بأقلامهم دلال البزري تكتب عن: ماذا يبقى من أميركا إذا تحوّلت إلى الاستبداد؟ by admin 20 مارس، 2025 written by admin 20 مارس، 2025 21 يتصرّف ترامب زعيم جماعة خارجة عن القانون، لا مؤسّسات لها ولا عقدَ اجتماعياً بينها وبين محكوميها العربي الجديد / دلال البزري – كاتبة وباحثة لبنانية قبل أيّام، كنا على موعد مع سخرية صغيرة من سخريات التاريخ، يعرض رئيس لجنة صياغة الإعلان الدستوري السوري عبد الحميد العواك بنوده (الإعلان) في مؤتمر صحافي يحضره الرئيس أحمد الشرع. ينتهي المؤتمر ويخرج الشرع من القاعة، وتبدأ الأسئلة، ومنها، سؤالان عن الصلاحيات الزائدة الممنوحة للرئيس الجديد، ويكون جواب العواك أن هذا “طبيعي”. وحجّته أن الرئيس الأميركي نفسه يملك تلك الصلاحيات. وبإشارة خفيفة برأسه، كأنّها تشير إلى الرئيس الأميركي المعني، الذي تعرفونه كلّكم، مالئ الشاشات وشاغل الأخبار، دونالد ترامب. والعواك معذورٌ من ناحية محاولته الاسترشاد بالديمقراطية الأميركية؛ الأكبر، الأقدم، الأنجع… وإن كانت تشوبها عيوب سطوة المال عليها، وإن كانت تستخدمها بحروبها من أجل هيمنتها على العالم بديبلوماسية “حقوق الإنسان” الانتقائية، بحسب ولاء هذه الدولة أو تلك، أو بالحرب، منذ فيتنام وحتى أفغانستان والعراق. ومع ذلك، تملك الأدوات والإجراءات والمؤسّسات الفعّالة من أجل تداول السلطة. معذورٌ هو العواك، لأن ما يقوم به ترامب في أميركا يتم على وجه مخيف من السرعة، يصعب معه التقاط إشاراته. لا تشبه إلا سرعة النازييين بتحويلهم جمهورية ويمار الديمقراطية ديكتاتوريةً ناجزةً في أقلّ من شهرين. صحيح أن نيات ترامب “الأنتي ديمقراطية” كانت واضحةً منذ توليه الرئاسة في عهده الأول، خصوصاً في آخر هذا العهد، عندما رفض نتائج الانتخابات التي جاءت بمنافسه إلى البيت الأبيض، فحشد وقاد من بُعد “انتفاضة” شبه مسلّحة ضدّ الكابيتول، احتجاجاً على هذه النتائج، خلّفت قتلى وجرحى… صحيحٌ أيضاً أنه كان يبدي إعجابه بالديكتاتوريين، أمثال فلاديمير بوتين وعبد الفتّاح السيسي وكيم جونغ أون، ويكثر من رشوة المحامين والقضاة أو الضغط عليهم من أجل تخليصه من تهم يتجاوز فيها احتقار قوانين دولته الاعتبارات كلّها. ما يقوم به ترامب في أميركا يتم على وجه مخيف من السرعة، يصعب معه التقاط إشاراته عاد ترامب بقوة لم يكن عليها في عهده السابق. لم يعد هناك ما يردعه عن بسط ما هو تواق إليه، أي الاستبداد. استطاع في 50 يوماً أن يصدر 89 مرسوماً رئاسياً له فعل التنفيذ الفوري، من دون مراجعة النواب والممثّلين. فضلاً عن سيلٍ من التعليمات والقرارات المباشرة، وهنا أيضاً، مستلهماً مرّة أخرى هتلر بلجوئه إلى المراسيم لتغيير نظامه السياسي. وخلال شهرَين، حقّق ترامب ثلاثة “إنجازات” محلّية؛ فكّك أوصال مؤسّسات الدولة، مالياً وتنظيمياً؛ ألغى سياسات دعم مختلف الأقليات من أجل الارتقاء الاجتماعي والتعبير السياسي؛ أغلق أميركا على المهاجرين، الشرعيين منهم وغير الشرعيين. هذا غير سياسته الخارجية، وحرب الضرائب على الجميع، والتي يسمّيها “تجارية”، وأثرها على الأكثر فقراً من بين الأميركيين، وقطع التمويل عن كل ما يساعد الأميركيين في الحياة، من صحّةٍ وتعليمٍ ومناخٍ ومواصلاتٍ واتقاء كوارث طبيعية وحرّيات… إلخ. ومن أجل تحقيق ذلك، يعتمد ترامب على “أصدقاء” يشاركونه المهنة أو هواية الغولف أو المصالح. يتصرّف مثل زعيم جماعة خارجة عن القانون والأعراف؛ لا مؤسّسات لها ولا عقدَ اجتماعياً بينها وبين محكوميها. ويختار من بين هؤلاء الرجل – المفتاح، العبقري، الذي يعرف كيف يحوّل مؤسّسات أميركا في الداخل والخارج حُطاماً… إنه إيلون ماسك، الذي يباشر، منذ اليوم الأول لتوليه منصباً جديداً برئاسة “دوغ” (عملته المشفّرة)، عملية رمي موظفين من الوزرات كلّها إلى البطالة، بواسطة “منشار” ضخم عرضه أمام الصحافيين، دليلاً على قوته. فبات “المنشار” رمزه، لا يمرّ يوم إلا وتُعرَض صورته حاملاً المنشار، ضاحكاً من انتصاراته “التقطيعية”. حاول صحافيون أميركيون شجعان الكشف عن صحّة الأرقام التي يقدّمها ماسك، و”الأرباح” التي تحقّقها الخزينة من عملية “المنشار” هذه، وأظهروا كذبها، فلجأ ماسك إلى “تعقيد” عرضها، بحيث يتعطّل أمر الكشف عنها، وبإمكانات تكنولوجية ربّما لا يملكونها، وهم الآن بصدد البحث عن “مفاتيحها”. وما يدعم أسس هذا النوع من التعتيم هو تلك “البيئة الإعلامية” المتّسعة، التي تنقل ما يمليه ترامب من تعليماتٍ أو مجرّد إيحاءات، مثل المواقع المؤيّدة له، التي تتجاهل تماماً انخفاض أسهم البورصة بعد “إجراءاته المُستحبَّة”. وقد سجّلت “وول ستريت” أدنى درجاتها لهذه لسنة، أو شرط الولاء المطلق (يسمّيه “إخلاص”) لترامب شرطاً للاشتغال الإعلامي في البيت الأبيض، مثل مقدّم أحد البرامج الإخبارية، الذي يعلن عكس ما هو حاصلٌ تماماً، أن “الأرباح” (في البورصة) في طريقها إلى الارتفاع”، وأن على الناس بدل التشاؤم أن يبقوا حذرين ويركّزوا على البرنامج (الاقتصادي) الذي سيعيد إلى أميركا “عظمتها”. هذا غير صحافيي وكالة أسوشييتد برس، الذين طُردوا من البيت الأبيض لكثرة أسئلتهم غير “المتوافقة” مع سياسة الرئيس أو المؤثّرين، الذين يجولون العالم مع كبار المبعوثين، يعلقون، يشرحون، يقنعون بأن البلاد عائدة إلى “عظمتها السابقة”. وعشرات الأمثلة الصغيرة عن ضغوط وتخويف وتخجيل وإغراءات وإذعانات وطرد ورقابة ذاتية من نوع جديد، حتى لدى الإعلام المائل إلى الاستقلال. ومن هذه البيئة الإعلامية بالذات، انطلقت الفرحة باعتقال الطالب السوري الفلسطيني من جامعة كولمبيا محمود خليل، بداعي “علاقته” بحركة حماس. هو الطالب الذي عُرِف في أثناء الانتفاضة الطلابية العام الماضي تضامناً مع غزّة، حاصلٌ على شهادته الجامعية أخيراً، متزوّج من أميركية وينتظر طفلاً، حامل البطاقة الخضراء (الإقامة الدائمة)، أي أنه ليس مهاجراً غير شرعي، وهو المعروفُ بحواريّته، بنبذه لأشكال العنف… إلى ما هنالك من سمات الشاب العربي الناجح والمحترم. وكان لانتفاضته (هو ورفاقه) الفضل في إيقاظ الضمير العالمي على المجازر التي كان يرتكبها الجيش الإسرائيلي بحقّ أهل غزّة. يُخرجه الأمن العسكري من بيته عنوةً، بشراسة، ويوضع في مخيّم انتظار، شبيه بالسجن، بانتظار ترحيله إلى… إلى أين؟ أي أن كلّ ما يتعرّض له محمود خليل غير قانوني، غير مؤسّسي، والمحاكم الآن بصدد نقض مرسوم الطرد هذا. ولكنّها هي الأخرى واقعةٌ تحت ثقل ملفّاتٍ مختلفة وشبيهة، ليس معروفاً إذا كانت ستتمكّن من بتّها قبل أن تكون لا عودة عن وقائع ترامب التدميرية. التعويل على المُشرِّعَين (على الحزبَين) الحاكم والمعارض، لا طائل منه؛ مجالس خطابات ترامب في حضرة نواب الحزبين فيها غالبية تشبه مجالس الأسد، حيث التصفيق الحاد وقوفاً أمام أيّ قول لترامب. وطبعاً، الولاء الشامل الطوعي، “كأنهم منَحوا صلاحياتهم كلّها للرئيس في مسائل شديدة الخطورة”، و”بحماسة شديدة وقلب فرٍح” (عن صحافيَّين أميركيَّين). أمّا الأقلية من الديمقراطيين، من ناحية أخرى، فكانوا مثل من قرّر الجلوس في الكنبة. دوخة هزيمتهم، ودوخة سرعة الصاروخ التي يسير عليها ترامب، وعجزهم عن استيعاب قصده وسرعته وتناقضاته الظاهرية… بتلك السلبية، الموالية والمعارضة، تُفتح طريق ترامب نحو طموحه الأسمى بأن يكون الحاكم بأمر الله، وإذا تحقّقت المصيبة، لن يكون أولئك الجمهوريون والديمقراطيون قادرين على تخيّل أو تذكّر ما كانوا عليه. قد يكونون فقدوا الذاكرة. ما سبق كلّه ليس سوى غيضٍ من الفيض الأميركي. بالتأكيد ليس شاملاً وتفصيلياً، ومع قلّته، فهو ينذر بتحوّل أميركا قوّةً عظمى استبدادية، متخلّفة بنظامها السياسي، شعبها فقير ومضغوط، ولكنّها فارضة نفسها بقوتها العسكرية، تنافسها دول لا تختلف عنها كثيراً. وساعتها، ماذا يبقى من أميركا؟ المزيد عن: حركة حماسإيلون ماسكالحزب الديمقراطيأحمد الشرع 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post رئيس بلدية إسطنبول المعتقل: ارفعوا أصواتكم next post مستشار كينيدي وصف الـ”سي آي أي” بـ”دولة مارقة داخل دولة” You may also like يوسف بزي يكتب عن: حرب لبنانية سورية؟ 20 مارس، 2025 حازم صاغية يكتب عن: الطائفيّة التي نتجاهلها! 19 مارس، 2025 وليد الحسيني يكتب عن: الدستور الغائب والديمقراطية المهاجرة 17 مارس، 2025 غسان شربل يكتب عن: إيران و«المشاهد المؤلمة» وساعة... 17 مارس، 2025 بول شاوول يكتب عن: المسرح والتكنولوجيا 17 مارس، 2025 بادية فحص تكتب عن: لبنان والمعارضة الشيعية… ذاكرة... 17 مارس، 2025 حازم صاغية يكتب … عن «المشرق العربي» و«العالم»... 16 مارس، 2025 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: الدروز بين الشرع... 16 مارس، 2025 رضوان السيد يكتب عن: السياسات الأميركية… خطوط متداخلة... 14 مارس، 2025 دلال البزري تكتب عن: سورية ما بعد الأسد... 13 مارس، 2025