وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين في تل أبيب، إسرائيل، أكتوبر 2024 (رويترز) عرب وعالم دان كورتز فيلان في حوار مع أنتوني بلينكن: السياسة الخارجية الأميركية في عصر مضطرب by admin 26 ديسمبر، 2024 written by admin 26 ديسمبر، 2024 27 قبل أسابيع قليلة من انتهاء ولايته، أجرى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن حواراً مع مجلة “فورين أفيرز”، تناول فيه العلاقات مع الصين وروسيا، إلى جانب الأوضاع في غزة وسوريا وأوكرانيا. اندبندنت عربية / دان كورتز فيلان دان كورتز فيلان الوزير بلينكن أشكرك جزيل الشكر على تخصيص الوقت لهذا الحوار، في ظل كل ما يجري في العالم، والمقالة التي كتبتها لعدد نوفمبر (تشرين الثاني) ديسمبر (كانون الأول) من مجلة “فورين أفيرز”. أنتوني بلينكن شكراً لك دان ويسعدني أن أكون معك. دان كورتز فيلان تبدأ المقالة بالإشارة إلى مدى التنافسية والتعقيد اللذين يتسم بهما العالم اليوم، لذا أود أن أبدأ بتحليلك لهذه اللحظة التي أقل ما يقال عنها أنها شديدة الصعوبة، ولا أتصور أنك عندما تسلمت منصبك قبل أربعة أعوام تقريباً كنت تتخيل أنك بصدد مواجهة حروب كبرى في الشرق الأوسط وأوروبا، وأنك ستشهد مختلف أنواع الاستفزازات التي نراها على نحو شبه يومي من الصينيين في مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي، وأن تهديدات فلاديمير بوتين النووية الخطرة ستطرق أسماعك وتقض مضاجع الغالبية العظمى من مجتمع الاستخبارات الأميركي في أقل تقدير، ولذلك فكرت قبل الخوض في ردود الفعل والاستجابة السياسية من جانب هذه الإدارة أنه سيكون من المفيد أن نتروّى قليلاً ونتعرف إلى وجهة نظرك في شأن ما أوصلنا إلى هذه الحال خلال الأعوام أو العقود الماضية، فما هي القوى أو القرارات التي تعزى إليها هذه اللحظة المضطربة جداً في الخريطة الجيوسياسية؟ أنتوني بلينكن دان أعتقد أنه من الجلي أننا على أبواب حقبة جديدة ومرحلة جديدة، فلقد ولى عصر ما بعد الحرب الباردة وثمة منافسة قوية جداً لرسم ملامح المرحلة المقبلة، ولدينا عدد من القوى التعديلية وهي متحدة وإن بطرق مختلفة في الرغبة في ممارسة مجالات نفوذها الخاصة وتكريس حكمها الاستبدادي ورغبتها في إعادة تشكيل النظام الدولي بطرق تحقق مصالحها، سواء كانت إيران أو كوريا الشمالية أو روسيا أو حتى الصين بطرق أخرى، إذ تتصدر جميعها المشهد. أعتقد أنكم تتمتعون بالسرعة الاستثنائية للتغير التكنولوجي والتي أسهمت أيضاً في هذا، ناهيك عن أنه يتعين عليك أن تنظر إلى ما ورثناه عندما بدأنا، لأنه من السهل الآن ومع مرور الوقت أن ننسى أين كنا، فلقد مررنا بأسوأ أزمة اقتصادية منذ الكساد الأعظم، كما مررنا بأسوأ أزمة صحية عالمية منذ 100 عام في الأقل، وكانت لدينا انقسامات ديمقراطية في بلدنا وتحالفات وشراكات متآكلة وشركاء يتطلعون إلى حماية رهاناتهم السياسية بطرق مختلفة، وانطباع سائد في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك من جانب هؤلاء الخصوم الذين كانوا يعيدون ترتيب تحالفاتهم بطرق جديدة، بأن الولايات المتحدة كانت في حال انحدار محتومة. وأعتقد أنه من السهل نسيان هذا، ومن الأمور التي نعتبرها أمراً مسلماً به أيضاً هو تمكننا من استعادة الولايات المتحدة لدورها القوي، إذ إن الاستثمارات التاريخية في الداخل، سواء من خلال البنى التحتية أو من خلال “قانون الرقائق والعلوم الأميركي” أو من خلال “قانون خفض التضخم”، هي التي أعادت قدرتنا التنافسية، ويمكنك النظر إلى مكانتنا التي نحتلها الآن بصرف النظر عن الأرقام الكلية غير الاعتيادية المتعلقة بالبطالة، وخفض التضخم إلى الحد الذي يجعلنا موضع حسد الاقتصادات الكبرى الأخرى مع ارتفاع دخل الأسر، صحيح أن الناس لا يزالون يعانون لأنهم لا يشعرون بالفائدة بصورة كاملة، ولكن الأمور تسير في هذا الاتجاه. الاستثمار الأجنبي المباشر والذي أراه أحد أهم التدابير التي نتجاهلها أحياناً في كلا الاتجاهين، فنحن أكبر المتلقين كما أننا أيضاً أكبر المساهمين، وتُظهر هذه العلاقات القائمة على الاستثمار الأجنبي المباشر الاطمئنان والثقة بالمستقبل، ولا يمكن للناس الاستثمار من دون هاتين الركيزتين، كما أنه من شأن ذلك أن يقلل اعتمادنا بصورة كبيرة على الصين على سبيل المثال. تمكنا من القيام بذلك واستعادة قدرتنا التنافسية، وفي الوقت عينه يمكننا أن نصل إلى مبتغانا عبر إعادة الانضمام وإعادة الاستثمار وإعادة تفعيل تحالفاتنا وشراكاتنا، وحتى إعادة وضع تصورات لها، والنتيجة هي أنه على رغم أننا إزاء عالم يتمتع بتعددية أكبر وتعقيد أكبر وتشابك أكبر بين مختلف التحديات أكثر من أي وقت مضى منذ أن بدأت هذا المعترك على مدى 32 عاماً، لكننا في وضع أقوى بكثير يخولنا التعامل مع هذه التحديات. دان كورتز فيلان دعني أركز على البعد الذي أعتقد أنه الأكثر إثارة للدهشة بالنسبة إلى كثير من الناس، وهو عودة ظهور نوع من الحرب التي بدت وكأنها من بقايا الماضي، فمن الجلي أن هناك بعداً سياسياً لهذا النقاش، بعداً تتداوله ألسنة الناس في عالم ترمب، ولكن إذا تعمقنا قليلاً فيبدو أن هذا بمثابة تغيير ممنهج حقيقي ومسألة سيكافح الأشخاص في منصبك وصناع السياسات في الولايات المتحدة للتعامل معها بصورة عامة في المستقبل. كيف تفهم هذا التغيير الممنهج؟ وما الذي أعاد في كل من الشرق الأوسط وأوكرانيا ذلك النوع من الحرب التي بدت وكأنها شيء من الماضي لمركز اهتمام السياسة الخارجية الأميركية؟ أنتوني بلينكن هناك عدد من البلدان التي حسبت لأسباب مختلفة أنه يمكن تقديم مصالحها الخاصة بهذه الطريقة قبل كل شيء، كما سعت إلى التوافق بطرق مختلفة بين بعضها بعضاً واتخذت في الغالب شكل زيجات مصلحة، وإن لم تكن عن قناعة ولكنها زيجات ذات تأثير، وهذا هو نتاج الخيارات التي اتخذتها، لكن دعنا نتناول كلاً من هذه المسائل على حدة، فالعدوان الروسي على أوكرانيا لم يبدأ عام 2022 بل عام 2014، ويعود العدوان الروسي على دول الجوار في محاولة لإعادة خلق روسيا الكبرى أو لخلق مجال تأثير نفوذها لما قبل ذلك بكثير لعام 2008 وحرب جورجيا، وآنذاك كان للولايات المتحدة 200 ألف جندي إما في العراق أو أفغانستان، لذا فقد كنا مقيدين بطرق لم نعد عليها الآن نتيجة لإنهاء الحرب في العراق وإنهاء أطول حرب خاضتها أميركا في أفغانستان، وتحرير مواردنا وتركيزنا. لكن روسيا كانت داخلة في هذا الجهد منذ أمد وبلغت ذروتها بإعادة غزو أوكرانيا عام 2022، فضلاً عن الصين التي لم تخف باعتقادي أنها كانت مصممة على الهيمنة اقتصادياً على صناعات وتقنيات المستقبل منذ عام 2015، وناهيك عن ذلك فقد شهدنا خلال تلك الفترة ظهور سياسة أكثر عدوانية في الخارج بصورة علنية وأكثر قمعاً في الداخل، لذا أكرر مرة أخرى أن ذلك كان قيد الإعداد منذ أمد طويل. لا تحدث هذه الأشياء بين عشية وضحاها بل هب عملية تطور تدرجي، ومرة أخرى أعتقد أن هذه البلدان وغيرها كان لديها تصور بأن الولايات المتحدة في حال انحدار عندما تولينا السلطة، وكانت تمضي إلى الأمام قدماً بالاستناد إلى هذا الأساس، وأعتقد أننا تمكنا إلى حد كبير من تفنيد ذاك التصور وتفنيد الحد الذي كان فيه ذلك التصور واقعاً ملموساً على أرض الواقع، فقد كان ردع روسيا واضحاً والأمر نفسه ينطبق على ردع الصين، ولدينا الآن تقارب أكبر بين الحلفاء والشركاء في أوروبا وفي منطقة المحيطين الهندي والهادئ وخارجها حول كيفية التعامل مع روسيا وكيفية التعامل مع الصين أكثر من أي وقت مضى، بقدر ما تسعفني ذاكرتي على الاستحضار. دان كورتز فيلان ينصب التركيز الأساس في مقالة “فورين أفيرز” من نواح كثيرة على هذه المجموعة من البلدان التي يطلق عليها كثيرون “محوراً”، على رغم أنك لم تستخدم هذه الكلمة، أي مجموعة الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية، وكما أشرت تعكف هذه المجموعة على التعاون بطرق جديدة ومثيرة للقلق، وتسعى بالفعل إلى تغيير بعض المبادئ الأساس للنظام الدولي وتقويض القيادة الأميركية في هذا النظام، وعندما تستشرف المستقبل بعد 15 عاماً، أي بعد فترة طويلة من توليك منصبك هنا في وزارة الخارجية، إذا نجحوا، وإذا رأينا هذا المحور ينجح أو هذا التجمع ينجح، فكيف سيبدو العالم؟ كيف سيبدو العالم الذي يسعون إلى تشكيله؟ وما هي القرارات أو الأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة وحلفاؤها والتي سمحت لهم بالوصول إلى مآربهم؟ أنتوني بلينكن أعتقد أنه إذا استشرفنا المستقبل وفي حال نجحوا في تحقيق مرادهم فسترى على أقل تقدير إعادة تأكيد لمجالات النفوذ التي تقصي الولايات المتحدة والدول ذات التفكير المماثل، وسترى انقسامات أكبر وتباينات أشد في العالم، وقد نشهد مجازياً ضروباً مختلفة من الستائر الحديدية المُسدلة (أنظمة انعزالية استبدادية)، سواء أكان ذلك يتعلق بالطريقة التي تجري بها معاملة الناس داخل البلدان، أو من حيث التكنولوجيا والطريقة التي يجري استخدامها بين البلدان، كما أعتقد أن هذا ينبئ أيضاً بعالم من الصراعات المحتملة لأنني أعتقد أن ما يعلمنا إياه التاريخ، من جملة أمور أخرى، هو أنه إذا دخلنا في عالم ترسم حدوده مناطق النفوذ حيث يُسمح للدول بمعاملة شعوبها، فضلاً عن معاملة بعضها بعضاً، بطرق معادية لكل ما حاولنا ترسيخه بعد حربين عالميتين للتأكد من عدم نشوب حرب ثالثة، فمن المرجح أنك تتجه نحو عالم من الصراعات، عالم سنظل فيه شئنا أم أبينا مترابطين ببعضنا بعضاً، حيث لا يمكننا ببساطة دس رؤوسنا في الرمال والاعتقاد بأن هذه الأشياء ستحدث من دون أن تمسنا، ومن دون أن نصاب بأذى، وسيلقي ذلك بتداعياته علينا من دون شك. وبالتالي أعتقد أن التحدي الماثل أمامنا هو أننا، أقله في تقديري، مررنا بفترة من تجديد التزامنا في مختلف أنحاء العالم وتجديد الزعامة الأميركية وتجديد تحالفاتنا وشراكاتنا، ولكن عبر استخدامها بطرق متجددة ومد جسور التواصل بين المسرح الأوروبي الأطلسي ومسرح المحيطين الهندي والهادئ، وبلورة فهم أكبر لحقيقة مفادها أن الأمن كلٌ لا يتجزأ، مما يؤثر في الحلفاء والشركاء في كل هذه المجالات، وأعتقد أنه إذا خسرنا ذلك وتراجعنا، فبدلاً من حماية أنفسنا والنأي بأنفسنا بعيداً من الحروب والصراعات فسنرى مزيداً منها يظهر ومن المحتمل أن ننجر إليها، لذا فإن هذا ما يقلقني في حال تراجعنا عن فترة التجديد هذه، وأعتقد أن الأساس الذي أرسيناه هو يد قوية أورثناها للإدارة المقبلة، وسيتعين عليها أن تقرر كيف ستستخدمها. دان كيرتز فيلان هناك كثير من المناقشات على صفحات “فورين أفيرز” حول فكرة تقسيم هذا التحالف، سواء من خلال ما يُعرف بسياسة “انعكاس كيسنجر”، أي تقريب روسيا من الغرب بعيداً من الصين، أو ما يمكن تسميته بـ “انعكاس انعكاس كيسنجر”، حيث يجري إبعاد الصين مجدداً عن روسيا، ولقد أمضيت وقتاً طويلاً في العمل والجلوس في اجتماعات مع نظرائك الصينيين وبعض الاجتماعات مع نظرائك الروس في محاولة لتحقيق هذا الهدف، فما هو تقييمك للخيارات السياسية التي تمتلكها الولايات المتحدة لتحقيق الانقسامات داخل هذا التحالف والتي قد تتحول مع الوقت إلى خلافات حقيقية؟ أنتوني بلينكن أعتقد أن كثيراً من هذه البلدان اتخذت خياراً وقراراً إيجابياً لم يكن انعكاساً لما قمنا به بقدر ما هو نتيجة لحساباتها لمصالحها الذاتية ونقاط ضعفها، وفي بعض النواحي جمعها ذلك معاً في بوتقة واحدة، ولكن هذا كان في الواقع خياراً إيجابياً وليس استجابة لنا، وأعتقد أن روسيا تسير على مسار من المرجح أن تمضي فيه قدماً، وأظن أنه من المرجح لكوريا الشمالية، نظراً إلى بعض الفوائد التي تحصل عليها، أن تستمر على هذا المسار أيضاً، أما بالنسبة إلى إيران التي أصبحت في موقف ضعف متزايد نتيجة للإجراءات التي اتخذناها واتخذها آخرون، فستعتمد بصورة أكبر على بعض هذه العلاقات الجديدة، ولا سيما العلاقة مع روسيا على سبيل المثال. لدى الصين خيار مختلف، إذ إنها تطمح إلى التربع على عرش الزعامة، وفي سعيها إلى الزعامة يتعين عليها أيضاً، برأيي، أن تقيّم سمعتها في نظر العالم، وقد بذلنا جهوداً لإثبات أن الإجراءات الصينية ساعدت في استمرار الحرب الروسية ضد أوكرانيا، لأن الصين هي أكبر مورد على الإطلاق، وشركاتها هي أكبر مورد للقاعدة الصناعية الدفاعية الروسية، إذ إن 70 في المئة من المكونات التي تدخل في صناعة الأشياء التي تحتاج إليها روسيا للحرب و90 في المئة من الأجهزة الإلكترونية الدقيقة تأتي من الصين، ولا تروق لبكين فكرة أننا كشفنا عن هذه الحقيقة، لأنها من ناحية تقول “نحن نؤيد السلام ولا ننحاز إلى أي طرف، ونحن نريد تحقيق السلام، ومع ذلك فإنها تتخذ إجراءات من شأنها الاستمرار في تأجيج هذه الحرب، وهي حرب لا تقتصر عواقبها على تشكيل تهديد جلي للشعب الأوكراني وحسب، بل ربما تشكل أكبر تهديد للأمن الأوروبي منذ نهاية الحرب الباردة. لذا أعتقد أنه يتعين على الصين أن تطرح على نفسها أسئلة صعبة حول بعض التحالفات التي تدخل فيها مع هذه الدول المعادية، ولا أدعي أنني أعرف القرارات التي ستتخذها، وثمة جانب آخر لهذا الأمر أيضاً يا دان، إذ إن ما شهدناه على نحو مدروس للغاية من قبلنا هو هذا الجهد المبذول لمد هذه الجسور بين مسرح أوروبا الأطلسي ومسرح المحيطين الهندي والهادئ، كما ذكرت، لإظهار أن ما يحدث في مكان واحد سينطوي حتماً على تداعيات في مكان آخر، ونتيجة لذلك فقد كسرنا الحواجز على نحو لم يسبق لي أن رأيت مثيلاً له، ولدينا الآن في الـ “ناتو” أربعة شركاء من منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وهم جزء من مناقشات حلف شمال الأطلسي وينضمون إلى القمم ويعملون على مشاريع ملموسة، وهذا ليس جهداً لإخراج الـ “ناتو” إلى أوساط خارج منطقة وجوده، بل سعي تلك المناطق نفسها إلى الانضواء تحت مظلة دول حلف شمال الأطلسي. ولننظر مرة أخرى إلى الحرب التي تشنها روسيا ضد أوكرانيا، فإن أكبر محركين في الوقت الحالي لتأجيج فتيل هذه الحرب، كما أسلفت ذكره، هما إسهامات الصين في القاعدة الصناعية الدفاعية الروسية، و إسهامات كوريا الشمالية بالصواريخ والتكنولوجيا، وبالطبع بنحو 10 آلاف جندي كوري شمالي الآن، وبالتالي فإن أكبر الدوافع وراء استمرار هذه الحرب تأتي من منطقة آسيا والمحيط الهادئ، والحلفاء الأوروبيون يدركون ذلك، وبالمثل تمكنا عبر إزالة الغشاوة عن بصائر الناس من زيادة تركيز واهتمام المنطقة الأورو-أطلسية على قضية تايوان، فلقد بات لدينا هناك فهم أكبر الآن منذ تولينا السلطة بأن أية أزمة في شأن تايوان جراء الإجراءات التي تتخذها الصين لن تترك أي شخص بمنأى عن هذه الأزمة، إذ إن 50 في المئة من حركة الحاويات التجارية تمر عبر مضيق تايوان يومياً، و70 في المئة من الرقائق الدقيقة المصنعة في تايوان، وستؤدي الأزمة المتعلقة بتايوان إلى أزمة اقتصادية عالمية، وقد دفع هذا الدول الأوروبية إلى الاستثمار بصورة أكبر في الصين والقول “لا، نحن بحاجة إلى الحفاظ على السلام والاستقرار”، ويحب الصينيون أن يقولوا “إن تايوان ليست شأن أي أحد آخر، إنها شأننا”، ولكن العالم يقول: “في الواقع لا، إنها شأن يخصنا”. وعلى رغم أن هناك تحالفاً عدائياً أكبر بحسب مقتضيات الضرورة، فقد كان الروس في أمس الحاجة إلى ذلك بعد فشل جهودهم الأولية لمحو أوكرانيا من الخريطة، وعلى رغم أننا نرى ذلك فإنني أعتقد أن هذا يفوق بكثير ما تمكنا من القيام به في تقريب الحلفاء والشركاء بعضهم من بعض بفضل قيادة الولايات المتحدة، وأيضاً كما قلت آنفاً مد جسور بينهم بطرق لم نشهد مثيلاً لها من قبل، ولقد انخفضت حدة الأخطار إلى حد كبير في ما يتعلق بالصين، وهو ما نراه في أوروبا في منطقة آسيا والمحيط الهادئ ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ أيضاً، وكل هذه الأشياء لا تحدث من تلقاء نفسها، وقد جاءت تلك النتائج بفضل اتباع دبلوماسية مستدامة للغاية لتركيز البلدان على هذه المصالح المشتركة التي نتمتع بها، ونحن نرى الآن أن هذا يتجلى بطرق أعتقد أنها في طور وضع أساس أقوى بكثير للمستقبل. دان كورتز فيلان دعني أتوقف قليلاً عند البعد الأوكراني في هذا السياق، فلقد أشرت في المقالة إلى أن “واشنطن لا تسعى إلى تأجيج الإجراءات التصعيدية لكنها يجب أن تستعد لأخطار أعظم وأن تديرها”، ولقد كان هذا السؤال المتعلق بالتصعيد والأخطار في بعض النواحي محور هذه المحادثات حول الدعم الأميركي لأوكرانيا، ومن الواضح أنك تعلم جيداً أن بعض الأوكرانيين والأصوات الأكثر تأييداً لأوكرانيا في الولايات المتحدة سينتقدون الإدارة لأنها خائفة للغاية من التصعيد ومتوجسة جداً من التهديدات الروسية، وفي المقابل هناك آخرون، بمن فيهم بعض من يتجهون نحو الانضمام إلى الإدارة المقبلة، يتهمونكم بالتصعيد الذي قد يؤدي إلى نشوب حرب نووية بينما كنت تراقب وتتأمل هذه القرارات. أنتوني بلينكن يبدو أن هذا هو التوازن المثالي. دان كورتز فيلان حسناً، ربما يكون هذا صحيحاً ولكن في طور صراعك مع هذه القرارات وتجاربك في بعض النواحي وتعلمك من هذا المد والجزر على مر الزمن، كيف تفهم التصعيد في سياق أوكرانيا؟ وما الذي تعلمناه من الأعوام الثلاثة الأخيرة من الحرب في إطار هذه المساعدة غير المسبوقة التي قدمناها للأوكرانيين؟ أنتوني بلينكن دعوني أوضح بعض الأمور هنا، أولاً أعتقد أنه إذا عدت ونظرت إلى كل خطوة قمنا بها منذ بدء العدوان الروسي الجديد على أوكرانيا فقد عملنا على التكيف والتعديل لمحاولة التأكد من أنه لدى أوكرانيا ما تحتاجه لحظة حاجتها إليه للتعامل مع ما تواجهه، وقد تطور ذلك بمرور الوقت، والآن ومن منطلق حقيقة أننا حصلنا على معلومات غير عادية قبل الحرب فقد تمكنا من لفت انتباه العالم إلى هذا، وتمكنا من لفت انتباه الحلفاء والشركاء، وتمكنا من الاستعداد، فلقد كانت أوكرانيا في وضع مختلف بالمطلق عام 2022 عما كانت عليه عام 2014 عندما استولت روسيا على شبه جزيرة القرم ثم جزء من دونباس، وأحد الأشياء التي قمنا بها أنه حتى قبل العدوان الروسي أرسلنا معدات أميركية منذ سبتمبر (أيلول) 2021 قبل عدوان فبراير (شباط) 2022، ومرة أخرى قبل مطلع العام، لقد فعلنا ذلك بهدوء، ونتيجة لذلك كان لدى أوكرانيا ما تحتاج إليه لصد المحاولة الروسية لبسط سيطرتها على البلاد بأكملها والاستيلاء على كييف، وقد باءت جهودها بالفشل وتمكنت أوكرانيا من صد الروس واستعادة 50 في المئة من الأراضي التي احتلتها روسيا في البداية، وعوداً على بدء، فلم يحدث ذلك من تلقاء نفسه وإنما لأننا كنا على أهبة الاستعداد، وبعد ذلك ومع تغير مشهد ساحة المعركة الميداني عملنا على التكيف والتأقلم مع المتغيرات. لكن هناك شيئان أعتقد أنهما مهمان، أولهما أنه من السهل جداً على الجميع تقديم توصيات تؤكد أنه يجب علينا القيام بذلك الشيء أو ذلك الإجراء، لكن المسؤولية الكاملة لاتخاذ هذه القرارات تقع على عاتق شخص واحد فقط في الولايات المتحدة وهو رئيس الولايات المتحدة، وبالطبع تتعين عليه موازنة الكفة بين بذل كل ما في وسعه لضمان قدرة أوكرانيا على مقاومة العدوان الروسي وعكس مسار العدوان من جهة، وتجنب الزج بنا في صراع مباشر مع روسيا وهذا النوع من الصراع العالمي من جهة أخرى، وهذه مسؤولية فريدة ومن السهل مرة أخرى لأي شخص آخر أن يجادل في هذا أو ذاك، إنه الشخص الذي يتعين عليه اتخاذ القرار وأعتقد أن الرئيس بايدن تعامل مع هذا الأمر بفعالية كبيرة، وعندما تنظر الآن إلى مسألة التصعيد هذه فستجد أن هناك أشكالاً مختلفة للتصعيد، وأعتقد أن هناك أمراً واحداً كان متجلياً في ذهني بمنتهى الوضوح، وهو أن الـ “ناتو” نفسه كان الرادع الأقوى ضد روسيا التي تسعى إلى شن عدوان مباشر ضد أي من حلفاء حلف شمال الأطلسي، فلا تستطيع روسيا أن تتحمل مواجهة الـ “ناتو”، وبالتالي فإن القوة الكبيرة للـ “ناتو” تعني أن الحلف يُعد أفضل استثمار ممكن لتجنب الحروب ومنع الصراعات، وتتجسد الصفقة الرابحة التي تشكل جوهر حلف شمال الأطلسي في المادة الخامسة التي تنص على أن الهجوم على أحدنا هو بمثابة هجوم على الجميع، مما يعني أن أي معتد محتمل يعرف أنه إذا هاجم أحدنا فعليه أن يهاجمنا جميعاً، وهذا هو السبب وراء استهداف روسيا كل طرف ليس عضواً في حلف شمال الأطلسي، أي أنها تستهدف أطرافه ولكنها لم تهاجم حلف شمال الأطلسي، ولذا أعتقد أن ذلك كان رادعاً وازعاً. دان كورتز فيلان يمكنك أن تطلق على ذلك “السلام من خلال القوة” إن شئت؟ أنتوني بلينكن نعم إنه كذلك، وآمل أن نواصل الاستثمارات في هذه القوة، ومشاركتنا وقيادتنا للـ “ناتو” والاستثمارات الضرورية في الدفاع والاستمرار في تشجيع الحلفاء والشركاء على بذل مزيد من الجهد، ومرة أخرى عندما تولينا السلطة كان تسعة حلفاء يلتزمون بـ “تعهد ويلز” باستثمار اثنين في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في الدفاع، والآن باتت عدد الدول الملتزمة [الحلفاء] 23، والآخرون على المسار لتحقيق اثنين في المئة، وبالمناسبة فهذا هو الحد الأدنى وليس السقف، وسنحتاج جميعاً إلى بذل مزيد من الجهود، ولكن هذه الاستثمارات ومشاركتنا في التحالف وقيادتنا له هي حقاً أفضل ضمان ضد الحرب وضد الصراع، ولكن في الوقت عينه وجدت روسيا كثيراً من السبل الجديدة لارتكاب اعتداءات هجينة، ويعد هذا التهديد في طور التنامي والتزايد، وسواء كان ذلك في الفضاء الإلكتروني أو في الفضاء الخارجي، وسواء كان ذلك من خلال استخدام وسائل مختلفة غير الحرب في أوروبا وخارجها أو كان ذلك من خلال التصرف في مسارح عمليات أخرى خارج أوروبا بطرق معادية لمصالحنا، فإن هذا الرد الهجين أو الرد غير المباشر الذي يستهدف مجالات أخرى يشكل مصدر قلق متزايد. دان كورتز فيلان بالطبع قال الرئيس المنتخب دونالد ترمب إنه سينهي الحرب في أوكرانيا في غضون 24 ساعة، ومن يدري ماذا يعني بذلك؟ وعندما تنظر إلى نهاية ممكنة للصراع، فهل ترى صيغة مقبولة لدى الأوكرانيين ومقبولة أيضاً بالنظر إلى واقع أرض المعركة في هذا الوقت؟ وهل ترى أي استعداد من جانب بوتين للدخول في مفاوضات جادة في هذه اللحظة؟ أنتوني بلينكن في الوقت الراهن لا أرى أي استعداد من جانب بوتين، وربما يتغير هذا على مدى عام 2025. ولكن عندما ننظر إلى عام 2025 سنجد أننا عملنا بمنتهى الجدية لضمان حصول أوكرانيا على ما تحتاج إليه إذا لزم الأمر للقتال حتى نهاية عام 2025، أو إذا كان هناك مفاوضات فلتكون قادرة على التفاوض من منطلق موقف قوة نسبية، ولكن كيف يبدو النجاح؟ من المهم أولاً أن نتذكر ما كان بوتين يحاول تحقيقه، فقد كان يحاول محو أوكرانيا من الخريطة وضمها مرة أخرى إلى روسيا الكبرى، دعك من كلامي فقد قال ذلك بنفسه مراراً وتكراراً، وقد فشل في ذلك وهو فشل إستراتيجي لا يستطيع ولن يتمكن من عكس مساره، وفي سياق ذلك تسبب في تسريع عجلة كثير من الأشياء التي حاول منعها، بما في ذلك تعاظم حلف شمال الأطلسي الذي أصبح أقوى وأكبر من خلال انضمام عضوين جديدين، والذي أصبح ذا موارد أفضل مما كان عليه، وروسيا التي باتت تتحمل عبئاً ثقيلاً بصورة لا تصدق، وبسبب العقوبات وضوابط التصدير التي فرضناها فقد غدا ما تحتاج روسيا إلى تحقيقه أصعب ويستغرق وقتاً أطول ويكلف أكثر، ولكن عندما يتعلق الأمر بأوكرانيا فإن الفشل في تحقيق مراده، أي محوها من الخريطة، يعد نجاحاً بالفعل بالنسبة إلى أوكرانيا، ولكن النجاح في المستقبل يتمثل في أن تصبح أوكرانيا قوية ومستقلة ومتكاملة بصورة متزايد مع المؤسسات الغربية وقادرة على النهوض عسكرياً واقتصادياً وديمقراطياً، وأوكرانيا في طريقها إلى تحقيق ذلك نتيجة للدعم الذي رسخناه في كل هذه الأبعاد. الشيء الذي ستحتاجه أوكرانيا بصورة مؤكدة في أية تسوية هو نوع من الضمانات أو الثقة أو التأكيد في شأن أمنها المستمر، لأن ما نعرفه هو أنه إذا كان هناك وقف لإطلاق النار أو نوع من التسوية فإنه سيكون موقتاً في ذهن بوتين، ومن المؤكد بصورة شبه قطعية أنه سيحاول استغلال أي وقت يتاح له للراحة وإعادة التجهيز وإعادة التسليح، وفي نهاية المطاف معاودة الهجوم، لذا سيكون التأكد من أن أوكرانيا، بطريقة أو بأخرى، لديها ما تحتاجه لردع أي عدوان روسي في المستقبل والدفاع ضده إذا لزم الأمر مسألة بالغة الأهمية، وأعتقد أن هذا سيكون مفتاح أي قرار لوقف إطلاق النار من شأنه أن يصمد لاحقاً، وبطبيعة الحال فمع مرور الوقت يتعين القيام بشيء ما حيال الأراضي التي لا تزال تحت سيطرة الروس، ولكنني أعتقد اعتقاداً جازماً أننا نستطيع أن نرى أوكرانيا ناجحة، بغض النظر عن حدود السيطرة التي سترسم على أرض الواقع خلال الأمد القريب، وأوكرانيا قادرة على الوقوف بقوة كدولة مستقلة والدفاع عن نفسها عسكرياً واقتصادياً وديمقراطياً. دان كورتز فيلان حددت في المقالة الخطوات التي اتخذتها أنت وزملاؤك قبل غزو فبراير 2022 لمحاولة ردع بوتين، وتجسدت في الدعم العسكري والكشف الإبداعي للغاية لمعلومات استخباراتية سرية، بيد أن هذا لم ينجح في ردعه، فما هي الدروس التي استخلصتها من الفشل إلى حد ما لعملية الردع هذه؟ لا أقول إنه كان من الممكن ردعه، لكن [الولايات المتحدة] لم تنجح في ردعه، وعندما تطبق هذه الدروس على مسألة الصين ومضيق تايوان بصورة خاصة، فماذا يعني ذلك لدى الحديث عن دورنا في الردع في مضيق تايوان؟ وما الذي يتعين علينا أن نعكف أكثر على فعله؟ أنتوني بلينكن عندما حصلنا على هذه المعلومات الاستثنائية وتمكنا من استخدامها بطرق لم نكن لنتمكن من استخدامها من قبل، تمنيت لو كنا قادرين على القيام بالشيء ذاته عام 2014، لكننا لم نكن قادرين على ذلك، وكان هناك كثير مما كنا نعرفه ولكن لم نتمكن من مشاركته عام 2014، ليس استباقاً للأحداث ولكن مثلاً مع إسقاط الطائرة [إسقاط طائرة الخطوط الجوية الماليزية الرحلة رقم MH17 في عام 2014 فوق شرق أوكرانيا، والذي أسفر عن مقتل جميع الأشخاص البالغ عددهم 298 شخصاً على متنها. ويُعتقد أن الصاروخ الذي أسقط الطائرة أطلقه انفصاليون موالون لروسيا، حيث ألقت الدول الغربية اللوم على روسيا لدعمهم. وقد أدى الحادث إلى تصعيد التوترات بين روسيا والغرب] في محاولة لحشد العالم بشتى الطرق، وتمكنا من القيام بذلك وكان ذلك في غاية الروعة، ولكن حتى بينما كنا منهمكين في ردع العدوان الروسي، بما في ذلك من خلال اختبار مدى جدية روسيا الفعلية في شأن المخاوف الأمنية المزعومة التي كانت لديها، فقد دخلنا في مماحكات معها، وقد قضيت كثير من الوقت مع [وزير الخارجية الروسي سيرغي] لافروف في هذا الشأن، وأتحنا لهم المشاركة في أنشطة حلف شمال الأطلسي، وكذلك في [منظمة الأمن والتعاون في أوروبا]، ولكن بعد ذلك اتضح جلياً أن الأمر لم يكن يتعلق بمخاوف أمنية روسية مزعومة أثارتها أوكرانيا أو حلف شمال الأطلسي بطريقة أو بأخرى، وإنما كان الأمر برمته يتعلق بطموحات بوتين الإمبريالية. ولكن حتى في الوقت الذي كنا نعمل على الردع من خلال كشف الملابسات ومشاركتها، فقد انتهزنا ذلك الوقت أيضاً للتحضير، وكما أسلفت الذكر، لوضع أوكرانيا في موقف يخولها من الدفاع بفعالية ضد العدوان الروسي، ولقد نجح ذلك، نظراً إلى طموحات روسيا في الاستيلاء على البلاد، في صدها وردعها، ليس فقط لأننا كنا نشاهد شجاعة منقطعة النظير من جانب الأوكرانيين وحسب، وإنما أيضاً لأننا كنا مستعدين، فلقد قدمنا لهم الأشياء التي كانوا يحتاجون إليها وجعلنا العالم على أهبة الاستعداد، ومن ثم تمكنا من التحرك على الفور في شأن العقوبات والضغط على روسيا والمضي قدماً في تعزيز الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي على الفور، وهو ما أعتقد أنه أسهم في ردع أي نوع من العدوان الأوسع الذي كان من الممكن أن يحصل. وعندما يتعلق الأمر بالصين والدروس المستفادة فهناك بعض الأشياء التي تبرز في صدارة المشهد، وأعتقد أن إحدى اللحظات الاستثنائية كانت عندما وقف رئيس الوزراء الياباني في ذلك الوقت [فوميو] كيشيدا في وقت باكر من العدوان على أوكرانيا ووقفت اليابان بحزم إلى جانب أوكرانيا، وقال حينها “نحن نفعل هذا لأن ما يحدث في أوروبا اليوم قد يحدث في آسيا غداً”، وكان هناك إدراك لأهمية الوقوف معاً ضد عدوان لم يكن موجهاً فقط ضد أوكرانيا وشعبها، بل أيضاً ضد المبادئ الأساس للنظام الدولي الذي أُنشئ في الأساس لمنع النزاعات، مثل سلامة الأراضي والسيادة والاستقلال، وهي المفاهيم التي تشكل جوهر ميثاق الأمم المتحدة، وأدركت الدول أنه من مصلحتها الكبرى الدفاع عن هذه المبادئ حتى لو كانت انتهاكاتها تحدث على بُعد نصف العالم، وأعتقد أن هذا كان واضحاً للغاية للصين عندما رأت الاستجابة للعدوان الروسي حين سمعوا على نحو متزايد جوقة من البلدان تقول “يتعين علينا الحفاظ على الاستقرار، وعلينا أن نحافظ على الوضع الراهن وأن نحافظ على السلام عبر مضيق تايوان لأن تغيير ذلك من شأنه أن يؤثر بشدة في مصالحنا”، وقد نجحت دبلوماسيتنا إلى حد كبير في ذلك الصدد. وكما ذكرت آنفاً فلأن الدول ترى أن المجهود الحربي الروسي كان مدفوعاً جزئياً بدعم الصين للقاعدة الصناعية الدفاعية الروسية وما تفعله كوريا الشمالية، فقد تسبب ذلك في تحولها، على ما أعتقد، بصورة كبيرة في نهجها تجاه الصين، وإذا نظرت إلى واقعنا عندما تولينا السلطة، لأننا كنا منفصلين للغاية عن الحلفاء والشركاء، فقد كانوا جميعاً منهمكين في تأمين رهاناتهم وكانت أوروبا على وشك توقيع اتفاق تجاري مع الصين، وكان ثمة بلدان انضمت إلى [مبادرة] “الحزام والطريق”، وكان لديك عملية مجموعة “بريكس” أيضاً، لكن ما شهدناه في واقع الحال آنذاك كان تقارباً في كيفية التعامل مع التحدي الذي تفرضه الصين، وإذا قرأت ما يقوله القادة الأوروبيون والقادة الرئيسون في آسيا في شأن كيفية التعامل مع الصين، فستجد أننا نقتبس تقريباً من النقاط الرئيسة نفسها والتي تشمل الجهود المبذولة لتقليص الأخطار والالتقاء في كل شيء، بدءاً من فحص الاستثمارات إلى ضوابط التصدير إلى تأمين سلاسل التوريد وكل هذه النقاط الجوهرية، فضلاً عن حماية التكنولوجيا وحماية عمالنا ضد ممارسات التجارة غير العادلة وضد الطاقة الإنتاجية الزائدة، إن هذا التقارب استثنائي وأعتقد أن ذلك جاء نتيجة لإزالة الغشاوة عن بصائرنا لندرك حقيقة مفادها أن كثيراً من هذا غير قابل للتجزئة حقاً. دان كورتز فيلان في المقالة كتبت عن الحاجة إلى التنافس المكثف ولكن المسؤول مع الصين، وهو ما يعني على حد تعبيرك “توضيح أن هدف الولايات المتحدة لا يتمثل في تغيير النظام، وأنه حتى مع تنافس الجانبين يجب عليهما إيجاد سبل للتعايش”، فمن منظور عام يبدو هذا معقولاً للغاية، ولكن عندما تنظر إلى دور الصين في العالم والطريقة التي يتغير عبرها هذا الدور بمرور الوقت، فمن الصعب أن تتخيل كيف يمكنك تغيير القيادة الحالية في الصين؟ أو كيف يمكنك الاحتفاظ بالقيادة الحالية في الصين والتعايش في العالم مع الصين القوية والمزدهرة والنشطة للغاية بما يتوافق مع نوع العالم الذي تريد الولايات المتحدة أن تراه؟ وهل ترى مساراً لتحقيق ذلك بالنظر إلى منحى السلوك الصيني الحالي؟ وكيف ترى الحجج التي قدمها مات بوتينغر ومايك غالاغير عبر صفحات “فورين أفيرز” والتي تؤكد أننا بحاجة حقاً إلى تغيير طبيعة الحكومة في الصين من أجل تحقيق التعايش الحقيقي؟ أنتوني بلينكن لا يمكننا ولن نتمكن، بحسب تقديري، من تغيير طبيعة الحكم في الصين أو نظامها أو أياً كان ما تريد أن تسميه، والشروع في هذا المسار سيكون مهمة خرقاء، لكننا قادرون بل ويتعين علينا أن نقف بقوة ونعمل على بناء التقارب مع بلدان أخرى لضمان عدم تمكن الصين من القيام بما تنوي القيام به، وهو إعادة تشكيل قواعد اللعبة وإعادة تشكيل النظام الدولي على النحو الذي يسمح لها بتعزيز مصالحها بصورة تتعارض مع مصالحنا، وتعزيز قيمها مع ما يتعارض مع قيمنا، وهذا بالضبط ما تمكنا من القيام به على مدى الأعوام الأربعة الماضية. لن تختفي الصين كما أننا لن نختفي نحن أيضاً، لذا علينا أن ننطلق من هذا المبدأ، لكنني أعتقد أن فكرة سياسات تغيير النظام مضللة للغاية، إذ إن تغيير السياسات مسألة مختلفة وهذا ما نركز عليه، وسنغدو أكثر فعالية في القيام بذلك عندما نبني هذا التقارب مع البلدان الأخرى. عندما نتعامل مثلاً مع بعض ممارسات التجارة غير العادلة أو الطاقة الإنتاجية الزائدة التي تمارسها الصين، فإن البلدان تخشى، وليس الولايات المتحدة فقط، بشدة من صدمة صينية أخرى شهدناها قبل عقد أو 15 عاماً، وعندما يحاول أي من بلداننا التعامل مع ذلك بمفرده فذلك جهد من دون جدوى، وحتى الولايات المتحدة في حال تعاملها مع هذه القضية بمفردها، باعتبارها الدولة الأكثر قوة في العالم، إذ نتمتع بناتج محلي إجمالي أكبر من الناتج المحلي الإجمالي للدول الثلاث التالية مجتمعة، فإننا على رغم ذلك لا نزال نشكل نحو 20 في المئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وعندما نتحالف مع شركاء رئيسين في أوروبا ومع الاتحاد الأوروبي وشركاء في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، فقد نشكل 50 أو 60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وهو وزن أثقل بكثير وسيكون له تأثير أكبر في تغيير سياسات الصين. لدى الصين مخاوف تتعلق بسمعتها، وكما أسلفت فإذا كانت تصبو إلى الزعامة فلن تتمكن من القيام بذلك بطريقة تعتمد على الإكراه والتنمر، لأن الدول الأخرى ستقف في وجه ذلك في نهاية المطاف، وتعد القوة الناعمة التي تتمتع بها الصين شيئاً تأخذه على محمل الجد حتى وإن لم تكن فعالة بصورة خاصة حتى الآن في تأكيد دورها، وهذا يمنحنا أيضاً هامشاً من القدرة على تشكيل سياساتها ونهجها، ولقد قمنا بتسليط الضوء على الدعم الذي تحظى به القاعدة الصناعية الدفاعية الروسية، والصين تشعر بعدم الارتياح إزاء هذه المسألة، ودعني أقول إني أمضيت كثيراً من الوقت مع نظيري الصيني [وزير الخارجية الصيني] وانغ يي لساعات طويلة، وكل اجتماع، تقريباً كل اجتماع، كنا نستهله بالطريقة ذاتها، إذ يبدأ الاجتماع بتذمره من قائمة طويلة من الأشياء التي قمنا بها والتي في رأيي هي خير برهان على نجاح نهجنا، وكثيراً ما يركز على كل ما فعلناه لتوحيد صفوف هذه البلدان الأخرى في نوع من التحالف ضد الصين، وهو ما يقول إنه من موروثات الحرب الباردة، ويمكننا النظر إلى حقيقة أنهم قضوا كثيراً من الوقت في التذمر من هذا الأمر باعتباره الدليل الدامغ على النجاح الذي حققناه. دان كورتز فيلان لعلك أمضيت وقتاً أطول مما كنت تتوقعه أو ترغب به في جولات سفر مكوكية إلى الشرق الأوسط خلال العام الماضي ولقد عدت من الأردن أمس، لذا دعني أنتقل إلى تلك المجموعة من الأزمات، ففي الشأن الإسرائيلي كتبت في المقالة أنه “من دون وضع نهاية للحرب في غزة ومسار محدد زمنياً وموثوق به نحو الدولة التي تعالج التطلعات المشروعة للفلسطينيين وحاجات إسرائيل الأمنية، فإنه لا يمكن دفع عجلة السلام بين السعودية وإسرائيل”، وفي هذه اللحظة بالتحديد لا تزال احتمالات التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة بعيدة للغاية في الأقل من وجهة نظرنا، ويبدو الطريق نحو إقامة الدولة الفلسطينية أكثر بعداً بالنظر إلى توحيد القوى في الحكومة الإسرائيلية، والافتقار إلى الدعم بين الإسرائيليين والفلسطينيين في هذه المرحلة، فما هي آفاق وقف إطلاق النار في غزة قبل الـ 20 من يناير 2025؟ ثم يبدو أن مركزية حل الدولتين في السياسة الأميركية تبدو خيالية إلى حد ما بالنظر إلى الوضع الحالي، فما هي الأسباب التي تجعل هذا الأمر مركزياً إلى هذا الحد؟ وهل هناك وسيلة للتحول إلى التعامل مع ما يطلق عليه بعضهم الآن واقع الدولة الواحدة الذي قد يكون بنّاء أكثر؟ أنتوني بلينكن في ما يتعلق بوقف إطلاق النار وعودة الرهائن فإننا نركز بشدة على ذلك، وقد عكفنا على فعل ذلك لشهور عدة باعتباره المسار الأسرع والأكثر فعالية لإنهاء الصراع في غزة، ولا بد من إنهاء هذه الحرب بطريقة من شأنها ضمان عدم تكرار ما حدث في السابع من أكتوبر 2023 مرة أخرى، وإنهائها بطريقة تجعلنا نمتلك شيئاً مستداماً، وإنهائها بطريقة تعالج حاجات الشعب الفلسطيني وتنهي معاناة كثير من الأطفال والنساء والرجال الذين وقعوا في مرمى النيران التي أطلقت “حماس” رصاصتها الأولى. أعتقد أن “حماس” في هذه اللحظة عاودت خلال الأسبوعين الماضيين الدخول بطريقة أكثر إيجابية في محاولة لوضع نهاية لهذه الأزمة، وأعتقد أن هذا يعزى إلى إدراكها أن الخيول القادمة لإنقاذها لن تصل، وأحد الأشياء التي حاولوا القيام بها طوال الوقت هو توسيع الحرب مع تدخل “حزب الله” وإيران وأذرعها الأخرى، لكن ذلك لم يحدث كما رأينا بفضل السياسات الفعالة التي اتبعناها. منذ اليوم الأول للصراع أردنا أن نضمن، قدر استطاعتنا، عدم اندلاع حرب أوسع نطاقاً لأن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من الموت والدمار، ولأنه لن يؤدي إلا إلى إطالة أمد الصراع في غزة، والآن وبعد أن اتضح الأمر جلياً، وبسبب الطريقة التي تمكنا بها من التعاون مع إسرائيل للدفاع بفعالية ضد الهجمات غير المسبوقة من إيران بطريقة أجبرتها على الإذعان، ولأننا تمكنا من العمل مع إسرائيل الآن للتوصل إلى وقف إطلاق نار فعال في لبنان، وأيضاً لإضعاف “حزب الله” بصورة كبيرة كي لا يتمكن من التسلل، يتعين على “حماس” أن تتعامل مع هذا، وأعتقد أن ذلك يوفر إمكان إنهاء النزاع. لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن “ما هي خطوتنا التالية؟”، وأعتقد أن هناك أمرين حاسمين، أولاً يتعين علينا أن نتوصل إلى شيء يضمن استمرار وقف إطلاق النار في حال جرى التوصل إليه، وهذا يعني وضع خطة لما بعد الصراع تسمح لإسرائيل بسحب قواتها من غزة ولكن تضمن استتباب الأمن والحكم الفعّال وإعادة الإعمار. لقد أمضينا كثيراً من الوقت في العمل على هذه الخطة مع الشركاء العرب، وأشركنا الإسرائيليين والفلسطينيين في هذا الأمر، ولكن إذا نجحنا في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتحرير الرهائن فسيكون لزاماً علينا أن نتحرك قدماً في هذا الاتجاه على الفور، ومن ثم نسلم هذا العمل إلى الإدارة المقبلة التي ستقرر ما تريد فعله. ولدينا في الكفة الأخرى مسألة الأمد البعيد، وهناك مساران أمام إسرائيل والمنطقة، الأول باعتقادي يقود إلى أمن إسرائيل الدائم، وهو الاندماج مع المنطقة والتكامل مع بنية أمنية مشتركة قادرة على عزل إيران بصورة أكبر والتعامل مع أي عدوان قادم منها، ولقد شهدنا ذلك في شكله غير الناضج عندما هاجمت إيران إسرائيل بهذه الطريقة غير المسبوقة، وشاركت الولايات المتحدة للمرة الأولى في الدفاع الفعال عن إسرائيل، فضلاً عن الدول الأخرى من خلال دبلوماسيتنا التي أشركتهم، ليس فقط في أوروبا وإنما في المنطقة، ولذا يمكنك استشراف مآل هذه المسألة، وبالطبع فإن مفتاح ذلك هو إقامة السلام بين إسرائيل و السعودية، وأعتقد أن الإدارة المقبلة ستحظى، كما آمل، بفرصة تاريخية للبناء على أساس “اتفاقات أبراهام”، وهو إنجاز رائع وهو ما سعينا إلى تعميقه وتوسيعه والوصول إلى السلام السعودي – الإسرائيلي الذي من شأنه استجلاب دول أخرى إلى الطاولة، ولكن كي يحدث ذلك نحتاج إلى الهدوء في غزة وهذا واضح من السعوديين، ولكننا نحتاج أيضاً إلى مسار موثوق به إلى دولة فلسطينية، وبقدر إصرار السعودية ذاته على ذلك قبل السابع من أكتوبر 2023، فقد باتت الآن أكثر اقتناعاً، وقد سمعت هذا مباشرة من الأمير محمد بن سلمان حول آرائه حول ضرورة وجود مسار واضح وموثوق به نحو الدولة الفلسطينية، و70 في المئة من سكان السعودية يصغرون زعيمهم سناً، ولقد رأوا ما حدث منذ السابع من أكتوبر 2023 في غزة واستأثر ذلك الهاجس بهم، والشعوب في أنحاء المنطقة منشغلة بهذا الهاجس، لذا أعتقد أن هذا الأمر يستحق منحه الأهمية القصوى. ولا شك في أن الناس في إسرائيل والفلسطينيين في هذه اللحظة ليسوا مستعدين لمثل هذا الحوار، ولقد شهدنا في كلا الاتجاهين هذا التجرد من الإنسانية لدرجة أنه لم يعد أي من الجانبين قادراً في هذه اللحظة على رؤية الإنسانية في الطرف الآخر، وفي الوقت الذي يؤثر فيه هذا في الجميع، وفي ظل هذه الصدمات في إسرائيل منذ السابع من أكتوبر 2023 والصدمات في أوساط الفلسطينيين في شأن ما حدث للناس في غزة منذ ذلك الحين، فإن الأمر غاية في الصعوبة، لكن عندما تتوقف رحى الصراعات الدائرة في غزة ويتمكن الناس من التأمل والنظر بحيادية إلى الأمد البعيد وكيفية ضمان أمنهم على أفضل وجه، فأعتقد أن هذا المسار سيصبح أكثر صدقية مرة أخرى، وثمة 7 ملايين يهودي إسرائيلي و5 ملايين فلسطيني أو نحو ذلك، ولن يذهب أي منهما إلى أي مكان، وهذه حقيقة جوهرية. أعتقد أنه إذا نظرنا إلى الاحتمالات المتاحة للتعايش بين الطرفين بدلاً من المقاومة فإننا سنجد أنفسنا في النهاية أمام دولتين، والفلسطينيون يستحقون تقرير مصيرهم وتأسيس دولة خاصة بهم، ولكن يتعين عليهم أن يلبوا متطلبات إسرائيل الأمنية، فلن تمضي عجلة التوافق قدماً ما لم تكن هناك إجابة عن هذه المخاوف التي لها ما يبررها، إذ ينظر الإسرائيليون إلى العقدين الماضيين ويقولون لقد خرجنا من غزة عام 2005 من جانب واحد وهدمنا المستوطنات، لقد غادرنا لكن على ماذا حصلنا في المقابل؟ لقد حصلنا على “حماس”، وخرجنا من لبنان ومن جنوب لبنان عام 2000 وخضنا حرباً أخرى في عام 2006، ولكنها وضعت أوزارها وانتهت باتفاق يقضي بانسحاب “حزب الله” وعدم مهاجمة إسرائيل، فما الذي جنيناه؟ لقد جنينا صواريخ وقذائف هاون من “حزب الله”، لذا لا يستطيعون أن يقبلوا ولا ينبغي لهم أن يقبلوا دولة قائمة على المقاومة، دولة فلسطينية قائمة على المقاومة وليس على التعايش، ولكنني أعتقد اعتقاداً راسخاً أننا قادرون على إيجاد شيء ما أو مسار محدد يعتمد على وقت محدد وشروط محددة، ويجب أن يعرف الفلسطينيون أنه سيكون هناك تحقيق لدولة خلال فترة زمنية معينة، ويجب أن يعرف الإسرائيليون أن ذلك يمكن أن يحدث فقط إذا جرى الوفاء بشروط معينة تضمن أمن إسرائيل. دان كورتز فيلان تبدو صعوبة وقف إطلاق النار واضحة للغاية للمراقبين من الخارج، وما يبدو أكثر إرباكاً بالنسبة إلى كثير من المراقبين هو صعوبة إيصال المساعدات الإنسانية الكافية إلى غزة، وما يبدو وكأنه نوع من الافتقار الحقيقي إلى الضغوط الأميركية بمرور الوقت لإيصال مساعدات كافية للمدنيين في غزة، فأين يكمن الفشل بهذا الخصوص؟ ولماذا كان الأمر صعباً للغاية؟ وهل هناك أوقات كان بوسع الولايات المتحدة ممارسة مزيد من النفوذ والضغط لضمان توفير وصول قدر كاف من المساعدات؟ أنتوني بلينكن أعتقد أن هناك كثيراً مما حدث في العام الماضي وما بعده في هذا الصدد، ولقد ركزنا منذ اليوم الأول على محاولة ضمان ذلك في خضم الحرب وفي خضم صراع يعد من أكثر الصراعات تعقيداً التي شهدتها على الإطلاق لأنه لم يكن بوسع السكان الذهاب إلى أي مكان، ولقد أوضحت الدول المجاورة لغزة أنها لن تستقبل فلسطينيين للحيلولة لإبعادهم عن الأذى لأسباب مفهومة للغاية، وهي أنها لم تكن تعتقد أن الإسرائيليين سيسمحون لهم بالعودة، ولكن بصورة فريدة كانت هناك حال معينة، فقد كان السكان محاصرين في منطقة صغيرة ثم بصورة فريدة كانت هناك حال حيث كان العدو المسؤول عن أحداث السابع من أكتوبر 2023 متمترساً بعمق بين السكان ومختبئاً في المنازل والمباني السكنية والمستشفيات والمدارس والمساجد وتحتها، بيد أن هذا لا يعفي إسرائيل من مسؤوليتها حيال بذل كل ما في وسعها لحماية المدنيين والتأكد من حصولهم على المساعدة التي يحتاجون إليها، بل إن هذا يجعل الأمور معقدة للغاية، وقد كان هذا منذ اليوم الأول. ولكن منذ اليوم الأول أيضاً كنا نعمل على ضمان وصول المساعدات إلى الناس، ولقد خضت جدالاً طويلاً للغاية مع الحكومة الإسرائيلية بعد ثلاثة أو أربعة أيام من السابع من أكتوبر 2023 عندما ذهبت إلى هناك لبدء فتح خط مساعدات، وهو ما نجحنا في تحقيقه بالفعل عبر رفح، وفي نهاية المطاف في كرم شالوم، وقمنا بتوسيع ذلك وكان التقدم غير كاف، ولكنه كان لا يزال مستمراً. وتوصلنا إلى اتفاق مبدئي لوقف إطلاق النار وتحرير الرهائن في نوفمبر، وتضاعف حجم المساعدات التي وصلت خلال تلك الفترة، وفي تلك المرحلة اعتقدنا أننا نسير على مسار أفضل، ومن ثم استمر الصراع حتى العام الجديد واستمرت الحملة في أجزاء مختلفة من غزة، وقد جعل ذلك الأمور صعبة جداً فوصلنا إلى نقطة في أبريل (نيسان) أو مايو (أيار) الماضيين حين شهدنا تدهوراً كبيراً في المساعدات التي كانت تصل إلى غزة، وفي تلك اللحظة أدلى الرئيس ببعض التصريحات العامة لكنني كتبت أيضاً إلى نظيري الإسرائيلي حول ما نحتاج إلى رؤية حدوثه على أرض الواقع، وفي حال لم يحدث ذلك فسيكون هناك تغيير في السياسة الأميركية، ولم تخرج هذه الرسالة إلى العلن إلا بعد فترة طويلة، وقد شهدنا تغييرات وبذلت إسرائيل جهوداً إضافية لمحاولة ضمان وصول المساعدات، ورأينا تحسناً وتقدماً ثم تدهورت الأمور مرة أخرى مع اقتراب الصيف من نهايته، كما تواصلت أنا ولويد أوستن [وزير الدفاع] مع نظرائنا أيضاً، ومنذ ذلك الحين شهدنا، ولا سيما خلال الأيام الأخيرة، بعض التحسن الحقيقي، لكن مع كل ما قيل فالخلاصة هي أنه في هذا النوع من النزاعات سيكون من الصعب جداً القيام بما هو ضروري حقاً للشعب حتى ينتهي الصراع، وثمة نقطة أخيرة أود التنويه لها وهي أن إسرائيل نجحت في تحقيق ما خططت له إستراتيجياً منذ أشهر عدة، وهو ضمان عدم تكرار أحداث السابع من أكتوبر 2023، فقد أرادت تفكيك القيادة المسؤولة العسكرية لـ “حماس” ونجحت في ذلك، إذ أرادت “حماس” أن تتحمل القيادة المسؤولية عن أحداث السابع من أكتوبر 2023 وقد نجحت في تحقيق ذلك، وفي هذه المرحلة أعتقد أنه من شأن استعادة الرهائن أن يؤدي إلى إنهاء الصراع ووقف إطلاق النار، ولكن هذا يتطلب أيضاً الترتيبات الضرورية لمنح إسرائيل الثقة في أنه عندما تسحب قواتها فلن يكون هناك فراغ تملؤه “حماس” أو أي شيء سيء. دان كورتز فيلان على الساحة الأقل قتامة أعتقد أن سوريا صدمتنا جميعاً، وأنت كنت تعمل على هذا الملف منذ بداية الحرب الأهلية هناك خلال إدارة أوباما. أنتوني بلينكن نعم هذا صحيح. دان كورتز فيلان لقد كنت في الحكومة خلال كثير من الأمثلة على تغييرات من هذا النوع انتهت بصورة خاطئة، سواء في انتفاضات الربيع العربي أو ما رأيناه في مصر أو ليبيا أو تونس أو حالات كثيرة أخرى، فما هي الدروس المستخلصة من تلك الإخفاقات للسياسة الأميركية؟ وإذا نظرنا إلى الوراء بعد بضعة أعوام من الآن في سوريا كقصة نجاح نادرة، فما الذي سيكون قد حدث في هذه الأثناء لتحقيق ذلك، وما هو الدور الذي كان يجب أن تلعبه السياسة الأميركية للوصول إلى تلك النقطة؟ أنتوني بلينكن أعتقد أنك ترى في ما حدث في سوريا أبلغ دليل على الحجة التي كنا نطرحها والسياسات التي كنا ننتهجها لإظهار عدم إمكان تجزئة الأمن والتقدم في جميع أنحاء العالم، والصلات بين أجزاء مختلفة من العالم، وتأثير ما يحدث في جزء من العالم في جزء آخر، وفي حال سوريا ثمة سببان وراء انهيار نظام الأسد، أحدها هو فشله الأسد في الدخول سياسياً ومحاولة إيجاد طريق للمضي قدماً لإعادة توحيد بلاده بعد كل ما فعله لتدميرها، ولقد رأينا كثيراً من الدول في المنطقة تتعجل في تطبيع العلاقات مع الأسد، وقد استنتجت هذه الدول أنه لن يرحل، ونحن تمسكنا بموقفنا ضد ذلك وكان هذا هو الخطأ الأساس الأول الذي ارتكبه الأسد، لكن العامل الأكثر حسماً كان أن القوى والدول التي كان يعتمد عليها الأسد للبقاء فجأة وجدت نفسها مشتتة بسبب مشكلاتها الخاصة التي أسهمنا في تفاقمها، فروسيا التي كانت غارقة في أوكرانيا بسبب حرب اختارتها أصبحت عالقة فيها بسبب كل ما فعلناه لمواجهة ما كانت تقوم به ولم تعد قادرة على دعم الأسد، فيما لم تتمكن إيران من دعمه بسبب الإجراءات التي جرى القيام بها لإضعاف موقفها اقتصادياً، ليس فقط لردعها عندما ارتكبت هذا العدوان غير المسبوق ضد إسرائيل وحسب، وإنما أيضاً للمساعدة في تمكين الإسرائيليين من التعامل معها بطريقة أضعفتها بصورة أساس، بما في ذلك تدمير دفاعاتها الجوية. وبطبيعة الحال فقد أُجبر “حزب الله” على التركيز على لبنان وليس على سوريا نتيجة للعمل الذي جرى القيام به، سواء لإضعاف “حزب الله” أو للتوصل إلى وقف إطلاق النار كانوا يريدونه بشدة، ولهذه الأسباب مجتمعة انهار الوضع بصورة كاملة، وأعتقد أن هذا يحمل دروساً مهمة ولكن هناك نقطة أخرى أيضا، فلقد تدخلنا بسرعة لمحاولة خلق توافق بين جميع جيران سوريا والمجتمع الدولي الأوسع حول الاتجاه الذي تأمل المنطقة والعالم أن يسيّران فيه الأمور، لأننا نريد التأكد من أنه مع بروز قوى جديدة في سوريا، وبصورة خاصة هيئة تحرير الشام، فإنها تدرك بوضوح توقعات العالم والدول المحيطة لأنها بحاجة إلى الدعم، وهي ستسعى إلى الحصول على الاعتراف، وقد وضعنا الآن توقعات واضحة، وشاهدتم خلال الأسبوع الماضي البيان المشترك الذي صدر عن اجتماعاتنا في العقبة التي استضافها الأردنيون حول توقعاتنا، وأعتقد أن هذا يظهر، على رغم أننا سنرى إلى أين ستصل الأمور، أنه عندما تقود الولايات المتحدة أمراً وتكون داخلة فيه، وعندما نستطيع بناء توافق وتقارب حول الاتجاه الذي نريد أن تسلكه الأمور، فإن فرصنا في تحقيق ذلك تصبح أفضل بكثير، ولذلك أعتقد أن لدينا مصلحة حقيقية في التأكد من استمرارنا في المشاركة، ونحن ندرك تماماً ما يمكن أن تصبح عليه سوريا إذا تركناها تتحول إلى بؤرة للإرهاب أو مصدر لنزوح جماعي للسكان، وهما أمران كان لهما عواقب وخيمة على بلدان خارج حدود سوريا، ولذا آمل أن تستمر دبلوماسيتنا وقيادتنا ومشاركتنا في محاولة توجيه البلدان وتوجيه سوريا في اتجاه يستغل هذه اللحظة الاستثنائية لمصلحة الشعب السوري، فليس ثمة ضمانات على الإطلاق، ولقد رأينا مرات عدة كيف يمكن استبدال ديكتاتور بآخر، ويمكن استبدال مجموعة من التأثيرات الخارجية بمجموعة أخرى من التأثيرات الخارجية، وإن أية جماعة متطرفة قد تفسح المجال لجماعة متطرفة أخرى، لذا فإن هذا المعترك محفوف بالأخطار، ولكننا نعلم على وجه اليقين أن هذا هو المنحى الذي ستسلكه الأمور في حال غياب مشاركتنا وقيادتنا، ولدينا الفرصة ولدى الشعب السوري الفرصة إذا عملت الدول المعنية، بما في ذلك الولايات المتحدة، على تحريك مقاليد الأمور في الاتجاه الصحيح. دان كورتز فيلان دعني أنهي حديثي بالتنويه إلى أن كثيراً مما تحدثت عنه اليوم وما عملت عليه على مدى الأعوام الأربعة الماضية، وما تحدث عنه الرئيس، يتعلق بأهمية التحالفات والتجمعات الجديدة والتقاربات، وحالياً انتخب رئيس يتحدث بطرق مختلفة للغاية عن كل هذه الأمور، وفي بعض الحالات هدد بإلغاء العمل الذي قمتم به، فهل أنت واثق من متانة تحالفاتنا والأنواع الجديدة من التجمعات التي ساعدت في بنائها على مدى الأعوام الأربعة الماضية، حتى في مواجهة إدارة ترمب التي قد تتخذ موقفاً مختلفاً بالمطلق تجاهها؟ أنتوني بلينكن لن أحكم بصورة مسبقة على ما ستفعله الإدارة المقبلة، وسيتعين عليها اتخاذ هذه القرارات بنفسها، وآمل أن تدرك أنها عندما تنظر إلى هذه المسألة ببصيرة نافذة فإن مزايا الحفاظ على هذه التحالفات والشراكات ومزايا ضمان حماية مصالح أميركا وتعزيزها والدفاع عنها كبيرة، وأعتقد أننا بلورنا النتائج المترتبة على بناء هذه الشراكات وهذه التحالفات وهذا التقارب، وأملي أن يستمر ذلك، وأعتقد أنه إذا نظرنا إلى الوضع الذي وصل إليه العالم الآن فإن ما سمعته خلال الأعوام الأربعة الماضية هو رغبة قوية في جميع المجالات في المشاركة والريادة من جانب الولايات المتحدة، وأعتقد أن إدارة ترمب ستستمر في الإصغاء إلى ذلك، وأعتقد أن لديها كل الإمكانات للوقوف والقيام بذلك على وجه التحديد، ولكن أكرر أنه ليس من حقي أن أحكم على الأمر وعلينا أن ننتظر ونرى مآل الأمور، ولكن ما أريد أن أفعله هو أن أتأكد، حتى في الفترة القصيرة الباقية لنا بشهر أو نحو ذلك، من أننا نفعل كل ما في وسعنا لتسليم الإدارة المقبلة أفضل الأوراق الممكنة لتلعبها، وهذا هو هدفي وهذه هي غايتي، فنحن نريدهم أن ينجحوا من أجل البلاد وسنقوم بكل ما يمكننا القيام به، سواء من حيث تبادل المعلومات أو مشاركة وجهات نظرنا الخاصة، والتأكد أيضاً من أننا نستخدم كل دقيقة باقية لدينا لتسليم الراية بطريقة تمنحهم موقفاً قوياً، وهذا ما أركز عليه الآن. دان كورتز فيلان شكراً لك معالي الوزير بلينكن على هذا الحوار الغني، وشكراً لك على مقالتك الصادرة في نوفمبر الماضي، وأتمنى لك حظاً طيباً الشهر المقبل. أنتوني بلينكن شكراً لك دان. دان كورتز فيلان نأمل أن يتحقق كثير من هذا أنتوني بلينكن كان من دواعي سروري أن أكون معك، شكراً لك. مترجم عن “فورين أفيرز”، 18 ديسمبر (كانون الأول) 2024 المزيد عن: أنتوني بلينكنالسياسة الخارجية الأميركيةالحرب في لبنانغزةإسرائيلحركة حماسسقوط النظام السوريهيئة تحرير الشامفورين أفيرزالشرق الأوسطفلاديمير بوتينإيرانكوريا الشمالية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post زمن ميلاد المسيح ومكانه… جدل إلى الأبد next post متحدث “قسد” لـ”اندبندنت عربية”: هذه شروط انخراطنا في الجيش You may also like متحدث “قسد” لـ”اندبندنت عربية”: هذه شروط انخراطنا في... 26 ديسمبر، 2024 عامُ “البجعات السوداء” في العالم العربي! 25 ديسمبر، 2024 وثائق خاصة لـ”المجلة” تكشف تجسس نظام الأسد على... 25 ديسمبر، 2024 دمشق تحمل إيران تداعيات تصريحاتها وتركيا تسعى لترسيم... 25 ديسمبر، 2024 خيمة اليأس والرجاء… نساء المختطفين اللبنانيين في سوريا 25 ديسمبر، 2024 الاعتراف بسورية مزارع شبعا قد ينزع شرعية “حزب... 25 ديسمبر، 2024 حكايات وأرقام مفزعة للمختفين قسرا في سوريا 24 ديسمبر، 2024 أكراد سوريا… معركة التاريخ والمخاض الجديد 24 ديسمبر، 2024 مخطوفون ومطلوبون… ما مصير رجالات الأسد في لبنان؟ 24 ديسمبر، 2024 الغموض يكتنف مصير السوريين في مصر بعد الإطاحة... 24 ديسمبر، 2024