جيمس فينيمور كوبر (1789 – 1851) (غيتي) ثقافة و فنون رائد الرواية الأميركية جيمس كوبر والتباس الحياة والمكانة by admin 25 يوليو، 2024 written by admin 25 يوليو، 2024 104 في النهاية لم يكن صاحب “آخر الموهيكان” ذلك الرائد الجوال آفاق البراري الذي كنا نعتقده اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب لا ريب أن الكاتب الأميركي جيمس فينيمور كوبر كان الرائد الكبير، بل ربما المؤسس الحقيقي للرواية الأميركية الأصيلة التي كان هو أول من سعى إلى كتابتها، في وقت كان كل ما يمكن القراء الأميركيين في العالم الجديد أن يقرأوه مجرد محاكاة لما كان يكتب في القارة الأوروبية ويستورد إلى العالم الجديد، فيتسابق الكتاب في هذا العالم إلى النسج على منواله بينما يتسابق الطابعون إلى إعادة طباعة ما يلقى الرواج منه بصورة جدية. في هذا المجال على أية حال كانت أميركا تعيش عالة على أمها القارة العجوز وبخاصة على ما ينتج في لندن بصورة عامة، وفي حواضر أوروبية أخرى بدت أقل حضوراً في المدن الجديدة ولدى القراء في عالم بدأ لتوه يلقي بالا للكتب والحكايات من دون أن يدرك هو أول الأمر أنه لا بد له هو نفسه أن يكون منتجاً في هذا المجال كما بات منتجاً في مجالات أخرى. وفي هذا الإطار قد يكون في الإمكان الحديث عن كتاب متعددين بدأوا في الظهور ولكن من دون أن تكون لأعمالهم تلك الخصوصيات، التي ما إن سينقضي قرنان حتى تصبح علامات خاصة في خلقها أدباً اكتفى أول الأمر بأن يبدو مهماً ليصبح تدريجاً أدباً كبيراً ثم الأدب الرئيس في اللغة الإنجليزية. مشهد من فيلم “آخر الموهيكان” المأخوذ من رواية كوبر (موقع الفيلم) تلاؤم مع توصيف “الرائد” من الطبيعي القول هنا إننا لسنا في صدد بحث تاريخي نظري أو حتى سوسيولوجي يتعلق بالأدب الأميركي، لكننا اخترنا هذا المدخل لأنه يبدو لنا شديد التلاؤم مع توصيف “الرائد”، الذي ينطبق أكثر ما ينطبق هنا على كوبر الذي شغلت كتاباته الربع الثاني من القرن التاسع عشر الأميركي إذ ولد خلال عام 1789 ليرحل عام 1851، ممضياً ربع القرن الأخير من حياته مبدعاً تلك الروايات التي ستكون ذات الدور الرئيس في إبداع ما سيحمل من بعده عن جدارة وصف “الأدب الأميركي” بكل خصوصياته. لقد كان كوبر رائداً بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى. ولكن أيضاً مع خصوصيات والتباسات أيضاً. فكل ريادة تجد نفسها منذ البداية محاطة بتلك الالتباسات، ولعل الالتباس الأول الذي يحيط بأدب كوبر يتعلق بالصورة النمطية التي تكونت عنه على مدى الزمن. فهي تفيدنا قبل أي شيء آخر بكونه صاحب “عمل وحيد”. ويتأتى ذلك من الشهرة الكبرى التي اكتسبتها على مرور ذلك الزمن روايته “آخر الموهيكان” التي صنفت دائماً رواية براري ورواية تنظر نظرة عادلة إلى سكان البلاد الأصليين المسمين خطأ طبعاً بـ”الهنود الحمر”، والمنظور إليهم حتى ذلك الحين كوحوش هائمين في البراري لا هم لهم سوى افتراس الدخلاء الغازين بلاداً ليست بلادهم في نهاية الأمر. لقد أتت تلك الرواية لتنصفهم بقلم جوال أبيض يهيم مثلهم في البرية ويحاول أن يكون عادلاً تجاه البرية وتجاههم. ومن هنا فإن الصورة التي رسختها تلك الرواية في الأذهان ولا تزال هي الصورة المعتمدة حتى الآن، هي صورة الكاتب الإنساني التقدمي العادل والذي لم يقيض له بعد كتابته تلك الرواية أن يعيد الكرة. صورة متناقضة لكنها صورة خاطئة بالتأكيد. بل صورة تبدو متناقضة تماماً مع حقيقة جيمس فينيمور كوبر إن تحرينا سيرة حياته على ضوئها الذي لا شك أنه يخدعنا بصدد حقيقة الأمر في كل مرة تستعاد فيها “آخر الموهيكان” اليوم لمناسبة أو أخرى، مرة من خلال اقتباس سينمائي وغيرها من خلال ذكرى ولادة أو رحيل الكاتب. وهي خاطئة مثل عدد من الصور النمطية الأخرى المتعلقة بسيرة الكاتب. وبخاصة منها صورته كجوال البراري آفاقاً وحيداً يتجول متمنطقاً بندقيته مصاحباً حصانه هائماً في أفكاره. ففي الحقيقة كان كوبر ابن مدينة يزور البراري بين الحين والآخر لا أكثر. كان ابن نيويورك التي ارتبط بها وعاش جزءاً كبيراً من سنواته الأولى فيها. أما البراري التي كان تعود التجوال فيها فليست في “الغرب الأميركي” بل في جوار نيويورك! والأدهى من ذلك أن كوبر لئن كان عاش الردح الأكبر من النصف الأول من حياته في نيويورك، فإنه أمضى الردح الأكبر من الجزء الثاني منها في باريس التي سيشعر في سنواته الأخيرة أنه منتم إليها أكثر من انتمائه إلى أي مكان آخر. أو هذا ما كان يقوله هو نفسه على أية حال! ولئن كنا سنعود إلى هذا بعد سطور فلن نفعل إلا بعد أن نوضح التباساً آخر من التباسات هذا الكاتب، ويتعلق بأنه لم يكن في الحقيقة صاحب مؤلف واحد. غلاف إحدى طبعات “آخر الموهيكان” (أمازون) تلاقي الثروات بل على العكس، فهو ومنذ بداياته كتب كثيراً وبخاصة روايات بالغة الطول حتى وإن تبقى “آخر الموهيكان” روايته الأشهر. ورواياته ترجمت دائماً إلى شتى لغات العالم. وهو على عكس كل ما قد يتصوره القراء عنه كان ابناً لمستوطن إنجليزي بالغ الثراء مكنته ثروته من بناء مدينة بكاملها هي كوبر تاون، التي جعلت الأسرة من أغنى أثرياء المنطقة ما مكن الابن من أن يتلقى دراسته في جامعة يال وهو بالكاد بلغ الـ13 من عمره. لكنه ترك الدراسة باكراً ليلتحق بالقوات البحرية خلال الحرب الأميركية – الإنجليزية، وما إن انتهت تلك الحرب حتى تزوج من فتاة أكثر ثراء منه وتجول معها في أوروبا قبل أن يعودا للاستقرار في نيويورك، حيث كان أول ما فعله إنجاز روايته الأولى “حيطة” التي أساءه ألا تحقق أي نجاح فانكب من فوره بعد ذلك الفشل على كتابة رواية ثانية هي “الجاسوس”، التي تدور أحداثها خلال حرب الاستقلال. ولقد حققت له تلك الرواية النجاح الكبير الذي كان يسعى إليه. وهو لم يتوقف عن الكتابة طوال الأعوام التالية لـ”الجاسوس” وبخاصة بعد أن فاق النجاح التالي الذي حققته له “آخر الموهيكان” ما كان يتطلع إليه بغزوها العالم، بوصفها “الرواية الأميركية بامتياز” يسير على دربها نجاح سلسلة روايات مشابهة أخرى تدور أحداثها كحال “آخر الموهيكان” في بلاد الإيرووكي في منطقة هنود، تلك المناطق من سكان البلاد الأصليين المعروفين باسم “ذوي الجرابات الجلدية”، وهي روايات من المعروف أنها بدلت نظرة الأميركيين بل نظرة العالم كله إلى حياتهم وإلى ارتباطهم بالأرض ومفاهيم الشرف وقيم العلاقة المدهشة مع الطبيعة. اكتشاف مرير في أوروبا والحال أن كوبر وبعد أن أصدر عدداً كبيراً من تلك الروايات انصرف عند نهايات عشرينيات ذلك القرن إلى الانغماس في كتابة روايات تدور في أعالي البحار وحول مغامرات وحيوات بحرية ما قاده في نهاية الأمر إلى أن ينفق أعواماً تالية من حياته لكتابة ما اعتبر أضخم مؤلف في ذلك الحين حول “تاريخ البحرية الأميركية”، حقق كما رواياته السابقة نجاحاً كبيراً ولكن دائماً في الداخل الأميركي. أما في الخارج فلقد كانت دهشة الكاتب كبيرة حين وصل إلى أوروبا حيث سيستقر بصورة شبه نهائية ولكن تدريجاً منذ عام 1826 أنه لئن كان معروفاً حقاً في باريس خاصة فإنه معروف فقط بوصفه مؤلف رواية “آخر الموهيكان”، التي كانت ترجمت ونشرت في العاصمة الفرنسية قبل أن تنتشر في بلدان أوروبية أخرى. صحيح أن ذلك أزعجه لكنه سرعان ما اعتاد عليه وبخاصة أن نظرته الأميركية الناقدة خصوصاً لمجتمع نيويورك معبراً عنها في روايته الأخيرة “مدن مانهاتن” راقت للفرنسيين حتى وإن كان هو رحل عن عالمنا من دون أن يستكملها خلال عام 1851. لقد كان النجاح دائماً من نصيب جيمس فينيمور كوبر فيما عدا أمر واحد وهو أن يقنع الفرنسيين بأنه صاحب روايات عديدة وهو أمر كان يتحدث عنه بمرارة خلال سنواته الأخيرة. لكنه تحقق له في القرن التالي بعد موته إذ باتت مكانته كرائد مؤسس معترفاً بها.) المزيد عن: الكاتب الأميركي جيمس فينيمور كوبرالأدب الأميركيرواية آخر الموهيكانسكان أميركا الأصليين 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post المهرجان القومي للمسرح المصري يحتفي بالمرأة في “دورة سميحة أيوب” next post “قانون بن غفير” يُحكم الخناق على الفلسطينيين You may also like الكنز المفقود… ماذا يخفي نهر النيل؟ 13 نوفمبر، 2024 سيمون فتال: السومريون أنتجوا أجمل الفنون وهي الأساس 13 نوفمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: نصبان جنائزيان من مقبرة... 13 نوفمبر، 2024 شوقي بزيع يكتب عن: أي دور للكتاب والمبدعين... 13 نوفمبر، 2024 كيف تستعيد الجزائر علماءها المهاجرين؟ 12 نوفمبر، 2024 مثقفان فرنسيان يتناقشان حول اللاسامية في “المواجهة” 12 نوفمبر، 2024 مكتبة لورين غروف تتحدى حظر الكتب في أرض... 12 نوفمبر، 2024 800 صفحة تتسلل إلى مجاهل العقل النازي 12 نوفمبر، 2024 أنطونيو سالييري… بين العبقرية المظلومة والغيرة القاتلة 12 نوفمبر، 2024 رسائل تنشر للمرة الأولى… حب مستحيل لأراغون 8 نوفمبر، 2024