الإنسان في مواجهة الأخطار المقبلة (مؤسسة أمنستي) ثقافة و فنون ديفيد سبيغلهالتر يتناول أخطار العيش في زمن اللايقين by admin 21 أكتوبر، 2024 written by admin 21 أكتوبر، 2024 46 كتاب بحثي يتتبع الإنسان بين الحظ الكوني والظرفي والوجودي اندبندنت عربية / سناء عبد العزيز ديفيد سبيغلهالتر من أبرز خبراء الإحصاء في بريطانيا بحكم مسيرة مهنية امتدت لنصف قرن، ركز خلالها على البيانات بوصفها الوسيلة الأدق لفهم الأخطار والتعامل معها. في عام 2019 تصدر كتابه “فن الإحصاء” قائمة الأكثر مبيعاً، وخلال جائحة “كوفيد-19″، أدى دوراً لا يستهان به في الحد من القلق المستفحل، وذلك بالمساعدة في تفسير البيانات على ضوء رياضي بحت في كتابه “كوفيد بالأرقام: فهم الوباء بالبيانات”. حصل سبيغلهالتر على عديد من الجوائز والتكريمات، منها وسام الإمبراطورية البريطانية، وجائزة التميز من الجمعية الإحصائية الأميركية، كما حصل على دكتوراه فخرية من جامعة آلبورغ، الدنمارك، وأخرى في العلوم من جامعة بليموث، وتم تعيينه أستاذاً فخرياً للإحصاء الحيوي في جامعة كامبريدج. في فيلم وثائقي بعنوان “Tails you Win: the Science of Chance” حاول سبيغلهالتر تحديد ماهية الصدفة، تلك الظاهرة المراوغة التي تباغتنا في الحياة على نحو عشوائي، هل من الممكن أن نضفي عليها طابعاً علمياً، بإخضاعها للقياس؟ يؤكد سبيغلهالتر أنه من خلال أسرار الاحتمالات، ذلك الفرع الحيوي من الرياضيات، بوسعنا التحكم فعلا في ما هو آت. كتاب “فن اللايقين” (أمازون) لقد ظل الاحتمال وضربات الحظ من أهم ما يشغل الإنسان، ويقض عليه مضجعه. إن كلمات مثل “حظي”، و”نصيبي”، و”سوء تقدير”، و”ليست غلطتي” هي الأكثر تداولاً في القاموس البشري، وعلى مدى آلاف السنين أجريت ملايين القرع والمراهنات وألقى الإنسان بما لا يحصى من مكعبات النرد لاستشفاف الطالع وتقصي الاحتمالات. لكن سبيغلهالتر يرى أن هذه الظاهرة المراوغة لم تخضع للملاحظة المباشرة ولا للقياس إلا في إيطاليا في القرن الـ16 في عصر النهضة، على يد عالم الرياضيات والمنجم الشهير جيرولامو كاردانو (1501 – 1576)، الذي جمع في كتابه “ألعاب الحظ”، عصارة تجربته في لعبة القمار حيث ربح كثيراً وبالقدر نفسه خسر تلالاً من الأموال، مدشناً بذلك طريقاً منهجياً لعلم الاحتمال. نظرية الناجي الوحيد يكتنز كتاب سبيغلهالتر بمئات القصص عن الحظوظ السعيدة إلى جانب الحظوظ السيئة سواء لشخصيات نعرفها أم عرفناها من طريق الصدفة وعناوين الصحف: “في منتصف نهار الـ19 من أغسطس (آب) 1949، وبينما كانت طائرة دي سي-3 تابعة لشركة الخطوط الجوية البريطانية الأوروبية في سفرها من بلفاست إلى مانشستر، اصطدمت بجبل قرب أولدهام. ولقي جميع أفراد الطاقم و21 من الركاب الـ29 حتفهم، ولم ينج إلا ثمانية ركاب، من بينهم صبي صغير ووالداه، وإن كان من بين القتلى أخوه الأصغر. وأصبح الصبي الناجي صديقي وزميلي الإحصائي البروفيسور ستيفن إيفانز”. يستطرد سبيغلهالتر “أعتقد أننا نتفق على أن ستيفن كان محظوظاً. ولكن ماذا نعني بـ’الحظ‘؟ قد نقول إن شخصاً ما كان محظوظاً أو سيئ الحظ إذا استفاد أو تضرر من أمر غير متوقع وخارج عن سيطرته. وقد أطلق على الحظ “عملية الصدفة، على المستوى الشخصي”. في المقابل، تأتي قصة جوليان كوبكي البالغة من العمر 17 سنة التي جربت الأمرين معاً في ليلة عيد الميلاد 1971. كانت كوبكي على متن رحلة لانسا رقم 508 عندما ضربتها صاعقة برق فوق غابات الأمازون لسوء حظها. فألقيت خارج الطائرة، وهي لا تزال مقيدة بمقعدها، وسقطت من ارتفاع 3 آلاف متر (9800 قدم). المفكر البريطاني سبيغلهالتر (صفحة الكاتب – فيسبوك) لحسن الحظ، أعاقتها أشجار الغابة الكثيفة من السقوط على أرض صلبة، وبهذا نجت، بينما مات 90 راكباً، بمن في ذلك والدتها. ومثل ستيفن، يفسر سبيغلهالتر “كانت جوليان محظوظة. فقد رباها والداها، اللذان كانا باحثين في علم الطيور، في الأمازون، وكانت لديها المهارات اللازمة ليس فقط لتضميد جراحها، بل وأيضاً للتجول 11 يوماً في الغابة بمفردها حتى وجدت معسكراً لتختتم رحلتها نحو النجاة”. يقسم سبيغلهالتر حظوظ البشر إلى ثلاثة أشكال “الحظ الظرفي”، بمعنى الوجود في المكان المناسب في الوقت المناسب، أو المكان الخطأ في الوقت الخطأ، “الحظ الناتج”، ويعني به ما تسفر عنه الأحداث من نتائج جيدة أو سيئة نتيجة عوامل خارجة عن السيطرة. وأخيراً “الحظ التكويني” الذي يوليه في كتابه أهمية خاصة، فهو يشمل كل الظروف السعيدة والمؤسفة لوجودنا ذاته، الفترة التي ولدت فيها، والداك، خلفيتك، جيناتك، سماتك الشخصية. “إذاً أين كان الحظ التكويني لدى ستيفن؟ لقد أخبرني أن تجارب والده في سلاح الجو الملكي البريطاني دفعته إلى الإصرار على أن تجلس الأسرة في مؤخرة الطائرة ــ وأن الذين نجوا هم وحدهم الجالسون في الخلف”. يعلق سبيغلهالتر “لقد حظي بوالدين مناسبين”. يرى سبيغلهالتر أن الحظ التكويني هو أهم سمة للجنس البشري، فنحن لا نملك اختيار والدينا أو خلفياتنا أو بلدنا أو عصرنا. ومع ذلك، كما هي الحال مع المقامرين، يمكننا أن نستفيد قدر الإمكان من الأوراق التي نتعامل معها. لذا يقترح إضفاء نوع من النظام على هذه الآفة البشرية التي يكتنفها الغموض والتناقض، وذلك باستخدام الأرقام، ثم قياس مدى جودة هذه الأرقام عبر مبادئ الاحتمالية، موضحاً كيف يمكن أن تساعدنا في التفكير بصورة أكثر تحليلاً في كل شيء من النصائح الطبية إلى الأوبئة وتغير المناخ. العيش في زمن اللايقين يؤكد سبيغلهالتر في بداية كتابه أن عدم اليقين ينتج من العلاقة بين الفرد والعالم الخارجي وهو “يتعلق بنا جميعاً، ولكنه مثل الهواء الذي نتنفسه، يميل إلى البقاء دونما فحص”. وهذه الجائحة يختلف تأثيرها بصورة كبيرة بين الناس، فالبعض قد لا يبالي بعدم القدرة على التيقن من أي شيء في حياته، في وقت يكاد القلق يشل الآخرين. في عام 2011، تنبه عالم النفس دانييل كانيمان (الحائز على نوبل) إلى أن الإنسان مزود بنمطين من التفكير. النمط الأول أو ما أطلق عليه “نظام 1” يتسم أفراده بالسرعة في اتخاذ القرارات والجنوح العاطفي، والثاني “نظام 2” لمن يتميزون بالتريث والمنطقية، بعد إعمال الذهن وتقليب كل الاحتمالات. لقد تطور تفكير الإنسان الغريزي من النمط الأول إلى الثاني مع تزايد تعقيد المجتمعات وتحول عدم اليقين إلى جزء لا يتجزأ من الحالة الإنسانية. ويزعم سبيغلهالتر أن نظام كانيمان الأول عندما يتعامل مع الشعور بعدم اليقين، فإنه “يميل إلى الإفراط في الثقة، ويهمل المعلومات الخلفية المهمة، ويتجاهل كمية الأدلة ونوعيتها، ويتأثر بصورة غير ملائمة بالطريقة التي تطرح بها القضية، كما يولي اهتماماً مفرطاً للأحداث النادرة، الدرامية منها بخاصة، لذلك فهو يقمع الشك”. يجرنا عدم اليقين إلى أحاديثنا اليومية التي ينبغي ألا تنطلق من قناعة مطلقة فـ”ما كان لأي منا أن يكون هنا لولا سلسلة من الأحداث التي تبدو مصادفة”، وهو ما يحفزنا على بعض التواضع في شأن أهميتنا الذاتية. كتب يقول “إننا نستطيع أن نذهب إلى أبعد من ذلك في التفكير في حظنا الوجودي. فربما لم تكن البشرية لتوجد لو لم يصطدم كويكب بالأرض قبل 66 مليون سنة، فيغير المناخ ويقضي على الديناصورات، ويسمح للثدييات بالتطور. ولم تكن الحياة على الأرض لتحظى بفرصة الظهور لو لم يكن كوكبنا مستقراً بالصدفة على مدى مليارات السنين. إن كوننا بالكامل لا وجود له إلا بفضل ’الحظ الكوني‘ المتمثل في وجود الثوابت الفيزيائية في منطقة ’جولديلوكس‘، ونسبة المادة إلى المادة المضادة التي تسمح للأشياء بالالتحام بعد الانفجار الأعظم”. بطبيعة الحال، لم نكن لنكون هنا لنتأمل في حظوظنا السعيدة لو لم تحدث هذه السلسلة من الأحداث، وهذا “التحيز للبقاء على قيد الحياة” يعني أنه من الصعب فلسفياً، وأعتقد أنه من غير المجدي إلى حد ما، أن نتحدث عن احتمال وجودنا. حكايات عن إساءة الفهم يتناول الكتاب أيضاً براعة كازانوفا في الرياضيات، وقد جلبت له الحظ في اليانصيب الفرنسي، وعبقرية فكرة هالي (الذي اشتهر بالمذنب) التي نجم عنها سياسة التأمين على الحياة والمعاشات التقاعدية من خلال مراقبة أعمار الأشخاص الذين ماتوا. كما يتضمن تقديرات فاشلة لعدد من السياسيين منهم الرئيس كينيدي الذي صرح عام 1961، بأن احتمال نجاح غزو خليج الخنازير “مقبول”، في حين ظهر الشك بين رؤساء الأركان، بل وقدروا احتمالية نجاحه بنسبة 30 في المئة وهو ما تحقق على أرض الواقع. ولكن العميد الذي صاغ التقرير نيابة عن كينيدي ترجم النسبة الرقمية إلى هذا التقييم الفضفاض “فرصة مقبولة”، قاصداً به “ليست جيدة للغاية”. ولم يخطر بباله ما ينجم عن عدم استخدام الاحتمالية العددية من سوء فهم ومغبة النتائج. لكن مثل هذه التجارب الصعبة تلعب دوراً جوهرياً في تقرير المصير لاحقاً، ومن دون وعي منا على طريقة “الذين لسعتهم الشوربة فنفخوا في الزبادي”، فمنذ ذلك الحين، تعلم مجتمع الاستخبارات كيف يكون “أكثر شفافية في شأن درجة عدم اليقين”. في هذا الصدد صدر تقرير عن حلف شمال الأطلسي عام 2019، بعنوان “متغيرات الكلام الغامض”، يكشف عن قصور اللغة التعبيرية قياساً بالأرقام، وخطورة إحلال اللفظ بديلاً عن النسبة، منها على سبيل المثال شبه الجملة المراوغة “من المرجح” التي تعني بالنسبة إلى الاستخبارات البريطانية 55 إلى 75 في المئة، في حين تعني بالنسبة إلى كندا 70 إلى 80 في المئة، على سبيل المثال! وفي معرض الاحتمال أيضاً، يجري “ديفيد سبيغلهالتر” تجربة مهمة عن المدة التي قد تستغرقها مجموعة من القرود لتأليف أعمال شكسبير، وذلك بتثبيت برنامج محاكاة القرود على حاسوبه وتركه يعمل لأيام عدة. بعد 113 مليون ضغطة وهمية على لوحة المفاتيح (أي ما يعادل نحو 26 يوماً لـ50 قرداً يكتبون حرفاً واحداً في الثانية) كان أفضل ما يمكن للقرد فعله هو التوصل إلى كتابة “نحن العاشقون”، العبارة الواردة في المشهد الأول من الفصل الثاني لمسرحية “الحب مجهود ضائع”، إحدى كوميديات ملك الدراما الإنجليزي. هكذا، يأخذنا الكاتب في رحلة واقعية نتعرف من خلالها إلى طبيعة اللايقين وكيف يؤثر في تصوراتنا وقراراتنا، وأهمية تطبيق الإحصاءات في الحياة اليومية إلى جانب تقييم الأخطار وكيفية إدارتها في سياقات مختلفة. ونتعرف إلى دور الحظ في صنع القرار، وكيف يسيء الناس تفسيره أو يقللون من قيمته، علاوة على تأثير التحيزات المعرفية على حكمنا عند التعامل مع المواقف غير المؤكدة. يتبلور هدف سبيغلهالتر من خلال كل هذا، في تمكين الإنسان من الاستراتيجيات اللازمة لاتخاذ قرارات مستنيرة على رغم عدم اليقين المتأصل في حياتنا. المزيد عن: مفكر بريطانيزمن اللايقينالإنسانالمجتمعتحديات العصرالوجوديةالظرفيةفلسفةعلوم 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post وهران تكرم رائد السينما السياسية بعد ثلثي قرن من “زد” next post Halifax council gets face lift following municipal election You may also like محمد علي اليوسفي: كل ثورة تأتي بوعود وخيبات 22 ديسمبر، 2024 سوريا والمثقفون الانتهازيون: المسامحة ولكن ليس النسيان 22 ديسمبر، 2024 حين انطلق “القانون في الطب” غازيا مستشفيات العالم... 22 ديسمبر، 2024 “انقلاب موسيقي” من إيغور سترافنسكي في أواخر حياته 21 ديسمبر، 2024 الإرهابيون أرسلوا رأس الصبي إلى أهله في “الذراري... 21 ديسمبر، 2024 “هند أو أجمل امرأة في العالم” لهدى بركات:... 21 ديسمبر، 2024 جواد الأسدي يسجن شخصياته المقهورة في “سيرك” 21 ديسمبر، 2024 عندما انبهر ترومان كابوتي بالمجرم في “بدم بارد” 21 ديسمبر، 2024 كاتبات يابانيات “متغربات” يتحدين تقاليد السرد العريق 21 ديسمبر، 2024 محمد أبي سمرا يكتب عن: حسن الصباح والإسماعيلية…... 20 ديسمبر، 2024