سوريون يلوحون بعلم روسيا وصورة الأسد خلال تجمع لدعم روسيا في دمشق، في 25 مارس 2022 (أ ف ب) عرب وعالم رياح القلق تتقاذف الأسد في صقيع منفاه بموسكو by admin 20 فبراير، 2025 written by admin 20 فبراير، 2025 22 أصوات تطالبه بدفع بدل “خدمات روسيا” له وعائلته مهدت للهرب بشراء العقارات اندبندنت عربية / سعيد طانيوس كاتب لبناني آثر بشار الأسد سلامته الشخصية وسلامة عائلته وأقربائه، ففر هارباً إلى روسيا تاركاً “ملكاً رئاسياً” ورثه وأضاعه لأنه “لم يستطع الدفاع عنه كالرجال”، لكنه حين وصل إلى العاصمة الروسية سالماً سليماً معافى، فقد سلامه الداخلي وانسجامه الوجداني ورضاه النفسي، على رغم عيشه في ملكه الفاخر ببرج عاجي يطل على رياض موسكو ونهرها وأضوائها المتلألئة في الأمسيات والليالي الطوال في أشهر الشتاء التي استضافت الصقيع والبرد والثلج التي استوطنوها قبل أن تستضيفه. فقد الرئيس السوري المخلوع سلامه الداخلي ليس فقط لأنه أضاع “ملكاً” تمسك به بنواجذه طويلاً، وأراق الكثير من الدماء على جوانبه، بل لأن مصيره أصبح على كفّ عفريت ومعلقاً على شحطة قلم في الكرملين، أو على مفاوضات يجريها “القيصر” فلاديمير بوتين مع أحمد الشرع، الرئيس الجديد الذي أزاح الأسد من قصر الرئاسة وحلّ محله، بعد أن استوطنه لمدة ربع قرن، شهدت البلاد خلالها أنهاراً من الدم وخراباً ودماراً وفقراً وفساداً. الأسد في ملجأه الفاخر في موسكو قلق كأن ناراً تحته تكويه وتتقاذفه، ففي الركن زوجته وأمّ أطفاله تئن من أوجاع المرض الخبيث الذي ينهش جسدها النحيل، ومن ندوب الدهر الذي أجبرها على العيش في عاصمة تفتقد الودّ والانسجام معها. وفوق ذلك يستشعر أن عاصمة الصقيع وأهلها ونُخبها بدأوا سريعاً بضيقون ذرعاً به وباستضافته كلاجئ، فأخذوا يطلقون تصريحات تطالبه بردّ الجميل ودفع ما يتوجب عليه بدل إنقاذه من دون نظامه، وتأمين سلامته الشخصية من دون سلامة بلاده. مطالبة الأسد بـ”فدية” اللجوء فها هو نائب رئيس مجلس النواب الروسي (الدوما) دميتري كوزنيتسوف، يعلن يوم الإثنين 17 فبراير (شباط) الجاري، أن الأسد الذي حصل على حق اللجوء في روسيا، “اعتقدنا أنه قد يساعد الروس كعلامة على الامتنان، لكن حتى الآن لم تتم معاينته وهو يفعل ذلك”. وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وكان كوزنيتسوف المنتمي إلى حزب “روسيا العادلة-الحياة” قد اقترح بعد أيام قليلة من لجوء الأسد إلى موسكو في 8 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، إرسال الرئيس السوري المخلوع لإعادة بناء مدينة ماريوبول الواقعة على البحر الأسود، والتي دمرتها الحرب الضارية التي دارت فيها بين الجيشين الروس والأوكراني أواخر عام 2022 قبل أن تسقط بيد القوات الروسية. وقال كوزنيتسوف في تصريح صحافي “يريد ناخبونا أن ينفق الحكام ورجال الأعمال الأجانب، لأسباب إنسانية، أموالهم الكثيرة على مساعدة الشعب الروسي كعلامة على الامتنان لروسيا ورداً لجميلها عليهم. حتى الآن، لم يقم الأسد أو ممثلو النخبة الأوكرانية بشكل خاص بهذا الأمر. من العار أن يفوتوا الفرص ويضيعوا الوقت الثمين”. وأضاف “لم يلغ أحد محكمة الضمير والتاريخ”. بوتين مستقبلاً الأسد في الكرملين بموسكو في 13 سبتمبر 2021 (أ ف ب) صمت وحصار ليس هناك من شخص على وجه الأرض يعرف أكثر من بشار الأسد أسرار وخبايا وألغاز السقوط السريع والمريع لنظامه الذي قاوم الانهيار طيلة 14 سنة ثم تهاوى كأوراق الخريف في أقل من 14 يوماً أمام عاصفة هجوم مناوئيه. لا أحد يعلم متى وأين وكيف سيتواصل بشار الأسد مع الصحافة، ليبوح بما في قلبه وذاكرته من معلومات ومحظورات خطيرة قد تكشف أسراراً كثيرة. لكن الأكيد أن وسائل الإعلام الروسية تتعامى بقدرة قادر وأمر صادر عن تغطية أنشطة عائلة الأسد في موسكو. فالصحافيون الروس يعلمون علم اليقين أن هناك تعميماً شفهياً غير مكتوب يحظر عليهم فتح سيرة الأسد أو التطرق لحياته وحالته وأوضاعه في منفاه الجديد، فليس هناك من صحافي واحد يجرؤ على انتهاك الحظر والحديث علناً عن مكان إقامة الأسد وأفراد الأسرة، وما يفعلونه أو كيف يقضون أوقاتهم في ملماتهم داخل نفق المنفى الذي وجدوا أنفسهم فيه بين ليلة وضحاها. ويصل الأمر إلى حدّ أن الكرملين الذي منح الأسد حق اللجوء، يحظر عليه حتى الوقوف أمام الصحافيين المعتمدين لشكره على هذه اللفتة أو للإشادة بكرم روح روسيا ومدى جودة الحياة فيها، ربما لأن السلطات في الوقت الحالي، تخشى أن يعكر هذا مزاج السلطات السورية الجديدة، ويزعج الرئيس الجديد أحمد الشرع. فكل شيء بحساب، كما يقول بوتين، فأقراص اللحم على حدة، والذباب الذي يحوم حولها على حدة، إذا لم يكن لديك ما تكسبه منها. فأي تصريح أو تلميح يصدر عن الأسد المعزول قد يضر بالكرملين في مفاوضاته مع السلطات السورية الجديدة للحفاظ على القواعد العسكرية الروسية في سوريا. “شبل” الأسد لكن هذا الحصار الإعلامي المطبق على الأسد الأب والذي يمكن اعتباره أحد شروط منحه اللجوء لأسباب إنسانية، لم يمنع نجله حافظ الذي يدرس في روسيا ويقيم فيها بصفة طالب دراسات عليا وليس لاجئاً، من أن يروي قصة ليلة الهرب من دمشق، ويعلن فيها أن “سوريا مرت على مدى الـ14 عاماً الماضية بظروف لم تكن أقل صعوبة وخطورة من التي مرت بها في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) وبداية ديسمبر (كانون الأول) الماضيين”. وأن “من أراد الهرب لكان هرب خلالها، وبخاصة خلال السنوات الأولى عندما كانت دمشق شبه محاصرة وتُقصف يومياً، وكان الإرهابيون على أطرافها واحتمال وصولهم إلى قلب العاصمة قائماً طوال تلك الفترة”. وتابع قائلاً “لم تكن هناك تحضيرات أو أي شيء يوحي بمغادرتنا، إلى أن وصل بيتنا في حي المالكي مسؤولان كبيران من الجانب الروسي بعد منتصف الليل، أي فجر يوم الأحد 8 ديسمبر، وطلبا انتقال الرئيس إلى اللاذقية لبضعة أيام بسبب خطورة الوضع في دمشق، وإمكانية الإشراف على قيادة المعارك من هناك، باعتبارها كانت لم تزل مستمرة على جبهتي الساحل وسهل الغاب”. وأضاف، “في ساعات النهار الأولى، أي الأحد، كان من المفترض أن نتحرك من قاعدة حميميم الروسية باتجاه الاستراحة الرئاسية في منطقة برج إسلام، والتي تبعد عن القاعدة بالطريق أكثر من 40 كيلومتراً، ولكن محاولات التواصل مع أي أحد من العاملين فيها باءت بالفشل حيث كانت جميع الهواتف التي تم الاتصال بها مغلقة، وبدأت ترد المعلومات بانسحاب القوات من الجبهة مع الإرهابيين وسقوط آخر المواقع العسكرية”. وتابع “في نفس الوقت بدأت الهجمات المتتالية بالطيران المسير تستهدف القاعدة، وتزامن ذلك مع إطلاق نار قريب وبعيد في محيطها، وهذه الحالة استمرت طوال فترة تواجدنا هناك. بعد الظهر، أطلعتنا قيادة القاعدة على خطورة الموقف في محيطها، وأبلغتنا بتعذر الخروج من القاعدة، نظراً لانتشار الإرهابيين والفوضى وانسحاب الوحدات المسؤولة عن حماية القاعدة، بالإضافة إلى انقطاع الاتصال مع كافة القيادات العسكرية، وأنه بعد التشاور مع موسكو، طلبت القيادة الروسية منهم تأمين انتقالنا إلى موسكو، حيث أقلعنا باتجاهها على متن طائرة عسكرية روسية، ووصلنا إليها في الليل، ليل الأحد في الثامن من ديسمبر”. كثيرون قرأوا في هذه الرواية تلميحاً إلى أن هناك من أخرج الأسد وعائلته من سوريا، وأن عملية هربهم ولجوئهم إلى روسيا لم تتم بمحض إرادتهم ولا باختيارهم، وهنا تثور أسئلة حول الدور الذي لعبته روسيا وقواتها واستخباراتها في عملية عزل الأسد ونقله إلى موسكو وتسليم البلاد إلى مناوئيه. تمكنت السلطات الروسية من الفرض على وسائل الإعلام في البلاد التعتيم على كل ما يتعلق بالأسد وعائلته في موسكو، لكنها لم تقدر على منع وسائل التواصل الاجتماعي والدوائر الاجتماعية النخبوية في موسكو، من تداول الإشاعات حول تجارب عائلة الأسد في موقعها الجديد. كما أن قنوات “تيليغرام”، وهي أداة فعالة إلى حد ما في المشهد الإعلامي الروسي المكبوت، لا تصمت أيضاً، حيث تقدم الكثير من المعلومات التي لا تخلو من الإشاعات، والتي تقول إحداها إن الأسد قد يلجأ لمزاولة مهنته الأصلية ويفتتح عيادة لطب العيون في العاصمة الروسية. وتضيف القناة الروسية المشهورة على “تيليغرام”، أنه “حتى في شبابه، أثناء إقامته في لندن، كان طبيب عيون ناجحاً، وهو الآن يخطط لافتتاح عيادة خاصة لطب العيون في روسيا. وأن آخر مرة عمل فيها كطبيب كانت منذ ربع قرن تقريباً”. الآن أصبح أمر واحد واضحاً، وهو أن الأسد لن يختفي ببساطة من الخريطة السياسية للعالم. وبينما يظل صامتاً صمتاً مطبقاً، تواصل وسائل الإعلام العالمية التكهنات والنقاشات حول “عطلته السياسية في موسكو”. اللجوء المخطط والمحسوب استقر رئيس النظام السوري المخلوع في موسكو بعد انتقال السلطة في بلاده إلى المعارضة. وكتبت وسائل إعلام روسية أنه قبل فترة طويلة من الإطاحة به كان يسحب الأموال نقداً ويشتري عشرات الشقق في العاصمة الروسية، لتأويه مع زوجته وأولاده الثلاثة، الذين تتراوح أعمارهم بين 21 و22 و24 سنة. ويبدو أن الأسد كان يشتبه في أن سلطته تقترب من نهايتها، إذ اكتشف صحافيون وثائق أظهرت أنه في الفترة بين عامي 2018 و 2019، نقل الجانب السوري نحو طنين من الأوراق النقدية من فئة 100 دولار و500 يورو إلى موسكو بالطائرة، بحسب ما ذكرت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية. على مدى عام ونصف العام، كان هناك أكثر من عشرين رحلة “مالية” من هذا القبيل. وبناءً على ذلك، وبحسب وسائل إعلام غربية، تم نقل نحو 250 مليون دولار من دمشق إلى البنوك الروسية. وبالمناسبة، يقولون إن زوجة رئيس النظام السابق، أسماء الأسد ترأست مجلساً اقتصادياً رئاسياً سرياً في سوريا لمدة 10 سنوات. وبفضل ذلك، وحتى في ظل خزانة فارغة، كانت للأسد وأقرب مساعديه سيطرة شخصية على ما تبقى من اقتصاد البلاد وتهريب الوقود. ويبدو أن الأسد كان يحضّر طرق الهرب بنفسه مسبقاً. وكتب الباحثان أندريه سولداتوف وإيرينا بوروغان في ربيع عام 2022 أنه “حتى في ذلك الوقت، لم يشك أحد في أن بوتين سيمنح بشار الأسد اللجوء إذا سقط نظامه”. وأشاروا في الوقت نفسه إلى أن الصحافيين الذين يبحثون عن ممتلكات الأسد في موسكو حددوا منذ عام 2019 19 شقة قد تكون مملوكة لأفراد من عائلة رئيس النظام السوري السابق. وبطبيعة الحال، في الوقت الراهن كل هذا مجرد كلام من دون أي تأكيد وثائقي واحد. ولكن من المعروف أن السوريين العاديين عاشوا في السنوات الأخيرة في فقر، وأن البلاد تعاني من التضخم والبطالة المستشرية. ويرفض السكرتير الصحافي للكرملين، دميتري بيسكوف، بشكل قاطع إعطاء أي تفاصيل حول حياة ودور الأسد على الأراضي الروسية. ويوضح فقط أنه ليس من الممكن منح أي شخص وضع اللاجئ لولا قرار بوتين. ويضيف بيسكوف أن “جدول أعمال الرئيس لا يتضمن لقاءً مع الأسد” على رغم أن الرئيس الروسي أعلن في مؤتمره الصحافي الكبير في 19 ديسمبر الماضي عزمه على اللقاء معه. يدرس أبناء الأسد في جامعة موسكو الحكومية، كما دافع ابنه الأكبر حافظ أخيراً عن أطروحته وحصل على درجة الدكتوراه في الفيزياء والرياضيات. وتتلقى أسماء الأسد العلاج في موسكو من إصابتها بسرطان الدم، الذي تم تشخيص إصابتها به مرة أخرى في مايو (أيار) الماضي. الأسد ملتقياً نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين في دمشق، في 26 يونيو 2023 (سانا/ أ ف ب) ماذا يملك الأسد في روسيا؟ أفاد صحافيون روس على معرفة سابقة بالرئيس السوري المعزول، بأن الأسد لم يكن يريد الانتقال إلى روسيا، لكنه أدرك أن احتمالات هذه الخطوة غير المرغوبة كانت عالية، إذ عارضته جهات قوية، غامضة وغير غامضة. ولذلك، بدأ مع أفراد أسرته، بالاستثمار في العقارات في موسكو مسبقاً. في عام 2019، ظهرت معلومات تفيد بأن آل مخلوف، أقارب رئيس النظام السابق من جهة والدته، استحوذوا على ما لا يقل عن 19 شقة في أبراج موسكو من خلال شركات وهمية خلال السنوات الأولى من الحرب الأهلية السورية. وتبلغ المساحة الإجمالية للسكن 1342 متراً مربعاً، وتقدر قيمته بأكثر من 40 مليون دولار أميركي. ويعتقد الخبراء أن الرئيس السابق وعائلته استقروا في إحدى الشقق الفاخرة في أبراج العاصمة. ومعروف أن هذه الشقة الكائنة في الطابق العشرين، مسجلة باسم كندة مخلوف، زوجة ابن خال الأسد، الرئيس السابق لقوات الأمن السورية حافظ مخلوف، الذي يملك شقة في الطابق الستين من المبنى نفسه. وفي الطابق الثاني من المبنى يقع عقار زوجة شقيق رامي مخلوف الأكبر، رزان عثمان. كما تملك أختها، بدورها، شقة في الطابق 54 من ناطحة السحاب. وفي الطابق الثامن والعشرين، يمتلك اثنان آخران من أقارب الأسد شقتين، وهما: الرائد السابق في المخابرات السورية إياد مخلوف، وشقيقه التوأم إيهاب. وقبل عامين أسسا في موسكو شركة لشراء وبيع وتأجير العقارات تحت اسم “مدينة زافيليس” بمكتب ليس بعيداً من المنزل، على جسر بريسنينسكايا. ووفقاً للبيانات المفتوحة، فإن مخلوف هو أيضاً مؤسس شركة “أيستي أل أل سي” منذ 21 مارس (آذار) 2018 وشركة “غلوبال غروب” منذ 15 مارس 2018. وإضافة إلى العقارات في المدينة، أصبح أبناء أعمام الأسد وأقارب آخرون له، مالكين لما لا يقل عن 20 شقة في مناطق مختلفة من موسكو. أصول الأسد في الخارج وإضافة إلى كل ما سبق، تملك عائلة الرئيس السابق عقارات في دبي بقيمة 43 مليون دولار، وشقق في رومانيا، و18 حساباً في فروع بنك “أتش أس بي سي” (HSBC) في جزر كايمان وجزر فيرجن البريطانية. ويزعم الأميركيون أنهم تمكنوا من اكتشاف أصول في الخارج تعود لعائلة زوجة الأسد، ووالدته أنيسة مخلوف، وعمه رفعت. وذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن الأخير يملك عقارات في فرنسا تبلغ قيمتها نحو 90 مليون يورو. لكن في عام 2019، أصدرت محكمة في باريس حكماً بمصادرة هذه الأصول. وقال المحامون إنهم يعتقدون أن عائلة مخلوف ستستفيد من الاستثمار وتمويل الأسد، الذي يخضع لعقوبات من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بحسب الحاجة. جار غير عادي يستقبلك مركز الأعمال حيث يقيم الأسد في مدينة موسكو، كما هي الحال دائماً، بمناظر المدينة المستقبلية. هنا، تتحرك روبوتات التوصيل في كل مكان، وتُعرض السيارات الفاخرة باهظة الثمن في واجهات المتاجر، والضوء القادم من النوافذ العديدة، الممتد إلى ما وراء السحاب، يجعلك تشعر بالدوار حرفياً. وهنا يقال إن أبناء أعمام بشار الأسد وأقاربهم اشتروا ما لا يقل عن 20 شقة بقيمة 40 مليون دولار بين عامي 2013 و2019. وتعيش عائلة بشار الأسد حالياً في أحدها. لا تحتوي ناطحات السحاب على مداخل بالمعنى المعتاد للكلمة. تم تصميم مداخل الأبراج على غرار القاعات الكبيرة في الفنادق ذات الخمس نجوم، مع تشطيبات باهظة الثمن، وكراسٍ بذراعين، وأرائك، وطاولات قهوة. خلف الباب الدوار، يتحكم الأمن ليس فقط بمدخل غرفة المصعد والممر الذي يوصل إلى المصاعد بل بكل حركة أو إشارة تصدر من كاميرات المراقبة التي تتولى نقل كل ما يدور حولك بالصورة والصوت والوقت الحقيقي. لا أزرار هنا لاستدعاء المصاعد، المحظوظون من أصحاب العقارات الفاخرة هنا يخرجون بطاقة ممغنطة يستطيعون من خلالها استدعاء المصعد. الأرضية تلمع بالرخام المصقول. تمتد الممرات الواسعة إلى مداخل للشقق الفاخرة على كلا الجانبين. وبحسب السجلات العقارية فإن الشقق الفاخرة في ناطحة السحاب الروسية تعود إلى أبناء خال الأسد، حافظ وإياد وإيهاب مخلوف، وشقيقتهم كندة مخلوف، ورزان عثمان، زوجة ابن خال آخر لرئيس النظام السوري السابق، رجل الأعمال رامي مخلوف. وكما ذكرت صحيفة “فايننشال تايمز”، يملك حافظ أيضاً شقة مكونة من ثلاث غرف على بعد بضع دقائق بالسيارة من مدينة موسكو. ويزعم مصدر في جهاز المخابرات العامة الروسي أن أقارب الأسد لم يشتروا هذه الشقق في مدينة موسكو، بل حصلوا عليها كجزء من الأرباح مقابل استثمارات في بناء برج نيفا. ويشير إلى أن عائلة مخلوف اشترت أيضاً منزلاً جديداً في العاصمة الروسية هو عبارة عن شقة بمساحة تزيد على 300 متر مربع، في شارع كليماشكينا في منطقة محطة مترو “أوليتسا 1905 غودا”، حيث يقضي أطفال حافظ أوقاتهم هناك، وحيث يقيم أيضاً طاقم الأسد من مترجمين وسائقين وحراس أمن بعد انتقالهم إلى روسيا. وقدرت وزارة الخارجية الأميركية صافي ثروة عائلة الأسد بما يتراوح بين مليار وملياري دولار، لكن من الصعب حسابها بدقة أكبر لأن الأصول “موزعة ومخفية في العديد من الحسابات، ومحافظ العقارات، والشركات، والاستثمارات الخارجية”. وبينما تقول صحيفة “التلغراف” أنه “لن تكون هناك وجبات عشاء دافئة في الكرملين، إلا أن بشار الأسد لا يزال يشرب الشمبانيا ويأكل الكافيار في حياته الجديدة الفاخرة في المنفى”، يشير رئيس جهاز الاستخبارات البريطاني السابق (أم آي 6) أليكس يانغر إلى أن الأسد وعائلته سيواجهون بدلاً من ذلك “تدهوراً دراماتيكياً في الظروف المعيشية” مقارنةً بالرفاهية التي اعتادوا عليها في دمشق. ويوضح أن روسيا لديها “أولوية أكثر أهمية بكثير، وهي أوكرانيا”. الوضع القانوني للأسد في روسيا رسمياً، لم يتم تحديد وضع الرئيس السوري المخلوع علناً، لكنه قد يصبح من أوائل الحائزين على اللجوء السياسي في روسيا منذ عام 1992، بحسب صحيفة “كوميرسانت”. وفي أغلب الحالات، يُمنح الأجانب حق اللجوء المؤقت، وهو ما استخدمه الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش وموظف وكالة الأمن القومي الأميركية السابق إدوارد سنودن. وأوضح محامي سنودن، أناتولي كوتشيرينا للصحيفة، أن اللجوء السياسي يمنحه الرئيس الروسي، في حين تدرس “هيئة الهجرة” طلبات اللجوء المؤقت. وأضاف أن الحصول على اللجوء المؤقت “ليس بالأمر السهل”. فهو يعطي حقوقاً أقل ويتطلب التجديد كل عام. يسمح وضع اللاجئ بالحصول على بوليصة تأمين طبي وبطاقة بنكية، ويمنح الحق في البقاء والعمل في روسيا. ويسلم حاملو هذا الوضع جوازات سفرهم الوطنية إلى هيئة الهجرة للحفظ، ويحصلون في المقابل على شهادة لجوء مؤقت. “لا يوجد حالياً الكثير من الأشخاص الحاصلين على اللجوء السياسي في روسيا. كانت هناك حالات معزولة. وتم تطوير نوعين من الأوضاع بموجب القانون: وضع اللاجئ واللجوء المؤقت. لكن حالات منح وضع اللاجئ نادرة للغاية، إذ يبلغ عددهم نحو 300 شخص فقط”، بحسب ما قالته إيلينا بورتينا، عضو لجنة المساعدة المدنية للصحيفة. يمكن تفسير قرار فلاديمير بوتين بمنح اللجوء لبشار الأسد بدوافع براغماتية كما يقول عالم الاجتماع والناشط السياسي إيغور إيدمان. وفي رأيه، فإن بوتين يثبت بذلك عمداً أنه “لا يتخلى عن أنصاره” في المتاعب. ويضيف في تعليق لإذاعة “صوت أميركا الروسية”، أن “الرئيس الروسي يساعدهم حتى عندما يفشلون في كل خطط موسكو المتعلقة بهم ويجدون أنفسهم عاطلين من العمل. دعونا نتذكر الرئيس الأوكراني الأسبق فيكتور يانوكوفيتش، على سبيل المثال. وتعرض يانوكوفيتش لانتقادات شديدة في وسائل الإعلام الروسية، وكان بوتين نفسه حزيناً للغاية لأن تلميذه تراجع وهرب من أوكرانيا”. وفي حالة بشار الأسد، كان بوتين يسترشد بالاعتبارات نفسها تقريباً، لقد تعاونت عائلة الرئيس السوري المخلوع مع موسكو لمدة 50 سنة تقريباً، بما في ذلك خلال الفترة السوفياتية. ولهذا السبب لم يترك بوتين الأسد لمصيره. وربما لم يفقد الكرملين الأمل بعد في استخدامه لأغراضه الخاصة بطريقة أو بأخرى. صورتا بوتين والأسد مشوهتان فوق مدخل مبنى يقال إن الجيش الروسي يستخدمه في بلدة البصة بمحافظة اللاذقية ،في 12 ديسمبر 2024 (أ ف ب) الأسباب الوجيهة لقلق الأسد الآن تتكشف العقدة الرئيسة بالنسبة لموسكو حول القواعد العسكرية الروسية في سوريا في طرطوس وحميميم. وتقع حميميم في محافظة اللاذقية، حيث كانت لعائلة الأسد في السابق مكانةً قوية هناك. وبطبيعة الحال، فإن قضية القواعد ستحسمها الحكومة الجديدة، ولكن مع ذلك يحاول بوتين فتح خطوط اتصال مباشر مع الرئيس السوري أحمد الشرع للحفاظ على هذه القواعد، وهذا ما يزيد قلق الأسد ويفاقم مخاوفه، لأن هذا الأمر قد يضطره لدفع ثمن باهظ، خصوصاً وأن الشرع طالب مبعوث الرئيس الروسي ميخائيل بوغدانوف عندما التقاه للمرة الأولى في فبراير (شباط) الجاري، بتسليم الأسد ليواجه محاكمة من قبل خصومه. ومع أن الشيء الأساسي هنا لا يزال الرغبة في إنقاذ موسكو لأحد حلفائها القلائل بشكل واضح، وهذا تقليد موروث من تقاليد الاتحاد السوفياتي، إلا أن حلفاء روسيا الجديدة لم يعودوا واثقين من وفائها لهم بشكل قاطع لا لبس فيه، بعد أن تخلت عن الأيديولوجيا والمبادئ وصارت تسترشد بمصالحها قبل مبادئها، لذلك يجب عليهم ألا يكونوا واثقين من أن الكرملين سيساعدهم في الأوقات الصعبة، إذا تعارضت هذه المساعدة مع مصالح الكرملين العليا. المحاضر في كلية العلوم الاجتماعية بجامعة تشارلز في براغ، دميتري دوبروفسكي، يعتبر أن كل شيء أصبح أبسط بكثير. وبحسب قوله، فإن “روسيا عادت لتلعب ببساطة دور القوة العظمى، التي مثل الولايات المتحدة أو فرنسا أو بريطانيا، توفر اللجوء لرؤساء الدول المعزولين، بعد أن تخلت عن ذلك إثر انهيار الاتحاد السوفياتي وطردت رئيس ألمانيا الشرقية المخلوع، إريك هونيكر، من أراضيها آنذاك مسايرةً للغرب الذي فتح ذراعيه لها”. وأضاف “هناك مقولة شائعة في روسيا مفادها بأن بوتين لديه خصوصية احترام تعهداته التي يلاحظها الجميع، فهو يستطيع أن يبصق على أي اتفاق باستثناء الاتفاقات الشخصية. وأعتقد أنه لديه التزامات شخصية تجاه الأسد، وكذلك تجاه كل أنواع الحكام الهاربين الآخرين من حلفائه. على سبيل المثال، استوطن في موسكو في وقت ما، عسكر أكاييف، الرئيس السابق لقيرغيزستان، الذي فر من بيشكك، والرئيس الأوكراني المخلوع فيكتور يانوكوفيتش وآخرون. لذا أعتقد أن بوتين يتصرف وفقاً لمنطقه الخاص في هذه الحالة أيضاً”. من حيث المبدأ، هذه ممارسة راسخة في العديد من البلدان، كما يقول دميتري دوبروفسكي، “لنفترض أن بعض الشخصيات البغيضة للغاية من المستعمرات الفرنسية السابقة حصلت على مأوى في فرنسا. وكذلك فإن بوتين يفكر بنفس الروح تقريباً. نعم فهو يلتزم بالاتفاقيات الشخصية. علاوةً على ذلك، فإن هذه ممارسة طبيعية لدى رؤساء القوى العظمى التي اعتاد الزعيم الروسي على التعريف بنفسه من خلالها. لهذا السبب يتصرف بهذه الطريقة.” إن خسارة روسيا لنفوذها في سوريا أمر مميز ودال للغاية، ولكن من السابق لأوانه استخلاص استنتاجات حول العواقب السلبية العالمية على الكرملين، فعندما سحب الأميركيون قواتهم من أفغانستان، لم يعلن أحد أن انهيار الولايات المتحدة قد حدث. نعم كان هناك فشل لسياسة الكرملين في سوريا. ولكن إلى حد أكبر، هذه قصة عن مدى استحالة الاحتفاظ بالسلطة باستخدام الحراب وحدها. فكما قال نابليون، يمكنك أن تفعل أي شيء بالحراب، ولكن لا يمكنك الجلوس معها. من حيث المبدأ، أمضى الأسد وقتاً طويلاً في إثبات العكس، لكن هذا لم يكن من الممكن أن يستمر إلى ما لا نهاية. أما في ما يتعلق بمعنى الوجود العسكري الروسي في سوريا وتبرير الخسائر التي تكبدتها روسيا هناك، فإن هذا السؤال اليوم، على خلفية المشكلات الأخرى التي يواجهها الكرملين، يبدو بلاغياً إلى حد ما. وبحسب مصادر متطابقة، قُتل ما لا يقل عن 543 من العسكريين الروس وضباط الاستخبارات ومسلحي شركة “فاغنر” الأمنية الخاصة في سوريا منذ عام 2015. القلق الرئيس الآن في روسيا ومنطقة الشرق الأوسط بأسرها ليس مصير الأسد، بل هو القلق بشأن الطبيعة غير المتوقعة للقوى التي استولت على السلطة في سوريا. فمنذ بدء الحرب الأهلية هناك تم اعتبارهم أحد فروع تنظيم “القاعدة”، وعلى رغم أنهم الآن يظهرون سلوكاً مختلفاً عن ذي قبل، وأكثر تحضراً، إلا أن المنطقة بأسرها لا تزال في حالة صدمة. وستنتظر دول الشرق الأوسط بفارغ الصبر لمعرفة كيف ستتطور الأحداث داخل سوريا. لقد فرّ بشار الأسد من البلاد حتى لا يلاقي مصير القذافي في ليبيا، أو مصير صدّام حسين في العراق. ونحن بحاجة إلى مراقبة نوع الحكومة التي ستشكلها القوى التي سيطرت على مقاليد السلطة الآن. ومن الصعب أن نتصور أنهم سيشكلون حكومة ديمقراطية شاملة. كل هذا يمكن أن يخرج عن السيطرة بسرعة، فالتغيير الدراماتيكي للنظام يمكن أن يؤدي إلى حرب أهلية، كما هي الحال في ليبيا. اعترفت روسيا علناً بأن السلطات السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع طالبتها بتسليم الأسد، لكنها لم تقدم رداً على هذا الطلب الصعب والمعقد والذي فيه الكثير من الإحراج، لذلك فإن الأمور مرهونة بأوقاتها وبتطوراتها، فإذا ما نجح الكرملين في كسب ودّ السلطات الجديدة في سوريا، وموافقتها على إبقاء قاعدتيه العسكريتين المهمتين في طرطوس وحميميم، مقابل تقديمها مساعدات عسكرية وغذائية ومالية عاجلة تشكل نوعاً من التعويضات، فعندها سيكون على الأسد أن يختار منفى آخر في دولة من الدول التي ساندته وأيدته قبل سقوطه، ولا أستبعد أن يكون منفاه الجديد في بيلاروس المجاورة التي تربط الأسد برئيسها ألكسندر لوكاشينكو علاقات صداقة وتعاون قديمة. المزيد عن: روسياسوريابشار الأسدفلاديمير بوتيناللجوء السياسيأسماء الأسدحافظ بشار الأسدآل مخلوفموسكوأحمد الشرعقاعدة حميميمقاعدة طرطوس البحرية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post خطوط نتنياهو الحمر تصادر “اليوم التالي” مسبقا next post كابل بحري يربط كيب بريتون بنيوفاوندلاند قُطع عمداً مرّتيْن You may also like خطوط نتنياهو الحمر تصادر “اليوم التالي” مسبقا 20 فبراير، 2025 لماذا اعتذرت “بي بي سي” عن فيلم حول... 20 فبراير، 2025 حفتر وحكومة المركز… صراع السيطرة على النفط في... 20 فبراير، 2025 “توابيت سوداء”… “حماس” تثير غضب إسرائيل خلال تسليم... 20 فبراير، 2025 جونسون: “وعد بلفور كان دولتين”… علينا أن نفي... 20 فبراير، 2025 “ريفييرا” الشرق الأوسط… تدخل لبنان في الاختبار الصعب 20 فبراير، 2025 تهجير سكان غزة… إسرائيل جاهزة بخطة التنفيذ 20 فبراير، 2025 المغرب يحبط مخططا إرهابيا بتحريض من “داعش” 20 فبراير، 2025 تسليح الجيش المصري… التنويع للهرب من المأزق الأميركي 20 فبراير، 2025 زمن “الثنائي” الأول تحوّل: التعيينات أول الغيث 20 فبراير، 2025