لقطة من فيلم "ابتزاز" (1929) (موقع الفيلم) ثقافة و فنون رحلة هتشكوك الغامضة من أحياء لندن البائسة إلى عرش هوليوود by admin 24 يناير، 2025 written by admin 24 يناير، 2025 12 كيف تمكن المراهق الإنجليزي من تخطي العقبات ليصبح صاحب الاسم الألمع في عالم السينما؟ اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب هناك كثر لا يتوقفون عن الاعتقاد دائماً بأنهم يعرفون الفريد هتشكوك، سيد سينما التشويق الهوليوودية الكبيرة عن كثب، لمجرد أنهم شاهدوا أعماله ولا سيما أعماله الكبرى، أي تلك الأفلام التي حقق نحواً من ثلاث دزينات منها طوال العقود الأخيرة من عمر كرسه في مجمله للسينما، لكنه كرس بعضه للتلفزيون أيضاً. غير أن هؤلاء لا يعرفون هتشكوك الحقيقي ولا يعرفون كل شيء عن سينماه، حتى وإن كان بعضهم قيض له أن يطلع على الكتاب العمدة المعنون “هتشكوك / تروفو” الذي، كما يدل عنوانه، هو كتاب يضم حوارات أجراها في سنوات الـ50 السينمائي الفرنسي الكبير لاحقاً فرنسوا تروفو، مع ذاك الذي كان يعتبره أستاذه في فن السينما، وخيل إلى الجميع أن هتشكوك قال فيه كل شيء. لكن صاحب “بسايكو” و”الطيور” وغيرهما من تحف سينمائية علمت تاريخ الفن السابع، لم يقل كل شيء بالتأكيد. بل قال ما كان يريد في ذلك الحين أن يقول، بل ما كان يناسبه أن يقول. ومن هنا، حتى اليوم بعد ما سيقرب من نصف قرن على رحيل السينمائي الهوليوودي الكبير، ها هو التلفزيون خصوصاً، يرد ديناً لهتشكوك عليه، فيكشف للمتفرجين بين الحين والآخر عما هو غير معروف بعد عن حياة وعن سينما ذلك المبدع الكبير. مخرجان في مخرج واحد ولعل هذا الكلام ينطبق بشدة على أحدث الشرائط التي صورتها التلفزة عن هتشكوك، الذي بقدر ما كان سيداً كبيراً في عالم السينما، كان خلال مرحلة متوسطة من حياته، سيداً كبيراً من سادة تلفزيون التشويق ولا سيما من خلال برنامجه الشهير “الفريد هتشكوك يقدم”. غير أن الشريط الذي نتحدث عنه هنا، الذي عرضته التلفزة الفرنسية قبل أيام قليلة، تحت عنوان “أن تصبح هتشكوك: إرث فيلم ابتزاز” يأتي ليعطينا فكرة مغايرة، وكانت مناسبة عرض الفيلم التسجيلي الذي انتبه وأخرجه رجل التلفزة الفرنسي لوران بوزيرو، هو عرض واحد من أفلام المرحلة الأولى من مسار هتشكوك السينمائي وهي المرحلة التي أمضاها عند بداياته في مسقط رأسه لندن قبل أن ينتقل إلى هوليوود ليبرر ما يراه بعضهم من أن ثمة في حياة هتشكوك مخرجين لا مخرج واحد، هما هتشكوك الإنجليزي و”قرينه” هتشكوك الهوليوودي. ولن نقول هنا “الأميركي” لأن هذا الفنان السينمائي الكبير الذي يمكن لتوصيفه استعارة ما قيل مرة عن زميله أورسون ويلز من أن السينما تبدو وكأنها اخترعت من أجله، لم يتصرف أبداً كأميركي على رغم تسنمه عرش السينما الأميركية. أجل إذاً هناك في تاريخ السينما مخرجان ينتميان معاً إلى علاقة الشخص نفسه بالسينما، مخرجان يفصل بينهما المحيط الأطلسي. وأحدهما، الهوليوودي معروف إلى حد التخمة، والثاني، الإنجليزي لا يزال في حاجة إلى أن يكتشف. وعلى درب سد هذه الحاجة يأتي الشريط التلفزيوني الفرنسي الذي تبلغ مدة عرضه 70 دقيقة، الذي استبق عرض نسخة مرممة من فيلم “ابتزاز” الذي كان واحداً من آخر الأفلام التي حققها هتشكوك عام 1929 في آخر أيام السينما الصامتة، وفي لندن تحديداً. الفريد هتشكوك: مخرجان في مخرج واحد (غيتي) فيلم واحد لا فيلمان وهنا قبل الاستطراد في تناول هذا العرض التلفزيوني المزدوج، سيكون من المفيد تصحيح اعتقاد عام مفاده بأن هتشكوك بعدما حقق “ابتزاز” الصامت في لندن، عاد في هوليوود وحققه من جديد بنسخة ناطقة. والصحيح أن ما حدث هو إضافة الصوت لاحقاً وحسب إلى الفيلم الصامت، في تجربة تقنية كان نجاحها في ذلك الحين محفزاً لتكرار التجربة بالنسبة إلى أفلام عديدة صامتة أخرى، غير أن هذه حكاية لا تهمنا هنا. ما يهمنا هو أن العرض المزدوج أعادنا للمربع الأول، وفحوى العودة التساؤل عما نعرفه حقاً عن “هتشكوك قبل هتشكوك”، أي هتشكوك اللندني. وهو سؤال ينطلق الشريط التلفزيوني منه، مؤكداً منذ البداية بأنه لئن كانت أفلام هتشكوك الكبرى، مثل تلك التي ذكرناها قبل سطور أو “النافذة الخلفية” أو “فرتيغو”، شوهدت على نطاق واسع جداً وأن مخرجها درس وحللت أفلامه وحياته على ضوء كينونته الهوليوودية الاستثنائية، وقرئت عنه مئات الدراسات والكتب، ودرست أفلامه لقطة لقطة وجملة حوارية بعد جملة، فإن أفلامه الأولى، بل “أفلام قرينه الإنجليزي”، لا تزال شبه مجهولة. ومن هنا ذلك الإنصاف الذي وسم شريط “أن تصبح هتشكوك”، وذلك بالتحديد لأن تلك الأفلام المجهولة هي نفسها التي صنعت المبدع الذي نعرفه، ولعل في الإمكان إمعاناً في الإنصاف أكثر أن ننظر، وأيضاً بالتحديد، إلى “ابتزاز” بوصفه الفيلم الهتشكوكي المؤسس أكثر من أي فيلم هتشكوكي آخر. وهذا ما يقوله لنا الشريط التلفزيوني الذي نتناوله، على أية حال. هو يعطي الفضل الأكبر لفيلم عام 1929 الصامت، أولاً ثم الناطق، ويعتبره خط الفصل بين عالمين سينمائيين من ابتداع سينمائي واحد. بين الما-قبل والما-بعد في الحقيقة إن الاشتغال انطلاقاً من “ابتزاز” ليس صدفة هنا، بل عمل مقصود في حد ذاته. فصانع “أن تصبح هتشكوك” يشتغل هنا انطلاقاً من تحليل مفصل ومعمق لكل عنصر من عناصر فيلم عام 1929، بل نكاد نقول، من كل لقطة من لقطات الفيلم الروائي الطويل سلسلة من المتوازيات بين عالمين سينمائيين كان يخيل إلينا أن لا علاقة لأحدهما بالآخر، عالم السينما الهتشكوكية في سنوات الـ20 التي كان يحققها في لندن، وعالم سينماه كما باتت في سنوات الـ50، أي تلك التي اندمجت في العالم الهوليوودي اندماجاً تاماً، بل راحت تصنع ذلك العالم الهوليوودي على مزاجها. والطريف أن بوزيرو يعتبر وجود امرأة شقراء متفجرة في العالمين، نوعاً من أداة ربط معتبرة بينهما! بل إنه يذهب بعيداً في تلك الإشارة ليقول لنا كم أنه يعتبر تلك الشقراء متنقلة بين عالم وآخر نوعاً من الهوس يضيفه المخرج إلى هوسين هتشكوكيين آخرين، يكشف الفيلم الوسيط عن وجودهما مشتركين بين العالمين في تعبيرهما عن رغبة المخرج، لندنياً كان أم هوليوودياً، في تحطيم الشفرات الكلاسيكية للعملية الإخراجية نفسها. هنات لا تفسد للفن قضية لقد بدا هذا الشريط التلفزيوني تعبيراً عن طموح فني كبير، غير أنه وكما حال كل عمل من هذا النوع الطموح، لم يخل من هنات نبه إليها عدد من النقاد الذين كانوا هم من أثنوا أكثر من غيرهم على المشروع، مؤكدين بأنه لئن كان التحليل الذي أتى به الشريط التلفزيوني صائباً في معظم الأحيان، فإن الشريط في مجمله لم يخل من مغالاة في فرض استنتاجات لا تستقيم مع مقدماتها، بمعنى أن “ثمة لحظات بدا فيها التحليل غير مقنع بل قائم على وقائع غير دقيقة”، ولا سيما حين يبدو صاحب الشريط وكأنه يفترض وجود نوايا هتشكوكية، إذ لا ثمة نوايا محددة ولا يحزنون، مما استدعى تراكم تناقضات في التحليل، لو زاد عددها عن حده لسقط الفيلم برمته، وتحول إلى نوع من تعبير أتى به مخرج الشريط لمجرد افتتانه بمخرجه المفضل والتعبير عن تقديسه له. غير أن الخبر السار في هذا كله هو أن تلك اللحظات لم تكن كثيرة بل قليلة، وعبرت من دون أن تترك ما ينسف الفيلم بصورة أو بأخرى، ثم من قال إن هتشكوك الذي لا يزال يعامل بعد نحو نصف قرن وكأنه حي بيننا ثمة كثر لا يريدون بعد رميه في متاحف التكريم المطلق، يستحق هذا وأكثر! المزيد عن: الفريد هتشكوكسينما التشويقهوليوودفرنسوا تروفو 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post (9 مؤشرات) على عودة “العقل النازي” next post ( 60 قصيدة ) لعشرين شاعرا أميركيا حازوا “بوليترز” You may also like ( 60 قصيدة ) لعشرين شاعرا أميركيا حازوا... 24 يناير، 2025 شربل داغر .. يكتبُ بشهوة الشاعر في نطاق... 24 يناير، 2025 محمود الزيباوي يكتب عن: مجامر من موقع سمهرم... 23 يناير، 2025 أنسي الحاج… الصمت الناطق 23 يناير، 2025 “إغراء الغرب” مراسلات أندريه مالرو مع “أناه” 22 يناير، 2025 رواية “وجوه طنجة” تسترجع مأساة الموريسكيين 22 يناير، 2025 محمد بنيس: على القصيدة أن تبقى مقاومتنا الدائمة... 22 يناير، 2025 نساء وسمن العصور الوسطى الأوروبية بموسيقاهن وأصواتهن 22 يناير، 2025 هل حولت “نوبل” ستاينبك إلى مناصر لحرب فيتنام؟ 22 يناير، 2025 “ملفات بيبي”… محاكمة سينمائية لطموحات نتنياهو 22 يناير، 2025