إحدى اللوحات التي يمكن أن تنسب إلى جورجيوني بارباريللي (موسوعة الفن الكلاسيكي) ثقافة و فنون رسام نهضوي إرثه قليل وتحيط به الشكوك by admin 18 مارس، 2025 written by admin 18 مارس، 2025 8 جورجيوني بارباريللي حياة بأسرها لإنجاز أقل من دزينة من لوحات خلدت ذكره دون أن تؤكده اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب تتفق الموسوعات الفنية وتواريخ عصر النهضة، بما في ذلك كتاب جورجيو فازاري المعتمد بصورة إجمالية لمعرفة القسم الأكبر من التاريخ الفني لتلك المرحلة، على أن الحقبة الوسطى من المرحلة النهضوية قد عرفت فناناً من أبناء منطقة كاستلفرانكو يدعى جورجيوني بارباريللي، وإن كانت تختلف في ما إذا كان قد ولد عام 1476، أو بعد ذلك بعامين، لكنها تجمع على أنه رحل عام 1510، أي في أواسط ثلاثينياته. وإلى ذلك يراوح عدد اللوحات الموجودة حقاً، والتي تنسب إليه بين 10 لوحات في أحسن الأحوال وأربع في أسوئها، بل إن ثمة من بين تلك اللوحات اثنتين أساسيتين قد ينسب إليه البدء في رسمهما، ثم يقال إن كلاً منهما قد استكملت، بعد موته المبكر، على يد رسامين كبيرين كانا من زملائه أو تلامذته: أحدهما تيسيانو الكبير الذي ارتبط به، ولا سيما خلال العمل على تحقيق رسوم للفندق الألماني في فينيسيا، والثاني سيبستيانو ديل بيومبو. والأدهى من ذلك أن لوحتين هما الأهم في تراث جورجيوني تنسبان إلى هذين الرسامين الكبيرين “اللذين لا يحتاجان إليهما” بحسب تعبير طريف لواحد من مؤرخي النهضة. ونتحدث هنا عن “الفلاسفة الثلاثة” المنسوبة عادة إلى ديل بيومبو، و”فينوس النائمة” التي تنتزع جزئياً من لائحة أعمال جورجيوني لتضم عملية إنجازها في الأقل، إلى تلك المتعلقة بأعمال تيسيانو. على الإجمال إذاً، ثمة هنا قدر كبير من الارتباك والخلط. غير أن ذلك كله لا يقلل من شأن ذلك الفنان، بل يعطي لغموضه نكهة طريفة، حتى وإن كانت مجحفة في حقه. جورجيوني بارباريللي في نسخة عن بورتريه ذاتي ينسب إليه (غيتي) فنانون كثر في واحد ولعل ذلك بالتحديد ما يسبغ على الحياة القصيرة التي عاشها جورجيوني وأبدع خلالها إن لم يكن عدداً قليلاً من اللوحات، ففي الأقل عدد لا بأس به، لكنه لا يزال في حاجة إلى أن يتم الكشف عنه لإعادة مكانة لذلك الفنان يستحقها بالتأكيد. والحال أن تعبير “بالتأكيد” هذا إنما يمكن بناؤه ليس فقط من خلال المؤرخين النهضويين ومن بينهم فازاري، بل حتى من خلال تلك الحفنة من اللوحات التي تحمل دائماً تأكيداً بأن من رسمها هو جورجيوني ابن كاستلفرانكو الذي لا بد أن نشير إلى أنه خلال حياته القصيرة، لم يكن رساماً وحسب، بل كان أيضاً شاعراً جوالاً ومناضلاً ذا نزعة إنسانوية وواحداً من عشاق زمنه المعروفين، ناهيك بكونه موسيقياً. ولعل هذه الوفرة في مواهبه تفسر قلة إنجازاته في مجال الرسم، لكنها تفسر كيف أن كل منجز من منجزاته كان من شأنه أن ينم عن واقع أنه لو عاش أطول مما عاش، لكان من شأنه أن يكون العمود الرابع في صرح الفن النهضوي في مصاف دافنشي وميكائيل أنغلو ورافائيل. ولكن ما العمل والطاعون الذي غزا البندقية عند نهايات العقد الأول من القرن الـ16 قد اصطاده وهو في عز عطائه؟ طبعاً لن نتوقف طويلاً هنا عند تلك النهاية المُؤسية، بل سنستعرض سيرة جورجيوني أو ما يمكن معرفته منها، وفي الأقل نقلاً عن جورجيو فازاري الذي “تعرف عليه” من خلال ما كان متداولاً عنه في فينيسيا إنما دون أن يجايله، ففازاري ولد عام 1511 التالي لرحيل جورجيوني، وكان عاماً صاخباً وبائساً في التاريخ الفينيسي ما حال بين فازاري لاحقاً ومعرفة مزيد عن الرسام الذي بالكاد عرف كيف يبارح البندقية خلال حياته ليصل إلى تلك الحواضر الإيطالية التي كانت تؤمن العمل والشهرة للمبدعين فيها: روما والبندقية وبيزا وربما فيرونا وغيرها. لوحة أخرى تنسب إلى بارباريللي (موسوعة الفن الكلاسيكي) الفتى الذي حرر الفن إذاً، على رغم أن جورجيوني لم يعش طويلاً فإن شهرته ستقوم أساساً على اعتباره “الفتى الذي حرر الفن النهضوي من الضغوط الكنسية التي كانت تحد من مواضيعه”. صحيح أنه لم يكن الوحيد الذي فعل ذلك، لكنه وفي الأقل إن استندنا في حكمنا على اللوحات القليلة التي تركها ونسبة ما هو “مدني” من بينها إلى ما هو “ديني”، سنطلع باستنتاج فصيح في هذا السياق. بل ربما باستنتاج مدهش يقول إن جورجيوني فضل دائماً أن يكون رساماً من نوع خاص يأتي بمواضيعه مما هو سائد في حياة أمثاله من المبدعين والمثقفين. وسيقال إن ذلك التوجه كان من شيمه باكراً ما إن دخل سن المراهقة وهو بعد صبي في مسقط رأسه بلدة كاستلفرانكو، حيث ولد من أسرة متواضعة تنصرف عن الشؤون الدينية بالبحث عن لقمة العيش. وهو كان هناك رفيقا لصبيين آخرين سيصبح كل منهما بدور رسام من الطينة ذاتها حين سينتقلان إلى فينسيا، حيث سنضم إليهما ويساعدانه على تلمس خطواته الأولى في تلك الحاضرة المزدهرة: بالما (الذي سيلقب بالعجوز) ولورنزو ليتو. ولسوف يدرس الثلاثة الرسم معاً وتبقى الصداقة والزمالة بينهم طوال حياتهم. المهم أن فينيسيا (البندقية) ستبقى ميدان حياة جورجيوني وعمله طوال ما تبقى له من سنوات يعيشها وهي سنوات لم يبقَ لدينا من إنجازاته فيها سوى تلك اللوحات الـ10 التي ذكرناها أول هذا الكلام. غير أنها كانت على أية حال، سنوات مكنت تيسيانو وديل بيومبو من أن يحذوا حذوه ويتعلما منه ليس ما كان قد تلقاه في المحترفات التي درسا فيها، بل ما جادت به قريحته وقدرته على الابتكار في المواضيع والأشكال الفنية. ولئن كان ذلك الارتباط بجورجيوني قد عاد بالفائدة الجمة على رفيقيه، فإنه لم يكن منصفاً في حقه. ففي الأقل لا بد لنا هنا للتأكد من ذلك، أن نتبع خطى فازاري الذي، وتحديداً في خمسينيات القرن الـ16 الذي مات جورجيوني في أوله، إذ أراد من خلال جولة له في البندقية أن يرسم صورة صادقة لحياة جورجيوني ويشاهد أعماله من كثب، وجد نفسه في عتمة تامة: لم يتمكن من الالتقاء بمن يمكنه أن يتذكر الرسام الراحل ولا شاهد سوى لوحات نادرة تحمل توقيعه. كل ما سمعه كان حديثاً عن تيسيانو وعن ديل بلومبيو. أما جورجيوني فإنه حين يؤتى على ذكره فليس سوى الأستاذ الذي علم هذين التلميذين الرائعين. عندما غضب فازاري صحيح أن ذلك كله قد أغضب فازاري، لكنه وجد نفسه خاليَ الوفاض مما كان يحاوله من إنصاف في حق جورجيوني. وتخلى عن مساعيه لأجيال مقبلة من باحثين مؤشراً إلى أن العقبة الأساسية في التعرف الحقيقي على جورجيوني وفنه إنما تكمن في أنه، لئن كان رسامو زمنه قد حققوا أعمالهم في الكاتدرائيات والمباني العامة، فإنه هو كاد يحصر منجزاته في قصور أهل النخبة والأثرياء ما يصعب عملية الوصول إلى تلك المنجزات. فالأرستقراطيون يعيشون في قصور مغلقة لا يتيحون دخول أحد إليها، ولا سيما إن لم يكن منتمياً إلى حلقاتهم. وتحديداً إلى صالوناتهم الخاصة ومكتباتهم وغرف نومهم الحميمية، وهي الأماكن التي كان يفترض بهم أن يطلبوا من رسام من طينة جورجيوني أن يملأها برسومه. فهل تراه فعل؟ على الأرجح نعم. ومع ذلك مرت قرون على كل ذلك ولم تكشف السنوات المتتالية عن أي جديد بحيث إنها لم تُضف شيئاً إلى ما كان في مقدورنا أن نعرفه عن فن جورجيوني في زمن مطاردة فازاري لذكراه. ومع ذلك لا بد أن نذكر، ولكن ليس نقلاً عن فازاري هذه المرة، أن جورجيوني، إضافة إلى اللوحات القليلة التي نعرفها من إنجازه، خلَّف عديداً من الجداريات في عدد محدود من الكاتدرائيات، ثم خاصة في “فنداكو دي تديسكي” (فندق الألمان) وسط البندقية، أي هناك، حيث ارتبط بتيسيانو لينجزا معاً جداريات اختلط أمر نسبتها لهذا منهما أو ذاك على مر العصور، بخاصة أن ما يمكننا أن نسميه هنا “سوء حظ” جورجيوني جعل رسوم الواجهات – الذي يمكن أن يكون هو مبدعه الأساس مع أن تيسيانو الذي كان بالكاد خرج من سن المراهقة قد عاونه فيه – تتآكل وتكاد تُمحى بفعل الملح الذي تنثره الرياح مع مياه البحر حين تهب. ولعل في إمكاننا أن نتساءل هنا أخيراً عما إذا كنا سنتعرف أكثر في الأزمنة التالية على مزيد من إنجازات جورجيوني بعد كل شيء، وعلى رغم عاديات الزمن وذاكرة التاريخ القصيرة؟ المزيد عن: عصر النهضةجورجيو فازاريالرسام جورجيوني بارباريللي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post سيناريو جنوب لبنان يتكرر على الحدود السورية: هل تنشأ منطقة عازلة؟ next post “قراءة غير ملزمة” يكشف الجانب الخفي من النوبلية شيمبورسكا You may also like هؤلاء الفلاسفة المسلمون الذين نعود اليهم دوما 18 مارس، 2025 “قراءة غير ملزمة” يكشف الجانب الخفي من النوبلية... 18 مارس، 2025 أهم إصدارات الكتب في بريطانيا لشهر مارس 2025 18 مارس، 2025 الحقيقي والمتخيل في سيرة الإسكندر المقدوني 17 مارس، 2025 سامر أبوهواش يكتب عن: “ما زلت هنا” لوالتر... 17 مارس، 2025 ريجيس دوبريه رفيق غيفارا يستعيد ماضيه وخيباته 16 مارس، 2025 ” لا أرض أخرى” فيلم إشكالي عن الأمل... 16 مارس، 2025 تاركوفسكي لم “يؤفلم” دوستويفسكي لأنه موجود 16 مارس، 2025 روبير جولان يسترجع تاريخ الإبادة العرقية ليدين الغرب 16 مارس، 2025 العباسيون تفاعلوا حضاريا مع أعدائهم البيزنطيين 16 مارس، 2025