بأقلامهم حازم صاغية يكتب عن: «لكنّنا لم نبنِ دولة» by admin 30 أكتوبر، 2024 written by admin 30 أكتوبر، 2024 46 دائماً كان يوكَل لـ «التحليل الموضوعيّ» أن يُقنعنا بما لا يُقنع طفلاً، من نوع أنّ التناقضات الداخليّة للنظام اللبنانيّ هي التي أوصلت وتوصل إلى نزاعات مؤثّرة على خريطة الشرق الأوسط وفي أحوال العالم. الشرق الاوسط / حازم صاغية مثقف وكاتب لبناني؛ بدأ الكتابة الصحافية عام 1974 في جريدة «السفير»، ثم، منذ 1989، في جريدة «الحياة»، ومنذ أواسط 2019 يكتب في «الشرق الأوسط». في هذه الغضون كتب لبعض الصحف والمواقع الإلكترونية، كما أصدر عدداً من الكتب التي تدور حول السياسة والثقافة السياسية في لبنان والمشرق العربي. في ظلّ الحاجة المُلحّة إلى حجج سجاليّة جديدة، بعد تهالُك نظريّات «الحماية» و«القوّة» اللتين يوفّرهما «حزب الله» للبنان، يتردّد، في البيئة المدافعة عن الحزب نفسه، أنّ اللبنانيّين لم يبنوا دولة، وأنّهم لم يفعلوا هذا بسبب الطائفيّة وما نجم عنها من فساد ومحاصصة. وما دام الأمر كذلك، بات كلّ عمل معذوراً في الحدّ الأدنى، ومجيداً في الحدّ الأقصى. والحال أنّ الدفاع عن الدولة اللبنانيّة، أو زعم تعافيها من الأعطال البنيويّة، هما دائماً مهمّة صعبة، إلاّ أنّ هذه الصعوبة تبقى أقلّ كثيراً من صعوبة الموافقة على ذاك الصنف من النقد المعوجّ، وعلى الموقع الذي يصدر عنه النقد والناقد. فما يُلاحَظ أنّ دعاة «عدم بناء الدولة» إنّما يوجّهون نقدهم هذا، تقليديّاً وحصريّاً، ضدّ التجربة السياسيّة اللبنانيّة، فيما لم يؤخذ على الأنظمة الأمنيّة والعسكريّة في المشرق أنّها لم تبنِ دولة. وبما أنّ الأنظمة المذكورة فهمت الدولة بوصفها حزباً واحداً وسلطةً قمعيّة جاثمة على صدر المجتمع ومواطنيه، جازت لنا معاملة النقد الموجّه إلى النموذج اللبنانيّ بوصفه نقداً لعدم عسكريّته ولضعف طبيعته الأمنيّة. أكثر من هذا، وعلى مدى عقود طويلة وُصفت تلك الأنظمة، خصوصاً في سوريّا الأسديّة والعراق الصدّاميّ، ومعهما ليبيا القذّافيّة، بـ «الوطنيّة» و«التقدّميّة»، كما استُعينَ بسلاحها ومالها لتقويض النموذج اللبنانيّ الذي يوصف بعدم بناء الدولة. أمّا أدبيّات النقّاد التي تزخر بمطالبات الرقابة والعقاب والمنع والمقاطعة والتشهير والزجر، وأمّا مصادر استلهامهم الفكريّ التي تتراوح بين أنظمة ديكتاتوريّة عسكريّة في المنطقة وأنظمة توتاليتاريّة سبق أن عرفتها أوروبا، فتشجّع كلّها على أسوأ الافتراضات في ما خصّ النقّاد ونقدهم. والراهن أنّه لم يكن قد انقضى غير 15 سنة على استقلال لبنان في 1943، حتّى كانت المحاولة الأولى لكسر الدولة اللبنانيّة الناشئة، وقد جرى ذلك بالعنف وبالسلاح ممّا كانت تغدقه «الجمهوريّة العربيّة المتّحدة» علينا بسخاء وإفراط. ولئن/ وُجد ما يشبه الإجماع على أنّ الرئيس الراحل فؤاد شهاب باشر، في الستينات، مشروعاً جدّيّاً لبناء الدولة والمؤسّسات، فالواضح أنّ نقّادنا أيّدوا مناوأة هذا المشروع لحظة اصطدام مؤسّساته بالمقاومة الفلسطينيّة أواخر العقد نفسه، وصنّفوه انعزاليّاً. وفي حالتي الانحياز إلى ناصريّة الخمسينات والستينات وإلى المقاومة الفلسطينيّة في الستينات والسبعينات، كان واضحاً أنّ النقّاد يعتبرون أنّ الدولة المثلى هي دولة القوّة، الموصوفة بالوطنيّة والقوميّة، والمستندة عمليّاً إلى التجبّر الميليشيويّ وتفتيت المجتمع على خطوط طائفيّة. فأمر السيادة وأمر الحدود لم يكونا مرّةً على أجندتهم، وكان من المستهجَن لديهم أن يكون لبنان هو المقصود بتعبيري «الوطن» و«الوطنيّة». ودائماً كان يوكَل لـ «التحليل الموضوعيّ» أن يُقنعنا بما لا يُقنع طفلاً، من نوع أنّ التناقضات الداخليّة للنظام اللبنانيّ هي التي أوصلت وتوصل إلى نزاعات مؤثّرة على خريطة الشرق الأوسط وفي أحوال العالم. و«التحليل» هذا فيما كان يؤكّد أنّنا «لم نبنِ دولة»، من ضمن المبالغة المعهودة في رسم العيوب اللبنانيّة، كان يبرّئ التدخّلات والمداخلات العنفيّة الخارجيّة في الشأن اللبنانيّ، أو يجهد لتحويل الأنظار عنها. فـ «حرب السنتين» في 1975 – 1976 لا تُفهم، وفقاً لـ «التحليل الموضوعيّ» هذا، من دون انهيار بنك أنترا في 1966، واغتيال رفيق الحريري في 2005 تخفّف من وقعِه سياسة «الرأسماليّة المتوحّشة» التي اتّبعها الحريري. أمّا التدخّل الإيرانيّ في لبنان فيمكن إدراجه في تعزيز صمود الدولة والمجتمع اللبنانيّين ضدّ إسرائيل والصهيونيّة ومن ورائهما الإمبرياليّة… لكنّ فضيحة هذا التحليل تكمن في مكان آخر: فحتّى لو سلّمنا بأننا لم نبنِ دولةً بأيّ معنى كان للبناء وللدولة، فهل هذا يجيز الإكمال على الدولة الناقصة بجعلها أشدّ نقصاً والموافقة على دولة توازيها وتملك سلاحاً وجيشاً أقوى من سلاحها وجيشها، كما تستطيع ساعة تشاء أن تفتح حرباً وأن تغلقها؟ وحتّى لو سلّمنا أيضاً بأنّ الطائفيّة، وبأيّ معنى يُحمّل للكلمة، هي التي منعت قيام الدولة، فهل يجيز هذا إحاطة «حزب الله» بالعواطف السخيّة الملتاعة، علماً بأنّه الحزب الدينيّ والطائفيّ الذي، فوق دينيّته وطائفيّته، يحصر قيادته في رجال الدين دون سواهم؟ أغلب الظنّ أنّ ثمّة كراهية للنموذج اللبنانيّ نفسه هي التي تفسّر الكثير من مواقف من يوصفون بالتقدميّين واليساريّين والتحرّريّين كائنة ما كانت صحّة انطباق الصفة على الموصوف. والكراهية هذه قد يكون أهمّ أسبابها أنّ النموذج المذكور لا ينطوي على سلطات أمنيّة من النوع الذي يهفو له قلب كارهي النموذج، بل يطالبنا بأن نسعى إلى الصداقات غير المحكومة بالجغرافيا من دون أن نرث العداوات المحكومة بالتاريخ. وربّما كانت هذه الكراهية أحد أبرز أسباب الحماسة لزجّ لبنان في «حرب الإسناد والمشاغلة» التي تستطيع أن تُفنيه وتُفني نموذجه مرّة وإلى الأبد، فيما تهبنا في المقابل كلّ ما نشتهي: مجد «الخراب العظيم» وأعداداً لا حصر لها من الشهداء والضحايا. 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post عبد الرحمن الراشد يكتب عن: انتخابات أميركا.. الاقتصاد والدين والنفط next post دليل مبسط لفهم مختلف مراحل الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024 You may also like أساف أوريون يكتب عن: تقارب “محورين” في إيران 27 ديسمبر، 2024 Washington institute : هل تستطيع إيران استعادة قوتها... 27 ديسمبر، 2024 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: حافظ وليس بشار 26 ديسمبر، 2024 بيل ترو تكتب عن: تفاصيل أسبوع استثنائي في... 26 ديسمبر، 2024 ندى أندراوس تكتب عن: هوكشتاين وإنجاز الرئاسة بعد... 25 ديسمبر، 2024 يوسف بزي يكتب عن: العودة إلى دمشق.. المدينة... 25 ديسمبر، 2024 بناء سوريا ما بعد الأسد: كيفية التأكد من... 25 ديسمبر، 2024 طارق الشامي يكتب عن: هل تضبط واشنطن إيقاع... 24 ديسمبر، 2024 سام هيلير يكتب عن: كيف يمكن الحفاظ على... 24 ديسمبر، 2024 مايكل ماكفول يكتب عن: كيف يمكن لترمب إنهاء... 24 ديسمبر، 2024