الشاعر العماني زاهر الغافري (صفحة الشاعر - فيسبوك) ثقافة و فنون زاهر الغافري: الشعر حال اغتراب في الوجود by admin 13 أكتوبر، 2023 written by admin 13 أكتوبر، 2023 167 عندما يكتب الشاعر سيرته ينظر إلى مرآة روحه والقصيدة رحلة الى مشهديات مجهولة اندبندنت عربية / شريف الشافعي كاتب وصحافي حينما يكتبُ الشاعر العُماني زاهر الغافري، المقيم في السويد، سيرة قصيرة للشاعر، في أحد نصوصه، فإنه ينظر بالضرورة إلى مرآته الأمينة، ويستحضر ذاته المشحونة بالشعر والمغامرة والدهشة والاغتراب المكاني والنفسي والعتمة والحيرة التي لا تنقضي: “يستيقظ الشاعر وفي رأسه جملة مثقلة بالظلام. يهذي، يهذي طوال الوقت من دون أن يصادف باباً يطيرُ منه الضوء. علامة الحيرة في وجهه هي الرسالة الأخيرة التي لن تصل إلى أحد. النوافذ مغلقة، وعليه أن يخرج إلى أرض أحلامه، ليقطف تلك الزهرة المسمومة التي سمع بها من دون أن يراها. ومثل سجين يدحرج صخرة، يقوده الكلام مع نفسه إلى آبار الطفولة، فيسمع صوتاً يناديه من بعيد: لن تشفى أبداً أيها المجنون!”. وفي تجربة زاهر الغافري (67 سنة)، هناك دائماً كشفٌ لوجه الحياة، باعتبارها رحلة، تتجاوز في معناها العميق وجوهرها الفلسفي مظاهر التنقل بين إحداثيات الأمكنة والأزمنة. وفي هذه السيرة الشعرية هو يعبر بالكلمات المُغايرة إلى فضاءات بكر وجماليات مشهدية غير مطروقة، وصور وطقوس وخيالات ومعالجات فنية وتعبيرية غير متداولة في حقول قصيدة النثر الاعتيادية المجانية. وفي سيرته الشخصية أيضاً، كمتنقل بين الدول التي أقام فيها (العراق، المغرب، فرنسا، بريطانيا، السويد، الخ)، هو المغترب في الوجود، المرتحل من عالم هشّ يعجز عن إنقاذ نفسه، بحثاً عن أفق آخر أكثر نضجاً، يصلح للاحتماء والاحتواء. ديوان للشاعر الغافري (دار العائدون) ومنذ مجموعته الأولى “أظلاف بيضاء” حتى أحدث دواوينه “العابر بلا كلمة”، مروراً بمجموعاته “الصمت يأتي إلى الاعتراف” و”عزلة تفيض عن الليل” و”حياة واحدة سلالم كثيرة” و”في كل أرض بئر تحلم بالحديقة” ومختارات “حجر النوم” وغيرها، تنتصر قصيدة الغافري لما هو شعري صرف، وجماليّ مُنقّى مُصفّى، متخلصة من الشوائب والعوالق، خصوصاً ما هو شعاري أو أيديولوجي أو مسبق التجهيز على الصعيد الذهني، حيث يكتفي الشاعر بكنز الكلمة النفيس وسحرها وأثرها الباقي “أمشي في ضوء أحلامي المراوغة، في كفّي رماد الندم، وعلى ظهري كيس من الأسرار، يلمعُ كالذهب”. الحركة صوب المجهول في حواره مع “اندبندنت عربية”، يتحدث الشاعر زاهر الغافري بادئ ذي بدء عن ذلك التماهي: بين الشاعر والرحّالة (وكلاهما مغامرٌ شغوفٌ منفلتٌ مستكشفٌ) من جهة، وأيضاً عن التماهي: بين التفاعل مع القصيدة المختلفة وصناعة أشواط الحياة الحسيّة ومشاويرها الاستثنائية، من جهة أخرى، حيث يقول “هذا صحيح تماماً. هناك تساوق وتمازج بين الرحلة الشعرية ورحلة الشاعر الفعلية من مكان إلى آخر. والرحلتان كلتاهما بالنسبة لي كانتا يقودهما الحلم أو الانجذاب إلى السحر، سحر الكلمات أولاً ثم سحر الأمكنة التي زرتها والأمكنة التي لم أزرها، وهذا هو الجانب الحسي كما تصفه أنت في تجربتي الشعرية، فأنا لا أكتب نصاً تجريديّاً. وإذا كانت الفضاءات بكراً في تجربتي، فلأنني أعيش وأكتب في دهشة الطفل”. ويرى الغافري أن علاقته بالشعر هي علاقته بالمغامرة، ومن المؤكد أن هذه المغامرة تتجه صوب المجهول. والشعر هو تعبير في القول عن الوجود وعن علاقة الشاعر بالعالم. ويضيف “في ظني أن محاولة الوصول إلى المشروع الشعري والكتابي هي المغامرة التي نبحث عنها، والأهم من هذا أن هذه المغامرة لا تنتهي. إن أي وصول يُنهي المغامرة ولذة الاكتشاف، وبالتالي يصبح الأمر برمته من العاديات. غير أن اللعبة الشعرية، إن جاز القول، تكبح الوصول إلى أي مكان، وهنا خطورتها. نحن فعلاً في مجال الكتابة لا نعرف أين ستقودنا الوجهة، وهذا من حظنا ككتّاب. ومن هنا يصح القول: سيروا في الغابة وتيهوا”. اصطياد الشفافي ديوان آخر (دار خطوط وظلال) في مشروع زاهر الغافري، هل يكتب الشعر ذاته بذاته؟! ولكن هذا السؤال أيضاً يطرح نفسه بقوة: كيف يتسع الشعر لديكَ بتلقائيته وطفوليته وبراءة لغته لما خلف المشاهد التي يصوّرها من دلالات وتأملات وتساؤلات أعمق حول الغياب والموت والعزلة وغيرها، وتأويلات استبطانية متنوعة، وخلفيات فكرية ومعرفية واجتماعية وسياسية وميتافيزيقية إلخ، وهي كلها عناصر تملأ نصوصك زخماً إنسانيّاً وبذخاً ودسامة، ولكنها لا تؤثر في بكارتها ودهشتها وطزاجتها وانسيابيتها وتدفقها غير المشروط؟ يوضح الغافري أن الوصول في الشعر والكتابة مسألة قاتلة، بما أن الشعر يطرح أسئلة، وبما أن القصيدة هي اللؤلؤة المخفية التي في كل مرة بحاجة لإعادة اكتشاف وبصيغ متعددة. وهكذا تصبح الكتابة وليدة حوار مع الزمن. ودائماً ما يشغل الزمن الشاعر بطريقة توحي بالامتلاء والخصوبة، ولذلك يتحرك الشعر في هذه المساحة الظاهرة، صعوداً وهبوطاً، اقتراباً وافتراقاً، كما لو كان الشاعر يسابق نفسه لئلا يصل، لأن الوصول علامة على الحيرة. والشعر يتحرك بين عنصرين هما المكان والزمن، كما يرى الغافري في حواره، وكل قصيدة بالتالي تؤسس زمنها الخاص. ويستطرد “أنت بهذا السؤال تُذكرني بـ: ت. س. إليوت، عندما بدأ بكتابة (أرض اليباب). كان حائراً ويتصف بالشكوكية وكتب وعدّل، وفي الأخير كان يُسابق الزمن أو يكتب ضد الزمن مع أنه كان شاباً في 1922، لكن كيف ظهر الزمن؟ آه… أبريل أقسى الشهور! سبق أن قلت إن الطلل أو المكان عند الشاعر القديم محفوف بالزمن، فأنت لا تستطيع أن تلغي الزمن عن الأطلال، كما لا نستطيع نحن، راهناً، أن نتملص من الزمن الذي يجري خفياً في قصائدنا ونصوصنا. نحن نعيش في الحاضر والزمن يتسلل إلينا في القصائد وفي أجسادنا أيضاً، وهذه لعبة الحياة ولا مفر منها”. الشاعر العماني المقيم في السويد (صفحة الشاعر- فيسبوك) “تخليتُ عن أشياء كثيرة، يقول الغافري، بما في ذلك اللغة الفضفاضة في القول الشعري، وبعض المفردات والصيغ، وأبقيتُ على وهج حضور النص الشعري كجزء من تجربة الحياة والوجود. فالقول الشعري يتطلب مراجعة مستمرة، بما في ذلك المحو والاكتفاء بما هو دال وعميق. والآن “عندما أعود إلى الخلف، وأنظر إلى مجموعتي الأولى أظلاف بيضاء التي صدرت في عام 1983، كان النص الشعري في المجموعة ينم عن صور مجانية كثيرة، صور مقذوفة في النص بلا تعيين، وترتكز أكثر على جمل اسمية، وقد تخليتُ عن هذا كله. وفي السنوات العشر الأخيرة، أصبحت النصوص في أعمالي تنحو نحو التأمل، وتقدم لي نوعاً من الإشارات لكي أغير هنا أو هناك. نعم أقوم أحياناً باستراحات قصيرة بين فينة وأخرى بمراجعة النص، وأحياناً قد أكتب نصّاً دفعة واحدة، لكن لا أنشره، بل أتركه أسبوعاً أو أكثر كأنني نسيته، ثم أعود إليه لأقرأه من جديد، وأقوم بالمحو، وأغير فيه وصولاً إلى الصيغة النهائية. وهذا الأمر يترك لي مجالاً لعزل النص بعيداً مني، بمعنى أن أعزل النص في العالم السفلي من ذاتي”. وبمنظور الغافري، فإن الشعر يحتاج إلى قوة مضاعفة، ولذلك فهو ليس سهلاً. وعلى الشاعر أن يغوص، أن يهبط إلى هذا العالم السفلي للبحث عن أثر الجمال. فالشاعر أشبه بالصياد، يرمي السنارة وينتظر طويلاً حتى تأتي السمكة الذهبية. ومن هنا علاقة الشعر بالفكر، فالفكر يذوب في النص الشعري كما يذوب الملح في الماء، فيطرح الشعر أسئلة من قبيل سؤال الموت أو سؤال الغياب أو سؤال الفقدان والحنين. ونحن نعرف كيف قرأ مارتين هايدغر هولدرلين وباول سيلان ورينيه شار الذي كان صديقه. ديوان للشاعر (دار الجمل) وبما أن اللغة أشد المقتنيات خطراً، فإن الشاعر يزيح عنها الصدى باستمرار ليحولها إلى عذراء. ويقول الغافري “إنني أحاول أن أكتب في هذا الإطار، تسبقني الدهشة واللامتوقع. وبما أنني لا أكتب لأحد، فإنني أحس في لحظة الكتابة كأنني ألمس الغيم بيدي. فأنا في الأخير أبحث في هذا العالم الأخرق عن الشفافية في الكتابة والحياة”. الأمل وملذات الحياة وبقدر ما يتمدد الترحال والضرب في الأقاصي، بقدر ما يشتعل الاشتياق ويتفجر الحنين والانجذاب إلى الوطن. وفي مقابل التكريس لمتاهات الاغتراب وفقدان البوصلة في تجربة الغافري الشعرية، تثار من بين السطور ومضات مضادة، تحيل إلى أطياف العودة، ولو باعتبارها سراباً أو أملاً مراوغاً أو كاذباً. وعلى رغم قسوة الحياة ومرارتها، ولا جدوى الكلمات، فإنه لا يغفل نشوة الانخراط في ما تتيحه الحياة من ملذاتها، ويصف إقباله على الكتابة بالانقياد إلى شعور خفيّ لذيذ. وبسؤال الشاعر زاهر الغافري: هل الروح الوثابة المرحة في طبقاتك الداخلية، هي المسؤولة عن إعادة شحن قصيدتك بالتفاؤل والطاقة الإيجابية بعد كل تعثّر وسقوط؟ وأي طائل يا ترى من محاولات “قنص أضواء الغروب” بعد ترك الحياة برمّتها “هناك بين الأحجار”؟! يوضح قائلاً “بالتأكيد، الدول والرحلات التي قمت بها، والمدن التي سكنتُ فيها، بعضها لمدى عشر سنوات، أضافت إلى شعري كثيراً. سؤال المكان مثلاً، يشبه سؤال التقاطعات أو المفترقات في الطرق البعيدة. هنا بدأت ألتفت وأرى بعين منحرفة كما يقال، لأنه لم يعد هناك شيء ثابت، فأنا خرجتُ من قرية صغيرة من عُمان وكان عمري لا يتجاوز 13 سنة، بصدفة تكاد تكون قدرية وارتطمتُ بالعالم الكبير. ومن ضمن الاستفادات الأخرى حضوري للأفلام والمسرح والتشكيل، وهذه كلها يمكن الاستفادة منها في المجال الشعري. وفي آخر المطاف أقول جازماً بأنني أقبل على الحياة بشغف، فهذا الشعور الخفي الذي تصفه أنت باللذيذ يمنحني القدرة على شحن ذاتي بالأمل، واستعادة ملذات الحياة”. استلهام الأزمات وشخصيّاً، يستطرد الغافري في حواره “أظن أن جدوى الشعر تتجلى أحياناً في الأزمات، كزمن وباء كورونا مثلاً، لأن الشعر على الدوام ما ينفك يطرح الأسئلة الشائكة: الغياب، الموت، الحب، العزلة. هذا هو البعد الميتافيزيقي المتأصل في تجربة الكائن على الصعيد الوجودي. وفي ما يخصني، استفدتُ قدر الإمكان من العزلة والحجر الصحي، فأنجزتُ (العابر بلا كلمة)، الذي كُتبَ منذ بداية الوباء. ومن متابعتي، لاحظتُ نوعاً من الانبعاث الغريب للشعر، ليس في العالم العربي فحسب، بل في العالم. ويبدو أن التقنيات الحديثة في مجال التواصل الاجتماعي تساعد على الانتشار، لذلك تجد الشعراء الشباب والشاعرات يخوضون تجربة الكتابة الشعرية حتى لو لم تتحقق الأدوات الفنية فعلياً، فبعضها يرقى إلى الخواطر الشعرية أو شيء أشبه بالبوح الذاتي”. نعم هي تجربة مريرة، ولكنها تنفتح على آمال شعرية وكتابية وفنية أيضاً، ويضيف “لا أظن أن العالم سيتوقف، وبالتالي لن يتوقف الشعر مطلقاً. كما أنني أجد في الأمر مفارقة غريبة، ففي فترة هذه الجائحة هناك إشارات أكثر من ذي قبل حول ما يمكن أن نسميه بالأخوة الشعرية. وطالما هناك شعراء في العالم، يزدهر التواصل الشعري هنا وهناك. وبالنسبة لي، الأمر ذاته يحدث، لذلك رحتُ أبحث عن تلك الكتابة المبهمة، الجسورة، التي تحدث عنها الشاعر الفرنسي إيف بونفوا”. وفي ما يتعلق بالعالم العربي راهناً، يقول الشاعر زاهر الغافري مختتماً حواره “أجد أنه من الضروري أن يمتلك الشاعر صوتاً إضافياً عنيداً ضد الأزمات العالمية، والخروج أيضاً من السطحي للوصول إلى الأعماق. وعطفاً على ما سبق حول جدوى الشعر في زمن الأوبئة والحروب والكوارث والأزمات، فأنا أظن أنه الوقت الملائم لكي يعود الإنسان إلى ذاته، ويتأمل ماضيه وحياته، فالإنسان على هذه البسيطة وصل من الغطرسة والقوة بحيث نسي الطبيعة التي يقوم بتدميرها”. المزيد عن: شاعر عمانيشعرقصيدة النثرالوجودالترحالالعالمالمغامرة الشعريةالرؤيا 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post بعد تحميله مسؤولية حرب غزة… حملة المليون لإقالة نتنياهو next post “اعترافات ملتهم أفيون إنجليزي” نص دي كوينسي المنسي You may also like سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024 فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024