ثقافة و فنونعربي ريهام سعيد و ايديولوجيا الجسد by admin 4 سبتمبر، 2019 written by admin 4 سبتمبر، 2019 31 موقع كوة / يوسف شوقي مجدي لقد شاهدنا جميعا الاعلامية ريهام سعيد و هى تتهكم صراحة و بوضوح على اصحاب السمنة ، و لا داعى لتكرار ما قالته و يمكننا ،بعد توجيه النقد القيمى اتجاهها و بعد قرارها لاعتزال العمل الاعلامى ، تجاوز الواقعة كاى واقعى سيئة نقابلها سواء فى الشارع او على مواقع التواصل الاجتماعى ، و لكن اظن ان ذلك لا يكفى بحال. ان موجة الغضب التى اثارتها ريهام سعيد او اى احد انتهج نهجها ، قد اشترك فيها الجميع و تعاطفوا مع من هاجمتهم ريهام و انتقدوا الاخيرة و هاجموها ، و يثير ذلك عدة تساؤلات ، فنوبة الوعى الاجتماعى المفاجىء تلك و التى تحدث فى كل حادثة مشابهة ، قد تمت على الرغم من امتلاء الخطاب اليومى بتعبيرات عدة تنطوى على عنف اتجاه الجسد و محاولات لاخضاعه لنسق محدد و احكام قيمية تتبع ذلك الاخضاع ، و على الرغم ايضا من ادراكنا كمجتمع بخطورة ذلك و يتمثل ذلك الادراك فى الصيغة التى تتخذ منحى اصلاحيا Reformist و هى : “ضد التنمر” ، و على الرغم –و هنا تنبع السخرية- من سخريتنا من تلك الصيغة الاخيرة من خلال كافة عناصر الخطاب المتمثلة فى النكات و صناعة الكوميكس..الخ (بالطبع توجد اسباب بنيوية تجعل من اى اتجاه اصلاحى ثقافى يقابل نفس المصير و لكن تلك قصة اخرى) و على الرغم مما يمتلىء به خطابنا اليومى بالنصائح و الاقتراحات المتذرعة تارة بالصحة و ما يتبعها باظهار الاهتمام و المحبة و تارة بطبيعة الانسان (مثل: من الطبيعى ان يكون شكل الانسان كذا..) و تارة اخرى بنوع من المثالية الاغريقية ، و على الرغم من النكات التى نطلقها و خطابنا الهزلى عموما ، و نتذكر هنا درس التحليل النفسى و هو ان اكثر الكلمات طيبة وحيادا و عقلانية و محبة و امعانا فى الهزل ..الخ ، تنطوى على اعنف الدوافع هذا ما يمكن استنتاجه مثلا من تحليل فرويد للنكات و الاحلام و ربط عمل الاثنين باللاوعى (Freud:120) كل ذلك يجعلنا بالطبع لا ننتقد ريهام سعيد من منحى اخلاقى عابر ، و لكن يجب اعتبار ما قالته ريهام زلة لسان(و ما يتبع ذلك من تحليل يشابه تحليل النكات) ، و هنا لا نقصد ان ريهام قد اخطأت سهوا فقالت ذلك ، و لكن ريهام نفسها زلة لسان ، فى هجومها المعتاد على الفئات الاجتماعية الغير ممكنة و خلافه ، و لكن السؤال هنا زلة لسان لمن ، من صاحب اللسان ؟ ، قل انه المجتمع او الوعى الجمعى او الايديولوجيا السائدة ممثلة عن طريق عموم الناس. و ربما يقول القارىء اننا نولى ظاهرة تافهة اكبر من حجمها ، و كأننا ننفذ ما جاء فى الصورة المضحكة التى يقوم فيها شخص ما بتقطيع الطعام عن طريق سيف او منشار! ، و لكن ما ذكرناه اعلاه يحتم علينا عدم اخذ ما حدث على انه ظاهرة تافهة و لكنها على العكس يجب ان يتم شرحها فى اطار منهجى و هذا ما سنقوم به بعد قليل ، و سنعتمد بشكل اساسى على المفهوم الالتوسيري الماركسى للايديولوجيا و التحليل النفسى. فى المجتمعات الرأسالمية ، يتم انتاج و اعادة انتاج الجسد كونه ممثلا عن قوة العمل التى تباع و تشترى كسلعة ، و لكن بعيدا عن ذلك الاساس الاقتصادي يمثل الجسد ارضية جديدة خصبة ، تشكلها الايديولوجيا و الاسطورة ، فالايديولوجيا الاستهلاكية تنبع فى الاساس من ذلك الجسد فى ممارساته و ماديته ، كما انها ايضا كونها ايديولوجيا تستدعى interpellates الفرد كونه ذاتا تمتلك ارادة حرة و وعى بافعالها و قدرة على اختيار خضوعها بنفسها (Althusser:269,188) ، و لكنها لا تصنع ذلك من الصفر و لكنها تعتمد على اسبقية الايديولوجيات الاخرى ، مثل الايديولوجيا الاسرية او الدينية ..الخ ، فهى تستدعى الشخص كونه ذاتا حرة تسعى الى الرفاهية و المتعة ، و لكن الامر لا يتم عن طريق التصور السلوكى او تصور نظرية الخيار العقلانى ؛ فالفرد لا يواصل الممارسة الايديولوجية سعيا وراء الربح و الجائزة و تجنبا للالم ، و لكن يتعلق الامر اكثر بالتحليل النفسى ، فالانا العليا تفرض على الشخص المتعة او السعى اليها . و الايديولوجيا الاستهلاكية تتكون من عناصر ، من ضمنهم العنصر الجسدى الذى يتناول الجسد من حيث انه جسد عار ، بمعنى اخر ، يتعلق ذلك العنصر بشكل الجسد و الممارسات المتعلقة بذلك الجسد . و يستدعى ذلك العنصر الفرد كونه ذاتا تمتلك معايير جمالية محددة و متقنة ، و صورة صنمية(فيتشية) عن الجسد يشترك فى تكوينها عدة عناصر ايديولوجية اخرى مثل العناصر الصحية التى تضع شروط معينة لتحديد الجسد الصحى ، و العنصر الاستهلاكى المبنى على منتجات الجسد المختلفة الذى لن يقوم له قائمة بدون تلك الصورة ،..الخ ،( (Przybylo:8و ما يتبع ذلك من صناعات و انشطة مختصة بتعديل الجسد. و يترتب على ذلك ،الشعور بالذنب الدائم بغاية التحسين المستمر ، و كأى ايديولوجيا ، يتبع ذلك، التركيز على الجانب العملى اللاواعي او التجسيد المادى، فالايديولوجيا ليست مجموعة من الافكار و المعتقدات، كما انها ليست وعيا زائفا ، و بالنسبة لايديولوجيا الجسد، يدخل الفرد فى اطار ممارسات تتكون من طقوس او عادات (Althusser:184-187) محددة تنتهى الاخيرة بافعال مجردة من اى مكون غير جسدى ، تلك الممارسات مثل الرياضة و الذهاب الى اطباء و مختصين التغذية ، و اماكن التجميل المختلفة ،و تغيير عادات الطعام ..الخ و هدف ذلك بالطبع هو الحفاظ على تلك الصورة التى يعاد انتاجها عن طريق المرآة او ما يعادلها (رؤيتنا لاستجابات البشر المختلفة لاشكالنا و مختلف افعالنا.) و نتذكر ان المرآة او ما يعادلها ،هى عنصر اساسى فى عملية تكوين الذات حسب النسق اللاكانى ، فمرحلة النمو التى اطلق عليها لاكان مسمى مرحلة المرآة mirror stage ، هى تلك المرحلة التى يقف فيها الطفل امام المرآة ليرى نفسه لاول مرة لتبدأ مرحلة تكوين الذات (Lacan2006: 76-81) و ربما يوازى ذلك جزء من عمل الايديولوجيا العائلية المبكرة و اذا كانت تصنع تلك المرحلة الارضية الاساسية التى ستبنى عليها باقى الايديولوجيات ، و اذا كانت تمثل لحظة ما قبل الدخول فى النسق الرمزى او اللغة ، فالمرآة ستبقى مع المرء حتى بعد دخوله للنسق الرمزى و لكن هنا بعد ان اكتملت الذات الاصلية و اضيف اليها عدة ذوات فرعية اخرى. و بغض النظر عن كون جميعنا يقف امام المرآة لنتفحص اجسادنا ، يحدث ان ذلك الفحص لا يتم بصورة مباشرة و لكن عن طريق الادراك اللاواعى او الواعى المباشر لاستجابات الاخر الذى يعتبر حاملا لايديولوجيا الجسد و معبرا عنها و عاملا بها فى وجه اى شخص او ضد شخصه هو. و بالتالى فبالتأكيد عند خضوعنا للنسق الايديولوجى المعد للجسد سنصاب بالشعور ذاتى الطابع ، المتعلق بالتحسين الدائم للجسد ، ذلك الشعور يتطلب قدرا من عدم الرضى او الكراهية للجسد الحالى ، ليخدم كوقودا لذلك الشعور الذى يرتبط بالطبع بالنمط الاستهلاكى العام الملاحظ عند الطبقة الوسطى التى يصاحبها دائما شعور بعدم الرضى و الرغبة فى الصعود الاجتماعى و استهلاك المزيد من سلع الرفاهية ، بالطبع ليس لقيمتها الاستعمالية(مما يوضحه السعر مثلا لا حصرا) و لكن لتغذية صورة الذات self-image او ال imaginary . و بالتالى فالافراد هنا كلهم يمثلون احزمة قوة لنقل كل من الكراهية الذاتية و الرغبة فى التحسين المستمر و النسق الايديولوجى عموما من شخص الى اخر . و تتضح تلك الصورة اكثر عندما نتذكر ان الاخر يمثل المرآة بالنسبة للفرد ، فمن خلال الاخر يري الشخص ذاته و تكتسب الاخيرة صفتها او يعاد انتاجها كونها ذاتا ، فالعنف (المباشر او المستتر) الذى يوجهه الشخص اتجاه الاخر ، هو عنف اتجاه الذات نفسها ، و هنا نعود مرة اخرى لريهام سعيد التى نشرت فيديو على الانترنت توجه اعتذارا للمشاهدين قائلة “انها كانت تعانى من السمنة ، و ان احد الفنانين وجه اليها نقدا مبرحا بسبب ذلك و انها كرهت نفسها و ان ما بدر منها كان نصحا نابع من الحالة التى كانت عليها ” و اظن هنا انها لم تكذب على المشاهدين ، فتلك كانت من لحظات صدقها. و انا هنا لا اريد تصدير صورة ان جميعنا متساوون فى التأثير الذى تمارسه الايديولوجيا علينا ، فبرغم صدق تلك الصورة فى نواتها الاساسية ، الا ان الواقع يتخلله قدر كبير من التعقيدات ، فبالطبع لا يشعر الجميع بنفس القدر من النقص و لا يمارس الجميع دور العنف اتجاه الاخر ، و الا فما كان هناك افراد ممكنون و غير ممكنين ، و ما كان النسق الايديولوجى بمعاييره الجمالية ليعمل من الاساس ،و ما كان لتلاعب الجينات العشوائى و للاحداث المؤسفة التى تؤثر على الجسد ، و ما كان الفرق البنيوي الاجتماعي بين الذكر و الانثي في تلك المجتمعات ذات البنية الابوية و الاقتصاد المغاير جنسيا الذي يهتم بشكل المرأة، اقول انه لما كان لكل ما سبق ذلك الزخم الثقافى او الايديولوجى المحدد داخل بنية ايديولوجية اكبر تتمفصل مع بنية سياسية و اقتصادية فى تكوين اجتماعى معين. و نصل الى النقطة الاخيرة و هى الاستراتيجية ، فكيف يمكن مواجهة ذلك ؟ توجد بالطبع عدة خيارات ، و لكنى هنا سأعرض هنا ما اراه مناسبا مع الاخذ فى الاعتبار كافة الصراعات الاجتماعية غير صراع الجسد ، و يظهر كحل مبدئي ، تلك الحملات الاصلاحية التى تخرج منادية بقضية ما و لكن كما بينت فى اول المقال ، فتلك الحملات محكوم عليها بالفشل داخل بنية محددة تنتج و تعيد انتاج الشىء الذى تحاربه تلك الحملات ، بالاضافة الى كون تلك الحملات مؤمنة و حاملة لنفس الاشكالية الاساسية التى تميز قضية الجسد ، فمثلا لو خرجت حملة لحماية اصحاب السمنة من التهكم و استخدمت كافة العبارات التى شاهدناها فى النقد العام لريهام سعيد ، هنا سنجد ان تلك الحملات مازالت تتمسك بمفهوم محدد للجسد الطبيعى و تؤمن بنفس التعريفات له ، كل ما فى الامر انها ترفض التهكم. و بالاضافة لما سبق ، فان نوعية تلك الحملات هى الاكثر عرضة للاستغلال من الشركات و من المجتمع الرأسمالى عموما ، ذلك المجتمع المزود بترسانة من المسوقين الذين لن يترددوا لحظة فى استغلال كل ما هو شائع و ذا قيمة اخلاقية فى المجتمع فى ربطه بمنتجاتهم او خدماتهم. و كحل مؤقت و سريع يمكن لاستراتيجيات المايكرو مقاومة micro-resistance المستمدة من فوكو و الطبيعة الميكروفيزيائية للقوة ، و دريدا و تفكيك الثنائيات ، و باتلر ، ان تفى بالغرض ، تلك الاستراتيجيات تتمحور حول تفكيك الاحكام او الثنائيات المتضمنة فى الخطاب الايديولوجى و مواجهة تلك الثنائيات عن طريق (Przybylo:18-21) : اولا،عدم الاهتمام بالتغييرات الجسمانية المقترحة من قبل ذلك الخطاب و عدم الخضوع لاحكامه و تحديه عن طريق عيش حياة طبيعية ، فاذا كانت الادائية performativity هى التى تقوم بتثبيت المعانى و الهوية عن طريق التكرار ، فالاداء المضاد يمكن ان يفى بالغرض. ثانيا، تغيير اتجاه فوهة السلاح ، اى الصفة المعينة التى تملك موقعا سائدا داخل الخطاب يتم تجريدها من ذلك الموقع و العكس صحيح فالقبيح يصبحا جميلا و هكذا. ثالثا، محاوطة الموقع الغير ممكن جسديا بهالة ايديولوجية من الافتخار و الاعجاب. و لكن على الرغم من نجاح تلك الاستراتيجية على المستوى الفردى و الجماعى البسيط بشكل مؤقت الا انها على المدى الطويل لا تصلح ، ذلك نتيجة طبيعة العنف المتجدد و المتصاعد الذى يوجهه المجتمع ، هذا بالاضافة الى امكانية استغلال تلك المقاومة من قبل المسوقين اذا كتب لها الانتشار و التوسع مثلما حدث فى الغرب ، مما اصاب الحركات النسوية و البيئية و الاقليات الجنسية ..الخ . و هنا يجب ربط الصراع على مفاهيم الجسد بكلية الصراعات الاجتماعية الاخرى ، الايديولوجية و السياسية (التى تتصل بالطبع بالبنية الاقتصادية) و لا يجب الظن ان ادماج الصراعات ببعضها البعض يمكن ان يؤثر باى حال على زخم صراع معين او الظن بوجود اولاويات معينة داخل الصراع الكلى ، و لكن على العكس فيمكن المحافظة على شخصية كل صراع بالاضافة الى الاستفادة من قوة كل صراع و خدمة تلك القوة فى صالح باقى الصراعات. هذا الربط سيحمى الصراع من الاستغلال او الامتصاص من قبل الحالة الراهنة . و كخاتمة، سنقول اننا في ذلك المقال حاولنا وضع الظواهر السابقة في اطار منهجي او قدمنا اقتراحا لرؤية تلك الظواهر بصورة معينة،و لكننا لم نقدم تفنيدا موضوعيا لما قالته ريهام سعيد او لما يعتقده الناس بالنسبة لقضية الجسد، فتلك قصة اخري، و لكن ما نستطيع قوله حاليا، هو انه عندما نتفحص التاريخ بشكل عام، و تاريخ الجسد و الصحة بشكل خاص، سنجد ان مفهوم الجسد ذاته يتغير من مجتمع لاخر او من حقبة لاخري، و بالتالي فالادعاء القائل بوجود محددات جمالية قابلة للقياس ، هو ذاته ادعاء ينتمي لحقبة بعينها و بكافة ابنيتها المختلفة. المصادر : Althusser, Louis, On the reproduction of capitalism : ideology and ideological state apparatuses , preface by Etienne balibar, translated by G.M. Goshgarian. verso 2014. Freud, Sigmund , jokes and their relation to the unconscious , free ebook from sigmundfreud.com. Lacan,Jacques ,2006, Ecrits , translated by Bruce Fink, w.w.Norton and company. Przybylo,Ela , the politics of ugliness , issue sixteen: politics and aesthetics. 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post الواقع واللاشعور في الادب والجنون next post المغرب: هل سيشكل حزب “الحب العالمي” قيمة إضافية في الحياة السياسية؟ You may also like مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.