رحلة الغرناطي في التشكيل الإستشراقي (صفحة الإستشراق - فيسبوك) ثقافة و فنون رحلة عصرية بين عجائب الغرناطي وغرائب القزويني by admin 21 مارس، 2024 written by admin 21 مارس، 2024 167 زياد عبدالله يسرد أحوال السفر في التاريخ والجغرافيا والماوراء اندبندنت عربية / سلمان زين الدين لطالما اقتصر مصطلح “أدب الرحلة” في تاريخ الأدب العربي على النوع الأدبي الذي يجوب فيه الأديب الرحّالة المكان، ويرصد حركة الحياة فيه، ويعود منه بالمشاهدات والانطباعات، ما يجعلنا إزاء معرفة مباشرة بالمكان ومتعلّقاته، يقدّمها لنا على بساط من فضّة الورق. أمّا حين يقوم الأديب برحلته في بطون الكتب، ويُعاين الأشياء من خلال صفحاتها، فنكون إزاء معرفة غبر مباشرة بالمكان ومتعلّقاته، مما يقتضي معه توسيع المصطلح ليشمل الرحلة على جناح الورق. فالغاية في الحالتين هي الرحلة وإن اختلفت الوسيلة، وقد تكون ميدانية مباشرة أو ورقية غير مباشرة. وهذا ما يقوم به الكاتب السوري زياد عبدالله في كتابه ” لا تقرأ هذا الكتاب إن لم ترَ من السماء إلّا زرقتها”، الصادر عن “محترف أوكسجين للنشر”، وفيه يصحبنا في رحلة بديعة مع أبي حامد عبد الرحيم بن سليمان الأندلسي الغرناطي من القرن السادس الهجري، وزكريا بن محمد بن محمود القزويني من القرن السابع الهجري، ويُحلّق بنا على أجنحة الخيال إلى عوالم وأمصار نرى من خلالها ما يتعدّى زرقة السماء وغبرة الأرض. وعبدالله روائي وقاص وشاعر ومترجم سوري. له أربع روايات، ومجموعتان قَصصيتان، ومجموعتان شعريتان، وثلاثة كتب مترجمة. ناهيك بتأسيسه مجلّة “أوكسجين” والمحترف. عصرنة التراث الكتاب حلقة في سلسلة “أوكلاسيك” التي يُصدرها المحترف، وتُعنى ب”دمج التراثي بالإنساني والعالمي والكوني”. ولعلّ الكلمة المنحوتة من كلمتي “أوكسجين” و”كلاسيك” تشكّل تكثيفاً لهذا الاهتمام الذي يحرّر التراث من تراثيته، “ويخلق حوارية عصرية معه”، مما يشي بإنعاش الميّت من التراث بالأوكسجين لإعادته إلى قيد الحياة، وهذا ما يقوم به عبدالله في كتابه. فيستخرج مادّته الأوّلى من كتابي “تحفة الألباب ونخبة الإعجاب” للغرناطي، و”عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات” للقزويني، ويقوم بصياغتها في إطار روائي، وتوزيعها على فصول محدّدة، وتذييلها بمعاجم الأعلام والأمكنة والمخلوقات، مما يجعلنا إزاء محتوى رحلي، وإطار روائي، ومدن تاريخية، وجغرافيا واقعية، وأخرى سحرية، في الكتاب الواحد، ويطرح مسألة النوع الأدبي على بساط البحث. كتاب الرحلة (دارأاوكسجين) يستلّ عبدالله عنوان كتابه من قول القزويني: “ومن لم يرَ من السماء إلّا زرقتها ومن الأرض إلا غبرتها فهو مشارك للبهائم في ذلك، وأدنى حالاً منها”. ويُسْتَشَفّ من هذا القول أن على الإنسان أن ينظر إلى ما بعد الظواهر الطبيعية المباشرة، ويرى ما يمكن أن يكمن خلفها، وهو ما يتمّ بواسطة المخيّلة التي تميّز الإنسان عن الحيوان، وهذو ما يتوخّاه الكاتب حين يحدّد مهمّته بعقد قران بين مخيّلتي الرجلين، “يهتمّ بما هو أدبي وأسطوري وخيالي فيهما، كما لو أنّه رحلة في عوالمهما الخيالية” (ص 15)، وبالبحث عن الخيال والجمال (ص 16). وهو، في سياق النهوض بهذه المهمّة، يحدّد آليات التنفيذ بالقول: ” وبغيتي وهدفي كان أن أجمع بينهما، أن أتلقّط من كتابيهما كلّ عجيب غريب، وأجعل ما خطّاه في سياق أقوم عليه، أُوجّهه، آخذ من “تحفة الألباب” وأكمل من “عجائب المخلوقات” والعكس صحيح، أُبوّب وأُقسّم على هدي هذا الكتاب وذاك” (ص 14). وإذ نلاحظ أنّه يخلط بين الهدف والوسيلة في هذا القول، نستنتج أنّ الوسائل المستخدمة لتحقيق الهدف هي الجمع والتقاط الغريب والقوامة والتوجيه والاختيار والإكمال والتبويب والتقسيم، وهي خطوات إجرائية يقوم بها الكاتب، في إطار روائي، يجعل من المادة الأولى الخاضعة لهذه الخطوات موضع استساغة واستمتاع. الكاتب زياد عبدالله (دار أاوكسجين) من هنا، يصطنع عبدالله لقاء متخيّلاً بين ثلاث شخصيات مختلفة لم يسبق أن اجتمعت في مكان أو زمان؛ الغرناطي من القرن السادس الهجري، القزويني من القرن السابع الهجري، والكاتب من القرن الخامس عشر الهجري (القرن الحالي). وعلى اختلاف الشخصية والزمان والمكان، فإنّ ما يجمع بين الشخصيات الثلاث هو الأدب والبحث عن الخيال والجمال. لذلك، يبني عبدالله على هذا المشترك، ويعقد حواراَ بينها، يكتفي هو بإدارته وتوزيع الأدوار على بطلَيه، في هذا المحور أو ذاك، فيأخذ من هذا مرّة ومن ذاك مرّة أخرى، وغالباً ما يصوغ المأخوذ بلغته الخاصة، ونادراً ما يورده بلغة المأخوذ منه، وقد تختلف رواية المتحاورَيْن للواقعة الواحدة في بعض المرّات. يخوض المتحاورون الثلاثة في محاور من قبيل الشياطين والملائكة، الطيور والجبال، المدن والحيوانات والأمم، البحار والجزر، والموتى والقبور. وهكذا، يتجاور، في محاور الحوار، الماورائي والطبيعي والجغرافي والإنساني. وعلى تنوّع هذه المحاور واختلافها، فإنّ ما يجمع بينها هو البحث عن الغرائبي فيها. في محور الشياطين والملائكة، يسند الكاتب إلى الغرناطي دور الكلام عن الشياطين، فيأتي على ذكر أنواع منها كالقطربة والغول والسعلاة والغدّار والدلهاث والمذهب والشق وعوج بن عناق، يصف كلاًّ منها، وينسب إليه غرائب الأفعال، على إغراق في المبالغة والغلو. ويُسند إلى القزويني الكلام على الملائكة، فيخصّ بالذكر حملة العرش، حيّة العرش، الروح الأمين، ملائكة السموات السبع، المعقّبات، هاروت وماروت، منكر ونكير، وغيرها، ويبيّن المهامّ الموكلة إلى كلٍّ منها. وفي محور الطيور والجبال، يتناوب المتحاوران الكلام على الرخّ والعنقاء والتنّين والوطواط وقوقيس والهدهد، متوقّفَيْن عند كلٍّ منها بالوصف المبالغ به، ناسبَيْن إليه غرائب السلوك، من جهة، ويتناوبان الكلام على عجيب الجبال، من قبيل: جبل حور قور، جبل يله بشم، جبل دماوند، جبل الرقيم، جبال طبرستان، جبل نهاوند، وجبل قاف، متوقّفَيْن عند موقع كلٍّ منها وطبيعته ودوره، من جهة ثانية. مدن وبحار في محور المدن والحيوانات والأمم، يتحدث الغرناطي عن إرم ذات العماد في اليمن ومدينة النحاس في المغرب وحمص كرمان، وعن أمّة منسك وزريه كازان. ويتحدّث القزويني عن الأرض وعجيب الحيوان على ظهرها، من قبيل: شاده وار، سيرانس، الكركدن، وعن غريب الأمم كيأجوج ومأجوج ومنسك وأمم أخرى. ويتوقّف كلٌّ منهما عند الغرائبي في المدينة أو الأمّة او الحيوان. وفي محور البحر والجزر، يتحدّث القزويني عن بحر الصين وجزره وبحر الهند وجزره وبحر الزنج وجزره، وعن عجيب حيوان البحر والأنهار والعيون. ويتحدّث الغرناطي عن بحر الخزر وجزره. والملاحظ أن القزويني يستأثر بمعظم الحديث في هذا المحور وهو ما يتناسب مع اختصاصه الجغرافي. أمّا المحور الأخير الذي يخوض فيه الكتاب، فيتعلّق بالموتى والقبور، وهو ما ينفرد الغرناطي في الحديث عنه ، فيروي ما شاهد وما تناهى إليه، من غرائب وعجائب، على هذا الصعيد. وإذا كان الحوار بين الغرناطي والقزويني الذي يشكّل متن الكتاب، كفيلاً بتحقيق وظيفة الإمتاع، بما يشتمل عليه من غرائب وعجائب وجموح خيالي ومبالغات، وهي إحدى وظيفتي الأدب عبر التاريخ، فإنّ الفائدة، الوظيفة الأخرى للأدب، تتحقّق من خلال معجمي الأعلام والأمكنة اللذين ذيّل بهما الكاتب كتابه، فيقدّم في الأوّل معرفة تاريخية بالعَلَم، ويقدّم في الثاني معرفة جغرافية بالمكان، باذلاً في ذلك جهداً مشكوراً، مستنداً فيه إلى مصادر ومراجع موثوقة، ما يعزّز الجانب العلمي من الكتاب. وعليه، يحقّق زياد عبدالله في كتابه وظيفتي الأدب، عبر التاريخ، ما يجعل قراءته محفوفة بالفائدة والإمتاع. إن تناول التراث من منظورات حديثة من شأنه أن يعيده إلى الحياة، وأن يجعل الرؤية تتعدّى زرقة السماء وغبرة الأرض. المزيد عن: ادب الرحلةالغرناطيالقزوينيالغرائبالمدنالتاريخالتخييلالجغرافياالماوراءاللثقاء 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post الجيش الإسرائيلي يعلن إنشاء فرقة عسكرية على حدود لبنان وسوريا next post هل يستعيد “الرجل – الحرباء” في الأدب الألماني مكانته السابقة؟ You may also like “الحمار الذهبي” من أقدم السرديات الكبرى في التاريخ 29 ديسمبر، 2024 سامر أبوهواش يكتب عن: بين “سقوط الأسد” و”مئة... 29 ديسمبر، 2024 يوسف بزي يكتب عن العودة إلى دمشق: قصر... 29 ديسمبر، 2024 يوسف بزي يكتب عن: العودة إلى دمشق.. عشوائية... 29 ديسمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: جدلية العلاقة بين ابن... 27 ديسمبر، 2024 جون هستون أغوى هوليوود “الشعبية” بتحف الأدب النخبوي 27 ديسمبر، 2024 10 أفلام عربية وعالمية تصدّرت المشهد السينمائي في... 27 ديسمبر، 2024 فريد الأطرش في خمسين رحيله… أربع ملاحظات لإنصاف... 27 ديسمبر، 2024 مطربون ومطربات غنوا “الأسدين” والرافضون حاربهم النظام 27 ديسمبر، 2024 “عيب”.. زوجة راغب علامة تعلق على “هجوم أنصار... 26 ديسمبر، 2024