السبت, أبريل 12, 2025
السبت, أبريل 12, 2025
Home »  سؤال “الضمير” الفلسفي الذي باغت “مايكروسوفت” في عقر دارها

 سؤال “الضمير” الفلسفي الذي باغت “مايكروسوفت” في عقر دارها

by admin

 

غضبة المهندسة المغربية قد تكون شعبوية إلا أنها ذكرت بمأزق الذكاء الاصطناعي وقبل ذلك “محكمة القلب” التي حاولت الأمم المتحدة تخليد مرافعاتها بيوم عالمي خجول

اندبندنت عربية / مصطفى الأنصاري كاتب وصحافي @mustfaalansari

في الخامس من أبريل (نيسان) كل عام يحتفل العالم بـ”الضمير“، في مبادرة أطلقتها الأمم المتحدة عام 2019 لتعزيز السلام والمسؤولية الأخلاقية، مستلهمة المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على أن “جميع الناس يولدون أحراراً ومتساوين… وعليهم أن يعاملوا بعضهم بروح الإخاء”.

وبينما كادت تلك المناسبة تمر هذا العام مسرعة، قررت موظفة مغربية في “مايكروسوفت” أن تحييها على طريقتها، عندما نصبت ابتهال أبو السعد للشركة الفخ في مناسبة ذكراها الـ50 وفجرت جدلاً كان طاغياً من الأساس حول “أخلاقيات الذكاء الاصطناعي”، في احتجاج يتجاوز موضوع فلسطين وغزة إلى دلالات رمزية أكثر عمقاً، ظلت موضع بحث ونقاش المهتمين في قمم التقنية والدفاع والفضاء ضمن الغرف المفتوحة والمغلقة، وقبل ذلك الفلاسفة عبر العصور.

لغة “مولاي يوسف” وهارفرد؟

ففي وقت يفترض أن يتذكر العالم ضميره الجمعي، يبدو أن هذا الصراع الداخلي في قلب إحدى أكبر شركات التكنولوجيا يكشف عن تناقض صارخ بين المثل العليا والواقع المادي. ربما كان الظرف “الزمكاني” هو ما جعل احتجاج ابتهال يتردد صداه بقوة حول العالم، كأنها صوت الضمير الذي يصرخ في وجه الآلة الصناعية، حتى وإن جاء بصورة يراها البعض شعبوية لا ترقى لرصانة ابنة هارفرد وخريجة مدرسة مولاي يوسف العريقة، التي عرفت بنجابة خريجيها من الأمراء والنوابغ بوصفها من ملحقات القصر الملكي في الرباط وعلى بضع أمتار من “بوابة السفراء” فيه، مما يوحي بأنها إحدى مصانع الدبلوماسيين والسفراء والنخب للدولة الملكية عميقة الجذور في أقصى المغرب العربي.

اشتهرت المدرسة العريقة في المغرب بتخريجها النخب(ويكبيديا)

 

لكن التصفيق العالمي الحار للموظفة ولا سيما من جانب العرب لا يبالي بكل ذلك، فهو جاء رد فعل تلقائياً نحو أي موقف يظهر، كما لو أنه ضد العدوان الإسرائيلي الغاشم على الفلسطينيين في غزة، حتى وإن كان في صورة غير حضارية أو يزيد الطين بلة، على نحو مما كان التصفيق لآخرين مثل الصحافي العراقي منتظر الزيدي الذي هوى بفردة حذائه على الرئيس الأميركي السابق جورج بوش نقمة على غزو بلاده الدامي للعراق، وهو تأييد واكب العرب بمثله وأشد أحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول) وقبلها الـ11 من سبتمبر (أيلول) في أميركا، إلا أن العواقب تبين أنها على غير ما كانوا يظنون.

ليس واضحاً حتى الآن ما إذا كان الأمر كذلك –مع الفارق- بالنسبة إلى غضبة الموظفة المغربية وتداعيات ذلك على صورة العرب والمسلمين في مجتمعات التقنية المؤثرة في الغرب، إلا أن توجه الاحتجاج إلى زميلها من أصل عربي هو الآخر ربما يقلل من تلك التداعيات، فالمزايدات على المسلمين واستغلال مواقف الأفراد لتوزيع النقمة على المجاميع لا حدود لها.

بل حياة “الضمير” نفسه كانت بصورة أو أخرى من صنع المجتمع وامتيازاته وفرصه وفق ما يحاول الباحثون تصويره، إلى حد يجعل البعض يشير إلى أن المهندسة خاطبت الشركة باللغة التي اكتسبتها من ثقافتها الداخلية والمحيطة في المجتمع الأميركي الحر، وهذا يلتقي مع نظريات فلاسفة مثل “كانط” على سبيل المثال يرون الحرية هي جناح الواجب الأخلاقي، وأن “الضمير يغني فقط حين يطير بعيداً من قفص الضرورة”، أو الإكراهات بلغة المغاربة.

ماذا رأت المهندسة خلف الكواليس؟

وكانت المهندسة المغربية أبو السعد قاطعت الرئيس التنفيذي للذكاء الاصطناعي مصطفى سليمان خلال احتفال الشركة بالذكرى الـ50 لتأسيسها، احتجاجاً على تعاون الشركة مع الجيش الإسرائيلي. وهاجمت سليمان قائلة “عار عليك… تزعم أنك تستخدم الذكاء الاصطناعي من أجل الخير، لكن ’مايكروسوفت‘ تبيع أسلحة ذكاء اصطناعي للجيش الإسرائيلي… 50 ألف إنسان قتلوا و’مايكروسوفت‘ تسهم في الإبادة الجماعية داخل منطقتنا”. وواصلت وهي تخرج من المكان “أنتم تجار حرب، أوقفوا استخدام الذكاء الاصطناعي لارتكاب الإبادة في منطقتنا”.

وقالت في رسالة وزعتها على زملائها قبيل الاحتجاج على الأرجح وقبل أن يتعطل حسابها على الشركة، إن عملها في “مايكروسوفت” أسهم في “تجسس الجيش الإسرائيلي على المدنيين، بما في ذلك الصحافيون والأطباء وعمال الإغاثة”. وقالت أبو السعد “لم أُبلغ بأن ’مايكروسوفت‘ ستبيع عملي للجيش والحكومة الإسرائيليين بهدف التجسس على الصحافيين والأطباء وعمال الإغاثة وعائلات مدنية بأكملها وقتلهم، لو كنت أعلم أن عملي سيساعد في التجسس على المكالمات الهاتفية ونسخها لاستهداف الفلسطينيين بصورة أفضل لما انضممت إلى هذه المنظمة، وأسهمت في الإبادة الجماعية. لم أوقع على كتابة شيفرة تنتهك حقوق الإنسان”.

وقالت في رسالتها نقلاً عن تحقيق لوكالة “أسوشيتد برس” إن هناك “عقداً بقيمة 133 مليون دولار بين الشركة ووزارة الدفاع الإسرائيلية لتزويد الأخيرة ببرامج ذكاء اصطناعي، من بينها تقنيات للتجسس على صحافيين وأطباء”.

واختتمت بأسئلة وجهتها لموظفي الشركة “بغض النظر عن مواقفكم السياسية، هل هذا هو الإرث الذي نريد أن نتركه وراءنا؟ هل العمل على أسلحة الذكاء الاصطناعي الفتاكة أمر يمكنكم إخبار أطفالكم عنه؟ هل نريد أن نكون على الجانب الخطأ من التاريخ؟”.

الشركة عطلت حساب أبو السعد بعد الحادثة وفقاً لـ”بي بي سي”، ولم تعد المهندسة المغربية قادرة على تسجيل الدخول مرة أخرى، وهذا قد يشير إلى فصلها من العمل.

“الضمير” في الميزان الفلسفي

القصة التي أحال عليها موقف ابتهال من حيث أرادت أم لا، أبعد بكثير من حادثة انتقادها على أهميتها الجوهرية، فهي فتحت باباً واسعاً لمساءلة “الضمير” الجمعي والفردي للإنسانية وواقعها الوجودي في مرحلة مفصلية من تاريخ البشرية، بما في ذلك ملف تطبيقات التقنية والذكاء الاصطناعي التي ليست سوى إحدى المسائل المطروحة على الضمير.

لم يكن ذلك شيئاً عادياً بالنظر إلى ما قد يترتب عليه من تضحية، إلا أنه ليس جديداً على رغم أهميته، فقد انشغل الفلاسفة خلال وقت مبكر بـ”الضمير” ماهية وفعلاً وتأثيراً، ففي التراث الإسلامي جرى تناوله كجزء من النفس الإنسانية وعلاقتها بالله والعالم، ففي “إحياء علوم الدين” يصف الغزالي (1058-1111) الضمير بأنه “القلب” الذي ينير طريق الإنسان، لكنه يحذر من أن انشغال النفس بالماديات والشهوات يعمي هذا النور، ويؤكد أن “القلب مرآة، فإذا صدأت بالدنيا لم تعكس الحقيقة”، أما ابن رشد (1126-1198) من جهته، فربط الضمير بالعقل، معتبراً أن التوازن بين التفكير الفلسفي والأخلاق يحمي الإنسان من الوقوع في فخ الجشع والإنتاج المادي المحض. وهذا التحذير يكتسب بعداً جديداً في عصرنا، إذ تهيمن الصناعة التكنولوجية على حياة البشر، مما قد يضعف صوت الضمير تحت وطأة الربح والكفاءة.

وفي الغرب، تحدث إيمانويل كانط (1724-1804) عن “الواجب الأخلاقي” كتعبير عن الضمير، معتبراً أن الإنسان يجب أن يتصرف وفق “القانون الأخلاقي العام” بغض النظر عن المصالح المادية، محذراً من أن النزعة الاستهلاكية قد تحول الإنسان إلى وسيلة وليس غاية. أما كارل ماركس (1818-1883) فكان رأيه أشهر في أن هيمنة الصناعة والإنتاج الرأسمالي تفرغ الإنسان من إنسانيته، إذ يصبح الضمير رهينة “الاغتراب” الناتج من تحويل العمل إلى سلعة.

في سياق “مايكروسوفت” أو أي عملاق تكنولوجي آخر يمكن أن نرى هذا الخطر في كيفية تحويل الذكاء الاصطناعي من أداة لخدمة البشرية إلى آلة للربح أو السيطرة، كما قد تكون ابتهال لمحت، في حين يدافع جون لوك  (1632-1704)  بأن وازع “الضمير هو إدراكنا لما هو صواب أو خطأ في أفعالنا، وهو القانون الذي كتبه الله في قلوبنا”.

صراع الضمير والفرص

ابتهال في احتجاجها على مصطفى، ربما استندت إلى رؤية أخلاقية ترى أن الذكاء الاصطناعي الذي كان يفترض أن يكون أداة للخير انحرف عن مساره. قد تكون بررت موقفها بأن الشركة تحت قيادة أشخاص مثل زميلها، سمحت باستخدام التكنولوجيا في سياقات تتناقض مع الضمير الإنساني، مثل تطوير أنظمة عسكرية (كما حدث في عقود “مايكروسوفت” مع إسرائيل وغيرها)، أو تجاهل التأثيرات الاجتماعية السلبية للذكاء الاصطناعي مثل البطالة الجماعية أو التلاعب بالبيانات. وربما استلهمت من اليوم العالمي للضمير، الذي يدعو إلى التفكير في المسؤولية تجاه الآخرين، لتوجه نقدها ليس فقط لمصطفى كفرد بل للثقافة المؤسسية التي تعطي الأولوية للإنتاج على الإنسانية. احتجاجها قد يكون صرخة ضد “صدأ القلب” الذي حذر منه الغزالي، أو ضد الاغتراب الذي نبه إليه ماركس.

كان مصطفى أحد الأصوات المدافعة عن توظيف الذكاء الإصطناعي في خدمة الانسان (أ.ف.ب)

 

المفارقة تكمن في أن مصطفى، كما تدعي ابتهال، كان في بداية أمره متحمساً لاستخدام الذكاء الاصطناعي لخدمة البشرية. وربما كان يحلم بتطبيقات تحسن التعليم أو تعزز الرعاية الصحية أو تقلل الفجوات الاجتماعية. لكن، كيف سمح بانحراف هدفه؟ هنا يمكننا أن نستعير من تحليل الفلاسفة، ربما وقع مصطفى ضحية ضغوط الصناعة التي حذر منها كانط وماركس، إذ تحولت رؤيته النبيلة إلى أداة في يد المصالح المادية. أو ربما، كما يرى ابن رشد، أخفق في الحفاظ على التوازن بين العقل والأخلاق فانجرف مع تيار الإنتاج الذي يعمي الضمير.

كان المدير التنفيذي لقطاع الذكاء الاصطناعي في “مايكروسوفت” مصطفى سليمان بدأ مسيرته في لندن بجهود ملحوظة لتوظيف التكنولوجيا في خدمة المجتمع، وأسس في سن الـ19 خدمة استشارية تطوعية لدعم الشباب المسلمين في بريطانيا، مركِّزاً على مساعدة ذوي الحاجات الخاصة وتعزيز الاندماج الاجتماعي. وبعد انتقاله إلى قطاع التكنولوجيا، شارك في تأسيس “ديب مايند” التي ركزت على تطوير تطبيقات ذكاء اصطناعي في مجالات الصحة والاستدامة، مما أسهم في تقديم حلول مبتكرة لتحسين حياة الناس. ولاحقاً في الولايات المتحدة، واصل سليمان دعم هذا النهج من خلال قيادته لمشاريع ذكاء اصطناعي في “مايكروسوفت” مع التركيز على الأخلاقيات والمسؤولية الاجتماعية، على رغم الجدل الذي رافق دوره بسبب تعاون الشركة مع جهات عسكرية.

الشركة من جهتها التي كانت موضع الجدل، قد تدافع عن مصالحها بأنها ليست طرفاً في أي حرب بقدر ما هي تبيع التقنية للمشترين كمن يبيع السكين للأشخاص، ليست مسؤولة عمن يستخدمها للقتل أو من يقطع بها الخضراوات، هي الأخرى قد تكون جرفها السيل الذي يفترض أنه أغرق مصطفى، إذ حسب بيانات الشركة وأذرعها الخيرية تعتبر إحدى أهم المانحين الدوليين في مكافحة الأوبئة وتحسين حياة البشر في أنحاء مختلفة من العالم، بمن في ذلك المغاربة مواطني الموظفة الغاضبة.

وفي أحدث مبادراتها، أعلنت مؤسسة غيتس قبل نحو شهرين في المغرب دعم “صندوق العيش والمعيشة”، وهو كيان تعاوني لدعم التغييرات الطويلة الأمد من أجل تحسين الأحوال المعيشية داخل الأوساط الاجتماعية الأكثر ضعفاً، معربة في مؤتمر صحافي داخل الرباط عن العمل مع شركائها في المغرب “والسلطات العامة والمنظمات المحلية، في سبيل تحسين خدمات الرعاية الصحية الأولية ومعايش صغار المزارعين” داخل البلاد.

“إياك أعني واسمعي يا جارة”

لذلك، فإن ابتهال قد ترى أن هذا الانحراف لم يكن مجرد خطأ شخصي من مصطفى أو شركته، بل نتيجة هيكلية لنظام يعطي الأولوية للكفاءة والربح على حساب القيم. ربما كان مصطفى نفسه يشعر بهذا التناقض، لكنه كما يحدث غالباً داخل بيئات الشركات الكبرى وجد نفسه محاصراً في آلية أكبر منه. وهذه المفارقة تضيف طبقة تراجيدية للقصة، بطل بدأ بطموح إنساني لكنه انتهى في عيني ابتهال كجزء من مشكلة أخلاقية أعمق، فلم يكن خطابها نحوه سليماً على رغم حدته إلا من قبيل “إياك أعني واسمعي يا جارة”.

في كل الأحوال سؤال الضمير الفلسفي الذي يتردد منذ الثقافات القديمة إلى اليوم العالمي للضمير خلال عام 2025، يجد نفسه في مواجهة اختبار مزدوج، هيمنة الصناعة التكنولوجية من جهة والصراعات الإنسانية كالحرب في غزة من جهة أخرى. ابتهال ومصطفى، في هذا السياق، ليسا مجرد شخصيتين في قصة بل رمزان للصراع بين الضمير والمادة. الفلاسفة، مسلمين وغربيين، يذكروننا بأن الضمير هو مرآة الإنسان، لكنها مرآة هشة قد تتشوه تحت وطأة الإنتاج والجشع. وفي النهاية، فإن ذلك لا يلغي المفارقة الماثلة في الشخص والشركة وأخواتها وأدواتها، إذ كيف يمكن لأداة مثل الذكاء الاصطناعي وُلدت من طموح إنساني أن تتحول إلى تهديد لضميرنا الجمعي؟ ربما تكون إجابة ابتهال هي العودة إلى تلك المرآة، وتنظيفها قبل أن يصبح الصدأ هو الأصل، واستنكاره الفعل المنبوذ، في عالم لا تزال فيه القيم الكونية محل اتفاق الغالبية على رغم التهديدات المتجددة.

المزيد عن: يوم الضمير العالميثانوية مولاي يوسفمايكرسوفتابتهال ابو السعدمصطفى سليمانفلسطينغزةالفلسفةأخلاق الذكاء الاصطناعي

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili