رحيل سماح ادريس… بوصلة مقاطعة داعمي اسرائيل

كتب ادريس الكثير من المقالات تناولت الفكر الطائفي في لبنان، وقضية فلسطين، وحتى عندما توفي والده، كان لطقوس الدفن المتّبعة في بيروت نصيبها من النقد…

المدن \ محمد حجيري – رئيس القسم الثقافي

رحل الكاتب والمترجم “البيروتي” سماح أدريس (1961 _2021)، نجل الناشر والروائي سهيل ادريس، والمترجمة عائدة مطرجي. وكان رئيس تحرير مجلّة “الآداب” الورقية منذ العام 1992، المجّلة التي أسّسها والده العام 1953، كأبرز المجلّات الثقافيّة في بيروت والعالم العربي، وكانت حاملة راية التيارات القومية واليسارية ونافست مجلة “شعر”…

والمجلة مرّت بمرحلتين (عدا مرحلة إدارتها من والده على مدى أربعة عقود). المرحلة الأولى في تجربة الابن عندما كانت ورقية، وكانت ترفع شعار “أكثر حداثة أشدّ التزاماً”، وقدّمت الكثير من المحاور الثقافية والأدبية عن شخصيات ثقافية أدبية وعربية ويسارية (مثل غسان كنفاني وإدوارد سعيد وزياد الرحباني وغالب هلسا والفنون المعاصرة)، وكانت المقارنة الدائمة والخاطئة في المجلات النقدية، بين المجلة في مرحلة الأب والمجلة في محلة الوريث او “الوراثة النبيلة” كما يسميها البعثي معن بشور، من دون التركيز على أن الزمن مختلف والفضاء تبدّل، والخمسينيات والستينيات ليست التسعينيات. أما المرحلة الثانية، فهي بعد تحوّلها إلى مجلة إلكترونية منذ العام 2012، وهي مرحلة تصدّع عالم النشر التقليدي لمصلحة وسائل جديدة. لم يكن في إمكان “الآداب”، بقدراتها المحدودة، ولا بسياستها وتوجهاتها، المنافَسة وجذب أسماء جديدة. وبعدما كانت في السابق محور اهتمام المثقفين في العالم العربي، تحوّلت علامة من علامات النوستالجيا في بيروت…

في السياسة، تأرجحت تجربة ادريس بين النشاط الميداني والحضور الى جانب المجموعات القومية واليسارية. واختار في مساره، ان تبقى فلسطين بوصلته. فهو، عدا عن انتمائه في شبابه الى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بقي يقول “كيف لنا ان تسيقظ ولا تكون وجهتنا فلسطين”، و”إذا تخلّينا عن فلسطين تخلّينا عن أنفسِنا”. وكان من الناشطين البارزين في “حملة مقاطعة داعمي “إسرائيل” في لبنان، وكان يغالي في هذا الشأن ثقافياً وسياسياً… قد يختلف المرء معه وقد يتفق، لكنه بقي مخلصاً لخياراته، على عكس الكثير من الممانعين الذين تقوم نضالاتهم على التمرحل، والوظيفة…

كان “النضال” جزءاً أساسياً من كتابات سماح ادريس، حتى عندما كتب أدب الأطفال والناشئة، لم يغب النفَس النضالي عن لغته. فالكتابة للأطفال باللغة العربية، بالنسبة إليه، جزء من عقيدته “القومية” و”اليسارية”، وقد نتجت عن هذه التجربة أربع روايات للناشئة، وإحدى عشرة قصّة مصوّرة للأطفال من بينها “تحت السرير”، و”حين قرّر أبي”، و”الملجأ”، و”النصّاب”، و”عالم يسع الجميع”، و”خلف الأبواب المقفلة”، و”فلافل النازحين”.

مواقف سماح ادريس من سوريا كانت متفاوتة، وارتبطت بالحدث وتحولاته، والثورة وتبدلها في الميدان، وجزء من هذا الأمر يتعلق بتأييد ادريس المطلق للمقاومة ضد اسرائيل… انتقد ادريس ذات مرة، موقف الشاعر ادونيس الذي اعتبر الإمام بن عبد الوهاب ضمن “فكر النهضة” وهو الذي حرّم أنواعاً من الموسيقى، وسوّغ الحجاب، وأفتى بما لا يحصى من الممارسات الرجعية… إلاّ إذا كانت الرجعية مرادفةً للنهضة؟ وكتب ادريس مرة، نقداً شديدًا للنظام على خلفية اعتقال بعض المثقفين والكتّاب السوريين قائلاً: “ليس بالممانعة وحدها تحيا سوريا”. ثمة من قال إن هناك التباساً في العلاقة بين ادريس والمثقفين السوريين، بحجة ان الصورة الحقيقية للثورة لم تصل الى إدريس، بزعم أحد المدونين. في المقابل ثمة مقالات شنيعة تشتم دار الآداب لمجرد أنّها نشرت كتاباَ للروائية سمر يزبك المحسوبة على الثورة.

وسماح الذي نال الدكتوراه في اختصاص دراسات الشرق الأوسط من جامعة كولومبيا الأميركيّة، كان من دعاة العلمنة. كتب مؤلّفين في النقد الأدبي، هما “رئيف خوري وتراث العرب” (1986) و”المثقف العربي والسلطة: بحث في روايات التجربة الناصرية” (1992) والذي يتناول علاقة المثقف العربي بالسلطة الرسمية العربية، متخذاً من روايات “التجربة الناصرية” نموذجاً. فيعرض تاريخ العلاقة بين الرئيس عبد الناصر والمثقفين، قبل أن يلج عالم الرواية ليحدد خصائص الشخصيات الروائية المسيسة وعلاقاتها بالنظام. ثم يتطرق الكتاب إلى علاقة الشكل واللغة بالمضمون السياسي للعمل الروائي. ويفيض في تحليل محاور هذا العمل، كالسجن والدين والمرأة والوظيفة. انكبّ في السنوات الأخيرة على العمل والمساهمة في تأليف معجم “المنهل العربي الكبير”، مشاركاً في ذلك جهود والده سهيل إدريس بمشاركة الشيخ الراحل صبحي الصالح، والذي سيكون لدى صدوره عن “دار الآداب” أكبر وأشمل معجم عربي – عربي حديث (ثلاثة أجزاء).