الأحد, ديسمبر 29, 2024
الأحد, ديسمبر 29, 2024
Home » روجي غارودي: بابلو بيكاسو حول وظيفة الفن وقيمته الجمالية

روجي غارودي: بابلو بيكاسو حول وظيفة الفن وقيمته الجمالية

by admin

هذه الترجمة مهداة للبروفيسور الشريف طاوطاو

كوة / ترجمة: كمال بومنير

النص:

ليست وظيفة العمل الفني إعادة إنتاج العالم بل إنّ وظيفته الأساسية هي التعبير عن تطلعات الإنسان. وقد يتحقّق هذا الغرض ربما من خلال الهروب من العالم، أو على العكس من ذلك، من خلال تغييره، وهذا بحسب “الذات” من حيث هي ذات فرديةٌ غاضبةٌ وعاجزةٌ، أو قوة تاريخية واجتماعية تضع نصب أعينها بناء المستقبل. وليس بغير ذي أهميةٍ أن نلاحظ أنّنا –والحقُ يقال-أمام نوعين من الفن؛ الفن المتهرّب من الواقع والفن الثوري. والحالُ أنّ الأمر هنا ليس بيّنا فيما يخص هذه المسألة داخل الحركة الإبداعية نفسها. والجدير بالذكر بهذا الصدد هو أنّ فن بيكاسو لم يكن في عام 1907 مرتكزا على أي دلالة اجتماعية. ومع ذلك، يمكننا القول إنّ أعماله الفنية تضمنت -من دون شك- هذه الدلالة. ما يفضي إلى القول، وبخلاف التصوير الفوتوغرافي، إنّ الحياة الحقيقية للوحة ودلالتها مستقلة عن حياة ودلالة ما كانت تمثله.فمعلومٌ أنّ موضوع لوحة آنسات أفنيون مثلا كانت خالية من مثل هذه الدلالة. ولكن ومع ذلك، افتتحت هذه اللوحة مستقبلا كبيرا وكشفت، كما تقول غرتروده شتاين Gertrude Stein : “إنّ واقع القرن العشرين ليس هو واقع القرن التاسع عشر، بل ليس واقعا بالمرة. غير أنّ بيكاسو هو الفنان الوحيد الذي شعر بذلك حينما كان يرسم”. وهكذا، سيعرف فن الرسم، مع بيكاسو والحركة التكعيبية Cubisme قلبا جدليا ٌRenversement dialectique شبيها لما حدث في الحركة الانطباعية Impressionnisme. الأمر اللافت بلا شك هو أنّ غرض بيكاسو والحركة “التكعيبية” كان في بداية الأمر تعبيرا عن العالم الخارجي بواسطة تقنية دقيقة وعدم الاكتفاء بإدراك المظاهر كما فعل ذلك الانطباعيون، بل التوجه نحو الموضوع ذاته بغرض إنشاء عالم مبتكر وبنائه وفق قانون الإنسان نفسه. وعلى أية حال لم ينشغل الانطباعيون بالواقع التاريخي والاجتماعي، ففي نظر مونيه Monet ودوغه Degas مثلا إنّ البشر أصبحوا كجثث محنطة وهزيلة وغير متماسكة داخليا، بل وأصبحوا معزولين عن واقعهم الإنساني. ربما قد عبّر هؤلاء الفنّانون الانطباعيون بطريقة لاشعورية وبصورة تشكيلية، عن مرحلة من التطور التاريخي فقدت فيها القوى المحرّكة للمجتمع إنسانيتها، ولم تعد قادرة على القيام بأي رد فعل إنساني فعّال وواعٍ.

لم تكن أعمال بيكاسو والتكعيبيين في حدود عام 1907 احتجاجا سياسيا أو اجتماعيا تجاه الانحطاط الذي عرفه البشر وتلك القوى المنحلة والمفككة التي عرفها المجتمع المتعفن والمنحط بل مثلت، على المستوى التشكيلي، مقاومة ورد فعل الإنسان تجاه هذا الوضع المزري. وفضلا عن ذلك، وفي مقابل طمس الواقع وحضور الإنسان، أكدت الثورة الجمالية من وجهة نظر بيكاسو أولوية الإرادة الإنسانية في بناء العمل الفني. وبذلك تم تغيير علاقة الإنسان بالعالم، بحيث لم يعد الأمر مقتصرا على تلقي المظاهر العابرة فقط، وإنما وعلى العكس من ذلك تماما، تم تأكيد الجانب الفعّال فيما يخص إدراك وفهم العالم بكل ما يتضمنه من استقرار وقوة. ونرى لزاما علينا أن نؤكد مسألة مهمة هنا: فمعلومٌ انّ في هذه المرحلة كان التمرد عند بيكاسو منحصرا في المستوى التشكيلي. وقد أعاد هذا الأخير النظر في مفهومي الواقع و الجمال معا. وليس هذا فقط، بل كان يبحث عن قوانين جديدة بغية تحديد الواقع التصويري. كما أنه بحث أيضا عن معايير جديدة ومستقلة عن تلك المعايير التي تم تشفيرها لمدة ستة قرون كاملة في فن الرسم الأوربي فيما يخص تحديد مفهوم الجمال. ولعلّنا نذكّر عند هذه النقطة بأنه ليس من المجدي القول بأنّه حينما تخلى بيكاسو عن معايير المفهوم الأوربي للجمال فإنه قد اعتمد في مقابل ذلك معايير الفن الزنجي والفن ما قبل الكولومبي Précolombien أو الفن البولينيزي Polynésien . والحقُ أنّ التأثير الخارجي لا يتم بصورة عميقة إلا حينما يستجيب لتطلع وحاجة ملحة [..]

وهكذا، وقصد إعادة خلق عالم تصويري بعناصر غير مستقاة مباشرة من الطبيعة، عمل بيكاسو على تجاوز تصوّر سيزان Cézanne الذي كان يطمح بدوره إلى إعادة بناء الطبيعة وفق أحجام مختلفة “الدائرة،الأسطوانة، المخروط” وإعادة تركيب هذه الأشكال من خلال استبدال المساحات المحدّبة بمساحات مقعّرة. لذلك، وحينما تم استبعاد أو تجاوز المعايير اليونانية والمسيحية لم يتم ذلك بسبب تأثر خارجي بتقاليد دخيلة وإنما تم استبعادها وتجاوزها انطلاقا من الضرورة الجدلية الداخلية لجماليةٍ لم تعد تسمح للإنسان بتحقيق تماسكه ووحدته ضد الاغتراب الذي أصبح فريسة له، عندما أصبح يعيش في عالم يسوده اغتراب العمل وآلية معادية للإنسان في مرحلة تاريخية لم تكن شروط تغييره الثوري ممكنة مباشرة. وعلى أية حال، كان بإمكان الرسّام التشكيلي أن يهرب من الواقع، سواء من خلال تثبيته على اللوحة الجوانب اللونية الاصطناعية والعابرة، مثلما نجد ذلك لدى الانطباعيين، أو من خلال البحث عن ملاذ خارج العالم والتاريخ، في عالم تأملي وفق مقتضيات شكلية محضة قصد الوصول إلى المجرد مثلما نجد ذلك عند كاندنسكي Kandinsky وماندريان Mondrian . كما أنّه كان بإمكان الرسّام أن يحاول إنقاذ، على الأقل من الناحية التشكيلية، إمكانية بناء وضع إنساني خالص للعمل الفني المرسوم، بحيث لا يكون تابعا للطبيعة المعطاة ولا للاغتراب المفروض على الإنسان.

Roger Garaudy, D’un réalisme sans rivages. Picasso, Saint John Perse, Kafka, Paris, éditions Plon, 1963, pp 58-61.

 

 

You may also like

Leave a Comment

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00