بأقلامهمعربي رشيد العلوي : الفلسفة والالتزام السياسي by admin 23 مارس، 2020 written by admin 23 مارس، 2020 159 موقع كوة / رشيد العلوي – الدار البيضاء / سيكون من قبيل المجازفة إقامة حد فاصل بين الفلسفة والسياسة la politique، غير أن الصلات بينهما تطرح استفهامات عدة، من جهة أن الفلسفة السياسية ليست هي فلسفة السياسة وليست هي علم السياسة، ومن جهة أن السياسة ليست هي السياسات les politiques ولا السياسي le politique. لا يوجد أي تطابق كلي بين الفلسفة والسياسة ولا أي انفصال بينهما، ففي الوقت الذي تتجه فيه السياسة – بتعبير سلافوي جيجيك S, Zizik – نحو الاهتمام بقضايا الشأن العام، نحو إيجاد أجوبة عمليّة وملموسة لمشكلات الناس، تتجه الفلسفة نحو إثارة المشكلات التي تعترض الناس في وجوده الملموس. وبهذا المعنى لا يمكن للفلسفة أن تلعب أدواراً سيّاسيّة كتلك التي تلعبها الأحزاب والجماعات الضاغطة وتنظيمات المجتمع المدني، كما لا يمكن للسياسة أن تقوم مقام الفلسفة. صحيح أن الفلاسفة لعبوا أدوارا سيّاسيّة في الدفاع والتنظير والتشريع لأنماط سيّاسيّة معينة ضد أخرى، غير أنهم لم يفعلوا ذلك باسم الفلسفة بقدر ما فعلوا ذلك كمواطنين في مجالهم وشأنهم العام. كثيرة هي الخطابات التي روجها الفلاسفة حول إصلاح الفلسفة وحول مستقبل الفلسفة كما فعل لودفيغ فيورباخ L, Feuerbach، وحول نهاية الفلسفة وضرورة تحولها إلى حارس ايديولوجيا البروليتاريا كما فعل كارل ماركس K, Marx، أو مماهاتها مع النظام العقلي – الواقِعي لحال ألمانيا مع جوروج وليام فريديريك هيجل G, W, F, Hegel، وحول صياغتها للدّستور كما فعل أرسطو Aristote وإيمانويل كانط E , Kant وهابرماس. وفي المقآبل كثيرةٌ هي الخطابَات التي روَّجها الفلاسفة حول هدم القيَّم كما فعل فريديريك نيتشه F, Nietzsche، وحول نقد الدِّين ورفض رؤى للعالم بعينها، وحول حاجتها إلى الانخراط في عبثيَّة الوجود… انطلق هنا من التمييز بين الالتزام والانخراط، فقد طالب فلاسفة كثر بأهمية الالتزام الفلسفي بقضايا الانسان عامة والشأن العمومي الذي يدخل ضمن مجال السياسة بشكل خاص، بل وخاض العديد منهم معارك السياسة كتعديل الدستور أو اقتراح دساتير في مراحل تاريخية مختلفة وفي حضارات عدة: أرسطو، كانط، هيجل، هابرماس… كما انخرط العديد منهم في المعارضة السياسية: هوبز، سبينوزا، فوكو، دولوز، جيجيك، لوك فيري… يجد مفهوم الالتزام (ليس بالمعنى الذي يمكن أن يفهم منه كجذرية أو رديكالية معتادة والتي وجدت أساسها في مفاهيم من قبيل: فلسفة الفعل، فلسفة الالتزام، فلسفة الممارسة / البراكسيس، فلسفة البروليتاريا، بؤس الفلسفة…) أساسه من الكسموبوليتية (الكونية السياسية) التي يعطيها الالتزام الأولوية حيث ينطلق من الكوني نحو الخصوصي، في حين أن الانخراط يضمن الربط بين الخصوصي والكوني منطلقا من المحلي نحو العالمي عبر القومي ويغرق أغلب الأحيان في التافه وذي غير القيمة ولكنه يهتم بشكل مباشر بالشأن العام ولا يتجاوز سقفه حيازة السلطة المحلية l’autorité locale أو الوطنية le pouvoir. يهتجس الملتزم بقضايا الكونية والإنسانية عموما من جهة ان الفرد غير متعين يهم الجميع ولا يهم أحدا في الآن ذاته، في حين يهتجس المنخرط بالقضايا المحلية وينطلق منها نحو الإنسانية عموما. الغرض من هذا التمييز هو إعطاء مفاهيم معينة قيمتها الراهنة وأقصد طبعا: السياسة، الحزب، التنظيم، وهي مفاهيم يصعب تعيين الحدود بينها بدقة، فالتنظيم هو الأساس الذي يرتكز عليه السعي وراء السلطة le pouvoir أو المشاركة السياسية، في حين أن الحزب يقيم التوازنات بين المنخرطين والمنظمين لاعطاء معنى للبرنامج السياسي، فاكراهات السياسة والحسابات السياسية قد تعصف بالقوة التنظيمية أغلب الظن لمصالح فردية ضيقة، فكيف يمكن أن نعطي للسياسة بعدها الكوني والمحلي في الآن ذاته أي ردم الهوة بين الالتزام والانخراط؟ في الوقت الذي تتجه فيه السلطة نحو التدويل صارت السياسة ضيقة أكثر فأكثر حسب تعبير سلافوي جيجيك، وهو الأمر الذي يمكن تبريره بأمرين: عوز الإمكانات:فالسلطة تحوز دوما الموارد والإمكانات الأكثر تطورا وفعالية في تدبير الشأن العام. التفاوت في توظيف الأدمغة: فالسلطة تستفيد من الخبرات العالية الكفاءة عكس السياسة التي تبخس أغلب الظن من قيمة النخب التي تحوز سلطة الامكانية، وقد يفيدنا كثيرا هنا هابرماس وماكس فيبر في الميز بين السياسي والتقنوي. تحتاج السياسة في المقام الأول إلى سياسات ناجعة ومتلائمة مع الحاجيات المستقبلية للإنسان المعاصر وليس حاجاته الراهنة، وهو ما يستوجب معرفة كيفية سبق الزمن، غير أن هذا الأمر يستدعي بدوره تجنيد الموارد والكفاءات الأكثر فعالية وغير الملوثة بالفساد وثقافة الريع وانتهاز الفرص التي تزكيها بعض النخب السياسية المرتبطة بقوى الضغط وجزء من البيروقراطية التي تتحكم في دواليب السلطة والسياسة معا. وتحتاج السياسة في المقام الثاني إلى سياسي أو سياسيين متناسبين مع وفرة الإمكانات وفعالية الكفاءات. أما في المقام الثالث والأخير فتحتاج السياسة من حيث هي التزام وانخراط إلى برنامج سياسي متناغم ناتج عن فكرة سياسية مدروسة بدقة وتستجيب لطموحات المستقبل. انطلقت قبل عرض هذا التحليل المفصل من أن الفلسفة لا تتعارض من جهة كونها فعلا تأمليا وممارسة فعلية، لأنها حاملة للحقيقة وتبحث دوما عن إضفاء المعاني على دلالة الأشياء كما هي مستمدة من الواقع، فإنتاج المفهوم لا يأتي من فراغ وإنما من الالتصاق بالواقع اليومي للإنسان. بناء عليه فالفلسفة تسعى دوما إلى الإعلان العمومي للحقيقة دون حاجة الى مصطلحات جذرية وغامضة ولكن: اين؟ ومتى؟ ومن؟ وكيف؟ يتم الإعلان عموما عن الحقيقة في مختلف لحظات الوجود البشري ولكنه محكوم بما أسميه: الان – هنا. دور الفلسفة الآن – هنا هو الكشف عن العيوب وتقويم الاعوجاجات والانذار بالمخاطر أو الاستشفاء منها، لأن الفلسفة محايثة دوما للديمقراطية، تتدخل فيها وترتبط برهاناتها أغلب الأحيان. أما الممارسة الديمقراطية فنسبية وتتطور أو تنتكس بسبب عدم فهم اللبس بين ممارستها وتأملها من الخارجي لذلك يحتاج حامل المشروع الديمقراطي إلى الاسترشاد بالميتا ديمقراطية والتوقف بين الفينة والأخرى للنظر بعيدا عن هواجس الانخراط نحو هواجس الالتزام، أي أنه بلغة بسيطة يحتاج الفلسفة. نشر في جريدة الطريق عدد فبراير 2020. المزيد عن : الفلسفة والالتزام السياسي /جريدة الطريق/ رشيد العلوي /ركن التنوير 15 comments 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post How to Win Your Medical Malpractice Lawsuit? next post عبد الكريم الموريد: مواقع التواصل الاجتماعي: من الرغبة في التواصل إلى صناعة التفاهة You may also like غسان شربل يكتب عن: جنبلاط والشرع وجروح الأسدين 23 ديسمبر، 2024 مايكل شيريدان يكتب عن: الجاسوس الصيني الذي حاول... 22 ديسمبر، 2024 أساف أوريون يكتب عن: إسرائيل وسقوط الأسد.. احتفاء،... 22 ديسمبر، 2024 هارون ي. زيلين يكتب عن: واشنطن تعود إلى... 22 ديسمبر، 2024 دينس روس يكتب عن: يجب على الولايات المتحدة... 22 ديسمبر، 2024 حازم صاغية يكتب عن: في أنّنا بحاجة إلى... 22 ديسمبر، 2024 ماثيو ليفيت يكتب عن: كيف أُدرِجت هيئة تحرير... 20 ديسمبر، 2024 رضوان السيد يكتب عن : هل يستمر الصراع... 20 ديسمبر، 2024 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: هل وصلت دمشق... 19 ديسمبر، 2024 حازم صاغية يكتب عن : لبنان والمسألة الثقافيّة... 18 ديسمبر، 2024 15 comments Quincy 21 يونيو، 2020 - 12:18 ص Highly energetic article, I liked that a lot. Will there be a part 2? Also visit my web-site :: g would Reply Mariel 16 يوليو، 2020 - 9:05 ص The other day, while I was at work, my sister stole my iPad and tested to see if it can survive a 30 foot drop, just so she can be a youtube sensation. My iPad is now broken and she has 83 views. I know this is entirely off topic but I had to share it with someone! Here is my website; best web hosting company Reply Andres 23 يوليو، 2020 - 12:57 ص I pay a visit each day a few web hosting companies sites and information sites to read articles or reviews, but this weblog gives feature based content. Reply Francesco 25 يوليو، 2020 - 10:43 م Wow that was odd. I just wrote an incredibly long comment but after I clicked submit my comment didn’t appear. Grrrr… well I’m not writing all that over again. Anyhow, just wanted to say excellent blog! Here is my website; web hosting companies Reply Catherine 29 يوليو، 2020 - 4:00 ص Hi there would you mind letting me know which webhost you’re working with? I’ve loaded your blog in 3 different browsers and I must say this blog loads a lot quicker then most. Can you recommend a good web hosting provider at a honest price? Thanks a lot, I appreciate it! Feel free to visit my web page: flights google Reply Marti 31 يوليو، 2020 - 2:27 ص I couldn’t resist commenting. Perfectly written! my web site; cheaptickets Reply Raymond 7 أغسطس، 2020 - 8:40 ص Very shortly this best web hosting 2020 page will be famous amid all blog viewers, due to it’s good articles or reviews Reply Salvador 7 أغسطس، 2020 - 1:56 م I all the time emailed this blog post page to all my friends, since if like to read it then my friends will too. Look at my blog: web hosting companies Reply Helena 11 أغسطس، 2020 - 4:40 ص I’m not sure where you’re getting your info, but good topic. I needs to spend some time learning much more or understanding more. Thanks for wonderful info I was looking for this information for my mission. Feel free to visit my homepage web hosting reviews Reply Mervin 12 أغسطس، 2020 - 2:46 ص Amazing! This blog looks exactly like my old one! It’s on a completely different topic but it has pretty much the same layout and design. Superb choice of colors! adreamoftrains web hosting Reply Filomena 13 أغسطس، 2020 - 8:38 م Very good post! We will be linking to this particularly great post on our site. Keep up the good writing. Also visit my page: best web hosting 2020 Reply Rosalyn 24 أغسطس، 2020 - 10:33 ص Please let me know if you’re looking for a article author for your weblog. You have some really good posts and I feel I would be a good asset. If you ever want to take some of the load off, I’d really like to write some articles for your blog in exchange for a link back to mine. Please send me an e-mail if interested. Kudos! 31muvXS cheap flights Reply Stephan 26 أغسطس، 2020 - 4:24 م Right away I am ready to do my breakfast, when having my breakfast coming again to read more news. Feel free to surf to my blog post cheap flights Reply Swen 28 أغسطس، 2020 - 10:19 ص I have read so many articles on the topic of the blogger lovers except this article is truly a nice paragraph, keep it up. Here is my homepage :: black mass Reply зарубежные сериалы смотреть онлайн 22 مارس، 2024 - 4:36 م Thanks for your personal marvelous posting! I actually enjoyed reading it, you will be a great author. I will always bookmark your blog and will often come back down the road. I want to encourage continue your great posts, have a nice weekend! Reply Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.