ثقافة و فنون روؤف قبيسي يكتب عن جاد الحاج … صفحات من كتاب عمره وعمري by admin 26 ديسمبر، 2024 written by admin 26 ديسمبر، 2024 22 كانت حياة جاد الحاج كحياة البدو الرحل، مثل حطاب فأسه الأسى، كما كتب عن نفسه، وكما وصفه الراحل يوسف الخال. “النهار” اللبنانية / روؤف قبيسي يترك غياب صديق عزيز مرارة في نفوس محبيه، قدرها بقدر ما كان للراحل من مكانة في قلوبهم، وأعرف أن ما كان بيني وبين الصديق الذي أكتب عنه الآن، صفحات خاصة، بل خاصة جداً، من كتاب عمره وعمري؛ صداقة حميمة، عمّرتها الأيام على امتداد أربعة عقود ونيف، فيها تصادقنا وتآخينا، وبقينا على تواصل لم ينقطع، حيثما كان، وحيثما كنت. كانت بدايتها في لندن، أواخر سبعينات القرن الماضي في مجلة “الدستور” ثم في جريدة “المنار”، ثم في صحيفة “الحياة” اللندنية في التسعينات. لم يبلغني نبأ رحيل جاد، إلا بعد يوم من وفاته، ولم يخفف أثر ما أحدثه هذا الرحيل في نفسي، إلا حين عرفت من الصديقة غيتا حوراني، أن جاد لم يمت في أستراليا بل في لبنان، ودفن في قريته “قيتولي” التي في الجنوب، وكنت أعرف كم كانت هذه القرية غالية على قلب ابنها المهاجر. لم تغب عن باله، وظل مرتبطا بها بأمراس خفية من الشوق والحنين، ولا أنسى يوم كنت أزوره في أحد البيوت التي سكنها في إنكلترا، مشهد لوحة من الخشب، علّقها على جدار البيت من الخارج، وعليها اسم “قيتولي”، كأنه كان، عن وعي منه أو من دون وعي، يقدم لضيعته الحبيبة اعتذاراً عن غيابه القسري عنها، لكن كما لكل بداية نهاية، ها هو الشاعر قد عاد أخيراً إلى قريته، وفي خشب من نوع آخر! كانت حياة جاد الحاج كحياة البدو الرحل، مثل حطاب فأسه الأسى، كما كتب عن نفسه، وكما وصفه الراحل يوسف الخال. قبل رحيله بأيام، اتصل بي صديقي الشاعر صلاح فايق، المشرد في براري إنكلترا والفيليبين يسألني عنه، وكانت أخبار جاد انقطعت عني. أعطيته رقميه، رقمه في أستراليا ورقمه في لبنان، وحين سألني عنه قلت له إني تصلت به مرات عدة في الأسابيع الأخيرة، ولم أتلق جواباً، وأعترف بأن شيئا من الخيبة اصابني من عدم رده، ولم أعرف السبب، إلا حين أخبرتني الصديقة غيتا أنه أصيب بمرض الزهايمر وبسرطان في الرقبة، وكان عاجزا عن الكلام. حين أخطرت الصديق صلاح بذلك، كان وقع الخبر في نفسه كما هو في نفسي، وعادت إلينا ذكرى لقاءاتنا في حانات لندن، حلقات لا تعد ولا تحصى، رفقة صديقنا الراحل الياس منصور، وزوجته هدى المر، والراحل الآخر أنيس الطويل، الذي لم تترك السيجارة شفتيه ساعة من ليل او من نهار، مثلما لم يتركهما الكأس الأحمر الداكن، الذي ما شاءه على الدوام، إلا أن يكون أسكتلنديا معتقاً! وهل أنسى الفنان الصديق نبيل أبو حمد، والصحافي الراحل عدلي الحاج (شقيق الشاعر أنسي، ووالد زميلنا في الصحافة أنطوان الحاج)؟ وهل تُنسى تلك الوجوه، وجلسات السُّمر، وكانت من أجمل مراحل العمر؟ كنت أدعو صديقي تحببا بالشقي. في اليونان في الثمانينات، نزلت في بيته شهرا على ما أذكر، وكانت معنا زوجته ريموندا قبل انفصل كل واحد منهما عن الآخر، والطفلتان ربى ولورا، وكنتُ من رتّب لجاد عملاً في أثينا مع إحدى شركات النشر الكندية، بواسطة الصديق مصطفى الجندي، المقيم حاليا في إسبانيا، وكانت تربطه صداقة مع ممثل الشركة التي كانت تنشر روايات مترجمة إلى العربية تحت عنوان “عبير”. بقيت على تواصل مع جاد بعد ارتحاله عن لندن، وسفره إلى أستراليا، وخلال زياراته المتكررة إلى بيته في لبنان، وزيارتي إلى بيته الواقع على هضبة من هضاب قرية “سرعل”، في وادي “قنوبين”، أو وادي النساك، كما يعني الاسم بالسريانية. تلك سنوات طويلة خلت من أعمارنا، لا شيء بقي لي منها غير ذكرى غالية عن جاد، وصور قليلة، منها واحدة يحمل فيها ابني الصغير آدم على ظهره، وبعض كتب ممهورة بتوقيعه، وأما ما بقي منه للناس فهو للناس، مئات من المقالات نشرها في غير مجلة وصحيفة، ومجموعة كتب وروايات وقصائد، تؤرخ حياة شاعر غريب نذر نفسه للغربة. كان جاد الحاج حسب قول صديقه الشاعر عقل العويط “شاعر حياة أولاً وأخيراً، كما شاعر ترحال ومناف، وشاعر أرض في الوقت نفسه”، أما أسلوبه فكان عذبا حميما، “أنتيم”، حسب قول صديقه الآخر، الناقد عبده وازن. يودعنا جاد “الشقي” بشقاء، وداعاً أشبه بنسمة شجية من زمن ذهب ولن يعود. يترك في نفوس كل منا ذكرى ستبقى في خاطرنا مع تعاقب الأيام، وإلى زمن تأخذ السماء منا أمانتها كما يقول المؤمنون. أهو التراب يفرض العزاء، أم حزن ينتابنا على صديق رحل؟ عزاء صادق هو على أي حال، إلى من هم أقرب الناس إليه برابطة الدم، ابنتيه ربى ولورا، وشقيقه نبيل في المهجر، وشقيقاته عايدة وشادية ودلال، المقيمات في أستراليا، وإلى زوجته السابقة ريموندا، وإلى كل من عرفه من أهل وأصدقاء ومحبين 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post ندى أندراوس تكتب عن: هوكشتاين وإنجاز الرئاسة بعد وقف النار next post عقل العويط يكتب عن: سوف يصفّق في الظلام لنفسه وسوف نصفّق له دعوني أخرج لأصافح المعزّين، قال الشاعر جاد الحاج You may also like أعمال والت ويتمان الكاملة عربها عابد إسماعيل مع... 30 يناير، 2025 كاهن من كابول يطمح في أن يكون البابا... 30 يناير، 2025 “ما وراء التلال” فيلم روماني عن المنافس الوحيد... 30 يناير، 2025 التلوث يغرق العالم في “البخارة” والممثلون يبحثون عن... 30 يناير، 2025 ظاهرة الزواج العصري المأزوم في مقاربة فلسفية 30 يناير، 2025 “موجز تاريخ الأدب البولندي” يرصد محطات الشيوعية وما... 30 يناير، 2025 فيلم “الخرطوم”: توثيق إرث ضائع وسط لهيب الحرب 30 يناير، 2025 محمود الزيباوي يكتب عن: أفاعي موقع مسافي في... 28 يناير، 2025 جماليات التجريد الغنائي في لوحات جنان الخليل 28 يناير، 2025 قضايا الحرية والهوية والاغتراب تشغل 5 مجموعات قصصية 28 يناير، 2025