المفكر الفرنسي ريجيس دوبري خلال حضوره في كوبا (د ب ا) ثقافة و فنون ريجيس دوبريه رفيق غيفارا يستعيد ماضيه وخيباته by admin 16 مارس، 2025 written by admin 16 مارس، 2025 10 “أشياء صغيرة” كتاب الذكريات عن السجن في بوليفيا ونقد الرأسمالية ووقائع باريس اندبندنت عربية / مارلين كنعان أستاذة الفلسفة والحضارات، كاتبة وباحثة @MARLKANAAN يستعيد ريجيس دوبريه بأسلوبه الحيوي اللاذع، شذرات جميلة من سيرته التي تشبه الروايات المليئة بالمغامرات ونشوة السلطة والتحليق في سماء الأدب منذ سن الرابعة حتى الـ85، معرجاً على بعض التحديات والمواقف الطريفة التي واجهته، علماً أن الكتاب لا ينتمي إلى المذكرات بالمعنى الحرفي للكلمة، بل يحمل في طياته نوعاً من الاعترافات والانتقادات التي يوجهها الأديب إلى أبناء جيله. في هذا الكتاب، يستحضر ريجيس دوبريه باريس التي كان يعشق فيها المسرح الوطني الشعبي، والممثل جيرار فيليب الذي توفي في عز شبابه، وتجربة السجن في بوليفيا التي تركت لديه ذكريات مريرة، هو المتبحر في الدراسات اليونانية القديمة في عالم أهمل تعلم اللغات الكلاسيكية، والوريث لثقافة إنسانوية بدأت بالاندثار، والمثقف المتأثر بالأفكار الماركسية في زمن كان فيه للصراع الفكري معنى. كتاب الذكريات “أشياء صغيرة” (دار غاليمار) رفيق تشي غيفارا ومستشار الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا ميتران، ومطلق علم الوسائط، وناقد الرأسمالية ومجتمع الاستهلاك والصورة وآثار التكنولوجيا على الثقافة والحضارة، والعضو في لجنة تحكيم أدبية، والصحافي الذي كتب مقالات وخطباً، والأديب الذي وقع عديداً من الكتب كـ”سلطة المثقفين في فرنسا”، و”الثورة في الثورة”، و”نقد العقل السياسي”، و”دروس في الميديولوجيا العامة”، و”حياة وموت الصورة”، و”النار المقدسة”، و”خطأ في الحساب”، و”القرن الأخضر” و”حيث أعمدة حية” وغيرها. من تشي غيفارا إلى برنارد بيڤو، كانت حياة دوبريه المتقلبة مكرسة لرموز ومفاهيم كبرى كالثورة واليسار والأمة والأدب. ولكن ما الذي يبقى من كل هذه المفاهيم حين يحل مساء العمر؟ موقد مشتعل ومنزل ريفي ومكتبة وذكريات تتراقص على ضوء النيران. ولئن “كان لا بد من أشياء كبيرة وعديدة لصنع عالم، فلا بد أيضاً من أشياء صغيرة لصنع حياة”. أحداث صغيرة وكبيرة ريجيس دوبري والذكريات (أ ف ب) في “أشياء صغيرة” يستعرض ريجيس دوبريه إذاً تلك الأحداث الصغيرة التي منحت لحياته كثافة ومعنى، والتي بقيت آثارها مطبوعة في نفسه كرسم على حجر، حملها دوماً في قلبه رغم ما مر عليه من تجارب حياتية قاسية ونضالات فكرية وسياسية. وها هو ذا يعترف أن الحروب لم تعد تخاض بالأفكار بل بالصور، وأن كل شخص قد أصبح اليوم منشغلاً بذاته وبصوره، وأن الصورة حولت السياسي مثلاً إلى مجرد مقدم برامج، وأن “القلم لم يعد سيفاً”، رغم عدم تنكره للأدب وللفكر اللذين سيظلان سلاحه في عالم معاد، معرباً عن خيبة أمله في السياسة، هو الذي كان دوماً مؤمناً بسمو القضايا والعمل السياسي النبيل. لا يبخل دوبريه على قرائه بنقده الساخر لكل شيء يضخم في فرنسا وهو بلا قيمة حقيقية، مثل تحويل الثقافة إلى “شيكات ثقافية”، أو التباهي باللغة الفرنسية كإرث يعرض في المتاحف والقصور، أو بشعارات الجمهورية الثلاثة “حرية، مساواة، إخاء”، التي يستمر الحفاظ عليها فقط لأنها لا تلزم أحداً بشيء، متسائلاً عن معنى ثرثرة الفرنسيين الأبدية عن الاندماج واللطف والتضامن مع الآخرين، بينما يخفي مفهوم الإخاء في الواقع صراعات دامية. أما عن البذخ في الرحلات والمآدب الرسمية، فيراها مجرد تضخيم للذات السياسية على حساب المال العام، محدثاً إيانا عن تجربته كمستشار لرئيس الجمهورية ودوامة المناورات السياسية وقراره بمغادرة دوائر السلطة بعد الإعلان عن قيام الاتحاد الأوروبي ونهاية السيادة الفرنسية لصنع كيان أوروبي كثيراً ما أعتقد أنه مستحيل. خيبة الأمل وفي الكتاب أيضاً إقرار أن الحياة “مخيبة للآمال” وأن الإنسان لا يعرف ماذا يفعل بها حتى تنتهي. ولعلها كما قال ميلان كونديرا في رائعته” خفة الكائن التي لا تحتمل”، “لا تمنح فرصة ثانية”. فعندما تنتهي الحياة، يحين وقت تقديم نسختها النهائية التي يضعها الإنسان من دون مسودة أو إمكان تعديل. ولعل نسخة دوبريه ستجد مكانها بلا شك على رفوف مكتباتنا، لتلهم أجيال المستقبل، أولئك الذين يرغبون في الابتعاد قليلاً عن زخم اللحظة العابرة والذين يبحثون من طريق آخر ويعيدون النظر في تفاهات العصر التي يراد فرضها عليهم. قد يقول البعض، إن هذا الكتاب لا يحمل أفكاراً جديدة، لكن ما يميزه هو القدرة على كشف التناقضات، والدعوة إلى الوضوح أمام كل ما يبدو بديهياً والتعامل مع الأفكار بحذر، لأن المشاعر والروايات بحسب ريجيس دوبريه هي التي تحرك الإنسان لا الأيديولوجيات وإن إحياء الماضي كارثي. ذلك أننا عندما نستدعي الأشباح التي نريدها، نوقظ أيضاً الأشباح التي لا نريدها. على تتالي صفحات الكتاب 144 التي تحكي حياة الكاتب وانطباعاته بسرد بديع يتبع تسلسلاً زمنياً يتيح التأمل، وكأنه ذريعة، في الانقطاعات والانتماءات لجيل معين، يكتشف القارئ نظرة دوبريه الثاقبة للأحداث التي تتسارع على مسرح العالم كالأمركة والعيش بلا ذاكرة وغيرها من الموضوعات الراهنة، واللقاءات والصداقات التي عقد ذات يوم أواصرها ولم تتلاشَ أبداً، كالصداقة التي ربطته ببرنارد بيڤو وفرنسوا ماسبيرو وكريس ماركر وستيفان هيسيل وسيمون سينيوريه وجوليان غراك وإدغار موران. بعيداً من الكلمات الرنانة والنصوص الكبيرة، يختار دوبريه أن يكتب إذاً شؤوناً وأشياء صغيرة قد يعتقد البعض أنها تافهة، لكنها في رأيه هي التي تصنع الحياة. إن قراءة هذا الكتاب الصغير ستباغت القارئ أكثر مما يعتقد. ذلك أن تلميذ الناشرة أدريان مونييه التي علمته حب الكتب، وصديق تيليناك الذي علمه الشغف بالغرائبية، وعاشق المسرح، يعيش الآن خارج باريس، وسط الطبيعة والفصول المتعاقبة، لكنه يحمل في داخله شوارعها وجسورها، والقفازات الرمادية التي كان يرتديها قديماً الرهبان في جانسون، ويتجول كشبح في شارع أولم، ليمنحنا مرة أخرى، ما يدفعنا إلى الحلم، واضعاً الأدب في مجابهة المأسوية التي تلف العالم. المزيد عن: مفكر فرنسيالنضال السياسيالإلتزامتشي غيفاراباريسفرانسوا ميترانالسجنالرأسماليةذكريات 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post ” لا أرض أخرى” فيلم إشكالي عن الأمل الفلسطيني next post هل تروي صحراء ليبيا عطش فرنسا للنفوذ الأفريقي؟ You may also like ” لا أرض أخرى” فيلم إشكالي عن الأمل... 16 مارس، 2025 تاركوفسكي لم “يؤفلم” دوستويفسكي لأنه موجود 16 مارس، 2025 روبير جولان يسترجع تاريخ الإبادة العرقية ليدين الغرب 16 مارس، 2025 العباسيون تفاعلوا حضاريا مع أعدائهم البيزنطيين 16 مارس، 2025 سمير قسيمي يجعل من السلحفاة بطلة نسائية 15 مارس، 2025 لماذا ركز حفل الأوسكار على بوند وترك لينش... 15 مارس، 2025 هكذا تدلى ابن خلدون من أسوار المدينة للقاء... 15 مارس، 2025 رائد الكوميديا المغربية محمد الجم يعود الى التلفزيون 15 مارس، 2025 “حكي العوام” لشربل داغر: خريطة الأدب الجينية 15 مارس، 2025 “نزوى” العمانية : يحيى الناعبي في حوار (الفكر... 15 مارس، 2025