بأقلامهم حازم صاغية يكتب عن… في أنّ حافظ الأسد حي جدّاً في هذه الحرب الملعونة by admin 5 نوفمبر، 2023 written by admin 5 نوفمبر، 2023 210 في هذا التركيز المنهجيّ والصاخب على المجرم المباشر المنظور، الذي هو إسرائيل، يمضي كثيرون من المجرمين غير المباشرين في إجرامهم، لا بحقّ شعوبهم فحسب، بل بحقّ الفلسطينيّين أيضاً. الشرق الاوسط / حازم صاغية مثقف وكاتب لبناني؛ بدأ الكتابة الصحافية عام 1974 في جريدة «السفير»، ثم، منذ 1989، في جريدة «الحياة»، ومنذ أواسط 2019 يكتب في «الشرق الأوسط». في هذه الغضون كتب لبعض الصحف والمواقع الإلكترونية، كما أصدر عدداً من الكتب التي تدور حول السياسة والثقافة السياسية في لبنان والمشرق العربي. مَن يحضرون الحروب لا يقتصرون على من يخوضونها ومن يكونون ضحاياها ويتلقّون تأثيراتها أو يراقبون مساراتها. مَن يحضرون الحروب هم أيضاً أشخاص أو رموز يتمّ استدعاؤهم لهذا السبب أو ذاك. في الحروب الدينيّة مثلاً يُستنجَد بالأنبياء والرسل وشهداء الأديان والرموز المقدّسة ويؤتى بهم إلى المعارك الطاحنة، وفي الحروب القوميّة يُستحضر الأبطال القوميّون أو رموز الأمّة والشعب في التاريخ، فعليّاً كان هذا التاريخ أو وهميّاً. هكذا تتّسع حياة الحرب لموت كثير ولموتى كثيرين، وقد يظهر مؤرّخون أو مجرّدُ متذكّرين يجدون في أحداث الأمس القديم ما يشبه أحداث الحرب، وفي أشخاص ذاك الأمس من يشابهون مجريات الحرب أو مَن تفيد تجاربهم أو مواقفهم في فهمها. وبهذا المعنى يجوز لنا القول إنّ الرئيس السوريّ الراحل حافظ الأسد حيّ جدّاً وفاعل جدّاً في هذه الحرب المجرمة على قطاع غزّة، حيث يقف وراء المجرم الإسرائيليّ المنظور صفٌّ طويل من المجرمين غير المنظورين. وهو حيّ بمعانٍ كثيرة ومتفاوتة قد يكون أبسطها ما ذكّرنا به مؤخّراً حسين عبد اللهيان في خطابه في الأمم المتّحدة. فوزير خارجيّة إيران إذ أكّد استعداد «حماس» لتسليم إيران الرهائن الإسرائيليّين، حرّك في ذاكراتنا نهج الأسد في الثمانينات اللبنانيّة، حين كان الرعايا الأجانب يُخطفون في بيروت ثمّ تتّجه دولهم إلى مفاوضة دمشق ومفاوضة طهران. فإذا حُرّر مخطوف كان أوّل ما يفعله توجيه الشكر لـ»سيادة الرئيس المناضل» حافظ الأسد. والأخير تُذكّرنا به حرب غزّة من زاوية أخرى. فإذا صحّ أنّ الحرب المذكورة هي النتاج الانفجاريّ لتاريخ مديد من تعطيل السياسة والجهد الديبلوماسيّ، ومن محاصرة التسويات، صحّ أنّ الأسد هو الذي عمل لعقود، بدأب وبلا كلل أستاذيّين، على تعطيل كلّ مسار سلميّ أو تسوويّ في المنطقة. فهو ابن الحزب الذي أحبط محاولة الحبيب بورقيبة في أواسط الستينات، وهو سيّد الحزب الذي قاد مهمّة التشهير بكامب ديفيد المصريّ – الإسرائيليّ منذ 1978، وإسقاط اتّفاق 17 أيّار اللبنانيّ – الإسرائيليّ، ثمّ ضرب مشروع السلام الأردنيّ – الفلسطينيّ في أواسط الثمانينات، وفي التسعينات، وبمشاركة إيران والمتطرّفين الإسرائيليّين، حوّل اتّفاق أوسلو الفلسطينيّ – الإسرائيليّ إلى جثّة. لكنّ الأسد هو أيضاً من سادة المدرسة التي تحجب الأنظار عن النفس وتركّزها على فلسطين. وللغرض هذا يُوظَّف جهاز كلاميّ ومفهوميّ موسّع يقع في حبائله بعض معارضيه وضحاياه أنفسهم، فيروحون يتفنّنون في وصف المعركة الأبديّة مع «الإمبرياليّة والصهيونيّة»، ونُرحّل جميعاً إلى مواضٍ باتت سحيقة كان أبطالها بلفور وسايكس وبيكو وزملاؤهم. وفي هذا التركيز المنهجيّ والصاخب على المجرم المباشر المنظور، الذي هو إسرائيل، يمضي كثيرون من المجرمين غير المباشرين في إجرامهم، لا بحقّ شعوبهم فحسب، بل بحقّ الفلسطينيّين أيضاً. وهذا كلّه إنّما يعود بنا إلى الدروس التي جعلتها مدرسة الأسد عِلماً ذهبيّاً، لا سيّما خلط الحدود الوطنيّة وتجاوز سيادات البلدان وتحويل الميليشيات إلى جيوش، وذلك باسم القضيّة التي لا يستنكف عن خوضها وتحمّل آثارها إلاّ سوريّا الأسد. لكنّ أهمّ ما خلّفته التركة الأسديّة، وهو شديد الحضور والوطأة في الحرب الراهنة، فهو استراتيجيّة حافظ الأسد التي عادت عليه بصفة «الذكاء الاستراتيجيّ» الخارق وغير المسبوق. ذاك أنّ الرئيس الراحل عُرف بأنّه يتورّط في مواجهة إسرائيل والولايات المتّحدة تورّط حدّ أدنى مدروس بينما يترك تورّط الحدّ الأقصى المفتوح لـ «الساحات» الأخويّة، في لبنان والعراق وفلسطين وسواها. وبعد خطاب يوم الجمعة الماضي الذي ألقاه أمين «حزب الله» العامّ يتبدّى كأنّ الأخير أعلن نفسه تلميذاً نجيباً لذاك المبدأ، لكنْ مع انقلاب في الأدوار. فبعد أن انتقلت قيادة «محور المقاومة» من دمشق إلى الضاحية الجنوبيّة لبيروت، صار لبنان مسرح تورّط الحدّ الأدنى المدروس فيما باقي «الساحات» مسرح تورّط الحدّ الأقصى المفتوح، لا سيّما منها سوريّا المستباحة، في شرقها وجنوبها ومطاراتها. وليس قليل الدلالة أنّ الخطاب نفسه انتفخ بالإشارات إلى «الفصائل العراقيّة» وبالوعود السخيّة حول ما يمكن أن يرتّبه حضور الحوثيّين اليمنيّين في الصراع المصيريّ، هم الذين لا بدّ أن يأتي يوم تصيب فيه صواريخهم أهدافها. وفي هذه الغضون تمضي المقتلة الغزّاويّة في سبيلها، ونعلن أنّ الله إنّما منّ علينا بقادة عظماء وخالدين، لا نستحقّهم نحن الشعوب العاديّة التي تموت وتُقتل. 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post مهى سلطان تكتب عن: ” أجزاء من متاهة” للفنان راشد آل خليفة next post عبد الرحمن الراشد يكتب عن: كيف ستنتهي حرب غزة؟ You may also like طارق الشامي يكتب عن: هل تضبط واشنطن إيقاع... 24 ديسمبر، 2024 سام هيلير يكتب عن: كيف يمكن الحفاظ على... 24 ديسمبر، 2024 مايكل ماكفول يكتب عن: كيف يمكن لترمب إنهاء... 24 ديسمبر، 2024 حسام عيتاني يكتب عن: جنبلاط في دمشق.. فتح... 23 ديسمبر، 2024 غسان شربل يكتب عن: جنبلاط والشرع وجروح الأسدين 23 ديسمبر، 2024 مايكل شيريدان يكتب عن: الجاسوس الصيني الذي حاول... 22 ديسمبر، 2024 أساف أوريون يكتب عن: إسرائيل وسقوط الأسد.. احتفاء،... 22 ديسمبر، 2024 هارون ي. زيلين يكتب عن: واشنطن تعود إلى... 22 ديسمبر، 2024 دينس روس يكتب عن: يجب على الولايات المتحدة... 22 ديسمبر، 2024 حازم صاغية يكتب عن: في أنّنا بحاجة إلى... 22 ديسمبر، 2024