بأقلامهم حازم صاغية يكتب عن: العالم وإيران وبينهما نحن by admin 20 فبراير، 2025 written by admin 20 فبراير، 2025 22 إيران اختارت بمحض إرادتها أن تكون طرفاً مضادّاً للعالم القادر على نفع سواه. وإذا كانت تشاطرها خيارَها دول قليلة ككوريا الشماليّة، فالواضح أنّ ذراع الأخيرة قصيرة نسبيّاً بالقياس إلى الدولة الخمينيّة. الشرق الاوسط / حازم صاغية مثقف وكاتب لبناني؛ بدأ الكتابة الصحافية عام 1974 في جريدة «السفير»، ثم، منذ 1989، في جريدة «الحياة»، ومنذ أواسط 2019 يكتب في «الشرق الأوسط». في هذه الغضون كتب لبعض الصحف والمواقع الإلكترونية، كما أصدر عدداً من الكتب التي تدور حول السياسة والثقافة السياسية في لبنان والمشرق العربي. قبل أيّام، بمناسبة الذكرى العشرين لاغتيال رئيس الحكومة اللبنانيّ رفيق الحريري، كرّر كثيرون من مُتذكّري الحدث أنّهم ظلّوا يستبعدون احتمال اغتياله إلى أن حصل. فهم رأوا أنّ علاقات الحريري الواسعة، العربيّة والدوليّة، وصداقاته الكثيرة، تحميه وتمنع قتله، وأنّ القاتلين المحتملين سوف يحسبون، من دون شكّ، «حساب العالم». لكنّ ما تبيّن، يوم 14 شباط (فبراير) 2005، أنّ القَتَلة، الذين لم يعبأوا بتلك العلاقات، نفّذوا فعلتهم. وهؤلاء الذين آثروا أن لا يحسبوا «حساب العالم» خاطبوا ميلاً عميقاً في نظام قيمنا السائد، وفي فكر سياسيّ لا يزال قويّاً في منطقتنا، مفاده بالضبط أنّ «حساب العالم» ينبغي أن لا يُحسب. وبخليط من وعي فوضويّ (أناركيّ) ووعي ريفيّ، أبرشيّ وارتجاليّ، غالباً ما نُظر إلى «عدم الحساب» هذا بوصفه شجاعة ومصدر فخر لصاحبه، لا سيّما وأنّ «العالم» كائن آخر مُعادٍ لا يجوز أن يُحسب له حساب. ووفق تأويل شِعريّ للوطنيّة، وتحت وطأة كتابة ملتوية للتاريخ، أُدرجت أفعال القطع مع العالم في خانات التحرّر والاستقلال وكسر التبعيّة وتحدّي الإمبرياليّة… وبدورهم نجح قاتلو الحريري في جعل اغتياله بداية لمرحلة معتمة عُزل فيها لبنان عن عالم قُرّر أن لا يُحسب له حساب، مرحلةٍ اقترنت بالفقر والتراجع الذي طال الأصعدة جميعاً. وما لبث بشّار الأسد، وهو أحد الضالعين في الجريمة إيّاها، أن غطس وغطّس بلده في عزلة أمرّ وأقسى. لكنْ ممّا يُلاحظ الآن، بعد عشرين عاماً على ذاك الحدث، أنّنا باشرنا مجدّداً نأخذ العالم في حسابنا، لا يشذّ عن ذلك سوى بضعة أعمال حمقاء ومشبوهة ترتكبها بقايا «حزب الله» – الضالع، هو الآخر، في الجريمة إيّاها. فالهمّ الطاغي في لبنان اليوم هو تحديداً كسب ثقة البلدان العربيّة والغربيّة القادرة وحدها على إقالة عثراته الاقتصاديّة ومساعدته على إنفاذ القرار 1701 وإخراج الإسرائيليّين من أرضه. وفي سوريّا، لا يكتم بعض قادة الوضع الجديد وبعض نقّاده على السواء تعويلهم على الخارج. فهو وحده يزيل العقوبات عن السوريّين ويضمن تدفّق الاستثمار إلى البلد المنكوب، كما يدفع النظام القائم إلى التقيّد بمعايير أكثر مقبوليّة واستواء وعصريّة. يضاعف من إلحاح التعويل على الخارج وضرورة أخذ العالم في الحساب أمران، أوّلهما، أنّ «العالم» (كائنةً ما كانت القوى التي تمثّلَ بها) هو الذي أحدث التغيير الكبير الذي جسّده سقوط الأسد في سوريّا وضمور «حزب الله» في لبنان. والثاني، أنّ تَركنا وجهاً لوجه أمام دواخلنا الوطنيّة يعادل تَركنا تحت وطأة أوضاعنا الأهليّة القلقة والمُقلقة، من دون وجود قوّة قادرة تستطيع أن تكون مصدر تحكيم بيننا، ووسط ضعف في الإجماعات التي لا تُبنى من دونها مجتمعات ودول. وحين نقول «العالم» نعني أشياء كثيرة، لكنّه في مردوده السياسيّ على بلد ما يعني من يملك شيئاً مفيداً للبلد، تُلمس فائدته وتُقاس تجريبيّاً، ما ينعكس على حرّيّات السكّان ومستوى معيشتهم وتعليمهم وصحّتهم… وإذا كانت الحكومات المعنيّة منتخبةً، زادت أهميّة الاعتبارات المذكورة لأنّ الناخبين سوف يحاسبونها تبعاً للإنجازات التي قدّمتها أو التي لم تقدّمها. لكنّ الشيء المؤكّد أنّ الاقتصار على تزويدنا بالسلاح (لأنّ صاحبه لا يملك سلعة أخرى) يُخرج هذا الطرف من مصطلح «العالم» في نظر الدولة طالبة العون. وبالمعنى هذا فإنّ إيران اختارت بمحض إرادتها أن تكون طرفاً مضادّاً للعالم القادر على نفع سواه. وإذا كانت تشاطرها خيارَها دول قليلة ككوريا الشماليّة، فالواضح أنّ ذراع الأخيرة قصيرة نسبيّاً بالقياس إلى الدولة الخمينيّة. والبائس بعدما صارت إيران مركز مناهَضة العالم، أنّ ثمّة من لا يزال يطالبنا باستبدال انفتاحنا المستجدّ على «العالم» بانفتاحنا الحصريّ عليها. وهذا إنّما يساوي إرجاعنا إلى أيّام العزلة «المجيدة» وإلى بيت الطاعة المقاوِم. لكنْ، وكما اكتشفنا حينذاك، سوف نعاود اكتشاف استحالة الجمع بين الأمرين. ولأنّنا سبق أن جرّبنا ذلك، وكثيراً ما جرّبناه، لن تستطيع تلطيفَ هذه الصورة أيّةُ «شنفخة» متورّمة في الوطنيّة والمقاومة والعداء لإسرائيل. فسياسة عدم الاكتراث بالعالم يمكن أن نرى نتائجها الصريحة في أحوال إيران نفسها، ولكنْ أيضاً في زمننا المعتم المنقضي حيث لم يعنِ عدم الاكتراث إلاّ ممارسة معمّمة للقتل وتحكّم الميليشيا واقتصاد التهريب، ممارسةً لم تُكتب نهايتها إلاّ مع المصير الذي لاقاه بشّار الأسد وباقي رموز المحور. لهذا، وعلى الضدّ من ظنّ بعضهم أنّ الصلة بالعالم تحمي صاحبها، تختلف المعادلة في ظلّ أنظمة العزلة الموصوفة بالوطنيّة والمقاومة الفائضتين، فلا تفعل الصلات والصداقات سوى قتل صاحبها كما قُتل الحريري. وهذا ما يحضّ على ترميم مفاهيم كثيرة متداولة في ربوعنا، في عدادها كيفيّة فهمنا للوطنيّة وللمقاومة… 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post من هو نائل البرغوثي الذي قد يُفرج عنه في الأيام المقبلة؟ next post عبد الرحمن الراشد يكتب عن: قمة السعودية ونظام عالمي جديد You may also like جيسي ماركس – حازم ريحاوي : أكبر مشكلة... 21 فبراير، 2025 أمين الزاوي يكتب عن: في سوسيولوجيا الخبز 21 فبراير، 2025 ساطع نورالدين يكتب : عن “المقام” الذي يدشنه... 20 فبراير، 2025 منير الربيع يكتب عن: حديث الصراعات داخل “الحزب”... 20 فبراير، 2025 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: قمة السعودية ونظام... 20 فبراير، 2025 منير الربيع يكتب عن: أميركا وإسرائيل.. تطويق حزب... 19 فبراير، 2025 نديم قطيش يكتب عن: بلاد ما بين الجنازتين 18 فبراير، 2025 يوسف بزي يكتب عن: في ليل الجنوب.. بجوار... 18 فبراير، 2025 غسان شربل يكتب عن: الضباب الأميركي… والسنة الإيرانية 17 فبراير، 2025 حازم صاغية يكتب عن: لبنان.. برنامجا استكمال الهزيمة... 16 فبراير، 2025