ديان سوس الشاعرة البارزة في المشهد الأميركي (مؤسسة الشعر) ثقافة و فنون ديان سوس الصوت الأجرأ في المشهد الشعري الأميركي by admin 30 ديسمبر، 2024 written by admin 30 ديسمبر، 2024 23 الشاعرة التي تلتقط الايقاع اليومي تعيد تعريف السوناتا اندبندنت عربية / سناء عبد العزيز لعل ما يجعل الشاعرة ديان سوس تحتل موقعاً مميزاً في المشهد الشعري الأميركي هو في بعض وجوهه قدرتها على مزج تفاصيل الحياة اليومية بتأملات فلسفية عن الموت والحياة والألم، بطريقة تحفز القارئ على المضي قدماً في نصوصها سهلة المنال، وإن كانت في الوقت نفسه تملؤه بالحيرة وتثير لديه كثيراً من الأسئلة التي تعمل على تحويل ما هو مألوف ومبتذل إلى استثنائي وجوهري. ولدت ديان سوس في الغرب الأوسط الأميركي عام 1956، وصدر لها حتى الآن ستة دواوين شعرية، منها “طبيعة صامتة مع طاووسين ميتين وفتاة” (2018) الذي رشح في قائمة جائزة دائرة نقاد الكتاب الوطنية وجائزة لوس أنجلوس تايمز للكتاب. ورشح ديوانها “فتاة بأربعة أرجل” (2015) في القائمة النهائية لجائزة بوليتزر، غير أن ديوانها الأبرز “صريح: سوناتات / “Frank: Sonnets هو الذي اقتنص الجائزة المرموقة عام 2022، ووضعها في مصاف المجددين في الشعر الأميركي. إحدى الجوائز التي نالتها (مؤسسة الشعراء) وكما يتضح من العنوان، استفادت سوس من الطبيعة المرنة للسوناتة التي نشأت في صقلية في القرن الـ13 كأحد أهم أشكال الشعر الغنائي، وهي تتألف من 14 بيتاً موزونة ومقفاة على نحو صارم وشديد التكثيف يكشف عن طموح الإبداع العارم في بلوغ الكمال. غير أنها أثبتت عبر انتقالها إلى أوروبا مدى قدرتها على التكيف والبقاء. دخلت السوناتة الشعر الإنجليزي في عصر النهضة على يد توماس ويات وهنري هوارد وقام بتطوريها عدد من الشعراء مثل جون ميلتون وويليام شكسبير. أما سوس فأحدثت تغييراً جذرياً في شكلها الكلاسيكي، وذلك بتوسيع مساحتها المحدودة “بطرق مبتكرة لمواجهة التناقضات الفوضوية في أميركا المعاصرة، بما في ذلك جمال حياة الطبقة العاملة في المناطق الصناعية” كما جاء في حيثيات فوزها بجائزة بوليتزر. ويعد اختيار سوس لهذا القالب تحديداً شكلاً من أشكال الاستغناء كما نتبين من تصريحها: “السوناتة، مثل الفقر، تعلمك ما يمكنك الاستغناء عنه”، أو كما توضح في قصائدها “أن يكون لدي، كما تقول أمي، أمنية في يد / وخراء في اليد الأخرى”. ولعل كتابة الأدب في مجملها تقوم على هذا المبدأ الانتقائي الذي يستبعد كل ما هو زائد عن فضائه المحكم تجنباً لنقيصة الثرثرة وترهل النص. بادئ ذي بدء، تخلت سوس عن القواعد الصارمة التي تحصر الأبيات في 14 سطراً وقافية موحدة، وبدلاً من ذلك قدمت نصوصاً تحمل روح السوناتة من حيث التكثيف والتركيز، وذلك بكسر القالب ليتناسب مع المواضيع التي تعالجها، وهو ما أضفى عليها طابعاً عصرياً. لذا تذهب الشاعرة هان فانديرهارت في مراجعة الديوان إلى أنه من غير الصائب الحديث عن “فولتا” في سوناتة سوس، ومن الأفضل التحدث عن الثورات والانعطافات العديدة التي تتخذها كل سوناتة، كما أنه من الأفضل التحدث عن الإيقاعات بدلاً من الأوزان، وأطوال الخطوط بدلاً من عدد معين من التفعيلات. كي تعرف الحقيقة عارية ديوان “صريح : سوناتات” (أمازون) اعتمدت سوس أسلوباً سردياً في كثير من السوناتات، فظهرت كحكايات قصيرة أو مذكرات تحكي قصة حياتها منذ الطفولة بصفتها واحدة من أبناء الطبقة العاملة في ريف ميشيغان. ولعل انتقال سوس، فتاة الريف، إلى مدينة نيويورك بإغراءاتها المتنوعة هو ما صبغ قصائدها بالتناقضات والثنائيات كافة مثل الموت والحياة، السعادة والألم، الحقيقة والوهم، كتبت تقول “… تتلوى الشرور عبر الأجيال / مثل ديدان الجثث. ضرب جدي الأكبر حتى الموت حصانا المحراث / في حقل حبوب. فلا عجب أن ينضح كل شيء منذ ذلك الحين برائحة الفلاحين والألم”. إن كل شيء في عالم سوس ينضح برائحة الألم سواء في بلدتها الصغيرة، وهي ترصد وفاة والدها المبكرة، وأمها المهووسة بوجبات التلفاز وجميس جويس، أم في المدينة بأمراضها العضال مثل الإيدز والإدمان. قدمت سوس عدداً من القصائد المربكة عن مواضيع شتى بطرق متنوعة، بحيث يستحيل أن تتشابه قصيدة مع غيرها، بهذا أعادت تعريف السوناتة كشكل شعري بوسعه أن يعبر عن هويات متنوعة وأزمات معاصرة. يصف الشاعر الأميركي تيرانس هايز محاولات سوس قائلاً “كل قصيدة في ديوان سوس هي مثال على السوناتة ’السوسية‘ التي لا تضاهى… حادة، حازمة، مرحة، لا تلين، إن ديوان ’صريح‘ يصدر أعلى صوت كمرادف للصراحة، لدرجة أن هذه القصائد تبدو مرتبطة بحياة حقيقية، وعالم حقيقي، في الوقت نفسه أرضية وسماوية، لفظية ووجودية، مع صدى لموسيقى البلوز”. ضم ديوان سوس أجمل القصائد عن أصدقاء ماتوا في وباء الإيدز في سبعينيات وثمانينيات القرن الـ20، فضلاً عن لقاءات عارضة بشخصيات مختلفة، عشاق وغرباء وفنانين، كتبت عن الإجهاض والولادة كما كتبت عن ابنها الذي تناول جرعة زائدة وفترة رعايتها له: “أنا لست يسوع بأي حال من الأحوال، أنا لست حتى مريم السيئة / ناهيك عن مريم الطيبة، على الرغم من أنني حملت ابني الحي / في وضعية المنتحبة، لم أعرف في ذلك الوقت أني كنت أفعل ذلك”. إنها من دون وعي منها تنزع القدسية عن العالم. أما عن أصدقاء السوء التي تعج بهم شوارع نيويورك، فهذا ما حدث لهم: “رفعتهما عالياً، اثنان من تجار المخدرات، أظنهما مدمنين على الكوكايين، لقد استأصلتهما، هذا ما فعلته، من شقة ابني في الطابق السفلي، كانوا قد أتوا ليتلذذوا بما تبقى”، “سحبتهما مثل ضرسين نخرهما السوس، ولم أضطر إلى استخدام يدي، بينما دخان الكوكايين يلف شعرهما مثل خيوط العنكبوت”. إن مناخ نيويورك الفاسد يغري أمومتها باستحضار ذكرى ولادة الابن الذي ضيعته المدينة، الألم المبرح جراء خضوعها لعملية قيصرية وهي مستيقظة، لحظة بكاء وليدها في عودته للحياة المخيفة، تلك التفاصيل عادة ما يتم رصدها في البداية بطريقة غاية في البساطة لتصبح نقطة الانطلاق إلى إشكالات كبرى. ثنائية الداخل والخارج في قصيدة بعنوان “ست سوناتات غير مقفاة” تصف سوس رحلة خاضتها على الطريق، وهي تقود سيارة مستأجرة. وبدلاً من التركيز على وصف المشاهد الجميلة والمعالم الأثرية من حولها وأمامها، راحت تعكس مشاعر الإرهاق واللامبالاة والكسل على نحو يدفع القارئ إلى الدهشة، مع تفاصيل حياتية دقيقة تضفي واقعية على التجربة، أو بالأحرى تبعدنا عن هدفها الحقيقي: “قدت سيارتي طوال الطريق إلى كيب ديسابوينتمنت. ولكني لم أجد الطاقة لأخرج من العربة. استأجرت سيارة فورد فوكس زرقاء اللون. كان علي أن أتوقف في مكان شبه عام لأتبول/ على الأرض… وبدلاً من مشاهدة المعالم السياحية،/ صعدت إلى المقعد الخلفي من السيارة ورحت في قيلولة”. تكشف مثل هذه التجارب عن عدم براءة الحياة اليومية فهي مليئة بالتحديات التي تستحق التأمل، وهو ما يجعل تلك الواقعية الشديدة تتخذ منعطفاً فلسفياً عندما تربط التجربة بالسؤال الأكبر عن الغاية من السعي والسفر والراحة والجمال في حياة تتخللها الفوضى. عبر صفحات الديوان الصادر عن دار جراي وولف للنشر 2021، استطاعت سوس أن توظف كثيراً من التقنيات المبتكرة مثل التكرار والانقطاع حيث استخدمت التكرار في تأكيد الأفكار الرئيسة، والانقطاع المفاجئ لتحدي توقعات القارئ وإحداث صدمة. مع هذا حملت بعض قصائدها حواراً مباشراً مع قارئها بعد أن باحت له بكل تجاربها المخجلة بغرض توريطه في الحكاية: “ربما صنفت على أنك شخص عاطفي، أو ذلك الشخص الذي/ يصنف الآخرين على أنهم عاطفيون بخط كبير وغليظ. أو قبل مائتي عام/ كان شعبك مملوكاً… أو كان شعبك هو الذي أشعل عود الثقاب”. أو لتسأله عن معان غامضة وتدله عليها بطريقة حسية: “هل تعلم ماذا تعني الحياة؟ حلمات بارزة، حلمات تحت المطر. حلمات / في وعاء الحبوب. حلمات متوهجة”. وأحياناً تضعه مكانها ليسهل نقل خبرتها إليه “لو كنت مثلي، فإنك كي تتعلم من الآلهة عليك أن تستجدي أو تستعير أو حتى تسرق. استرق السمع، لأن النميمة حكمة، وهي كلمة تعلمتها من إميلي ديكنسون. لا تقلل من شأن التجربة المباشرة. النمل يعرف الأرض. اليعسوب يعرف الهواء. العقل المتهالك ليس سفاحاً”. المزيد عن: شاعرة أميركيةالحداثةالمشهد الشعريالحركة الراهنةالجيل الجديدالجراةالتفاصيلالحياة اليومية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post “فيرونا تهبط من التل” ترصد احتضار قرية أوروبية next post نحو فهم العلاقة الملتبسة بين الفلسفة والأدب You may also like الإيزيديات الأسيرات يتحررن شعرياً في “يوتوبيا بحجم الكف” 2 يناير، 2025 مخرج كشميري يتحدى سردية بوليوود حول إقليمه المضطهد 2 يناير، 2025 تولستوي الصغير يكتب روايته بعيدا من الأرض الروسية 2 يناير، 2025 أي علم اجتماع عربي بعد ابن خلدون؟ 1 يناير، 2025 كالديرون الكاتب والقسيس الإسباني النهضوي يحير جمهوره 1 يناير، 2025 استعادة تفكير الفيلسوفة هانا أرندت في ما يحدث... 1 يناير، 2025 حقوق الملكية الفكرية تسقط عن أعمال فوكنر وهمنغواي... 1 يناير، 2025 ميكائيل أنجلو أمل رفض شروطه لرسم سقف كاتدرائية... 1 يناير، 2025 أسواق 2024: الكتب الأكثر مبيعاً… الخاسرون والرابحون 1 يناير، 2025 محمود الزيباوي يكتب عن: قطع أثرية يونانية من... 1 يناير، 2025