدو رواية “ستموت في القاهرة” (دار صفصافة، 2024) في تناولها حياة محمد رضا بهلوي (1919-1980)، آخر شاه (ملك) يحكم إيران قبل اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979، وكأنها أرادت إمساك العصا من المنتصف، فهي تتخذ سمة الرواية وبنيتها وصياغتها وتستعين بلغتها وأدواتها وعناصرها، ولكنها لا تبلغ الدرجة المأمولة في التعبير عن ذاتها كرواية محبوكة ناضجة، على رغم محاولتها المستفيضة الجادة سبر أغوار الشخصية وإخراج مكنوناتها. الطابع الازدواجي وعلى الجانب الآخر، فإن الرواية تكاد تترك اللجام تماماً في يد المحرك التاريخي، ليبحر كيف يشاء في التحرير المذكراتي الألبوماتي للوقائع والصور، السياسية والعسكرية والاجتماعية وغيرها، وذلك بالرجوع إلى المرويات الثابتة والأرقام والتواريخ، مما يجعل الرواية بمثابة مرجع شامل لمرحلتها الزمنية، والأحداث المهمة فيها، منذ اعتماد الطفل محمد رضا بهلوي ولياً للعهد، مروراً بتتويجه إمبراطوراً للبلاد، وصولاً إلى محاولات اغتياله المتكررة، والثورة ضده، وإرغامه على مغادرة البلاد بعد اضطرابات عنيفة، وموته في المنفى ودفنه في مسجد الرفاعي في القاهرة “أنت سوف تخلد إلى النوم الأبدي في الساعة التاسعة والدقيقة الـ45 من يوم الـ27 من يوليو (تموز) عام 1980، وستُدفن بعد ذلك بيومين، عن عمر يناهز 61 سنة”، مثلما يحكي الصوت الوحيد السارد في الرواية. شاه إيران والأميرة فوزية (من الكتاب) ولعل ذلك الطابع الازدواجي لـ”ستموت في القاهرة” يعود إلى طبيعة مؤلفها الكاتب الإيراني حميد رضا صدر (1956-2021)، فهو ليس روائياً فقط، وإنما هو مؤرخ ومتخصص اقتصادي وصحافي أيضاً، مما أثر في مجهره المركب الذي يتفاعل به مع شخصية شاه إيران محمد رضا بهلوي، درامياً وتاريخياً في آن، عبر أكثر من 350 صفحة، مقسمة إلى مجموعة من اليوميات. وقد صدرت حديثاً الترجمة العربية للعمل عن دار “صفصافة” في القاهرة، بترجمة العراقي غسان حمدان، عن اللغة الفارسية. أبجديات التوظيف يوظف مؤلف “ستموت في القاهرة” التقنيات الروائية لخدمة التاريخ، أكثر من توظيفه المعطيات التاريخية لخدمة الفن الروائي. تأتي الأحداث كلها على لسان راوية عليم، وهذا الراوية ملتصق دائماً بمحمد رضا بهلوي الملقب بشاهنشاه (ملك الملوك)، ويوجه حديثه إليه بضمير المخاطب “أنتَ فعلتَ كذا، أنتَ علمتَ كذا”، وكأنما هو يحدث نفسه من خارجها على طوال الخط، ولا يبتعد أبداً عن المشهد. ولكن هذا الراوية العليم قد يسرد أيضاً لمحمد رضا بهلوي أحداثاً لا يكون حاضراً فيها شاه إيران، تتعلق بمؤامرات وصراعات سياسية مثلاً أو بزعماء العالم في أميركا وبريطانيا والاتحاد السوفياتي السابق. وإضافة إلى ذلك، فإن الراوية العليم لديه القدرة على التنبؤ بوقائع تاريخية سوف تحدث في الحقيقة فعلاً، ويحكيها لشاه إيران قبل وقوعها بأعوام في سياق اللعبة الزمنية التي تنتهجها الرواية. ذكريات الفرح (من الكتاب) تنقسم الرواية إلى مجموعة من اليوميات القصيرة المؤرخة، بداية بالـ18 من مارس (آذار) 1965 حتى الـ21 من مارس 1966. وعلى رغم هذا التتالي الزمني المخادع لليوميات، فإن الراوية العليم من حقه في كل يومية أن يحكي لشاه إيران عن أحداث معاصرة متصلة بذلك التاريخ، أو أحداث ماضوية قديمة تستدعيها ذاكرته، أو أحداث مستقبلية لم تحدث بعد، ومنها الحدث المستقبلي الذي تتخذه الرواية عنواناً “ستموت في القاهرة”، في إشارة إلى معرفة الراوية العليم بموعد موت شاه إيران غريباً في منفاه، وتفاصيل جنازته المهيبة في القاهرة بحضور الرئيس المصري السادات والرئيس الأميركي نيكسون ووزير خارجيته كيسنجر ومجموعة من زعماء العالم. هذه الملامح والمفردات والحيل الروائية كلها يستغلها الراوية العليم لينطلق في الاتجاهات كلها، سارداً كل شيء حدث، في أي وقت وأي مكان، ومستدعياً كل ما يتعلق بشاه إيران محمد رضا بهلوي منذ مولده حتى وفاته، بل قبل مولده في عهد والده رضا بهلوي. ويندرج ضمن هذه الاستدعاءات التاريخية الزاخمة ما هو شخصي في حياة محمد رضا بهلوي (ميلاده، طفولته، تعليمه الفارسي والفرنسي، مراسم زيجاته الثلاث من الأميرة فوزية ابنة ملك مصر فؤاد الأول شقيقة الملك فاروق الأول، والملكة ثريا بختياري، والملكة فرح ديبا، علاقاته بأشقائه وشقيقاته وأبنائه… إلخ). كما يندرج ما هو عام في مسيرته كحاكم للبلاد (شؤون الحكم والإدارة، الأوضاع السياسية الداخلية، إلغاء الأحزاب، إعادة البوليس السري، قمع الحريات ومواجهة المعارضة والاضطرابات، مواجهة الحركات اليسارية ورجال الدين الشيعة وعلى رأسهم آية الله الخميني، العلاقات الخارجية مع القوى الدولية المتصارعة خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها، العلاقات مع الدول العربية مثل مصر الملكية الصديقة لإيران في عهد الملك فاروق والعدوة في عهد جمال عبدالناصر، والسعودية والأردن الشبيهتين بإيران من جهة الطموح الملكي… إلخ). النسيج المتوقع صفحات من الماضي (من الكتاب) تصب تلك التقنيات الروائية جميعها في نهر التاريخ المتدفق، الذي لا يكاد يغادر صغيرة ولا كبيرة من حياة شاه إيران وعلاقاته وسياساته ومعاركه والمؤامرات التي حيكت لاغتياله، إلا أحصاها. وهذا يُحسب للكتاب، من جهة المعرفة الموسوعية والإحاطة التامة بسيرة محمد رضا بهلوي، الذي نودي به وريثاً للعرش عام 1926 خلفاً لوالده رضا بهلوي، وامتد حكمه كآخر شاه إيراني ما بين عامي 1941 و1979، وكانت نهايته مع الثورة الإسلامية التي نشبت ما بين السابع من يناير (كانون الثاني) 1978 والـ11 من فبراير (شباط) 1979 “أنتَ، إمبراطور إيران، ستستمر في الحكم 66 يوماً فقط بعد وضع رئيس وزرائك في السجن. وستغادر إيران مع أسرتك بعد 66 يوماً. وستقول وداعاً لهذه التربة في صباح الـ16 من يناير (كانون الثاني) 1979. سترحل إلى الأبد”. وعلى النقيض من تغذية نهر التاريخ بمعين لا ينضب، فإن المؤلف حميد رضا صدر لا يحفر طويلاً في تعزيز الفن الروائي المستمد من الخلفيات التاريخية. وهو لا يغفل التعامل الواعي مع شاه إيران كشخصية درامية، تخلو إلى نفسها، وتنقسم ذاتياً، وتتصارع داخلياً، وتفكر وتقرر وتتراجع، وتحب وتكره، وتفرح وتحزن، وتقلق وتخاف، وتقف أمام المرآة للمراجعة والمحاسبة والاعتراف والتطهر، إلى آخر هذه التجسدات الإنسانية والفنية للشخصية. هو لا يغفل ذلك كله، ولكن المشكلة أن هذا النسيج الروائي الذي يصنعه المؤلف يأتي دائماً جافاً وذهنياً وجاهزاً ومقولباً، حتى في اللحظات الخطرة والعصيبة التي تتطلب حرارة وحيوية وتفجراً، وذلك لأن آلية الراوية العليم الذي يوجه خطابه إلى شاه إيران على مدى العمل كله هي آلية نمطية غير قادرة على إنتاج مساحات خلاقة تكسر أفق التوقع “تستعرض أسماء القتلى والمصابين والناجين، ثم تفكر في مؤسساتك الأمنية، في أولئك الذين يجب أن يحموك، أولئك الذين يجب أن يمتثلوا لأوامرك. وتفكر في السافاك، السافاك، السافاك، وهو جهاز الأمن والاستخبارات في الدولة. إنه جهازك الذي عجز عن حمايتك في قصرك، جهاز بتقارير لا نهاية لها، وبسجلات لا تعد ولا تحصى، وبملفات سميكة. ومع كل ذلك، وصل أحد جنودك، ووجه إليك سلاحه الرشاش”. أسلحة معطلة وهكذا، على سبيل المثال، ففي المشهد الذي يُفترض أنه يحبس الأنفاس، إذ يتملك فيه الفزع شاه إيران، ويتوقع الغدر والقتل والعُزلة بعد أعوام البأس والعنفوان والصولجان، فإن دارس التاريخ الذي ينتظر المعلومات المجردة هو وحده الذي يجد ضالته، في حين أن قارئ الرواية الذي كان يرتقب خلخلة الأرض من تحت قدمه، لا يجد إلا القول العقلي المعد سلفاً “لقد حان الليل، وجاء إليك كابوس رجال حرب العصابات المختبئين في الزوايا والجوانب. أتى إليك كابوس الجمعيات السرية، والجماعات السرية المسلحة، والمقاتلين الفدائيين، والجمعيات والفصائل التي كانت موجودة دائماً قربك. جمعيات ومجاميع لرسم المخططات، وحبك المؤامرات، والتآمر والقتل، ولتحضير المسدسات والبنادق، لاستهداف المسؤولين والكبار، لقتلكَ، أنت”. وتمضي المشاهد كلها على الوتيرة نفسها، ففي مواقف الاعتبار ومراجعة الذات مثلاً إزاء تعرض شاه إيران لمحاولة اغتيال فاشلة بيد أحد جنوده في قصره الملكي، يخاطبه الراوية العليم باللهجة المنطفئة نفسها أيضاً، التي تشبه الأسلحة المعطلة أو الرصاصات التي أخطأت هدفها “أنتَ خائف، تخاف من الموت، ترى 26 رصاصة مغروسة في جدران قصرك المنحوتة، ترى أحجار الرخام المتحطمة في قصرك، وترى أعمال التجصيص والتبييض والنجارة المتهشمة والنقوش المعدنية المثقوبة في قصرك، وترى الدم المرشوش على أحجار الرخام البيضاء في قصرك، وتشعر برائحة البارود، البارود، البارود. ترى رضا شمس آبادي، أحد جنودك وهو يصوب بندقيته الآلية نحوك، مستهدفاً قائده، أي أنت، ملكه. تقول لنفسك: ألم يكن التاريخ هكذا دائمًا؟ ألم يكن الأصدقاء هم الذين أوقعوا أفعل الطعنات؟”. المزيد عن: شاه إيرانسيرةالثورة الإيرانيةروايةوقائعسياسةالعسكرالمجتمعالتحولاتالصراعات 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post الأردن ينتظر تحرير معتقليه من السجون السورية next post كيف سينجو الجيش اللبناني من “فخاخ الجنوب”؟ You may also like بول شاوول يكتب عن: التجديد المسرحي العربي في... 11 ديسمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: طبق نحاسي من موقع... 11 ديسمبر، 2024 شوقي بزيع يكتب عن: قصة «أيمن» الحقيقي بطل... 11 ديسمبر، 2024 دي ميرابو… مع الثورة ولكن أليست الملكية أعدل؟ 10 ديسمبر، 2024 كيف تثبت الروايات القصيرة مكانتها في الأدب الإنجليزي؟ 10 ديسمبر، 2024 ندى حطيط تكتب عن: نحو تاريخ ثقافي لـ«أوراق... 10 ديسمبر، 2024 آخر كبار ثوريي ستينيات السينما الألمانية يفضل اعتباره... 9 ديسمبر، 2024 الرغبة الإنسانية في عدم المعرفة بين جهل ومراوغة 9 ديسمبر، 2024 جيف نيكولز: صانع الأفلام يقرر كيف وليس ماذا... 9 ديسمبر، 2024 الكتب رفيقة العزلة بمحتوياتها وملمسها ورائحة ورقها 9 ديسمبر، 2024