الجمعة, مايو 30, 2025
الجمعة, مايو 30, 2025
Home » حكاية الملكة الفرنسية في 21 لوحة كأنها مشاهد سينمائية

حكاية الملكة الفرنسية في 21 لوحة كأنها مشاهد سينمائية

by admin

نصف مليون دولار لنحو 300 متر مربع روى فيها روبنز سيرة ماريا

اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب

في مثل هذه الأيام تماماً قبل 400 سنة أي في ربيع العام 1621، تلقى الرسام بيتر بول روبنز عرضاً كان من الصعب عليه رفضه، خصوصاً أنه كان يتألف من مشروعين لا شك أن ثانيهما كان أكثر إغراء له من أولهما بكثير، ما كان من شأنه أن يرغمه على قبول الأول طمعاً في أن يكون الثاني من نصيبه. المشروع الأول يقضي برسمه 21 لوحة ضخمة تصور مراحل متتالية من حياة الملكة الفرنسية ماري دي مديتشي، زوجة ثم أرملة هنري الرابع وأم لويس الـ13 التي أضحت وصية على عرشه قبل أن يشب عن الطوق فيتخذها عدوة معلنة له، أما المشروع الثاني الذي كان يجب أن يلي الأول فيقضي برسم مجموعة أخرى من لوحات تتابع حياة الملك هنري الرابع نفسه.

خديعة!

وفي نهاية الأمر، لم يحقق روبنز (1577 – 1640) سوى المشروع الأول وبعض اللوحات القليلة للثاني، ما جعله حزيناً طوال سنوات أخرى من حياته، معتبراً أن القصر الملكي الفرنسي قد خدعه، مع أن الحقيقة التاريخية تقول لنا إن الكاردينال ريشيليو مستشار لويس الـ13 هو الذي أوقف المشروع الثاني لأسباب تتعلق بتبدل الأوضاع السياسية، لكننا نحن لن نتوقف هنا طويلاً عند هذه الحكاية التاريخية، بالنظر إلى أن ما يهمنا هنا هو اللوحات التي تألف منها المشروع الأول، الذي سيعرف بـ”حلقات حياة ماريا دي مديتشي”. إذ حتى وإن كان روبنز قد حقق هذا المشروع على مضض، فإن النتيجة التي يمكن اليوم مشاهدتها في قاعة خاصة في متحف “اللوفر” تبدو مدهشة في جميع المقاييس، بل تبدو مؤيدة لرأي كثر من المؤرخين والنقاد ممن يرون في هذه اللوحات واحدة من “أعظم المجموعات الفنية وأضخمها في تاريخ البشرية”. ولا تصعب موافقتهم على هذا الحكم. فالواقع أن المُشاهد يجد نفسه هنا أمام سلسلة مدهشة من لوحات أنجزها الفنان خلال الوقت المتفق عليه وهو عامان فقط، تتراوح مساحة كل واحدة منها بين 12 متراً مربعاً ونحو 24 متراً، ما يجعل المجموع يصل إلى 292 متراً مربعاً للمجموعة كلها، ويجعلنا أمام أضخم لوحة في التاريخ خصصت لشخص واحد. وكما قلنا أعلاه، لم يكن هذا الأمر ليثير اهتمام روبنز لولا أنه كان يطمع في إنجاز مشروع “هنري الرابع” الذي لن ينفذه أبداً.

نصف مليون دولار!

ومع ذلك، لا شك أن النتيجة كانت مُرضية بالنسبة إليه من الناحية المادية قبل أي شيء آخر، إذ تقول المعلومات التاريخية إنه نال في النهاية 24 ألف غيلدر مقابل العمل ككل، ما يساوي بسعر الدولار لأيامنا هذه نحو نصف مليون دولار، وهو رقم نعرف أن أي فنان أوروبي لم ينله في حياته مقابل عمل فني! ولكن الأهم من هذا هو النجاحات الفنية التي حققها روبنز من خلال هذا العمل. وتنطلق أساساً من تمكنه من أن يجعل للملكة التي تفتقر أصلاً إلى أية آية من آيات الجمال أو الأنوثة، ملامح أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها مقبولة، وذلك من خلال إغراق اللوحات بأبعاد رمزية وأسطورية ومناظر طبيعية خلابة ومشاهد احتفالية صاخبة، بحيث تضيع الملامح الحقيقية لماريا دي مديتشي وسط كل ذلك، في وقت تكاد كل لوحة تتحول فيه إلى نوع من كناية أو تورية تحكي حكاية خاصة في حد ذاتها

ولعل اللافت في الأمر، هو أن الفنان قد افتتح السلسلة التي كان من المفترض أن تكون مخصصة لقاعة ضخمة في قصر اللوكسمبورغ (الذي هو اليوم مقر مجلس الشيوخ الفرنسي)، المبني حديثاً آنذاك، بثلاث لوحات تحمل من العناوين ما يشرح موضوعاتها، “مصائر ماريا دي مديتشي” و”مولد الأميرة” و”تربية الأميرة”، قبل أن يصل إلى لوحة يمكن اعتبارها محورية وتفتتح مرحلة تالية هي المهمة من سيرة ماريا، لوحة تحمل عنوان “تقديم صورة الأميرة إلى هنري الرابع”.

تجميل صورة ملكة

وفي هذه اللوحة، يعرض الرسام من خلال شخصيات رمزية صورة كان هو قد رسمها للأميرة في بعثة أرسل بها لذلك الغرض، على الملك هنري الرابع لكي يتم القبول بها كعروس له. ويقبل الملك طبعاً لتلي تلك اللوحة مجموعة تصور العرس الذي تم الاحتفال به بشكل حل فيه دوق توسكانيا الأكبر محل الملك، ما يعني أن هذا الأخير لم ير عروسه حتى كان لقاؤه الأول بها في ليون بعد أن وصلت إلى فرنسا بحراً ونزلت في مرسيليا، حيث أقيم احتفال استقبالي فخم لها قبل أن تنتقل إلى ليون حيث كانت المرة الأولى التي تلتقي بها الملك. وكان ذلك في العام 1600، لتبدأ حياتهما الزوجية التي لن تدوم على أية حال سوى عشر سنوات، إذ سيتم اغتيال هنري الرابع عام 1610 ليعلن ابنه الأكبر ملكاً وهو في الثامنة من عمره على أن تكون ماريا وصية على العرش حتى يبلغ الـ13. ومن هنا تبدأ مجموعة جديدة من الرسوم تصور المرحلة التي تسلمت فيها ماريا سلطاتها، وتشمل لوحة رائعة تصور تتويجها وأخرى تصور “مآثرها” السياسية والصراعات التي شهدتها تلك الحقبة من التاريخ الأوروبي. غير أن ذلك لم يستمر طويلاً، إذ في العام 1606 بلغ لويس الـ13 السن القانونية التي تخوله الصعود على العرش عملياً. فكان أول إجراء يتخذه خلع أمه بقوة عن الوصاية ووضعها في الإقامة الجبرية في بلوا.

وجهة نظر الملكة

ولا شك أن اللوحات التي تمثل هذه الأحداث الأخيرة التي كانت صعبة على ماريا، إنما حُققت انطلاقاً من نظرة ماريا نفسها إلى تلك الأحداث. ومهما يكن فإن نظرتها لم تكن استفزازية خصوصاً أن نوعاً من سلام، وإن متوتر، سرعان ما حل بعد أربع سنوات من نفيها، بينها والملك الذي سمح لها بالعودة إلى العاصمة لتعيش في قصر لوكسمبورغ الملكي، الذي راحت هي تهتم شخصياً بإنجازه وتزيينه جاعلة فيه تلك القاعتين الكبيرتين، اللتين كان من الواضح أنها ستكرسهما لمشروعيها الفنيين اللذين داعبا مخيلتها، وسينجز روبنز كما نعرف الآن أولهما ويمنع من تحقيق الثاني. ومع ذلك سيتوقف روبنز عند هذه المرحلة من حكاية الملكة، ولكن ليضيف ثلاثة بورتريهات لها ولعائلتها تعلق الآن، ولكن خارج إطار السلسلة. علماً أن افتتاح السلسلة الأساسية واختتامها يمكن أن يعتبرا خارج السلسلة أيضاً، وهما الأولى “مصائر ماريا دي مديتشي” التي سبق أن ذكرناها، والثانية “انتصار الحقيقة” التي تحمل عادة الرقم 21 كخاتمة للسلسلة، وتصور بكل بساطة لقاء الصلح بين ماريا وابنها وقد أضحى ملكاً، ولا بد أن نشير هنا إلى أن هاتين اللوحتين تنحيان باتجاه التعبير من خلال عناصر إغريقية، فيما ينطبع باقي اللوحات بطابع من “الروكوكو” الفرنسي، لن يفوت رسامين فرنسيين تاليين مثل فرانسوا بوشيه وأنطوان واتو أن يحاكوه، خطوة بخطوة أحياناً في لوحات أو مجموعات لهم.

مجد إضافي

مهما يكن، تبقى مجموعة روبنز هذه فريدة من نوعها في تاريخ الفن بعدما كانت قد أضافت إلى مكانته وشهرته أضعافاً مضاعفة، ستنسيه إلى حد ما خيبة أمله، إذ ستؤكد مكانته، لا سيما من خلال إضفائه على صاحبة المشروع مكانة وأبهة نادرتين في تاريخ أية ملكة فرنسية من قبل ماريا أو من بعدها. غير أن روبنز في الفترة التي أنجز فيها المشروع لم يكن في حاجة حقيقية إلى تلك الإضافة المضاعفة لمكانته. فهو كان ومنذ زمن طويل، يُعد من كبار الرسامين الأوروبيين ويقترب من الـ50 من عمره. فهو المولود عام 1577 في كولونيا الألمانية ابناً لوالدين أتياها من آنفر في البلاد الواطئة (القسم الذي يعرف اليوم ببلجيكا)، كانت قد مضت عليه سنوات طويلة وهو يتجول في أوروبا، ويرسم مبتكراً موضوعات مدهشة بألوان رائعة وخطوط بديعة وشخصيات يستقي بعضها من حياة عاطفية انقسمت بين حبيبتين امرأتين، غالباً ما رسمهما كما رسم نفسه وأطفاله والحياة اليومية وأساطير القدماء، ناهيك عن غوصه في الألعاب السياسية والدبلوماسية حتى كانت سنوات هدوئه وراحته الأخيرة التي ستنتهي برحيله عام 1640 متوجاً كواحد من أكبر الرسامين في تاريخ الفن.

المزيد عن: الملكة الفرنسية/بيتر بول/رسام/ماري دي مديتشي/هنري الرابع/لوحات فنية/الكاردينال ريشيليو/متحف اللوفر/روبنز

 

 

You may also like

13 comments

Jeannie Cabreja 24 مارس، 2021 - 3:14 م

you will have a great weblog here! would you prefer to make some invite posts on my blog?

http://www.froleprotrem.com/

Reply
elementor pro tutorial 22 أبريل، 2021 - 8:09 ص

Hello, I think your site might be having browser compatibility issues. When I look at your blog in Safari, it looks fine but when opening in Internet Explorer, it has some overlapping. I just wanted to give you a quick heads up! Other then that, awesome blog!

https://www.youtube.com/watch?v=tm_FEaULxf8

Reply
wordpress tutorial for beginners 22 أبريل، 2021 - 11:41 ص

I saw a lot of website but I conceive this one has got something special in it in it

https://www.youtube.com/watch?v=itvFwhzdvls

Reply
stornobrzinol 16 مايو، 2021 - 11:25 ص

I really appreciate this post. I have been looking all over for this! Thank goodness I found it on Bing. You have made my day! Thank you again

http://www.stornobrzinol.com/

Reply
asesoria fiscal 28 يناير، 2022 - 1:54 م

As a Newbie, I am permanently browsing online for articles that can help me. Thank you

https://asesoriablogger.es/planes

Reply
wordpress tutorial 9 فبراير، 2022 - 6:26 م

Hey there, I think your site might be having browser compatibility issues. When I look at your blog in Chrome, it looks fine but when opening in Internet Explorer, it has some overlapping. I just wanted to give you a quick heads up! Other then that, awesome blog!

https://youtu.be/itvFwhzdvls

Reply
acim audio 13 فبراير، 2022 - 10:05 م

I’m impressed, I have to say. Actually not often do I encounter a blog that’s both educative and entertaining, and let me tell you, you may have hit the nail on the head. Your concept is excellent; the difficulty is something that not enough individuals are speaking intelligently about. I am very glad that I stumbled across this in my seek for one thing regarding this.

https://a-course-in-miracles.org/mp3-recordings/awakening-mind-podcasts/

Reply
best a course in miracles podcast 14 فبراير، 2022 - 10:12 م

whoah this blog is wonderful i love reading your posts. Stay up the great paintings! You recognize, a lot of people are hunting around for this information, you could help them greatly.

https://www.spreaker.com/show/the_david_hoffmeister_show

Reply
um curso em milagres videos. ucem um curso em milagres videos 14 فبراير، 2022 - 11:33 م

You are my breathing in, I own few web logs and rarely run out from post :). “Yet do I fear thy nature It is too full o’ the milk of human kindness.” by William Shakespeare.

https://umcursoemmilagres.net/

Reply
aloe vera shampo 17 مارس، 2022 - 12:34 م

Oh my goodness! an amazing article dude. Thank you Nevertheless I am experiencing issue with ur rss . Don’t know why Unable to subscribe to it. Is there anyone getting similar rss drawback? Anyone who knows kindly respond. Thnkx

https://www.aloeveraproductsshop.eu/

Reply
zomenoferidov 20 مارس، 2022 - 1:38 م

I couldn’t resist commenting

http://www.zomenoferidov.com/

Reply
32 inch smart tv 3 أبريل، 2022 - 3:39 م

I am now not positive where you are getting your info, but good topic. I needs to spend a while studying more or working out more. Thank you for fantastic info I used to be in search of this info for my mission.

https://londonknicker.com/product/electronics/led-tv/

Reply
1xbet 25 مارس، 2025 - 10:40 م

264416 661156There is noticeably a bundle to know about this. I assume you created certain nice points in features also. 170030

Reply

Leave a Comment

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili