الأربعاء, مارس 19, 2025
الأربعاء, مارس 19, 2025
Home » حازم صاغية يكتب عن: الطائفيّة التي نتجاهلها!

حازم صاغية يكتب عن: الطائفيّة التي نتجاهلها!

by admin

 

وراء تأويل الكون بـ«النظام» (وهو غالباً ما يُرسَم عوناً للعدوّ ولو تظاهر بالعكس) تقيم ثنائيّة حصريّة وساذجة أخرى: فهناك هذا النظام، مؤسّس العيوب، وهناك الشعب أو الجماهير ممّن هم ضحاياها. ويستند التصوّر هذا إلى المبالغة في أنّنا شعب واحد وأمّة واحدة، وتحويل مهامّ صعبة مطروحة للمستقبل، وغير مضمونة النتائج،

الشرق الاوسط / حازم صاغية

  • مثقف وكاتب لبناني؛ بدأ الكتابة الصحافية عام 1974 في جريدة «السفير»، ثم، منذ 1989، في جريدة «الحياة»، ومنذ أواسط 2019 يكتب في «الشرق الأوسط». في هذه الغضون كتب لبعض الصحف والمواقع الإلكترونية، كما أصدر عدداً من الكتب التي تدور حول السياسة والثقافة السياسية في لبنان والمشرق العربي.

في الآونة الأخيرة، وبالتفاعل مع مأساة الساحل السوريّ، سُمعت أصوات كثيرة يمتزج فيها الندم بالاعتذار: لم نقدّر أنّ الطائفيّة على تلك القوّة التي بدت عليها.

فمن أين يأتي هذا الإغفال المتمرّد على شواهد لا تُحصى؟

أغلب الظنّ أنّ ثمّة ميلاً إنسانيّاً رديئاً يغازله الإغفال، مفاده صمت المرء عن نواقص عالمه وعن قصوره. فمُربكٌ ومنغّص إقرار واحدنا بأنّ عطلاً عميقاً يقيم في بيته وأهله وجماعته. وفي المقابل، تستقرّ النفس على استواء هانئ حين نرسم صورة تطفح بالورد عن «أهلنا» الأحبّاء المظلومين.

لكنّ الطائفيّة هي، بمعنى ما، نحن. فهي ليست الدين، ولا رذيلة متأصّلة فينا منذ أجدادنا الأوّلين. إنّها علاقة سياسيّة، وبالتالي ثقافيّة، حديثة في اسمها وفي اشتغالها، من دون أن ينقطع استلهامها لتركيب مجتمعاتنا العصبيّ القديم. ذاك أنّ الأخير أحياه، بدل أن يتجاوزَه، نوع استقبالنا الحداثةَ، ونوع بنائنا الدولَ والسياسة والاقتصاد…

وتجاوباً مع ميل الإغفال، تحضر الآيديولوجيّات النضاليّة عن العداوة لتعزّز تلك الصورة. فالعدوّ، الاستعماريّ والصهيونيّ والشيطانيّ، ينبغي رسمه كَسَلْب أقصى، كي يطمئنّ يقيننا إلى أنّنا إيجاب أقصى. وفي هذا الإيجاب، الذي يتجسّد فينا، يستحيل أن توجد ظاهرات «معيبة» كالطائفيّة والعشائريّة وسواهما.

وفي مُضيّنا باللعبة إلى أواخرها، يتولّى العدوّ إيّاه «بذر» ما قد يُضبط فينا من سيّئات يصعب إخفاؤها. فهو، لأنّه مطلق العداوة ومطلق السوء، يبذر في تربتنا الفتنة والشقاق، والطائفيّة في عدادهما. هكذا تغدو تلك «الآفة» من نتائج انخراطنا في السوق العالميّة، و«تغلغل» الرأسماليّة فينا، وإصلاحات ابراهيم باشا المتأثّرة بالغرب. وهذا علماً بأنّ صحّة تأويل كهذا تجعل تجميد التاريخ ووقف الحياة شرطاً لوقف التآمر علينا.

ولأنّ تلك الطائفيّة صُوّرت خارجيّةً وطارئة، تسبّبَ بها «العدوّ»، يتكفّل بالشفاء منها وعي آخر قوميّ أو علمانيّ أو ديمقراطيّ، لا نبلغه إلاّ في سياق الصراع مع «العدوّ»، باذرِ الشقاق، ومعه التخلّف والتأخّر. هكذا نهوّن الأمر على أنفسنا بفولكلور متقادم: فالمسيحيّ فارس الخوري سبق أن صلّى في الجامع الأمويّ، وقبله أعلن الدرزيّ سلطان الأطرش الثورة على الفرنسيّين، بينما كان العلويّ صالح العلي يُكمل في الساحل ما بدأه ابراهيم هنانو في حلب.

لكنْ إذا كان الجهد المطلوب إيقاظ تلك اللحظات المضيئة، والقفز قرناً كاملاً إلى الوراء لإعادة إجلاس السادة المذكورين في حضن «الشعب الواحد»، فإنّ «العدوّ» إيّاه، في مطاردته لنا بالشرور، لا يدعنا نفعل ذلك، إذ يواجهنا بآلاته الاستشراقيّة التي تُخبرنا أنّنا على شيء من الطائفيّة!. واستكمالاً لصورة الشرّ المطلق، يعثر مثقّفونا على ما يلهب مخيّلتهم في كلّ صفحة يكتبها غربيّ نقداً للغرب والحداثة والعقل والتنوير، ممّا تفصلنا عشرات السنين عن بلوغ تناقضاتها.

وإذ يُرسَم الرئيس الأميركي دونالد ترمب معادلاً حصريّاً لما آلت إليه تلك المعاني، لا ينجو من اللعنة إلاّ طلاّب جامعات كولومبيا المُصرّون على «نزع الاستعمار».

وإلى أفعال «العدوّ»، وهو ليس بريئاً بأيّة حال، تُضاف أفعال «النظام»، وهو أيضاً غير بريء. لكنّ «النظام»، كـ«العدوّ»، خارجيّ، منشقّ عن الأصالة والطيبة اللتين فينا، وهابط علينا من السماء. وهذا علماً بأنّ أسوأ ما يفعله «النظام» تجديده العلاقات العصبيّة «الأصيلة» عبر جهاز الدولة وتقديماته وفُرصه.

ووراء تأويل الكون بـ«النظام» (وهو غالباً ما يُرسَم عوناً للعدوّ ولو تظاهر بالعكس) تقيم ثنائيّة حصريّة وساذجة أخرى: فهناك هذا النظام، مؤسّس العيوب، وهناك الشعب أو الجماهير ممّن هم ضحاياها. ويستند التصوّر هذا إلى المبالغة في أنّنا شعب واحد وأمّة واحدة، وتحويل مهامّ صعبة مطروحة للمستقبل، وغير مضمونة النتائج، إلى وصف مُريح لواقع ناجز. هكذا لا يعود مطلوباً سوى الانتقال من مسح الدم عن السكاكين إلى اختيار «تغيير ديمقراطيّ» أو «وطنيّ ديمقراطيّ» أو «ديمقراطيّ علمانيّ»…

في هذا كلّه تحتلّ مساحةً تكاد لا تُذكر موضوعاتٌ ذاتيّة الصنع، من صنف «دين الدولة» و«دين رئيس الدولة» و«مصادر التشريع». وبمساحة ضئيلة مماثلة تحظى مكافحة الروابط العابرة للأوطان، والأوطانُ ودولها هي وحدها ما يحمي الجماعات الأضعف ويُخضع الجموح الآيديولوجيّ للقانون بوصفه حصنها الضعفاء وملاذهم. وليست محاربة «العدوّ» حتّى الرمق الأخير سوى مسمار آخر ندقّه في نعشنا. ذاك أنّ تسييد القضيّة الواحدة يحمل على تصغير قضايا الحقوق والحرّيّات، إن لم يكن تصفيرها. والضعفاء، تعريفاً، ينشدّون إلى تعدّديّة القضايا، ولا يطمئنهم إلاّ عالم قليل السلاح وعديم الكلام المسلّح. أوليس لافتاً، من منظور مشرقيّ، ذاك الانتقال بين ليلة وليلة من الاصطهاج بـ«طوفان الأقصى» إلى «التذابح بين الأخوة»؟

وهذه جميعاً، من دين الدولة وتجديد العصبيّات وغلبتها إلى الوعي العابر للحدود إلى القضيّة الواحدة…، تناقض تماماً ما اصطُلح على تسميته بالغرب وتناوئ اقتراحاته، متوهّمةً بهذا إكمال المعركة ضدّه. لكنّنا، أقلّه كي لا نُفاجأ ثانية بالطائفيّة، مدعوّون إلى التنقيب في أحوالنا وأفكارنا، وفي إسهامنا بتعزيز تلك الطائفيّة من حيث أردنا محاصرتها.

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili