ضمت بغداد القديمة عدداً من الخانات الكبيرة والصغيرة لتؤدي خدمات للتجار والمسافرين والزائرين (اندبندنت عربية) ثقافة و فنون خانات بغداد… ارجعي يا “ألف ليلة” by admin 6 أبريل، 2025 written by admin 6 أبريل، 2025 17 آثار معمارية طواها الإهمال والتخريب لكن منها ما لا يزال شاخصاً يصارع الزمن ويروي الحكايا اندبندنت عربية / غفران يونس صحافية @GhufranYounis1 ما إن تسير في مناطق قلب بغداد وأسواقها التراثية حتى يلفت نظرك بقايا سقوف وأقواس مزخرفة وأبواب محفور عليها آيات قرآنية. كل هذه الآثار هي بقايا لخانات اشتهرت بها بغداد عبر الحقب التاريخية المختلفة، ولم يبق منها إلا النزر القليل، إذ لعبت أيادي الزمن والتخريب بها فضاعت معالمها وغابت آثارها وبقينا نفتش عنها في صفحات الكتب وما تركه المؤرخون والرحالة في وصف تفاصيل هذه الخانات وأماكن وجودها. انطلقت بداية نشوء الخانات من إقامة بئر وسياج يحيط بقطعة من الأرض، ثم أخذت تتطور بعد ذلك إلى البنايات المعروفة حيث الأواوين الكثيرة والمرافق المتعددة، وقد حظي كثير منها بالتخطيط العمراني الدقيق. بغداد العباسية تاريخياً يعود نشوء الخان إلى حضارة وادي الرافدين، إذ ورد أول ذكر لإقامة الخانات في ترتيلة خاصة للملك شولكي ثاني ملوك سلالة أور الذي حكم (2094 – 2047 قبل الميلاد)، وجاء فيها عن ولع هذا الملك بتعبيد الطرق وإقامة البيوت الكبيرة لإيواء المسافرين، ولم يبق من خانات تلك المرحلة التاريخية أثر بسبب تهدمها واندثارها وتغيير طرق المواصلات، فضلاً عن التطور الحضاري للمدن. أما عن خانات بغداد المشيدة في العصور الإسلامية، فقد أشار ياقوت الحموي إلى وجود خان يعرف بـ”خان وردان” وموقعه شرق مدينة بغداد، ويعود إلى العصر العباسي الأول، ومن هذا العصر أيضاً ذكر عن وجود خان ينزله الغرباء من التجار وغيرهم يعرف بـ”خان النجائب”. لعبت أيادي الزمن والتخريب بها فضاعت معالمها أو كادت (اندبندنت عربية) في أواخر العصر العباسي (552 – 656 هجرية 1157 – 1258 ميلادية) شيد كثير من المنشآت من الجوامع والمدارس والخانات، فقد كانت بغداد تحتل مركز الصدارة بين المدن الإسلامية الأخرى، كونها حلقة وصل بين المدن والحواضر داخل العراق وخارجه، وضمت عدداً من الخانات الكبيرة والصغيرة لتؤدي خدمات للتجار والمسافرين والزائرين، وكان هناك خان الخليفة الذي أمر ببنائه الوالي علاء الدين الجويني، وكان يقع قرب نهر دجلة ولم تبق أية آثار شاخصة لهذا الخان. أدى تنوع ثقافات السكان إلى تنامي فكرة الخانات، فبعد أن كانت الثقافة البدوية التي اعتمدت على فكرة إكرام الضيف في أحد البيوت هي السائدة، تغيرت هذه العادات مع وجود الترك والفرس الذين سيطروا على إدارة الدولة العباسية خلال الحقبة الثانية من العصر العباسي وحتى بعد سقوط الدولة العباسية (655 هجرية)، وبقيت الخانات تشهد اتساعاً مع تنامي حركة التجارة. اختلف الرحالة في تحديد عدد خانات بغداد، فقد ذكر الرحالة نيبور أن عددها خلال القرن الـ18 الميلادي بلغ 22 خاناً أربع منها تقع في ضواحي بغداد والبقية داخل المدينة، أما الرحالة بكنغهام فقد أشار في رحلة إلى العراق عام 1816 إلى أن عدد خانات بغداد 30 خاناً، وبعض يرجح أن عددها 118 خاناً تنوعت بين كبيرة وصغيرة، واتخذت أماكن للتجارة والسكن وراحة المسافرين، وتضم الخانات عدداً من الغرف والأواوين والمخازن، وغالباً ما تكون خالية من الأثاث. كيف يدار الخان؟ يذهب عدد من الباحثين إلى أن لفظة الخان اشتقت من الكلمات الفارسية “خانة” أو “حانة”، وتعطي معنى البيت، وذهب عدد آخر للإشارة إلى أن كلمة الخان هي تحريف لكلمة “حانوت” الآرامية المشتقة من كلمة “حنة” العبرانية ومن معانيها خيَّم وأقام وحلَّ. وذكر أيضاً أن لفظة الخان مرادفة لكلمة “قيروان سراي” التركية الأصل، التي تعني منزل المسافرين. أما عن إدارة شؤون الخان، فقد ذكرت المصادر أنه لا يدفع من يحل في الخان أي أجر سوى أن العرف الجاري يقضي بأن يبذل النزلاء إلى الشخص المسؤول عن إدارة الخان والذي يعرف بـ”الكيم” شيئاً من المال نظراً إلى ما يقوم به عادة من استئجار جماعة تقع عليهم مهام تنظيف الخان وتنظيمه، كما يقوم المسؤول بتجهيز النزلاء بالحبوب والأطعمة والوقود وما يحتاجون إليه من لوازم أخرى على أن تدفع له قيمة هذه المواد، وعليه فإن هناك جماعة من ضمنهم “الكيم” مهمتهم إدارة شؤون الخان. وثمة نوعان من الخانات، الأول ما يُبنى داخل المدن ويكون صغير الحجم ويستعمل كمركز تجاري لقربه من الأسواق، وغالباً ما يكون مسقوفاً ويضم كثيراً من الغرف، أما النوع الثاني فيعرف بخانات القوافل وتبنى على الطرق التجارية التي تربط بين المدن المهمة التي تسلكها القوافل التجارية وقوافل الحجاج، وهناك نوع آخر من الخانات عبارة عن بيوت سكنية تقع ضمن المنطقة التجارية، وتحولت بعد زحف المحال التجارية إلى خانات استغلت لبيع وخزن بضائع مختلفة. كان شاهداً على الحال التجارية السائدة خلال الحقبة الجلائرية (اندبندنت عربية) وعن الفن المعماري للخانات، يوضح أستاذ العمارة محمد صبيح عبدالله أن “الخانات عبارة عن فضاءات وأبنية ذات توجه داخلي، إذ تحوي فضاءات داخلية أساس خالية من النوافذ، وغالباً ما تكون الخانات مسقوفة كلياً إذا كانت داخل المدن مثل “خان مرجان”، أو جزئياً، أو مفتوحة عبارة عن فناء وسطي تحاوطه الغرف. في السياق ذاته، أشار خليل خلف حسين أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة “تكريت” والباحث في مجال التراث، أنه غالباً ما يبنى الخان مربع الشكل وفي وسطه باحة أو ساحة، بينما تتوزع الغرف على الجوانب، ومنها ما يتكون من طابق واحد أو طابقين أو أكثر من الآجر. ومن أشهر الخانات في العراق “خان التمر” و”خان القاضي” في مدينة كركوك، ومن الخانات المشهورة أيضاً “خان ضاري” الذي افتُتح بعد إعادة تأهيله خلال يونيو (حزيران) 2022. خان ضاري يقع “خان ضاري” غرب العاصمة بغداد، ويتبع ناحية النصر والسلام في قضاء أبو غريب. بني الخان عام 1908 وهو ملك لعائلة الضاري، ويقع على طريق المواصلات التي تربط المدن العراقية في أعالي الفرات داخل مناطق غرب العراق، وتمتد مساحته لنحو 3400 متر مربع، ويضم غرفاً متعددة وقاعة لاستقبال الضيوف كجزء من تقليد للعشائر العراقية، إذ يمثل المكان محطة استراحة للمسافرين، وكان أيضاً مقراً للشيخ الضاري خلال ثورة الـ20. بالعودة إلى أستاذ العمارة محمد صبيح عبدالله أشار إلى تحول بعض الأماكن إلى خانات نتيجة وقوعها بين الطرق النهرية، إذ استخدمت كأماكن استراحة وتوقف لرعاية الحيوانات وخزن مواد التجارة، إذ تحولت المدرسة المستنصرية خلال حقبة من الزمن إلى خان لموقعها قرب نهر دجلة. ولم تقتصر الخانات على مدينة بغداد، بل هناك خانات شيدت في مناطق متعددة كما هي الحال مع “خان الضلوعية” الذي يعود بناؤه إلى نهاية القرن الـ18 الميلادي على طريق سامراء، الذي تحول إلى مدرسة خلال الأربعينيات والخمسينيات، وهو حالياً من الأماكن المهملة والمهجورة. غالباً ما يبنى الخان مربع الشكل وفي وسطه باحة أو ساحة (اندبندنت عربية) يذكر حيدر الرواف، وهو تاجر سجاد وأعمال فنية، ما احتفظت به ذاكرته عن “خان مرجان” خلال مرحلة السبعينيات والثمانينيات، ويقول “كان خان مرجان يشهد توافد السياح، ويحظى باهتمام ملحوظ من قبل الدولة، التي كانت تطبع كراسات تشرح تفاصيل هذا الخان وتوزع مجاناً، وعندما تحول المكان إلى مطعم كانت تقام فيه حفلات الجالغي البغدادي، وكان المكان يضم نوادر اللوحات الفنية للتشكيليين الرواد مثل فائق حسن وخالد الرحال وأكرم شكري”، آملاً أن يتحول الخان بعد إكمال ترميمه إلى متحف للتراث الإسلامي. ويعد “خان مرجان” من أشهر خانات بغداد الشاخصة حتى الآن، ويعود تاريخ إنشائه إلى عام 760 هجرية، 1358 ميلادية، وأمر ببنائه حاكم بغداد أمين الدين مرجان في عهد السلطان أويس ابن الشيخ حسن الأيلخاني، وكان يعرف أيضاً بـ”خان الأورتمة”، أي الخان المسقوف باللغة التركية، وينفرد هذا الخان بهذه الميزة المعمارية عن باقي الخانات الأخرى المشكوفة، ويعد من أجمل الخانات العراقية، إذ تتجلى فيه روعة عمارته وتخطيطه ودقة زخارفه الآجرية، وقد أوقفت واردات هذا الخان بحسب المصادر التاريخية إلى المدرسة المرجانية والمستشفى، وجاء ذلك في الكتابة التي تعلو باب الخان الرئيسة الكائنة في سوق البزازين بمحلة “باب الأغا”. ويتكون “خان مرجان” من طابقين، الأول يحوي 22 غرفة والثاني 23 غرفة، وكان التجار والمسافرون يتوافدون إلى هذا الخان، وتجري في ساحته عملية البيع والشراء لما يقارب سبعة قرون. ويشير المهندس في هيئة الآثار فيصل فرحان إلى أن أهمية “خان مرجان” تتمثل في كونه شاخصاً معمارياً يشهد على حقبة تاريخية هي الحقبة الجلائرية (1337- 1411 ميلادية)، وكان شاهداً أيضاً على الحال التجارية السائدة خلال تلك الحقبة عندما كان مقراً للتجار وعرض البضائع. إعمار “خان مرجان” وقعت منظمة “ليوان” مع هيئة الآثار خلال الـ29 من أكتوبر (تشرين الأول) 2024 عقداً لإعادة تأهيل خان مرجان، ويوضح المهندس حسن حميد من المنظمة أنها تعمل على تأهيل خان مرجان من طريق صيانة الواجهة والزخارف والشبابيك والأبواب والسقوف، بما يحافظ على هويته التراثية. وتعمل “ليوان” على تأهيل أربع مناطق أثرية، هي “خان المصلى” في النجف و”كيش” في بابل، و”خان بني سعد” في ديالى فضلاً عن “خان مرجان”. تعمل منظمة “ليوان” على تأهيل أربع مناطق أثرية في العراق (اندبندنت عربية) في السياق ذاته، يوضح مدير منظمة “ليوان” مهيار كاظم أن منظمته أعدت خطة متكاملة لتأهيل “خان مرجان”، تتمثل في إزالة الأملاح وترميم الزخارف وأرضية الخان. ويرى أن التحدي الأكبر الذي واجه العمل كان مشكلة المياه الجوفية، فـ”أول صيانة أجريت لخان مرجان كانت عام 1936، وخلال الأربعينيات اكتشف تسريب للمياه الجوفية في أرضية الخان جرت معالجته عبر الحقن الأسمنتي، مما أدى إلى ارتفاع أرضية الخان عن مستواه الحقيقي”. ويختم كاظم “نسعى إلى قطع مصدر المياه كلياً لكي لا يتسبب بأية مشكلات في مراحل الترميم المقبلة، وبالفعل تمكنا من حل المشكلة على وجه ملحوظ”. ويعتمد تأهيل مبنى “خان مرجان” على المنحة المالية التي قدمتها منظمة “ألف” المعنية بالحفاظ على الأماكن الأثرية داخل مناطق النزعات المسلحة، ومقرها في سويسرا. وفي هذا السياق، يوضح مدير مشاريع المنظمة ديفيد ساسين أنها تستقبل مئات الطلبات التي تخص تمويل مشاريع تعنى بالحفاظ على التراث، وبعد دراسة الطلبات عبر لجان علمية تُختار المشاريع التي تخصص لها المنح المالية، واختير “خان مرجان” بسبب الجوانب الهندسية التي يمتاز بها فضلاً عن المراحل التاريخية التي يمثلها. ساسين يرى أن المبنى في حاجة إلى صيانة دائمة وهذه الصيانة تحتاج إلى مصادر تمويل، فإما أن تكون جهة حكومية مستعدة للاهتمام به وترميمه أو يخضع المبنى للاستثمار، بشرط استخدامه وفق الشروط والمعايير التي تحددها الهيئة العامة للآثار والتراث، كي لا يتضرر المبنى أو تتأثر خصوصيته التاريخية. المزيد عن: العراقالخلافة العباسيةخانات بغدادالعمارة التاريخيةالأسواق القديمةالإهمال والتخريب 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post السياح يلغون رحلاتهم إلى الولايات المتحدة… إليكم وجهاتهم البديلة next post “كارمن” الجامحة الشريرة في ذكرى 150 عاماً على ولادتها You may also like مرصد الأفلام… جولة على أحدث عروض السينما العربية... 6 أبريل، 2025 “كارمن” الجامحة الشريرة في ذكرى 150 عاماً على... 6 أبريل، 2025 باحث صيني يروي “التاريخ الكامل لطريق الحرير” 5 أبريل، 2025 حساسية جديدة ووعود في السينما الاردنية الحديثة 5 أبريل، 2025 شكسبير بين الصحوة والهوية: هل يحتاج إرثه إلى... 5 أبريل، 2025 “دون كيشوت” الرواية التي تعود دائما بتفسير جديد 5 أبريل، 2025 نظرية المؤامرة تحيك قصة “مدينة الأهرام السرية” 5 أبريل، 2025 الحياة تعود إلى قلب بغداد القديمة عبر “بوابة... 5 أبريل، 2025 “رينالدو” أثمن هدية قدمها هاندل لوطنه بالتبني: إنجلترا 4 أبريل، 2025 مهندسة لبنانية ـ فرنسية تضفي رشاقة عصرية على... 4 أبريل، 2025