الثنائي العاشق سارتر ودوبوفوار (من الكتاب) ثقافة و فنون سارتر وبوفوار ومفهوم الكتابة جنباً إلى جنب by admin 14 أكتوبر، 2024 written by admin 14 أكتوبر، 2024 45 الباحثة إستير دومولان تبحث عن المجهول في العلاقة بين الشخصيتين اندبندنت عربية / مارلين كنعان أستاذة الفلسفة والحضارات، كاتبة وباحثة @MARLKANAAN قد يشك القراء المهتمون بسيرة الكاتبة والمفكرة الفرنسية والفيلسوفة والناشطة النسوية سيمون دو بوفوار، وسيرة الفيلسوف الوجودي والروائي والكاتب المسرحي والناقد الأدبي والناشط السياسي الفرنسي جان بول سارتر في إمكان ظهور معلومات جديدة ترتبط بالعلاقة بينهما. وعلى رغم ذلك تتطلع الباحثة إستير دومولان في كتابها الصادر حديثاً عن دار “لي إمبرسيون نوفيل”، “بوفوار وسارتر. الكتابة جنباً إلى جنب” إلى استكشاف أمور بقيت في الظل، تتعلق بكيفية سير العلاقة الأدبية بينهما. يتجنب الكتاب منزلقين: التفكير في العلاقة من حيث تأثير أحدهما على الآخر، والتفكير في العلاقة من حيث اعتبارها مجرد تعاون بين كاتبين، لينطلق من فرضية جديدة مفادها أنه ثمة خصوصية في علاقة هذا الثنائي تتخطى الصداقة والعلاقة العاطفية والشراكة الأدبية، ذلك أن العادات المشتركة بين بوفوار وسارتر حملتهما على تأسيس وتقاسم مكتبتهما، وعلى تبادل قراءة ومراجعة كثير من نصوصهما، وعلى كتابة التجارب الوجودية التي عاشاها معاً. مع ذلك، لم يرغب كل واحد منهما المشاركة في كتابة كتاب مع الآخر، بل أكدا دوماً في مقابلاتهما التلفزيونية والإذاعية والصحافية على فرادة أعمال كل واحد منهما. هذا بالضبط ما يستكشفه كتاب إستير دومولان، الذي يحاول تقديم قراءة جديدة للعلاقة بين أشهر ثنائي أدبي وفكري في القرن الـ20. تقول لنا دومولان وهي باحثة في الأدب والدراسات الجندرية، وأستاذة محاضرة في جامعة “باريس سيتي” إن العلاقة بين سارتر وبوفوار كانت متحررة على الصعيد الأدبي، وإن استقلالية كل واحد منهما لم تكن لتتحقق من خلال تخصيص “غرفة نوم بكل واحد منهما”، بل من خلال تكوين “ثنائي خاص جداً”، يكشف كتاب دومولان عن فرادته الأدبية. فعلى عكس عديد من الكتابات التي تناولت هذا الثنائي الأدبي الأشهر في فرنسا، لا تهتم إستير دومولان بالمقارنة بين شهرتهما ولا بتأثير كل واحد منهما على الآخر، ولا حتى بعدم التوازن المحتمل في علاقتهما، بل تختار دراسة تاريخ رفقتهما لوصف علاقة أدبية وعاطفية تتبع قاعدة بسيطة للغاية تظهر في الوقت عينه الارتباط العاطفي والاستقلالية بينهما. يراهن هذا الكتاب إذاً، وهو في الأساس أطروحة دكتوراه أعدتها وناقشتها الكاتبة في جامعة السوربون تحت إشراف جان – فرنسوا لويت، على تقديم دراسة حول كيفية عمل هذا الثنائي الأدبي المكون من بوفوار وسارتر انطلاقاً من تعريف للثنائي الأدبي، الذي يقع ههنا على تقاطع المجال الأدبي والعلاقة العاطفية، وهو مكان توتر بين التعاون والمواجهة، انطلاقاً من أساليب الكتابة والمواقف التي يتبناها الكاتبان. التعاون والتنافس يقع الكتاب في أربعة أقسام، تحلل دومولان في القسم الأول دينامية التعاون والتنافس بين سارتر وبوفوار، مركزة على عمليات الإبداع والترويج لمؤلفاتهما ورد فعل القراء عليها. أما في القسم الثاني، فتهتم بالكشف عن التعاون الخفي بينهما في إعادة قراءة وكتابة أعمالهما الأدبية، لتتوسع في دراسة هذا التعاون على مستوى كتابة السيرة الذاتية، مثيرة مجموعة من الأسئلة تحاول الإجابة عنها في القسم الثالث. القسم الرابع والأخير من الكتاب يضع الروايات السارترية في حوار مع كتاب “الجنس الآخر” لبوفوار ومع الحركات النسوية في الستينيات والسبعينيات من القرن الـ20. انطلاقاً إذا من دراسة الثنائي الأدبي الذي شكله سارتر مع بوفوار، يعالج الكتاب الإشكاليات الآتية: هل يعني التحدث عن “ثنائي أدبي” وجود ارتباط بين الطرفين قائم حصراً على الأدب؟ هل يجب التفريق بين ثنائي أدبي وثنائي مؤلف من كاتبين؟ هل ثمة مجازفة في النظر إلى الثنائي الأدبي كحالة خاصة من الصداقة الأدبية؟ ولئن كان الأمر كذلك، ما الأدوات الجندرية التي يمكن اللجوء إليها لفهم علاقات التعاون والسيطرة التي تعمل في هذا النوع من الثنائيات؟ يحلل كتاب دومولان بأسلوب مباشر وتفصيلي التأثير المتبادل بين سارتر وبوفوار وتحالفهما الفكري الذي يتجلى بوضوح في قراءتهما الدائمة لنصوص أحدهما الآخر قبل نشرها، لكن تحليلاتها لكتاباتهما قادتها للاعتراف بأصالة وتفرد كل واحد منهما على الصعيد الفلسفي والأدبي. فتقول لنا إنه منذ تعارفهما سنة 1929 وارتباطهما على امتداد أكثر من 50 عاماً وتشاركهما تفاصيل الحياة والأفكار والنضالات، ملهمين بعضهما بعضاً ومتعاونين باستمرار، تمتع كل واحد منهما باستقلالية تامة. فلم يكن ثمة كتابة مشتركة بينهما، علماً أن أعمالهما ظلت مرتبطة بعمق. يوضح الكتاب هذه الاستقلالية من خلال دراسة نماذج من النصوص الروائية أو الذاتية التي وضعها الكاتبين مظهراً التداخل بينهما، وفي الوقت عينه، فرادة كل عمل وقعه أحدهما. يقع هذا الكتاب على تقاطع علم اجتماع الثنائي والدراسات الجندرية وعلم اجتماع الأدب، ويقدم لنا تعريفاً جميلاً لمفهوم الثنائي الأدبي كلقاء بين مطالب متناقضة جزئياً، كالتعاون في العلاقة العاطفية من ناحية، والتفرد في المجال الأدبي من ناحية أخرى مما يجعل الثنائي الأدبي مؤسسة فريدة من نوعها تتيح للدارس فهم ومقاربة التغيرات في مواقف كل من جان بول سارتر وسيمون دو بوفوار من أربعينيات القرن الـ20 إلى سبعينياته. الكتابة والعلافة الحميمة يتوقف الكتاب كذلك أمام فعل الكتابة الخاص ببوفوار وسارتر الذي تحاول إستير دومولان التوضيح أنه مرتبط بالعلاقة الحميمية بينهما، وأنه لا يمكن فصل هذه العلاقة عن الكتابة، ولو كانت فردية. صحيح أن بوفوار وسارتر لم يسكنا معاً، ومع ذلك تشاركا قراءة الكتب نفسها، وكونا لغة مشتركة ظهرت جلياً في أعمالهما. تقول الباحثة إنهما كانا يصححان مسودات بعضهما بعضاً يومياً وفق طقوس كتابية تكونت داخل العلاقة التي جمعت بينهما. ولعل هذه الخصائص لا تظهر بالقوة نفسها لدى صديقين أو شقيقين يشتركان في عملية الكتابة. في هذا الصدد، ينشغل الكتاب بالإجابة عن بعض الأسئلة المتفرعة عن الإشكالية الأساسية كالحديث عن دور بوفوار في صياغة وتطوير المفاهيم الوجودية، وعن موهبتها الأدبية في مواجهة الفكر الفلسفي. تشدد دومولان على أن بوفوار بعد قراءتها رواية “الغثيان” هي التي اقترحت على سارتر التخلي عن جانب المعالجة الفلسفية لمصلحة إثارة الغموض كما في الرواية البوليسية، في حين أن سارتر هو الذي شجع بوفوار على التخلي عن كتابة روايات تتناول السير الحياتية لمصلحة السيرة الذاتية. يركز كتاب “بوفوار وسارتر. الكتابة جنباً إلى جنب” على قراءة أعمال سارتر وبوفوار بطريقة متقاطعة ومرتبة زمنياً. فهو قريب من النصوص منتبه للأصداء والتكرار. يستند على معلومات كثيرة من علمي الاجتماع والتاريخ والعلاقات الزوجية بغية فهم التوترات الموجودة في علاقة الكاتبين الكبيرين المتأرجحة بين التعاون الحقيقي والرفض الواضح للكتابة المشتركة في ممارسة حرة للنشاط الفكري. تؤكد دومولان أن سارتر وهب بوفوار شخصية ثانية وعلمها الهوس بالأدب والعطش إلى المعرفة، وأن بوفوار منحته الحب، بعيداً من فكرة الزواج التي كانت تضايق كليهما وأنهما تفرغا للقراءة بصورة مهولة، وتعلما كل شيء عن البلاد الأخرى من خلال آدابها، وأنهما جالا في مدن وعواصم العالم، وشملت اهتماماتهما الأدبية كتاباً عظام أمثال جيمس جويس وفرجينيا وولف وإرنست هيمنغواي ووليم فوكنر وفرانز كافكا وماركس وغيرهم. خلافاً لعديد من الدراسات التي تناولت هذا الثنائي الأدبي والفكري، تكمن أهمية كتاب “بوفوار وسارتر. الكتابة جنباً إلى جنب” في أنه لا يهتم بمقارنة شهرتهما ولا يدرس تأثير أحدهما في الآخر، ولا يقارب عدم التوازن المحتمل في علاقتهما، بل يختار أن يسرد تاريخ رفقتهما من خلال وصفه لعلاقتهما الأدبية والعاطفية، والتي تتبع على ما تقول الباحثة قاعدة بسيطة هي قاعدة “الظهور والاختفاء”، بحيث يمثل “الظهور” الانصهار العاطفي، ويمثل “الاختفاء” التمسك بالفردية، كاشفة عن آلية خاصة جداً جعلت من العلاقة التي جمعت بين بوفوار وسارتر مساحة أدبية حقيقية. المزيد عن: سارترسيمون دو بوفوارالفلسفةالثنائيالحبالوجوديةالروايةالحياة المشتركةالتعاون 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post كيف أصبح القص بدعة والجلوس إلى القصّاص كفرا؟ next post البحث عن الهوية في روايات القائمة القصيرة لجائزة الكتاب الألماني 2024 You may also like اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024 فيلم “مدنية” يوثق دور الفن السوداني في استعادة... 21 نوفمبر، 2024 البلغة الغدامسية حرفة مهددة بالاندثار في ليبيا 21 نوفمبر، 2024