الكاتب والمخرج المسرحي السوري فرحان بلبل (مؤسسة المسرح) ثقافة و فنون رحيل فرحان بلبل رائد مسرح العمال في سوريا عن 88 عاما by admin 19 يناير، 2025 written by admin 19 يناير، 2025 17 ادخل عامة الناس الى المسرح معترضا على فن النخبة وعالج قضايا الصراع الطبقي والحريات الفردية والتسلط اندبندنت عربية / سامر محمد إسماعيل استطاع فرحان بلبل خلال نضال أكثر من نصف قرن أن يرسخ الفرقة التي أسسها، والتي كانت تقدم عروضها في التجمعات السكانية العمالية، من حمص ومناجم الفوسفات في البادية السورية انطلاقاً إلى حقول النفظ في رميلان وجبسة في أقصى الشمال الشرقي للبلاد. وعكف بلبل على تكريس عروض مسرحه الجوال هذا وصولاً إلى الدورة الـ20 من مهرجان “مسرح العمال” عام 2009، وهو بداية فترة شهدت ركوداً لظاهرة العمال المسرحيين، فانكفأ فرحان عن أحلامه الكبيرة، التي كان حملها من خطوط الإنتاج إلى مسارح المدن والأرياف السورية. كان صاحب كتاب “من مقعد المتفرج” حينذاك يقدم عروضه كمسرح للبسطاء وعامة الناس في وجه مسرح لا يعترف بحق “الجماهير” بالدخول إلى صالات العرض ومشاركتها في ميادين الثقافة. وعن هذا التوقف لفرقته قال فرحان بلبل في إحدى مقابلاته الصحافية “إن ما حدث في المسرح العمالي تراجعٌ وسقوط وافتقاد هوية، وبدأ هذا السقوط والافتقاد للهوية منذ أن أخذت الطبقة العاملة تفقد كثيراً من خصائصها وطموحاتها. وعندما بدأت تخرج عن موقع القوة السياسية والاقتصادية، فلم تعد قادرة على إبراز بل وحماية المسرح المعبر عنها، وأصبح المسرح العمالي مجرد زينة في المناسبات الوطنية. وصار اتحاد كل محافظة يلملم كل عام مجموعة من الأشخاص لا يعرفون عن المسرح شيئاً، ولا يمتلكون أية رؤية فنية أو فكرية، فيقدمون عملاً مسرحياً ما. ومن هنا فقد المسرح العمالي موقعه وخصائصه ودوره، فصار شيئاً مهملاً في المسرح السوري”. فرحان بلبل مع أعضاء فرقته المسرحية في حمص السبعينات (مؤسسة المسرح) عالجت مسرحيات بلبل موضوعات متعددة من مثل الصراع الطبقي والحريات الفردية والنضال السياسي، وكانت أولاها مسرحيته “الجدران القرمزية” التي كتبها رداً على هزيمة 1967، وأخرجها وقتها محمود حمدي لفرقة “دوحة الميماس” الحمصية عام 1969. بداية جاءت مبشرة للرجل الذي حقق عدداً من النصوص المسرحية اللافتة بعد ذلك، ولعل أبرزها “الطائر يسجن الغرفة” و”العيون ذات الاتساع الضيق” و”الحفلة دارت في الحارة”، وهذا الأخير هو النص الأول الذي قام فرحان بإخراجه عام 1972، وفيه تناول شخصيات من مثل الشاعر والسجين الهارب والمرأة اللعوب في إطار عبثي وجودي. الدراما المسرحية من عرض “الممثلون يتراشقون الحجارة” لفرحان بلبل (مؤسسة المسرح) حقق بلبل نصوصاً اقتربت من الدراما العائلية، وأخرى انتهجت المزج بين الحاضر والتاريخ كما في مسرحيته “الممثلون يتراشقون الحجارة”، التي استحضر فيها أحداث عام الفيل وغزو أبرهة الحبشي للجزيرة العربية عام 570م. من هنا بدأ بلبل يستعير أدواته لتحقيق إسقاطاته على الواقع الراهن، والخروج من المعالجات المباشرة لقضايا التحرر والخوف من السلطات الأمنية، فكان نصه “يا حاضر يا زمان” بمثابة هجاء عالي النبرة للفساد القائم زمن الأسد الأب، وكيف تُفبرك حرائق مستودعات للتغطية على سرقة مواد البناء الخاصة بتشييد مساكن للعمال. واقترب فرحان بلبل في النص الماضي من أسلوب الخطابة والبيانات السياسية، لكنه عاد وحقق مسرحيته “لا تنظر من ثقب الباب”. العرض تناول قصة أحد العمال النقابيين الذين لا يخضعون لابتزاز أصحاب وسائل الإنتاج، ويناضلون من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية. معادلة أجادها الفنان الحمصي في توجيه الانتقادات اللاذعة لطبيعة السلطة، والخروج من مسطرة الرقابة إلى مواجهات مع اللصوص الجدد لحقوق الطبقة العاملة. وهكذا كتب تباعاً نصوصاً أكثر نضجاً مع مسرحيتيه “القرى تصعد إلى القمر” و”لا ترهب حد السيف” و”الميراث”، وفيها جميعها يعود الكاتب السوري إلى معالجات فنية أكثر نضجاً في تشريح بنية القهر عبر أسلوب يدمج بين الحاضر والماضي، والمسرح داخل المسرح وصولاً إلى محاكاة مسرح العبث. كان فرحان بلبل كتب كلمة اليوم العربي للمسرح عام 2018، وأبرز ما جاء فيها وقتها “نريد أن يكون المسرح العربي حراً، وأن نقفل مخافر الشرطة في عقول المبدعين، نريد أن تتحطم الأقفال المفروضة على ألسنة المسرحيين وأفكارهم، ونريد أن يزول الخوف من قلوبهم عندما يفكرون. فهل يستطيع المسرحيون العرب انتزاعها والدنيا جحيم من حولهم؟” مناشدات كثيراً ما كان بلبل سباقاً إليها في نصوصه وعروضه ومقالاته وكتبه النقدية قبل أن يجهر بها في كلمته تلك، فعمل طوال ثمانينيات وتسعينيات القرن الـ20 على مسرح يتجاوز التقليد. أحد كتبه (دار كنعان) وعلى مستوى آخر، برز فرحان بلبل كناقد مسرحي بين عامي 1979 و1994 وهي الفترة التي تناول فيها الكاتب عروض المسرح الرسمي والخاص في بلاده. وكتب عن بعض المهرجانات المسرحية المحلية كالمسرح الجامعي والطلبة والمسرح العسكري، وقدم في هذا الإطار عدداً من المؤلفات لعل أبرزها “المسرح السوري في 100 عام” و”من التقليد إلى التجديد” و”من مقعد المتفرج”، وفيها جميعاً حاول بلبل أن يوثق لنقلات مهمة في مسيرة الريبرتوار السوري، وتحليل تطور الأصول والقواعد في التأليف المسرحي داخل بلاده، والخروج على بناء المسرحية التقليدية ذات الحبكة التي تسير في تصاعد صارم، من الذروة فالعقدة فالحل نحو آفاق المسرح التجريبي. وعلى مدى 50 عاماً استطاعت كتب فرحان بلبل النقدية أن تكون مرجعاً لكل الباحثين العرب، فوضع كتباً عن المسرح الجوال والمسارح القومية والمسارح التجريبية، وكان أبرزها كتاباه “مراجعات في المسرح العربي منذ النشأة حتى اليوم” و”المسرح التجريبي الحديث عربياً وعالمياً”، إضافة إلى كتابه “النص المسرحي- الكلمة- الفعل”. جهود كبيرة لم تكتف بوضع الكتب، بل تجاوزتها إلى حضور فاعل في مهرجانات المسرح العربي، عبر إدارة بلبل لعدد من الندوات التطبيقية والجلسات الفكرية في مهرجانات القاهرة وبيروت والشارقة ودمشق وتونس. ولم يقتصر مجال عمل فرحان بلبل على تأليف النصوص ونقد العروض المسرحية، بل تعداها إلى تقديم إعدادات ماهرة لأبرز النصوص العالمية. فقدم في هذا المجال جهداً لافتاً في فهم عملية الإعداد للنص المسرحي، وذلك عبر تطويع النص لشروط الزمان والبيئة في مكان العرض المسرحي العربي. وحافظ بلبل على الخط الأساس لحكاية المسرحية، وحذف ما هو خاص بزمان الكاتب الأصلي ومكانه. وبهذا الفهم عرف بلبل أن الإعداد الجيد للنص المسرحي ما هو سوى نوع من التأليف الجديد، فقدم في هذا السياق إعداداً لنصوص ناظم حكمت وغريغوري غورين وأمانويل روبلس وفون كلايست. وُلد فرحان بلبل داخل حمص عام 1937، وفقد أباه ولم يزل عمره سبعة أشهر، وافترق عن أمه بسبب زواجها من رجل آخر، فعاش في الميتم الإسلامي 10 أعوام، ثم خرج عام 1948 من الميتم ليعيش في بيوت أعمامه زكريا وشكيب وأديب. وبعد حصوله على الشهادة الثانوية ذهب إلى دمشق ودرس اللغة العربية في جامعتها، وشهد عدداً من الأحداث السياسية والانقلابات العسكرية. وبعد تخرجه في الجامعة عام 1960 ذهب للتدريس في مدينة القامشلي (شمال شرق سوريا) وهناك كتب أول نص مسرحي بعنوان “الثأر الموروث” للمخرج إسكندر عزيز. وصباح أمس الجمعة أغمض فرحان بلبل عينيه عن عمر ناهز 88 سنة، ونعته مديرية المسارح والموسيقى واتحاد الكتاب العرب، وكتب العشرات من طلابه وزملائه في رثائه على حساباتهم عبر “فيسبوك”. المزيد عن: المسرحي السوري فرحان بلبلالبادية السوريةالمسرح الجوالالحريات الفردية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post سمعة شهادات جامعية مصرية تتلوث بـ”أحبار التزوير” next post التشيكي دفوراك افتتح من أميركا أزمنة العولمة بموسيقاه You may also like التشيكي دفوراك افتتح من أميركا أزمنة العولمة بموسيقاه 19 يناير، 2025 “المعلم” ديفيد لينتش صنع سينما جديدة بالأحلام والكوابيس 19 يناير، 2025 (11 مشهدا) سيئا أوشكت أن تقضي على أفلام... 18 يناير، 2025 مازارين الابنة السرية للرئيس فرانسوا ميتران تروي سيرتها 18 يناير، 2025 ليسنغ صاحب أول دراما سياسية في المسرح الألماني 18 يناير، 2025 “ثومة”… كل شيء سوى أن تكون امرأة عادية 18 يناير، 2025 الرسام الهولندي روبنز وأرشيدوقة النمسا والسياسة ثالثهما 17 يناير، 2025 صقيع السينما المصرية يستدفئ بـ6 ملايين دولار إيرادات 17 يناير، 2025 وفاة عملاق السينما الأميركية المخرج ديفيد لينش عن... 17 يناير، 2025 التراث العربي بين التحديات الرقمية والفرص التكنولوجية 16 يناير، 2025