مشهد من الفيلم البرازيلي عن حياة خوليو سانتانا (موقع الفيلم) ثقافة و فنون خوليو سانتانا على طريق إيخمان أوفر حظا وأهدأ بالا by admin 15 أبريل، 2025 written by admin 15 أبريل، 2025 18 كتاب وفيلم عن ذلك القاتل المأجور الذي ارتكب نحو 500 جريمة وتقاعد عجوزاً بكل هدوء اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب هناك دائماً نوع من السحر يتدفق، وإن بصورة غامضة، من عناوين نوع خاص من أعمال إبداعية تجتذب المرء منذ عناوينها لتكتسبه قارئاً. مثل تلك العناوين تعرف دائماً كيف تغري، وتكاد تبدو دائماً غير مخيبة للآمال. وذلك في الأقل مروراً برواية جورج أورويل “1984”، وصولاً إلى رواية التشيلي روبرتو بولانيو “2066”، وبالنسبة إلى كاتب هذه السطور مروراً بالتأكيد بواحدة من أحدث الروايات العربية التي قرأها، وهي “2067” للكاتب المصري سعد القرش التي لا بد من العودة إليها، وإن بعد حين. وفي انتظار ذلك نمر على رواية أخرى تحمل رقماً يبدو أكثر غموضاً، ومن ثم جاذبية وهو “492”، ولعل غموض هذا الرقم وعدم بوحه بالإشارة إلى تاريخ سنة محددة، كما الحال في الروايات التي ذكرناها أول هذا الكلام، قد شكل لنا قوة جاذبة إضافية. وهي قيمة ستتفاقم، وإن بشكل مرير، عند قراءة الرواية حين يتبين لنا أن الرقم يشير إلى عدد الجرائم التي اقترفها، في البرازيل هذه المرة، قاتل بالأجرة يدعى خوليو سانتانا. كان ما “ميزه” أنه اقترف تلك الجرائم لمجرد أن اقترافها كان مهنته التي يعيش منها من دون أن يعرف شيئاً عن ضحاياه على الإطلاق. وذلك بين عام 1971 الذي ارتكب فيه جريمته الأولى وعام 2006 الذي أعلن فيه تقاعده النهائي ليمضي بقية سنوات حياته هادئاً، بكل دعة، كما يفعل أي مكتهل عجوز آخر من سنه. ولئن كان في إمكان القارئ هنا أن يتساءل كيف أفلت هذا المجرم من العقاب؟ سيأتي الجواب بسرعة أنه دائماً ما عمل تحت جناح السلطة التي كانت تستخدمه للالتفاف على قضاء بطيء، ولتخليصها من أعداء لها تعجز هي عن قتلهم بصورة مشروعية كـ”المناضلين الشيوعيين مثلاً!”. غلاف الترجمة الفرنسية للكتاب المعنون “492” (أمازون) نظرات الضحية الأولى لقد قتل خوليو ضحيته الأولى وكان في الـ17 من عمره. وهو اقترف جريمته كبديل لعمه الذي كان يقوم بالمهام، بنفسه، لكنه، في ذلك الحين، كان مريضاً فكلف ابن أخيه بالمهمة الأولى، ولسوف يقول الفتى إنه حتى تقاعده ربما يكون قد نسي معظم ضحاياه لكنه لم ينس أبداً نظرات “ضحيته” الأولى حين أرداه برصاصة واحدة. لكن هذا لا يعني أنه دائماً ما يقتل، بدم بارد، فهو في نهاية الأمر كاثوليكي ورع “لكنني أقوم بعملي بحرفية مطلقة”، وربما يقصد الكنيسة بعد كل جريمة، وفي الأقل في المرحلة الأولى حين كان متخصصاً في اغتيال الشيوعيين لحساب السلطة. وهو تحول، بعد ذلك، إلى قتل النساء الخاطئات والأزواج الخونة، ودائماً من دون أن يحاسبه أحد. مرة واحدة، على أية حال حكمته السلطات حين قتل زوجة أخبره زوجها أنها خانته فتبين له بعد حين أن الزوج يكذب، وندم على ذلك، ومن هنا عد محاسبة السلطات له “عقاباً إلهياً” مستحقاً. أو هذا ما قاله عبر الهاتف هو الذي يعيش في ريف أمازوني بعيد مع زوجته، ويرفض مقابلة أحد، كما يرفض أن يصوره أحد، للكاتب مكلايستر كافالكانتي الذي دون حكايته في كتاب صدر العم 2006 في البرازيل، ليقفز من فوره إلى تصدر قائمة أكثر الكتب مبيعاً بعنوانه الأول “اسم الموت”. ولافت كيف أن مؤلف الكتاب لم يتورع عن مقارنة هذا القاتل بإيخمان مطبقاً عليه ما قالته الفيلسوفة هانا آرندت عن المسؤول النازي الذي خطفته إسرائيل، وحاكمته وأعدمته، لقتله أعداداً كبيرة من اليهود خلال الحرب العالمية الثانية. ونعرف أن آرندت التي غطت محاكمة إيخمان في القدس لحساب مجلة “نيويوركر” تحدثت بصدده، عما سمته “عادية الشر” التي “تجعل الموظف يطبق تعليمات رؤسائه من دون وازع من ضمير بل حتى من دون أية مشاعر” فأقامت الدنيا ولم تقعدها. تحقيق عدالة ما كذلك يرى مؤلف الكتاب أن سانتانا يشعر دائماً أنه، إنما قام بواجبه، محققاً العدالة… ونال أجره على ما فعل، وها هو يتقاعد اليوم بعد حياة امتلأت بذلك النوع من… الأعمال. ومن اللافت هنا أن هذا النوع من التفكير هو الذي يسيطر على الكتاب الذي يروي حياة خوليو، وتفاصيل الأعمال التي قام بها بقدر لا بأس به من التوقف، وبكل برود عند العمليات نفسها كما عند ردود فعل القاتل على عملياته… هو الذي من دون أن يكون له من الإلمام بالثقافة أو بالتاريخ ما يمكنه من أن يستند بنفسه إلى نموذج إيخمان أو إلى تحليلات آرندت، يمكنه أن يساعدنا بكل بساطة على ما احتاجت الفيلسوفة الألمانية إلى التعمق في حديث الفلسفة والتحليل النفسي، لكي تقنعنا أن الجريمة لا تكون دائماً لا سيما إن كانت جريمة متكررة، من فعل مرضى نفسيين أو وحوش ضارية أو حالات متطرفة، بل يمكنها أن تكون فعلاً عادياً يمارسه صاحبه من دون مبالاة أو ندم. من الكتاب إلى الفيلم والحقيقة أن الكتاب الذي تناول حياة سانتانا يغوص في هذا البعد، وتحديداً من خلال عودته إلى صبا “بطله” مصوراً إياه مباشرة بعد مرحلة طفولته صياداً ماهراً يرتاد الكنيسة، ويوزع غنائمه على فقراء منطقته بحيث لقب، أحياناً، بـ”روبن هود الأمازون”، ولكن قبل أن يبدأ سلوك دروب أكثر خطورة وجدية شرع يرتادها، منذ بداية سنوات الـ70، كما يقول الكتاب، ولكن أيضاً الفيلم الذي حقق المخرج البرازيلي هنريكي غولدمان انطلاقاً من الكتاب في عام 2011، ليحقق، بدوره نجاحات كبيرة في المهرجانات كما في الصالات بعنوان “اسم الدم” بعدما صدر الكتاب بعنوان “492” على عدد الجرائم التي لا يزال سانتانا يتذكر قيامه بها. ويروي هذا الأخير، بنفسه، في الكتاب، فينقل الفيلم عنه ما يقول، إن عمه الذي كان يمتهن الحرفة الدامية نفسه، كان هو من أقنعه بأنه إن تلا صلوات كنسية معينة 10 مرات بالنسبة، ولواحدة منها، و25 مرة بالنسبة إلى أخرى بعد كل جريمة فلن يضل طريقه الممهدة إلى الفردوس. كما يروي أنه كان يدون في دفتر مدرسي خاص أسماء زبائنه وعناوينهم… لكنه سئم ذلك وتوقف عن التدوين في سنوات ممارسته الأخيرة. مهما يكن فإن الكتاب والفيلم يصورانه لنا شخصاً حساساً، ورب عائلة حنوناً، بعدما كان ابناً مطيعاً ورعاً لعائلته، بل كانت تتحكم به زوجته التي يبدو أنه لم يترك تلك “المهنة” في نهاية الأمر إلا بضغط منها إذ هددته بعدما تجاوزت الـ65 من عمره، سن التقاعد، أنه إن واصل ذلك فلن يراها لا هي ولا الأولاد أبداً. فما كان منه إلا أن اشترى قطعة من الأرض في منطقة نائية معلناً تقاعده. وهو اختار لإقامته تلك المنطقة التي لا يعرفه أحد فيها علماً أن كل ما هو معروف من شكله مجرد صورة جانبية تعود نحو نصف قرن إلى الوراء… فمن المستحيل اليوم لخوليو سانتانا، الذي يحمل على أية حال اليوم اسماً آخر مختلفاً، يبدو أنه هو اسمه العائلي الحقيقي، مستحيل عليه أن يدع أحداً يتعرف عليه رغم أنه على علاقة أنه، في معظم الحالات على أية حال، لم يفعل إلا الصواب. وبقي أن نذكر هنا أخيراً أن نجاح الكتاب الذي يتقاسم معه نجاحه ذلك الفيلم الذي اقتبس عنه على أية حال، لا يبدو متأثراً بالسمة الأساسية التي تطبع حياة سانتانا والنظرة العامة إليه: الحيرة. ففي نهاية الأمر، وبعيداً من النقاشات الفلسفية التي تستعيد حال إيخمان ونظرة هانا إليها، والأبعاد الأيديولوجية ثمة شيء من الافتتان في التعامل العام مع تلك الشخصية ما يوقع قارئ الكتاب وكذلك متفرج الفيلم، في قدر لا بأس به من الالتباس حتى وإن كان المؤلف يتبعه الصحافيون والمعلقون على الكتاب، كما على الفيلم، قالوا إن المتلقي يخرج من الحالتين، الأدبية والسينمائية مستخلصاً أن الرجل ليس بريئاً تماماً، وليس مجرماً بالمعنى المتعارف عليه للكلمة، بل صاحب روح ضائعة في عالم بادي الغرابة إلى درجة أن القتل يصبح فيه كسباً للرزق لا أكثر! المزيد عن: خوليو سانتاناكتاب 492جورج أورويلالفيلسوفة هانا آرندت 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post رائحة الخوف… رحلة شعور يتسلل من الجسم إلى حواس الآخرين next post كاميليا انتخابي فرد تكتب عن: الفرق بين المفاوضات الإيرانية – الأميركية الجارية عن عام 2013؟ You may also like ( 10 ) أفلام لبنانية غاصت في هاوية... 15 أبريل، 2025 عبده وازن يكتب عن: معرض أربيل للكتاب يرسخ... 15 أبريل، 2025 هوبس الذي لم ينصف الإنسان أنصفه التاريخ المعاصر 15 أبريل، 2025 ماريو فارغاس يوسا… حائز «نوبل» وعملاق الأدب اللاتيني 15 أبريل، 2025 فارغاس يوسا يسدل الستار على الجيل الذهبي لكُتَّاب... 15 أبريل، 2025 “غيبة مي” لنجوى بركات: الغائبة الحاضرة في كل... 14 أبريل، 2025 شوقي بزيع يكتب عن: رثاء البشر في شيخوختهم... 14 أبريل، 2025 أيقونة الأدب اللاتيني.. وفاة أديب نوبل البيروفي ماريو... 14 أبريل، 2025 هاروكي موراكامي والرواية بوصفها مهنة 14 أبريل، 2025 عبده وازن يكتب عن: 50 عاما على الحرب... 13 أبريل، 2025