بأقلامهم حازم صاغية يكتب عن : كيف وصلت منظّمة التحرير إلى أوسلو؟ by admin 13 سبتمبر، 2023 written by admin 13 سبتمبر، 2023 78 حين حلّ مؤتمر مدريد في 1991، ثمّ أوسلو بعد عامين، بدا واضحاً أنّ ما من توازن قوى يسند المطالبة بما هو أعدل للفلسطينيّين الذين نُزعت أسنانهم وأظافيرهم. بل أنّ ما ستناله المنظّمة سيكون، في أسوأ أحواله، أفضل ممّا يمنحها إياه توازن القوى القائم. الشرق الاوسط \ حازم صاغية مثقف وكاتب لبناني؛ بدأ الكتابة الصحافية عام 1974 في جريدة «السفير»، ثم، منذ 1989، في جريدة «الحياة»، ومنذ أواسط 2019 يكتب في «الشرق الأوسط». في هذه الغضون كتب لبعض الصحف والمواقع الإلكترونية، كما أصدر عدداً من الكتب التي تدور حول السياسة والثقافة السياسية في لبنان والمشرق العربي. هناك ظاهرات وأحداث لا يكمن تأويلها فيها هي نفسها بقدر ما يقيم في ما سبقها، وأحياناً في ما تلاها. اتّفاق أوسلو الفلسطينيّ – الإسرائيليّ، الذي تُستعاد اليوم ذكراه الثلاثون، يندرج في الخانة هذه. الذين يأخذون على ياسر عرفات ورفاقه أنّهم «خانوا» القضيّة الفلسطينيّة و»فرّطوا بها» بتوقيعهم على أوسلو، كان يمكنهم أن يأخذوا على الزعيم الفلسطينيّ مآخذ كثيرة جدّاً وقاسية جدّاً إلاّ هذا المأخذ. لكنّ ما يدفعهم إلى التخوين ينبع جزئيّاً، لا حصريّاً، من تجاهلهم حقيقتين كبريين سبقتا الاتّفاق المذكور ومهّدتا إليه الطريق. أمّا الحقيقة الأولى فهي الضعف التكوينيّ لقضيّة رُهن انتصارها طويلاً بعمل عسكريّ يحصل خارج فلسطين. ذاك أنّ التصوّر هذا، الذي عبّرت عنه الثورة الفلسطينيّة وتمسّكت به حتّى 1982، يبقى أقرب إلى شِعر ملحميّ يكتبه أطفال صغار. فأن تهبّ الشعوب العربيّة، وربّما الجماهير الإسلاميّة معها، وتلتحق بمهمّة التحرير التي تهزم «الكيان الصهيونيّ»، فهذا كلام يتغافل عن أنّ تلك الشعوب استقرّت في دول ومجتمعات، وأنّ الدول والمجتمعات تلك ليست مجرّد مصائب عليها، مصائبَ تنوي شعوبها التخلّص منها في أقرب فرصة، بل هي أساساً منافع فعليّة ومداخل إلى العالم المعاصر، وإن شابها الكثير من القصور وأثارت الكثير من النقد المُحقّ. ثمّ إنّ الدول والمجتمعات تلك مؤسّسةٌ على توازنات لن يفعل التسلّح والانخراط في القتال إلاّ تفجيرها. هكذا تنشقّ البلدان إلى طرف مسلّح يهيمن، ويكون مدعوماً بعصبيّة ما، وطرف غير مسلّح يخضع ويهيمَن عليه أو يقاوم خضوعه، مسنوداً بعصبيّة أخرى. وبدل أن يجتمع الطرفان على «تحرير فلسطين»، وفقاً لما تزعمه الخرافة، يفترقان ويصارع كلٌّ منهما الآخر راغباً في «تحرير» بلده منه. لهذا فما سمّاه خصوم عرفات «استسلام أوسلو» لم يكن من جنس الزلازل التي يصعب توقّعها قبل حدوثها. لقد كان تتويجاً لمسار هو نفسه مسار الثورة من خارج البلد الذي يُراد للثورة أن تحرّره. وما حدث في الأردن إبّان 1970 – 1971 ثمّ في لبنان ما بين 1975 و1989 ينمّ بوضوح عن أنّ «التفاف الجماهير» حول الثورة الفلسطينيّة تحوّل نزاعاً بين العصبيّتين الفلسطينيّة والشرق أردنيّة، وبين العصبيّتين الفلسطينيّة والمسيحيّة، ثمّ العصبيّتين الفلسطينيّة والشيعيّة. حيال هذا الواقع الضاغط، بات الكلام عن «القضيّة المقدّسة» و»القضيّة المركزيّة» تكراراً ببغاويّاً يرتفع به الصوت مع كلّ انخفاض يصيب الالتزام الفعليّ بالقضيّة تلك. أمّا المراهنون على الجيوش العربيّة أداةً للتحرير، فكانت حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 قد أكّدت للعقّال منهم أنّها الحرب الكلاسيكيّة التي أنهت الحروب الكلاسيكيّة العربيّة – الإسرائيليّة، وأنّ ما فعلته الجيوش حينذاك كان أقصى ما تستطيع فعله. وبالفعل فبعد أربع سنوات باشرت مصر، في ظلّ أنور السادات، خروجها من حالة الحرب، ومن دون مصر، يُشَكّ كثيراً في أن تخاض حروب. أمّا سوريّا، في ظلّ حافظ الأسد، فأحكمت إقفالها لحدودها مع «العدوّ الصهيونيّ»، واستعاضت عن الصراع معه بـ»الساحة اللبنانيّة» وبالكثير من القصف اللفظيّ للدولة العبريّة. هذه الخلفيّة التعيسة رشّحت القضيّة الفلسطينيّة ونظريّة التحرير من الخارج لمصيرٍ ليست القوّة من أوصافه، وهذا ما تولاّه الإسرائيليّون عبر غزوهم لبنان في 1982. ولمّا كان الدعم الماليّ الخليجيّ من شروط نظريّة التحرير تلك، جاءت مباركة منظّمة التحرير لصدّام حسين في غزوه الكويت لتنسف ما تبقّى من فعّاليّة تنطوي تلك النظريّة عليها. وأمّا الحقيقة الثانية التي تفسّر أوسلو وتنازلات أوسلو فتجسّدها المهمّة «التأديبيّة» التي تولاّها الرئيس السوريّ حافظ الأسد والتي أكملت ما بدأه الغزو الإسرائيليّ. فشقّ «حركة فتح» والضربات العسكريّة الموجعة التي وجّهها النظام السوريّ لمنظّمة التحرير الفلسطينيّة في لبنان، في البقاع وطرابلس وحرب المخيّمات واغتيالات الخارج التي تقاسمها الأسد وصدّام والإسرائيليّون، فتولّت جميعها إنهاك المنظّمة وإشعارها أنّ باب الجحيم هو وحده غير موصد. وهذا كلّه جاء موازياً لمحاولة استحواذ أسديّ متواصلة على ما كان يسمّيه عرفات «القرار الوطنيّ المستقلّ» للفلسطينيّين. فحين حلّ مؤتمر مدريد في 1991، ثمّ أوسلو بعد عامين، بدا واضحاً أنّ ما من توازن قوى يسند المطالبة بما هو أعدل للفلسطينيّين الذين نُزعت أسنانهم وأظافيرهم. بل أنّ ما ستناله المنظّمة سيكون، في أسوأ أحواله، أفضل ممّا يمنحها إياه توازن القوى القائم. أمّا الرفض والاستمرار في القتال فبات يطرح أسئلةً إجاباتُها بديهيّة، من نوع: أين؟ وكيف؟ وبمن؟ وبالطبع، لم يظهر بتاتاً ما يشير إلى أنّ الجبهة السوريّة سوف تقلّد الكلام السوريّ وتُفتح أمام «تحرير فلسطين». وكان المدهش، ولا يزال، أنّ الأسد الذي كان الطائرة التي أقلّت عرفات إلى أوسلو، ظلّ أكثر الذين ينتقدون «التفريط العرفاتيّ» في أوسلو، ممّا تحوّل مهنةً لتابعيه الكثيرين. أمّا ما حصل بعد ذاك الاتّفاق، سوريّاً وإيرانيّاً وإسرائيليّاً، وفلسطينيّاً أيضاً، فكان من الفصول الأشدّ هولاً وفظاعة في كتاب الأهوال والفظاعات. 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post مقارنة بين «iPhone 15 Pro» و«14 Pro»… هل يستحق الترقية؟ next post عبد الرحمن الراشد يكتب عن: منطقتنا بين حزام الصين وممر الهند You may also like شيرين عبادي تكتب عن: السعودية وإيران من وجهة... 26 نوفمبر، 2024 غسان شربل يكتب عن: لبنان… و«اليوم التالي» 26 نوفمبر، 2024 ساطع نورالدين يكتب عن: “العدو” الذي خرق حاجز... 24 نوفمبر، 2024 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: شالوم ظريف والمصالحة 24 نوفمبر، 2024 حازم صاغية يكتب عن: لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ 24 نوفمبر، 2024 مها يحيى تكتب عن: غداة الحرب على لبنان 24 نوفمبر، 2024 فرانسيس توسا يكتب عن: “قبة حديدية” وجنود في... 24 نوفمبر، 2024 رضوان السيد يكتب عن: وقف النار في الجنوب... 24 نوفمبر، 2024 مايكل آيزنشتات يكتب عن: مع تراجع قدرتها على... 21 نوفمبر، 2024 ما يكشفه مجلس بلدية نينوى عن الصراع الإيراني... 21 نوفمبر، 2024