بأقلامهم حسام عيتاني يكتب عن: الناس بعد تغيير الخرائط by admin 1 يناير، 2025 written by admin 1 يناير، 2025 17 “الشعب” و”المجتمع” لا يملك أدوات السيطرة على عمليات توزيع المساعدات المجلة / حسام عيتاني عند تقييم العام الماضي والتفكير في ذلك الجديد، تحضر الخرائط وموازين القوى والمكاسب التي حققتها هذه الدولة أو خسرتها الأخرى. جيوش ومرافئ ومطارات وطرق إمداد وجداول خسائر وأرباح وزعماء انتصروا أو هُزموا. عن هذه الصورة التي اعتادها القراء والمشاهدون، يغيب عادة الناس الذين هم “مادة” الصراعات التي تستغرق الأيام والشهور. نعثر بسهولة شديدة على دراسات معمقة عما سيتركه سقوط نظام بشار الأسد من آثار على المحور الذي كان ينتمي إليه، وعما قد يواجهه لبنان والعراق من تبعات السقوط المذكور. بيد أننا سنواجه معضلة حقيقية عند البحث عن التغيرات التي ستظهر على مستويات معيشة ملايين السوريين والعراقيين واللبنانيين من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. “مادة” الصراعات التي شهد العام المنصرم مقتل الآلاف منها في حروب كشفت الانقسامات والتباينات حول المسائل الأساسية التي تقوم عليها الدول والمجتمعات، ليس معروفا كيف ستتابع حياتها في الشهور المقبلة. العقوبات الاقتصادية مستمرة على سوريا، على سبيل المثال، لأهداف تتعلق على الأرجح بفرض سياسات معينة على الإدارة الجديدة في سوريا. أمر مشابه ينطبق على لبنان الذي ما زال يتعثر منذ خمس سنوات ونيف في انهياره السياسي والاقتصادي وسط إصرار إجرامي من نخبه الحاكمة على إبقاء الوضع على سوئه لجني غنائم محققة ومنتظرة من تفاقم الكارثة. وجاءت “حرب الإسناد” التي أطلقها “حزب الله” لتخفيف الضغط الإسرائيلي عن غزة والتي انقلبت إلى حملة تدمير منهجية قضت على أكثر من خمسة آلاف لبناني كثير منهم من المدنيين، ناهيك عن مئات آلاف الوحدات السكنية التي ألقي أصحابها في الشوارع ومراكز الإيواء المرتجلة. ولئن لم تصدر بعد أرقام الخسائر والضحايا في البلدان العربية التي شهدت أحداثا مأساوية كاليمن وسوريا ولبنان وفلسطين، فإننا نستطيع توقع مسار شاق لتعويض ما ضاع من ثروات عامة وخاصة وأرواح، في الوقت الذي لا يبدو أن هناك حماسة سواء لرفع العقوبات التي سلفت الإشارة إليها أو توفير منح ومساعدات للمتضررين، خصوصا أن التجارب السابقة من إعادة الإعمار بعد الحروب العربية الأهلية أو تلك التي خيضت ضد إسرائيل، أظهرت أن الأموال ومن مختلف المصادر التي جاءت منها، قد جرى توظيفها في تعزيز الغلبة السياسية للفئة المنتصرة، على غرار ما جرى في لبنان بعد حرب يوليو/تموز 2006 على سبيل المثال. فقد استغلت عملية إعادة الإعمار تلك في تكريس نفوذ “حزب الله” وسيطرته على الدولة ومؤسساتها. والناس أو “الشعب” و”المجتمع” الذي يقف كاليتيم على مائدة اللئيم ينتظر الفتات من المساعدة، لا يملك أدوات السيطرة على عمليات توزيع المساعدات في ظل استمرار الاغتراب بين الناس وآليات السلطة وتوزيع الأموال العامة. أسباب الاغتراب هذا ترجع إلى الانقسام الطائفي والجهوي المسيطر على المجتمعات العربية المنكوبة، ما يهدد بإعادة إنتاج التوتر والاضطراب الداخليين والعودة إلى سلوك طريق الدائرة المفرغة من الاستئثار بالثروة والتمييز الطائفي والعرقي والدعوات إلى تحقيق العدالة بالعنف والقتال. ليس سرا أن مستويات المعيشة في الدول العربية التي ضربتها عواصف الأعوام الماضية هي من بين المستويات الأدنى في العالم لا ننسى أن جزءا كبيرا مما جرى في العام الماضي، حصل تحت شعار رفع الهيمنة المستقوية بالسلاح وبالتسلط الخارجي وتحقيق قدر من العدالة لفئات اجتماعية تعرضت للمهانة لعقود مديدة. لكننا في المقابل، لا نجد سوى وعود رنانة عن المستقبل المشرق الذي سينصف الجميع ويحول دون عودة الماضي بتجاربه المريرة. وليس سرا أن مستويات المعيشة في الدول العربية التي ضربتها عواصف الأعوام الماضية هي من مستويات المعيشة الأدنى في العالم، وفق مؤشرات المؤسسات الدولية، وأن العلاج لا يقتصر على الأدوات الاقتصادية من فتح للأسواق والتركيز على البنية التحتية الحديثة وجلب الاستثمارات وتنويعها فحسب، بل خصوصا على إدارة سياسية تسعى إلى منع تراكم الثروات في جهة والفقر في جهة ثانية، مما سيمهد لجولات جديدة من الاقتتال الأهلي. لعل الوقت ما زال مبكرا في سوريا، لكن الجماعات الممسكة بالسلطة في لبنان– على سبيل المثال- مصرة على استغلال مصائب مواطنيها حتى القطرة الأخيرة. 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post استعادة تفكير الفيلسوفة هانا أرندت في ما يحدث اليوم next post السلطة الفلسطينية مصرة على إنهاء حال المجموعات المسلحة في مخيم جنين You may also like ساطع نورالدين يكتب عن: رئيسٌ للبنان..بالتوافقِ الأميركيِ الفرنسيِ... 2 يناير، 2025 كاري أي. لي تكتب عن: مفارقة الردع بين... 2 يناير، 2025 أسلحة سوريا الكيماوية لا تزال في مخازنها 2 يناير، 2025 مايكل هوروفيتز يكتب عن: إسرائيل في الشرق الأوسط... 1 يناير، 2025 حازم صاغية يكتب عن: «طوفان الأقصى» و«ردع العدوان»:... 1 يناير، 2025 السبيل إلى سوريا أفضل حالا 1 يناير، 2025 غسان شربل يكتب عن: رجال ومنعطفات وبصمات 30 ديسمبر، 2024 بيل ترو تكتب عن: كيف قضى ثوار سوريا... 29 ديسمبر، 2024 كاميليا انتخابي فرد تكتب عن: ما يرد في... 29 ديسمبر، 2024 حازم صاغية يكتب عن: لكنّها الطائفيّة… أليس كذلك؟ 29 ديسمبر، 2024