رحيل كاميليا الأطرش يحدد تاريخ زواج أسمهان والأمير حسن

جريدة المدن \ أشرف غريب  – كاتب مصري

رحلت، قبل أيام، كاميليا الأطرش، الابنة الوحيدة للمطربة أسمهان عن عمر يناهز الخامسة والثمانين بعدما داهمتها أمراض الشيخوخة في سنواتها الأخيرة، ليعيد نبأ رحيلها الحديث عن علاقة والدها الأمير حسن الأطرش بوالدتها المطربة الراحلة التي ماتت غرقاً في أحد مصارف المياه في مصر بالقرب من مدينة طلخا في دلتا النيل في 14 تموز 1944، وهي في طريقها إلى مدينة رأس البر الساحلية برفقة صديقتها ماري قلادة التي لقيت معها مصرعها في ذلك الحادث الغامض فيما نجا فقط سائق السيارة التي كانت تقل الأميرة الفنانة ورفيقتها…

تزوجت أسمهان (1917 – 1944)، رغم سنوات عمرها القليلة، ثلاث مرات. الأولى من ابن عمها الأمير حسن الأطرش، والثانية من المخرج أحمد بدر خان عقب إخراجه لها فيلمها الأول “انتصار الشباب” العام 1941، أما الزيجة الثالثة والأخيرة فكانت من الممثل والمخرج أحمد سالم الذي رحلت وهي في عصمته فيما كان هو يعالج في المستشفى على أثر رصاصة طائشة أصابته أثناء التشاجر معها قبل أيام من حادث غرقها الغامض. ولم تنجب أسمهان من زيجاتها الثلاث سوى ابنتها الوحيدة كاميليا، من زوجها الأول الأمير حسن. ورغم صخب علاقة أسمهان بزوجها الثالث تبقى ملابسات زواجها الأول من الأمير حسن الأطرش، والد السيدة كاميليا، هي الأكثر ارتباكاً وغموضاً، ربما بفعل توقيت حدوثها في ظل توتر الأوضاع في بلاد الشام زمن الحرب العالمية الثانية والدور الخفي الذي لعبته أسمهان في ذلك الوقت لصالح “الحلفاء”، وربما بفعل الروايتين المتناقضتين اللتين ذكرهما كل من شقيقها الموسيقار الراحل فريد الأطرش، وصديقها المقرّب الصحافي المصري محمد التابعي.

(كاميليا الأطرش، ابنة أسمهان، مع خالها فريد الأطرش)

ويبدأ هذا التضارب من تاريخ التعارف بين أسمهان والأمير حسن، ومَن كان وراء هذا التعارف أو بالأحرى هل كان من قبيل الصدفة أم بفعل فاعل. إذ يؤكد محمد التابعي في كتابه عن أسمهان، أن الأمير حسن كان في رحلة عادية إلى القاهرة العام 1933 وقام بزيارة تقليدية لأسرة عمّه المقيمة في مصر منذ العام 1923، فوقع في أسر جمال وفتنة أسمهان، وطلبها للزواج، وأن هذا الزواج استمر ست سنوات حتى بداية العام 1939 حينما انفصلت عنه وعادت إلى القاهرة. أما شقيق أسمهان، فريد الأطرش، فيقول في مذكراته التي أملاها للصحافي فوميل لبيب وظهرت في كتاب حمل عنوان “لحن الخلود”، إن أول ظهور للأمير حسن في حياتهم كان العام 1939 حينما استدعاه فؤاد الأطرش لكبح جماح شقيقته ومنع زواجها من غير الدروز، بل وإمعاناً في التدقيق أضاف فريد أن ذلك كان في أعقاب رحلة له لم تكتمل إلى العاصمة البريطانية لندن بسبب بداية الحرب العالمية الثانية في أوروبا العام 1939.

وبين الروايتين السابقتين، هناك رواية ثالثة مصدرها هذا المرة دراسة أعدها نيكولاس فاث عن وثائق المخابرات البريطانية، وتشير إلى أن الأمير حسن جاء إلى القاهرة للانتقام من الفتاة التي أساءت إلى “سمعة الدروز”، فوقع في غرام ست الحسن، وتزوجها، وإن كانت هذه الوثائق لم تستبعد أن يكون شقيقها فؤاد الأطرش هو الذي قام باستدعائه توافقاً مع ما جاء في رواية فريد الأطرش.

اسمهان والامير حسن الاطرش

ولأنني علي يقين من أن فريد الأطرش لم يراعِ الترتيب الزمني للكثير من الوقائع التي ذكرها، فإني كنت على استعداد لترجيح كفة ما جاء في مذكرات محمد التابعي عن أسمهان، خصوصاً أنه استند – حسب قوله – إلى مفكرة جيبه التي كان يدوّن فيها أحداث يومه أولاً بأول، وأنه كتب هذه المذكرات العام 1949 أي بعد خمس سنوات فقط من رحيل أسمهان، بعكس فريد الأطرش الذي أملي مذكراته في بداية السبعينيات وظهرت في العام 1975 بعد أسابيع من رحيل فريد الأطرش، إلا أن التابعي نفسه وقع في العديد من المتناقضات جعلتني أتشكك في الكثير مما حكاه عن أسمهان.

فبينما يورد التابعي أن زواج أسمهان والأمير حسن الأطرش قد استمر ست سنوات بين 1933 و1939، يعود وينشر في موضع اخر من كتابه نص برقية أرسلها إليها العام 1937 صاحب شركة “بيضا فون” للاسطوانات يرد فيها علي طلب أسمهان سلفة مالية صغيرة. فكيف يستقيم الأمر بأن تطلب الأميرة، زوجة الأمير، هذا المبلغ الصغير من المال وهي التي في يدها ويد أسرتها مقاليد الحُكم في الجبل؟ أضف إلى ذلك أن التابعي يذكر مرة أن زواج أسمهان والمخرج أحمد بدرخان بعقد عرفي كان العام 1940، ومرة أخرى يذكر أن ذلك كان في 10 آذار/مارس1941، مع أن التاريخ الصحيح للزواج الذي استمر خمسين يوماً فقط كان في أواخر آذار/مارس 1941 لأن الثابت فعلياً أن زواج أسمهان وبدرخان تم بعد أسبوع من عرض فيلم “انتصار الشباب” – أول أفلام فريد وأسمهان-  في 24 آذار/مارس 1941.

أما الواقعة الثالثة التي جعلتني أتشكك في رواية التابعي عن أسمهان، أنه ذكر أنه كتب في مجلة “آخر ساعة” التي كان يرأس تحريرها، عن الحفلة التي أقامتها أسمهان في منزلها في 25 تشرين الثاني 1939، بمناسبة عيد ميلادها، وأن هذا أغضب منه وزير الأوقاف – في ذلك الحين – الذي كان حاضرا في الحفلة، ثم عاد بعد صفحات ليقول إنه أقام في الخميس الأول من شباط/فبراير حفلة ساهرة بمناسبة عودة مجلة “آخر ساعة” للصدور، بعد أمر تعطيل دام ثلاثة أشهر وانتهى في آخر كانون الثاني 1940، فكيف كتب في “آخر ساعة” في أوائل كانون الأول ديسمبر عن حفلة أقامتها أسمهان في أواخر تشرين الثاني والمجلة ممنوعة من الصدور أشهر نوفمبر/تشرين الثاني، وديسمبر/كانون الأول 1939، ويناير/كانون الثاني 1940؟

غير أن الإعلان عن رحيل كاميليا الأطرش قبل أيام في بيروت وهي في الخامسة والثمانين من عمرها، يشير ضمناً إلى أنها من موإليد العام 1938، ولما كان من الثابت أن أسمهان قد تعرضت للإجهاض مرتين فترة زواجها من الأمير حسن الأطرش قبل إنجابها ابنتها الوحيدة، فإن هذا يؤكد أن زواجها بالأمير كان قبل العام 1938 بسنوات، وأنها ربما عادت لعصمة ابن عمها لبعض الوقت أثناء إقامتها في الجبل وقت مساندتها لقوات الجنرال شارل ديغول زمن الحرب العالمية الثانية.