ثقافة و فنونعربي حسن نجمي يدعو الموت شعريا إلى مأدبة الحياة by admin 14 أغسطس، 2021 written by admin 14 أغسطس، 2021 98 في ديوان “ضريح أنّا أخماتوفا” تسمى الأشياء بأسمائها المنسية بحثاً عن الجوهر اندبندنت عربية \ شريف الشافعي كاتب وصحافي في ديوانه “ضريح أنّا أخماتوفا“، الصادر حديثاً عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة (سلسلة روائع الأدب العربي)، يسعى الشاعر المغربي حسن نجمي جاهداً إلى رد الوجوه إلى أصولها، وتسمية الأشياء بأسمائها المنسية، فلا تعويل في الكلمات وفي الخطوات إلا على الجوهر، والباقي كله مجرد تفاصيل زائلة. في الحياة، مثلاً، لن يتبقى مهرجان الضوء والموسيقى والألوان. وكذلك في الموت، فلن تتبقى طقوس البكاء والعزاء ومراسيم الدفن. وهكذا الحال في الزمن، الذي ينظر إلى البشر بعينه الماكرة، بحد مقولة “ريلكه”، فلن يتضرر إنسان بفقدان ساعته، أو بتحطم عقاربها، أو بتوقف دقاتها الاصطناعية، ما دام الوقت نفسه يدق في قلبه غير المنكسر “في أي الساعات ينبغي أن أثق؟/ لا أحب الساعات، التي تدق، فتكسر قلبي”. على المستوى الظاهري، يبدو الديوان في مجمله محتفياً بتجربة الموت “جرب موتك الآن إن شئت”، وذلك بدءاً من عنوانه المحيل إلى ضريح “أنّا أخماتوفا” (1889- 1966)، الشاعرة الروسية البارزة، مروراً بعشرات المشاهد والتوقفات عند جنازات لأقارب وأصدقاء وأحبة، وأضرحة وقبور لشعراء ومفكرين وفلاسفة وشخصيات تاريخية (منهم الملك الشاعر الأندلسي المعتمد بن عبّاد، المدفون في “أغمات” بالمغرب على مسافة 30 كيلومتراً من مراكش)، وصولاً إلى الاعتقاد بأن سيرة المرء كاملة، قد لا تعدو أن تكون رحلة قصيرة يقطعها إلى ثقب في الأرض “من أكون في النهاية سوى فراشة نار، أراها تقترب من شمعة تقترب من نهايتها؟”. لكن على المستوى الفعلي، الجلي والضمني، فإن الشاعر يقيم على امتداد ديوانه مأدبة حياة خصبة عامرة، بل إنه يدعو إليها كل الكائنات والموجودات لتشاركه حيويتها وخصوبتها، وعلى رأس قائمة ضيوفه ومدعوّيه: كائن الموت نفسه، الذي يتخذ في النصوص أبعاداً مختلفة، تمنحه ألفة وكأنه صديق حميم، فيحكي الشاعر لريح المقبرة كيف أنه يحب الحياة حقاً وصدقاً، حتى ولو أن صيف الحياة ماض سريعاً، ويدعو الشاعر رفقاء الليل الطويل إلى مشاركته الغناء، لكي لا يتهيب أحد من صوته، ولكي تنبت براعم الأمل في تربة العدم “كما ينكسر قمر أزرق هادئ على السطوح/ كما تتبعثر أقدام حافية على العشب البارد في الليل/ تحمل الريح أغنياتي لتوزعها على المنازل/ والطيور المهاجرة توقف ظلها ليستريح”. شبكة الحقائق في مجموعة من القصائد المكثفة التي لا تتجاوز 112 صفحة، ينسج حسن نجمي ما يمكن وصفه بشبكة اصطياد الحقائق، وهي شبكة كبيرة معقدة، متعددة الخيوط والامتدادات والاتجاهات، بحيث لا تخطئ الأمكنة المتشعبة، قريبها وبعيدها، ولا تفلت من قبضتها لحظة عابرة، سواء كانت في الماضي المحكي عنه، أو في الحاضر المعيش. الديوان في طبعته المصرية (الهيئة المصرية) هذه الحقائق التي يتقصاها الشاعر المغربي، قد تشير إلى وقائع ومعلومات وشخصيات تاريخية، ومقولات شعرية وفلسفية ودينية، وموروثات معتقدية وشعبية وغيرها، تستدعيها القصائد، وتتناص وتتجادل معها، من أجل إثبات منطق جديد مبتكر، يحمل لغة الشاعر ورؤيته الخاصة حول هذه المعطيات الخلافية كلها. كما قد يستغني الشاعر، في مواضع أخرى، عن تلك الحمولات المعرفية والثقافية الرصينة الثقيلة، ليبحر بقصيدته بخفة، قاصداً العابر واليومي والاعتيادي، وربما اللقطة المباشرة المجانية، وفي هذا الإبحار أيضاً يفتش الشاعر عن حقيقة ما يعاينه ويتلمسه في الواقع الراهن، مخالفاً النظرة السائدة للأمور، وهو يدعم كشوفاته دائماً بما لديه من رصيد زاخم وخلفيات واسعة. تمضي القصائد عادة وفق هذه الطبيعة المركبة، بحيث لا تكتفي بشعريتها الخام، إذا جاز التعبير، وتنهل من روافد جانبية، وتضيف إلى جانب سردياتها الداخلية والمونولوجية سرديات أخرى لامتناهية، بالتحاور مع أحداث ومقولات ونتاجات إبداعية وفكرية سابقة، من الشرق والغرب، والشمال والجنوب، عبر الحضارات المتعاقبة، ليكون الشغف الشعري الختامي حصيلة شغف الإنسانية بأكملها، من دون أن يتغافل الشاعر عن فكرته الأساسية، وهي نحت الحقيقة من منظور فردي، على غير قياس بمعايير جاهزة “أمضي لا ألتفت إلى أحد/ أرى الحشود الضاجة مقبرة من عظام/ ولا أسأل حزيناً/ لا أسأل حتى نفسي/ لا أكلم أحداً”. هذه الرغبة المحمومة في الاكتشاف، تتجلى على وجه الخصوص في التعبير المغاير عن العلاقة بين الحياة والموت، باعتبارها محور الديوان الرئيس “غريب أن تنهض من نومك، هكذا تكتشف أنك لا تزال حياً/ كان يمكن أن تكون جثماناً بلا نفَس، لكنك رجل غير ميت الآن/ انهض إذاً، ما زالت في الطريق بقية”. وتنسحب رغبة الاكتشاف كذلك إلى تصوير سائر العلاقات والأمور البسيطة والشائكة، بما في ذلك الجولات الواسعة التي يخوضها الشاعر مع كتابات الراحلين، وفلسفاتهم، وسيرهم الذاتية، ليصل في ختام قراءاته ومشاويره إلى أن كأس حياته ليست إلا من صناعته هو “هناك طرائق أخرى لتحصل على كأس حياتك/ إحداها أن تتخلى عما تريده، من الكأس، ومن حياتك!”. وجوه وغياب يصرح الشاعر بأنه لا يدري إن كان يمضي على أرض المتاهة، أم متاهة الأرض، ولعل هذا الإحساس المتجذر بالفقد والاغتراب وراء التجاءاته المتكررة إلى رفقاء القلم والحيرة، الذين أطلت وجوههم وقبورهم في عشرات القصائد في الديوان، ومنهم الشاعرة الروسية أنّا أخماتوفا، التي حل ضريحها عنواناً للكتاب، وهي صاحبة عبارة “صلوا من أجلي”، وقد استقى الشاعر من رقدتها الشفيفة نبوءة لعودة الموتى إلى الحياة، والمصابيح إلى الليل “الآلهة الصغيرة وحدها تعرف، لماذا بقينا هنا، إلى الآن، نحرس الضريح/ حتى في الليل لا نفترق عنك/ قالت كتب: ستنهض التَّترية من أبد نومها/ وستمضين، بقلب أخضر، عائدة إلى بلاط الحياة/ لهذا نحن هنا، تُصلي قصيدتنا من أجلك”. ويمضي الشاعر، وفي قلبه صلواته وفي يده وروده الحمراء، إلى رفقاء آخرين، منهم: برتولد بريشت القابع في أبد صمته ونعاسه، لكي يطّلع على أحلامه الصافية، ونيرودا لكي يفتح معه كتاب الأسئلة مستفسراً عن لعبة الوقت، وشارلي شابلن ليخبره كيف يسير فوق الخيط، وكذلك بورخيس وهوميروس ورامبو ليحكوا له كيف يكون الشعر هو أجمل فصول العام، وكيف تصير البدائية والفروسية أنبل معاني اصطياد التاريخ، كما يرتد الشاعر إلى آلهة الإغريق وملوكهم، ليفسروا له خرائط الماء في الإلياذة والأوديسيا. ولعل أخطر رحلات الشاعر، هي تلك الزيارة الخاطفة التي يقوم بها إلى مراكش في عام 1091 الميلادي (484 الهجري)، حيث يتضامن من خلالها مع الملك والشاعر الأندلسي المعتمد بن عباد إزاء ما يُروى عن تعرضه للظلم من أمير المرابطين يوسف بن تاشفين، الذي نفاه إلى مدينة “أغمات” في المغرب إلى حين وفاته أسيراً، وذلك بعدما خاضا معاً معركة “الزلاقة” وانتصرا على الجيوش القشتالية، الأمر الذي يراه البعض إساءة إلى المعتمد، في حين يقره آخرون باعتبار أن المعتمد قد أذنب أولاً في حق أمير المرابطين. ويميل نجمي في قصيدته إلى ما يميل إليه الشعراء في نصرة الملك الشاعر “لا أعرف كيف كانت شمس مراكش، ويوسف بن تاشفين في كبرياء القصر، والأندلسي أسير في أغمات، وامرأته حمالة الألم توجع نظرته، تغزل الصوف لتوفر له الكساء والاستعارة/ لعلها الشمس نفسها (التي كانت) على رأسي الآن/ خفف يدك يا ابن تاشفين، لا يصح/ فضحتَنا في الأصقاع/ القصيدة ترفرف في الضوء/ وبراءة الشاعر كشمس صغيرة تلمع في أغمات/ سرّح غريمك أيها المفرط/ لا تقيد الحياة”. ما تراه النافذة يؤمن نجمي بأن لا شيء يُرى، إلا ما تراه النافذة “أقف في النافذة/ من النافذة، كل هذا العبور السريع”، ومن ثم فإنه متسق مع مقولة الشاعر الإيطالي أوجينيو مونتالي، بأن الإنصات طريق الرؤية، ما دفعه إلى اعتماد التأمل ضرورة من ضرورات النظر والكتابة في آن، فجاءت قصائد الديوان، على عفويتها الاشتغالية، مشحونة بالعمق وتقصي الماوراء، حتى في ما يتعلق بالمكابدات اليومية والأزمات الشخصية والمعاناة الفردية إزاء مستجدات الحياة القاسية. من ذلك، على سبيل المثال، مجموعة قصائد “المستشفى العسكري”، التي أهداها الشاعر إلى الأطباء المعالجين، وحملت أصداء المحنة المَرَضية، حيث لم يكتف الشاعر بطبيعة الحال بسرد تفاصيل الاعتلال والتألم، وإنما فتح الجراح على طبقات تخييلية ومستويات تأويلية متعددة، وتحولت الكادرات القريبة من آهات مباشرة إلى دلالات وإسقاطات بعيدة، وتساؤلات مجردة حول ما تخفيه قشور تلك الجراح “لكم أنا متعب الليلة، وفارغ مني/ فجأة يقف هذا الرجل الحليب أمامي، ضاحكاً من نُدَف الظلام/ من أين يأتي هذا الصقيع إلى قدميّ ويديّ؟/ وهذه البركة من عرق، من أين؟/ ومن أغلق هذا الباب عليّ؟ أنا لا أحب هذه الفكرة: أن أتدفأ بدثار من ظلام!/ ها أنت أخيراً عار كما ولدتك أمك/ الآن تعرف عنك الآلة كل شيء”. المزيد عن: شاعر مغربي\ديوان\قصيدة النثر\تخييل\الذكرة\الموت\الحياة\الاطياف\المخيلة الشعرية 13 comments 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post Dartmouth-based nonprofit crafts quality woodwork and opportunities for those living with mental illness next post “الإفتاء المصرية” تخرج من عباءة الأزهر You may also like التراث العربي بين التحديات الرقمية والفرص التكنولوجية 16 يناير، 2025 “نتفليكس” تستجيب لشروط ماركيز ولكن… 15 يناير، 2025 كاميرا الكمبودي ريثي بان تسترجع جرائم “الخمير الحمر” 15 يناير، 2025 بيروت تستعيد بريقها السينمائي مع 50 مخرجا لبنانيا... 15 يناير، 2025 مرصد كتب “المجلة”… جولة على أحدث إصدارات دور... 15 يناير، 2025 محمود الزيباوي يكتب عن: 3 قطع برونزية من... 14 يناير، 2025 ندى حطيط تكتب عن: قصة كلب فيلسوف وحيد 14 يناير، 2025 جواب دركهايم المبكر: لهذه الأسباب ينتحر الإنسان 14 يناير، 2025 “متل قصص الحب”… ثلاث شخصيات يجمعها حلم واحد 14 يناير، 2025 “سنوات باريس”… رحلة آدم حنين بين الحجر والروح 13 يناير، 2025 13 comments how to quote a poem in an essay 13 نوفمبر، 2021 - 5:06 م Wow because this is excellent job! Congrats and keep it up. http://multiessay.com/ Reply sex games for couple 18 نوفمبر، 2021 - 11:47 ص You’ve got impressive info on this website. https://sexygamess.com/ Reply best sex games 18 نوفمبر، 2021 - 4:15 م I like this site – its so usefull and helpfull. https://winsexgames.com/ Reply is a keto diet healthy 19 نوفمبر، 2021 - 7:47 ص How are you, great web-site you’ve got right now. https://ketogendiets.com/ Reply animated fucktown sex games 19 نوفمبر، 2021 - 12:43 م I adore this website – its so usefull and helpfull. https://sex4games.com/ Reply keto chocolate cheesecake 19 نوفمبر، 2021 - 9:40 م Many thanks, this website is very valuable. https://ketogenicdiets.net/ Reply basic keto diet 20 نوفمبر، 2021 - 6:37 م Thanks extremely handy. Will certainly share website with my friends. https://ketogenicdietinfo.com/ Reply basic keto diet 20 نوفمبر، 2021 - 6:37 م Thanks extremely handy. Will certainly share website with my friends. https://ketogenicdietinfo.com/ Reply sample 5 paragraph essay 12 يناير، 2022 - 9:10 ص apa format sample essay donald m murray essay how long is an essay sample 5 paragraph essay Reply busted for using someone's photo in a gay dating website 12 يناير، 2022 - 6:25 م good gay chub dating sites good gay chub dating sites gay men dating sites missouri busted for using someone’s photo in a gay dating website Reply best free gay dating apps 13 يناير، 2022 - 12:00 م gay single free dating sites without registering dating an hib positive gay man gay italian men dating site best free gay dating apps Reply dating gay bear memphis 13 يناير، 2022 - 8:24 م gay dating in louisianadating gay bear memphisgay chubby chaser dating chubby cchup gay dating gay chubby dating Reply las vegas slots free play 22 يناير، 2022 - 12:27 م best way to win at slots caesars free slots 777 vegas grand slots las vegas slots free play Reply Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.