ثقافة و فنونعربي “خرافات ليسينغ” المجتمع والسياسة على ألسنة الحيوانات by admin 19 فبراير، 2023 written by admin 19 فبراير، 2023 24 عقلانية الكاتب الألماني تتجاوز شاعرية أستاذه الفرنسي لتهتم بتربية الجنس البشري اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب في القرن العشرين لم يعد أي من المتلقين يحسّ بأية دهشة وهو يستمع إلى #الحيوانات تتكلم كما يفعل الكائن الوحيد الذي عُرف بقدرته على #النطق منذ فجر تاريخ #الوعي_الإنساني أي الإنسان. صحيح أن هذا تم بفضل السينما منذ بدأت تتكلم، وأن الخاسر الوحيد في ذلك التطور كان الببغاء الذي كان معروفاً بقدرة ما على تقليد الإنسان في نطقه، لكن نطق الحيوان أولاً من خلال الشرائط المصورة ثم من خلال دبلجة، أي تركيب الصوت على الصور المتحركة ومنذ ما قبل والت ديزني الذي أوصل العملية إلى ذروتها في أفلام رائعة لعبت دوراً كبيراً في التقريب بين الحيوان والإنسان، إذ جعل الأول ينطق على الشاشة فيبتسم أو يحزن أو يتأثر الثاني بذلك، وقد راح يعتاد أن يتعرف إلى الحيوان ككائن ينطق أيضاً. ومهما يكن من أمر، انتقل نطق الحيوان من عالم الأدب الخرافي المطبوع بعدما كان مخطوطاً، إلى عالم الصوت والصورة. ونعرف طبعاً أن التفعيل الأهم لنطق الحيوان على الشاشة كان موجهاً أول الأمر إلى الصغار، ثم صار متاحاً حتى للكبار، وفي الأحوال كافة، بدا القرن العشرون الحقبة التي سمع فيها البشر الحيوانات الأليفة ثم المتوحشة حتى، تنطق، وغالباً بالحكمة والموعظة. ولكن كان لا بدّ في الحقيقة من استخدام أصوات بشرية تعير الحيوانات أصواتها وهذا تفصيل تقني لا يعنينا كثيراً هنا بالطبع. كتاب أنطقوا الحيوان على الورق ما يعنينا هو واقع تاريخي قديم نعرفه جميعنا، وهو أن كتاباً كباراً، ولا سيما شعراء ومبدعي خرافات منذ “إيسوب”، والكتاب المشرقي الذي عرفه العالم عبر اللغة العربية “كليلة ودمنة” لابن المقفع، مروراً طبعاً بمبدعين من طينة جورج أورويل، في كتابه السياسي الخبيث “مزرعة الحيوانات”، وبخاصة الشاعر الفرنسي لافونتين المعتبر على الدوام الأكثر شهرة من بين مُنطقي الحيوانات بالحكمة والدروس العملية والأخلاقية العابقة بروح الخير والترفيه مجتمعين معاً، أعطوا دائماً هذا النوع الأدبي مكانة أساسية كبرى في تاريخ الإبداع ولم يكن أي منهم، أو من كبارهم على الأقل، يكتفي بأن يكون ما يكتبه موجهاً الى الصغار حتى وإن بدت الأمور دائماً على هذا النحو. والطريف في هذا السياق أن “عودة” حكايات الحيوان الناطق المكرسة كلياً تقريباً للأطفال إنما حدثت بكل زخمها في القرن العشرين وعبر الشاشة السينمائية، ثم أختها التلفزيونية، علماً أنها عادت بريئة المضمون والحوارات إلى حدّ ما. قبل ذلك، لم تكن البراءة ميزة هذا النوع من الكتابة، ولعل في إمكاننا أن نقول حتى، أن الكاتب والمفكر الألماني ليسينغ كان من أوائل الذين بادروا إلى نزع البراءة عن كتاباته في هذا المجال والتي عرفت مجموعة تحت عنوان “خرافات ليسينغ”، وتعتبر خارج فرنسا من أشهر الحكايات التي تدور من حول حيوانات ناطقة. والحقيقة أننا إن ذكرنا ليسينغ وخرافاته، سيتبادر إلى ذهننا على الفور البعد السياسي بل الفلسفي الذي وسم هذه الخرافات حتى وإن كان يخبرنا دائماً أنه إنما سار في كتاباته هذه، على خطى الفرنسي لافونتين الذي يمكن القول إنه كان، عشية ظهور ليسينغ، قد أسبغ أكبر قدر من البراءة الأيديولوجية على أشعاره “الحيوانية” بعيداً من السياسة و”لؤمها” مكتفياً بالبعد الترفيهي الأخلاقي والشعري لحكاياته. هذه الأبعاد لا يسع ليسينغ إلا أن يعترف للفرنسي بها لكنه يفترق عنه، فهو في نهاية الأمر مفكر وفيلسوف لا يكتفي بأن يكون شاعراً بالطبع، ولن يطول الأمر بقارئ خرافاته قبل أن يتيقن من هذا. “هكذا كونت كتابي” نشر ليسينغ كتابه “الخرافات” للمرة الأولى في العام 1759، وهو منذ طبعته الأولى تلك، أرفق الكتاب بمقدمة وصف فيها مسيرة تكوين الكتاب، مؤكداً أنه اتخذ من جان دو لافونتين (1621 – 1695) وحكاياته نموذجاً يسير على هديه لبعض الوقت: غير أنني سرعان ما تخليت عن هذا النموذج، إذ رأيت أنه يخرج عن الدرب الصحيح والمنطقي، لأتبع هذه المرة خطى “إيسوب”، سيد هذا النوع من دون منازع، على اعتبار أن “إيسوب” كان من أفضل الذين فهموا حقاً جوهر هذا النوع من الحكايات”. إذ “في الوقت الذي اهتم الشاعر الفرنسي بمضمون الحكاية ثم أكثر من هذا في شكل النص وغنائية أشعاره، اهتم “إيسوب” بجوهرها ودلالتها العميقة”. وكما أشرنا، فإن ليسينغ لا يكتفي بهذه المقدمة، بل إنه سرعان ما يحيل قارئه إلى الملاحق حيث يسهب، هنا، عبر فصول في غاية الأهمية، في تعريف الحكاية الخرافية، من هذا النوع، مميزاً بين “الخرافة البسيطة” التي تولد من رحم حدث مبتكر، أو مخترع، لكي تصل إلى تأكيد ما يسميه ليسينغ “حقيقة عامة”، وبين “الخرافة المركبة”، التي تنطلق عادة من معطى حقيقي، أو قابل لأن يكون حقيقياً، وفي الحالين، يجب أن يقدَّم لقارئه على أنه حقيقي، للتعبير عن “حقيقة معينة” يسبر أغوارها في عمقها. وفي هذا الإطار، يؤكد ليسينغ أن استخدام الحيوانات، كشخصيات أساسية لهذه الخرافات، إنما يعود الى “طابعها اللاشخصي” من دون أن تكون ثمة رغبة خاصة في إضفاء الطابع الغرائبي على العمل. قدرة حيوانية فـ”الحيوانات، بفعل ثبات سماتها تبدو شديدة القدرة على إيصال الأذهان الى الحقائق العامة”. وهنا ينحو ليسينغ أيضاً إلى تقسيم الخرافات إلى “خرافات مباشرة” و”خرافات غير مباشرة”، وكذلك ينحو إلى تقسيم استنتاجاتها الأخلاقية إلى ما هو “أسطوري” وما “هو مغرق في دنيويته وواقعيته”. وهنا يلفتنا ليسينغ إلى “أن من غير الضروري، على أية حال، أن تكون كل شخصيات الخرافات حيوانية، بل يمكنها أيضاً أن تكون شخصيات بشرية وأيضاً شخصيات أسطورية، لكن كل الشخصيات يتعين أن ينتهي بها الأمر، في الخرافة، إلى أن تعبّر عن شتى المواقف أو النيات الأخلاقية”. من الشعر إلى النثر هذا من ناحية الجوهر والمضمون معاً، أما من ناحية الأسلوب الأدبي والشكل، فإن الباحثين يلفتوننا إلى أن القسم الأول من “خرافات” ليسينغ أو “حكاياته الخرافية”، وهو قسم مستوحى من الأدب الفرنسي كما أسلفنا، ينطبع بكونه نصوصاً شعرية، وهو نشر في عام 1747 أولاً، تحت عنوان “خرافات ونصوص موزونة”. ومن بين هذه عمد ليسينغ لاحقاً إلى تحويل ستة نصوص من الشعر إلى النثر، لينشرها معاً عام 1759. ولنذكر هنا أن خرافات ليسينغ النثرية هي المعروفة أكثر من غيرها، والتي يقبل عليها القراء بكثافة عادة، علماً أن بعض هذه الخرافات هو من ابتكار الكاتب نفسه. أما البعض الآخر فمقتبس من كتّاب كلاسيكيين، وما يجمع بينها كلها هو أنها قصيرة ومكثفة، مكتوبة بأسلوب واضح و”شديد الفاعلية”، بحسب أحد الباحثين، وهي في مجموعها تطاول كل الأنواع التي ذكرناها، إلى درجة أن الباحثين يرون أنه تمكن بها من أن يؤسس لهذا النوع من الأدب الذي ساد الحياة الثقافية الإبداعية الألمانية لزمن طويل. جزء من تربية البشر غوتهولد إفرايم ليسينغ (1729 – 1781) هو واحد من كبار الكتاب والفلاسفة والشعراء الألمان في القرن الثامن عشر، عصر التنوير الألماني بامتياز. وهو ولد ابناً لقسيس بروتستانتي ودرس الطب واللاهوت في “لايبتزغ”، ثم امتهن الصحافة منصرفاً إلى الكتابة من دون أن يشغل وظيفة محددة، ثم صار سكرتيراً للجنرال تاونتسن، ليتحول بعد ذلك الى كاتب مسرحي وناقد، ثم أميناً لمكتبة مشاكساً حتى رحيله عام 1781 في هامبورغ. ومن أشهر أعماله حكاياته الخرافية وكتاباته في نظرية الفن ومسرحياته من تراجيدية وكوميدية “الدراما الهامبورغية” و”حظ الجندي” و”ناتان الحكيم”، إضافة الى كتابه الفكري المهم “تربية الجنس البشري” الذي يرى كثر من النقاد والمهتمين أن “الخرافات تنتمي إليه بل تعتبر جزءاً أساسياً من الأهداف المتوخاة من تأليفه، ففي نهاية الأمر من الواضح أن تلك “التربية” وتحديداً بالمعنى “السياسي” هي الغاية الأسمى من كل كتاباته بما فيها مسرحياته. المزيد عن: خرافات ليسينغا\لأدب الخرافي\إيسوب\كليلة ودمنة\جورج أوروي\لجان دو لافونتين 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post أعمال مجهولة تعيد الكاتب الإشكالي سيلين إلى الواجهة next post هل توفي الشاعر بابلو نيرودا تسمماً؟ You may also like فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024