بورتريه ذاتي لغوستاف كايبوت (الموسوعة البريطانية) ثقافة و فنون حكاية غريبة عن كنز فني رفضته الدولة الفرنسية by admin 9 فبراير، 2025 written by admin 9 فبراير، 2025 17 كايبوت رسام ثري ترك لباريس لوحات انطباعية بعشرات ملايين الدولارات لكنها أعطته ظهرها اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب إذا كان الرسام الفرنسي غوستاف كايبوت قد احتاج إلى أن ينتظر قرناً وربع القرن بعد رحيله قبل أن تعترف به الحياة الفنية الفرنسية بوصفه واحداً من كبار رسامي تيار الانطباعية الذي يكاد يكون اليوم واحداً من أكثر تيارات القرن الـ19 شهرة وقيمة في تاريخ الفن التشكيلي ببلاده، فإن هذا الوضع لا يتسم بغرابة شديدة، حتى وإن أتت المعارض المتلاحقة لأعمال كايبوت في الآونة الأخيرة لتثبت أن عدم الاعتراف كان خطأ مذهلاً إن لم يكن حماقة مضحكة. ورغم ذلك تبقى المسألة نسبية وربما يمكن القول في نوع من حسن التخلص إنها تتعلق بذوق عام أو حتى بتصرفات الرسام الذي “أتت شجرة ثرائه لتخفي وراءها غابة إبداعه” كما قد يقول المثل. فهو كان من ضخامة الثراء العائلي بحيث لا تنطبق عليه الحكايات البوهيمية والبؤسوية المعهودة عن رسامي تلك المرحلة. ومن ثم يمكن القول إنه استعاد مكانته الفنية تحديداً من طريق لوحات “بروليتارية” له رأى النقد متأخراً قوتها التعبيرية وموقعها الاجتماعي. وربما من أشهرها دائماً لوحتان عن كاشطي أرضية الحجرات. ولكن أفلا يقول المثل، أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً؟ ومهما يكن من أمر هنا، فلا بد أن نبادر إلى القول إن موضوعنا عن كايبوت لا يتعلق بفنه نفسه، بل بمكانته المثيرة للجدل بصورة أو بأخرى، في الحياة الفرنسية الفنية خلال النصف الثاني من القرن الـ19. ومكانته هنا كجامع للوحات لا كرسام. ثروة لا تقدر بثمن في حياته لم يكن كايبوت (1848 – 1894) رساماً فقط كما بات يعترف به وبقوة اليوم، ويشهد على ذلك المعرض الأخير الذي أقيم لأعماله في باريس، فكان مناسبة لصدور عشرات الكتب والدراسات عنه وعن تلك الأعمال، كما لاستعادة ذكراه وذكرى أعماله، بل كان كذلك مولعاً بالفن والحياة الفنية. وارتبط من جراء ذلك، بصداقات مع معظم فناني عصره، وهما أمران تضافرا مع بعضهما بعضاً ليجعلاه يكرس جزءاً كبيراً من ثروة عائلته وحتى من قبل أن يرثها فتصبح ثروته ويزداد تحكماً بها، ليس فقط لمساعدة رفاقه الرسامين البائسين بإقراضهم ما يحتاجون إليه من مال في ساعات شدتهم، بل كذلك لشراء ما يفيض عندهم من لوحات يعجزون عن بيعها في المعارض والمناسبات المختلفة. فيقدم على شرائها وأحياناً بأسعار خيالية بالنسبة إلى تلك المرحلة. وعلى ذلك النحو بل حتى إنه كان لا يتوانى عن تقديم بعضها هدايا لأولئك الرفاق أنفسهم في مناسبة أو أخرى، تماماً كما كان يفعل بلوحاته نفسها التي كان من الحياء بحيث يستنكف عن قبض ثمن لها ممن تؤول إليهم. من أعمال كايبوت المكتشفة بشكل متأخر (الموسوعة البريطانية) ولعل هذا التصرف هو الذي جعل لوحاته يتم تداولها من دون أن تحدد لها أثمان، وتبقى معتبرة خارج إطار البورصة الفنية، لكن ذلك كله لم يخلق أي مشكلة له في حياته. فهو كاد يكون الرسام الوحيد الذي لا يعيش من فنه وإن كان هو يرى أنه يعيش لفنه. وأن أمواله المحققة من أرباح طائلة ناتجة من صناعة الأقمشة والمتاجرة بها، وهي المهنة التي مارستها عائلته لتؤول في نهاية الأمر إليه وريثاً كاد يكون وحيداً. لكن المشكلة الأساسية التي انتهت عليها حياة كايبوت كانت هنا، في هذه النقطة بالتحديد. السلطات ترفض فكايبوت الذي كان يَعد الفن والصداقة كل شيء في حياته، ولم يتزوج أو ينجب. بات من ثَم الوريث الوحيد والأخير لعائلته. ولئن كانت الثروة المالية والصناعية التجارية الكبيرة التي تراكمت لديه حين بلغ الـ45 سنة من عمره وحل موعد رحيله المبكر عن عالمنا، كانت تلك الثروة أكثر واقعية من أن تسبب لإرثه أية مشكلة، ولئن كان هو نفسه قد حرص على ألا يبقي أياً من لوحاته التي رسمها في حوزته بل باع ما باع، وأهدى ما أهدى، بقيت “مشكلة” لم يكن هو ليحسبها مشكلة على أية حال، تتعلق بعشرات اللوحات الانطباعية التي جمعها حاملة تواقيع العدد الأكبر من فناني تلك المرحلة واشتهر هو بأنه كان يدفع أثمانها من جيبه الخاص، نوعاً من الاحترام للفن وطريقة لمساعدة رفاقه الرسامين. في الحقيقة، أنه لم يخيل إليه لحظة في حياته لا سيما خلال الأعوام الأخيرة من تلك الحياة، أن ذلك الأمر بالذات سيسبب أية مشكلة. فهو كان قد خطط لجمع اللوحات في مكان واحد ويهديها إلى الدولة الفرنسية على أن تواصل هذه جمعها في معرض مخصص للفن الانطباعي. فلا تضيع اللوحات ويتأمن من يعتني بها وتكون اللوحات في حد ذاتها نواة متحف دائم للفن الانطباعي. بل بالأحرى أكثر من مجرد نواة، فنحن على واحد من الإحصاءات الأكثر تواضعاً المتعلقة بها، التي كشفت عند رحيل الفنان مطمئن البال مرتاح الخاطر إلى مصير مجموعته. فمجموع اللوحات لم يكن يقل عن 65 لوحة بمقاييس مختلفة منها أربع لمانيه وتسع لسيسلي وخمس لسيزان وسبع لديغا، ولوحتان لمييه، وثمان لبيار أوغست رينوار من بين آخرين. ومن الواضح أن هذه الكمية متضافرة مع قيمة نوعية كانت قد بدأت تحلق في سماوات الفن في فرنسا وأوروبا عموماً، كان من شأنها أن تغري أية هيئة فنية في أي مكان في العالم. لكن هذه الهبة لم تغر السلطات الفرنسية في ذلك الحين، بل إن تلك السلطات تذرعت كي ترفض الهبة، بشرط وضعه كايبوت في وصيته وفحواه أن تلك المجموعة إما أن تعرض معاً في جناح خاص بمعرض اللوكسمبورغ وسط العاصمة باريس، وإما لا تعرض أبداً. وكان الجواب أنها لن تعرض أبداً! حجة رفض واهية والحقيقة أن ذلك القرار الذي اتخذ يومها بسرعة وحزم، لم يكن قرار السلطات السياسية الفرنسية وحدها، بل كان صدى لرد فعل أبداه الرسامون الفرنسيون التقليديون المسيطرون على الأكاديمية الفنية الفرنسية التي كانت لا تزال عاجزة عن اعتبار الفن الانطباعي فناً حقيقياً كمستتبعات للصراعات التي كانت قائمة منذ ولادة الانطباعية أواسط سبعينيات ذلك القرن. ومن هنا ما إن انتشر خبر وصية كايبوت والشرط الذي وضعه مقابل منح الدولة هبة تقدر قيمتها المادية بعشرات ملايين الفرنكات الفرنسية وقيمتها المعنوية بأكثر كثيراً من ذلك، حتى تداعى التقليديون فنانين ونقاداً ليقولوا على لسان الفنان ليون جيروم رسام اللوحات التاريخية الرومانطيقية الكبير، “إن قبول الأمة الفرنسية بمثل هذه القذارة يعني أن الانحطاط الأخلاقي قد بات كبيراً”. وتلا ذلك القول سجالات صاخبة بل عنيفة وقامت معركة شغلت الحياة الفنية بل حتى السياسية الفرنسية أشهراً طويلة، لينتهي الأمر بأن يتوصل الفنان رينوار، الذي كان معيناً كمنفذ لوصية الفنان الراحل، إلى تسوية بين ورثة كايبوت وإدارة متحف لوكسمبورغ المعني بالأمر، تنص على أن يحتفظ المتحف بـ38 لوحة تعرض فيه بصورة دائمة. ويمكننا أن نقول هنا إن الرابح الأكبر من الصفقة لم يكن سوى الفنان بول سيزان الذي كانت له بين اللوحات المقبولة لوحتان هما “مشهد من الايستاك” و”باحة مزرعة في أوفير”. وأهمية الأمر بالنسبة إلى سيزان هي أن كلتا اللوحتين كانتا أول عملين له تصبحان ملكاً للدولة وهو ما وازى بالنسبة إليه اعترافاً رسمياً كان يرى أنه قد تأخر طويلاً وها هو يبدأ ولو بتلك الطريقة المواربة. بل حتى المؤسية. المزيد عن: فرنسارسملوحاتالرسام الفرنسي غوستاف كايبوت 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post سرطان الريف يذكر المغرب بـ”غاز المستعمر” next post ديمي مور معجبة بأدائها في “الشبح” You may also like عبده وازن يكتب عن: “المساحات هشة” خريطة عاطفية... 9 فبراير، 2025 “إميليا بيريز” يفوز بجائزة “غويا” لأفضل فيلم أوروبي 9 فبراير، 2025 ديمي مور معجبة بأدائها في “الشبح” 9 فبراير، 2025 «تجليات الفكرة المسيحية»… استكشاف عميق للعلاقة بين الفلسفة... 8 فبراير، 2025 الفنان الصيني المعارض آي ويوي: أنا متشائم 8 فبراير، 2025 دستويفسكي يتباهى بـ”اختراعه” كلمة روسية 8 فبراير، 2025 من إصدارات فبراير البريطانية: تدريب الفيلة وسيرة ديكنز 7 فبراير، 2025 إميل زولا يرصد أحوال الموتى الفرنسيين لقرائه الروس 7 فبراير، 2025 عندما توحد الموسيقى الشعوب وتفرق بينها 7 فبراير، 2025 “الموناليزا”… تحفة البشرية الخالدة تغير عنوانها 7 فبراير، 2025