بأقلامهم دلال البزري تكتب عن: سورية ما بعد الأسد في امتحان المواطنة الجديدة by admin 13 مارس، 2025 written by admin 13 مارس، 2025 18 استطاع الشرع أن يتغيّر، وأن يتكلّم بلسان معاصريه، ولكن كيف لرجاله أن ينتقلوا من ذهنيةٍ سلفيةٍ، هي حكماً طائفية، إلى ذهنية المواطنة؟ العربي الجديد / دلال البزري– كاتبة وباحثة لبنانية مشكلة “الأقلّيات” في سورية، على مختلف ألوانها، كانت جليّةً منذ سقوط بشّار الأسد وتولّي أحمد الشرع زمام السلطة. كانت مع الأكراد، الأقلّية العرقية الأولى، ثمّ كانت مع الدروز، والآن العلويين، ومعارك دارت في قلب منطقتهم الساحلية بقراها وبلداتها، في اللاذقية وجبلة وطرطوس، سُجّلت فيها انتهاكاتٌ مروّعةٌ بحقّ مدنيين علويين، وأرواحهم وممتلكاتهم وكرامتهم، بلغ عدد ضحاياها ألف قتيل. وبرز خلال المعارك اسما غياث الدلّة وإبراهيم حويجة، المرتبطين بأجهزة القتل السورية في ظلّ حكم بشّار الأسد. وهذه واحدةٌ من مؤشّرات شراسة المعركة، والمقبل منها. وقد تنجح السلطة الجديدة الشرعية بكبح جِماح قادتها، في المديَين القصير أو المتوسّط، ولكنّ انتصاراتها ستكون أمنيةً – عسكريةً وحسب. أمّا الباقي، أي الشروط السياسية والمعنوية والقانونية والدستورية التي ستحمي هذا الانتصار، فيعوزها كثيرٌ من التغيير، وإلا عادت الأقلّية العلوية، وغيرها من أقلّيات، إلى خوض معارك حقوقها المهدورة في حصّتها من السلطة الجديدة. ما يُحرّك أولئك المتمرّدين، ما يؤمّن لهم حاضنةً شعبيةً، أو بيئة حصينة، الحقوق التي يرونها آخذةً في النقصان، من يوم حيازة الشرع السلطة، وما يُعزّز إحساسها هو المناخ المفعم بالأفعال والأقوال المنثورة بطريقة منظّمة وفوضوية، في آن معاً، أن السُنّة السوريين (وهم الغالبية) انتصروا على العلويين، وأن عليهم استعادة حقّهم في الحكم. من الطبيعي أن تبدأ المعارك بتلك “الهبّة” الجهادية، التي أطلقها مشايخ إدلب لـ”جهاد” ضدّ العلويين، لنجدة جيش الإدارة الجديدة، والخروج من المساجد في مناطق أخرى لإطلاق صيحات “الله أكبر”، والمطالبة الجماهيرية بحمل السلاح ضدّ العلويين المنتفضين، ناهيك عن تعبيرات سبقت ذلك كلّه، خلال الأشهر الثلاثة الأولى لحكم أحمد الشرع، تشي بأن جماهير غفيرة من السوريين منضوية تحت ثأر تاريخيٍّ، حان الآن قطافه. شعاراتٌ من نوع “إقصاء العلويين”، ورميهم بأوصاف قذرة، أو ربطهم بـ”اجتثاث البعث”، وتعرّض العلويين أفراداً وأبناءَ قرى (ريف حماة خصوصاً) لمضايقاتٍ لفظيةٍ وجسديةٍ عشيّة الحدث، عند الحواجز والطرقات وفي داخل القرى، وضغوط من نوع مواعظ لبس الحجاب، كأنّها ردّ على نزعه أيام رفعت الأسد… وغيرها من الممارسات والشعارات الرائجة وسط أفراد الفصائل والجماهير “المؤمنة” بالشرع. تلك هي الملامح العريضة لـ”البيئة” السُنّية الجماهيرية في سورية بعد تولّي الشرع رئاستها. ويمكن أن تكون إيران ومليشياتها على صلةٍ بهذه الثورة المضادّة، على درجةٍ متساوية، أو أقلّ أو أكثر من تدخّل إسرائيل في السويداء واستغلالها رفض الدروز السلطة الجديدة بطابعها السلفي، الأنتي علماني، أو من تدخّل أميركا لحماية الأكراد، في وجه العداء المطلق بينهم وبين تركيا. وهذه الأخيرة تنتظر من الشرع تسديد ديونه بدعمها حركته، أو من مؤازرة الروس المدنيين العلويين اللاجئين إلى قاعدتها العسكرية في حميميم، هرباً من مجازر تعرّض لها جيرانهم في أنحاء اللاذقية القريبة، أو المسيحيين الموزّعين في أنحاء سورية، الذين لا يملكون أرضاً ينطلقون منها للتعبير عن خوفهم من الدولة السلفية، ولكنّهم يتمرّدون بالهجرة من سورية بأعداد متزايدة، وبمساعدة الكنيسة. في خطابه إلى المنتفضين من العلويين، يقول أحمد الشرع: “أنتم اعتديتم على كلّ السوريين، وارتكبتم جريمة لا تُغتفر، فكان ردّنا عليكم، ولم تتحمّلوه. ألقوا سلاحكم، وسلّموا أنفسكم قبل أن يفوتكم الوقت”. لم يتحدّث بلهجة سلمية، لأنه مثل جماهيره، أو انسجاماً مع جماهيره، يأخذ الثأر بعين جدّية. يزيد الثأر من شعبيّته في وسطهم، وهو لا يحتاج إلى غيرهم. والثأر يعفيه من التفكير بالبراغماتية التي تتسم بها كلّ صلاته مع الخارج ومع الداعمين. وقبل ذلك، كان ما تفوّه به كلّه عبارات عامّة، تشبه البيان الختامي الذي خرج به “مؤتمر الحوار الوطني”، وقد جمع شخصياتٍ سوريةً بارزةً، اختارها بنفسه، فكان شبيهاً بالمؤتمرات العربية، غارقاً في عموميّاته عن “وحدة سورية”، و”تعزيز الحرّية”، و”حقوق الإنسان”، و”ترسيخ المواطنة”، و”نبذ أشكال التمييز على أساس العرق والدين والمذهب”، وتحقيق “مبدأ تكافؤ الفرص بعيداً من المحاصصة العرقية والدينية”. يفترض بهذه التوصيات أن تكون الأكثر انفتاحاً على مبادئ الحداثة السياسية، وموضوع الأقلّيات، ولكنّها مجرّد توصيات، يمكن أن تتكرّر عشرات السنوات، من دون أن تتكلّم أبداً عن “الكيفية”، أي كيف تكون “المواطنة”، و”الحرّية” و”نبذ أشكال التمييز”… إلخ. فرجال الشرع الذين ينفّذون قراراته، جاؤوا من تجربة حكم سلفي عمرُه عشر سنوات، وهذا الحكم انتصر، وبقوا على سلفيّتهم، على قِصاصاتهم ضدّ المدنيين، محكوميهم في إدلب. قرارات الإعدام “الديني” التي نفّذوها، وفرمانات الموت والجهاد لديهم… كلّها لم تتغيّر، بل لم يُسمح بتناولها، إما بتغطيةٍ من الحماسة الشعبية، التي رأت في سقوط بشّار معجزةً إلهيةً، أو بالمنع المُبهم في تناول سيرة أصحاب هذه التجربة السلفية الحاكمة، فكيف يكون بذلك تنفيذ توصيات مؤتمر عن “المواطنة” و”الحرية”… إلخ؟ هل سيطغى الحلّ الأمني في سورية على غيره، فنكون في بداية طريقنا نحو ما يشبه دولة “البعث” الأسدية؟ قد تكون المجازر المرتكبة بحقّ المواطنين السوريين المدنيين العلويين هي من قرارات هؤلاء الرجال لابسيّ ربطة العنق والطقم، لكن المؤكّد أن منفّذي المجازر بحقّ العلويين هم من أصناف المذكورين أعلاه القادمين من إدلب، والمعارك التي سينتصرون فيها أمنياً على البؤر المتمرّدة ستعجلهم أكثر تمسّكاً بعقيدة انتصارهم (السلفية)، النمط الذي لا يقبل اختلافاً وتعدّداً، لا في الآراء ولا في الطوائف، والذي يستوحي قوانينَه ممّا يفهمه من الشريعة. تبيّن أن أحمد الشرع عبقري في البراغماتية، استطاع أن يقنع العالم كلّه بأنه تخلّى عن تنظيم القاعدة وهيئة تحرير الشام، وصار الآن رجل دولة، وهذه حالة تجدها في مدّونات التاريخ، فيتحوّل صاحب الدور الأكبر إلى عكس ما كان عليه، مع إضافة أن ثمّة مسافة طويلة بين ما كان عليه الشرع وما يريد أن يصبح اليوم، من سلفيٍّ إلى عصري، يقنع العالم بأنه يريد العمل لدولة الحقوق والمواطنة. استطاع الشرع أن يتغيّر، وأن يتكلّم بلسان معاصريه، ولكن كيف لرجاله أن ينتقلوا من ذهنيةٍ سلفيةٍ، هي حكماً طائفية، إلى ذهنية المواطنة؟ وهل الإجابة عن هذا السؤال كافية لتحديد مصير الانتفاضات المقبلة، أم أن الحلّ الأمني سوف يطغى على غيره، فنكون في بداية طريقنا نحو ما يشبه دولة “البعث” الأسدية؟ سورية مثل لبنان، بحاجة أولاً إلى بناء دولتها. لا تبنيها براغماتية رئيسها وحسب، التي لا نعرف حتى الآن إلا سطحها، إنما رؤية صريحة متينة، أساسها الحرّية والمساوة، لا تخرقها طموحات هذه الدولة أو تلك، أو مظلوميات يمتزج فيها الحقّ بالباطل. المزيد عن: أحمد الشرعالبراغماتيةالثورة المضادةبشار الأسد 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post «أجهزة بحجم الدودة»… إسرائيل تتجسس بشكل جديد على غزة next post لبنان يحاول اللحاق بالركب العالمي للذكاء الاصطناعي You may also like بول سالم يكتب عن: ديناميتان تعيدان تشكيل الشرق... 10 مارس، 2025 غسان شربل يكتب عن: سوريا العادلة أفضل بيت... 10 مارس، 2025 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: كيف يوقف الشرع... 10 مارس، 2025 حازم صاغية يكتب عن: … لماذا لا يُقرّ... 10 مارس، 2025 رضوان السيد يكتب عن: القمة العربية واليوم التالي... 10 مارس، 2025 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: ما خطة ترمب... 10 مارس، 2025 ستيفن مارش يكتب عن: الولايات المتحدة لم تعد... 9 مارس، 2025 كاميليا انتخابي فرد تكتب عن: دلالات “نقطة النهاية”... 9 مارس، 2025 دلال البزري تكتب عن: العرب في قمّة تهيمن... 6 مارس، 2025 غسان شربل يكتب عن: ليلة القيصر 3 مارس، 2025