السبت, ديسمبر 28, 2024
السبت, ديسمبر 28, 2024
Home » حازم صاغيةيكتب عن: سيادة لبنان أم سيادة الصواريخ؟

حازم صاغيةيكتب عن: سيادة لبنان أم سيادة الصواريخ؟

by admin

 

وكان ممّا علّمه اجتهاد بودان هذا أنّ مقولة «السيادة» لا تنفصل عن حلول السلام في داخل البلد، وعن كون السلطة التي تُحلّ هذا السلام واحدة بلا شريك أو منافس.

الشرق الاوسط \ حازم صاغية

  • مثقف وكاتب لبناني؛ بدأ الكتابة الصحافية عام 1974 في جريدة «السفير»، ثم، منذ 1989، في جريدة «الحياة»، ومنذ أواسط 2019 يكتب في «الشرق الأوسط». في هذه الغضون كتب لبعض الصحف والمواقع الإلكترونية، كما أصدر عدداً من الكتب التي تدور حول السياسة والثقافة السياسية في لبنان والمشرق العربي.

يردّ دارسو العلوم السياسيّة فكرة «السيادة» إلى فرنسيّ اسمه جون بودان. بودان كان هو نفسه سياسيّاً فضلاً عن كونه مفكّراً ورجل قانون. وهو عاش في القرن السادس عشر فسبق مدرسة «العقد الاجتماعيّ» لتوماس هوبز وجون لوك وجون جاك روسّو.

عنده، لم تنفصل ولادة فكرة السيادة تلك عن النفور من التنازع الكاثوليكيّ – البروتستانتيّ الذي أعقب ظهور حركة «الإصلاح الدينيّ». هكذا فضّل بودان قوّة السلطة المركزيّة المَلَكيّة على ذاك التنازع، فاعتبر أنّها هي ما يضمن السيادة من خلال ضمانها السلام الداخليّ الذي يمكن لأديان مختلفة أن تتعايش تحت سمائه. وهو تالياً دافع عن فكرة تعزيز سلطة الملك، لا ملكاً بعينه، على حساب سلطات أمراء المناطق الإقطاعيّين، الأمر الذي خطا لاحقاً بأوروبا خطوات كبرى إلى الأمام. فالملك، أيّ ملك، هو، في عرف بودان، «السيّد» (the Sovereign) الذي تكون سيادته مطلقة ودائمة وغير قابلة للقسمة أو للانتقاص منها.

وكان ممّا علّمه اجتهاد بودان هذا أنّ مقولة «السيادة» لا تنفصل عن حلول السلام في داخل البلد، وعن كون السلطة التي تُحلّ هذا السلام واحدة بلا شريك أو منافس.

وقد يقال، بحقّ، أنّ كثيراً من تلك الآراء بات متقادماً وغير صالح لأن يؤخذ كُلًّا من غير تمحيص. لكنّ النقد الأهمّ لـ «السيادة» مصدرُه تجارب الأنظمة المستبدّة الكثيرة التي استخدمت المفهوم هذا كي تستفرد بشعوبها فتقهرها فيما تقطع الطريق على كلّ تدخّل خارجيّ يضع حدّاً لذاك القهر. وإنّما بمثل هذه المقاربة الانتقائيّة لجأت السلطة اللبنانيّة مؤخّراً إلى «السيادة»، لا لفرض نظام قهريّ على اللبنانيّين، بل لفرض حالة قهريّة عنوانها سلاح «حزب الله»، حالةٍ مصحوبة تعريفاً باللانظام الكامل.

وضدّاً على ما أراده جون بودان، فإنّ السلاح المذكور لا ينهي نزاعاً أهليّاً بل يشكّل تأسيساً دائماً للحرب الأهليّة، كما أنّه لا يوحّد السلطة ويجعلها «سيّدة»، بل يقضم ما استطاع قضمه منها، رافضاً الإقرار بواحديّتها التي توخّاها الفيلسوف الفرنسيّ. أمّا الحاكم «السيّد»، الذي يرمز إلى «سيادة» تتجسّد فيه، فبات يقابله لبنانيّاً عجز عن انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة وتعطيل شبه كامل لمؤسّسات الجمهوريّة.

يقال هذا على هامش الجلسة الأخيرة لمجلس الأمن الدوليّ بشأن تمديد ولاية القوّات الدوليّة (اليونيفيل). فسفيرة لبنان في الأمم المتّحدة راعَها، وكاد يعصف بها البكاء، كون الصلاحيّات التي قد تُعطى لتلك القوّات تتجاهل سيادة لبنان، فيما ذهبت أصوات ممانِعة أبعد من ذلك فرأت أنّ تلك الصلاحيّات مصمَّمة لحماية إسرائيل من بلدنا السيّد القويّ.

سيّدٌ وقويٌّ إذاً لبنان؟

هذا الخبر يكذّبه كلّ تقدير وكلّ معرفة وكلّ رقم وكلّ اختبار تجريبيّ. تكذّبه السياسة ويكذّبه الاقتصاد وتكذّبه العلاقات بين الطوائف كما تكذّبه الهجرة والتعليم والصحّة العامّة وكلّ ما يدبّ على أرض لبنان. تكذّبه حالة المرفأ وحالة بيروت وأحوال المناطق، كما يكذّبه أنّ افتقار الوضع الراهن إلى الشرعيّة وإلى المعنى بلغ حدّاً باتت معه الدعابة العابرة من كوميديّ خطراً وجوديّاً، وبات التلهّي بالمسائل المسمّاة أخلاقيّة المهمّة الأولى للدولة والمجتمع.

وفي مقابل زعم السيادة، نعلم أنّ جزءاً مُعتبَراً من اللبنانيّين صار يسمّي نفسه «سياديّاً»، قاصداً أنّ بلده بلا سيادة، وأنّ عليه السعي لاسترجاع تلك السيادة أو بعض منها على الأقلّ.

واقع الحال أنّنا ربّما كنّا نواجه وضعاً أخطر ممّا نتصوّر: نصف هذه الخطورة ناشىء عن انهيار البلد الموصوف، فيما نصفها الثاني هو الاعتداد بهذا الانهيار. وإنّما بالمواصفات تلك ترانا نزعم السيادة لأنفسنا ونهدّد إسرائيل أو أيّاً كان. وهي حقيقة ترتّب نتيجتين، واحدة تقلق العقل وأخرى تنغّص الحياة. فمن جهة، تلوح السيادة، كما تدافع عنها ديبلوماسيّتنا ومُمانعونا، شيئاً يزيد وينتعش كلّما زاد العجز وتعاظم الانهيار. ومن جهة أخرى، تلوح القدرة على تهديد سوانا نتاجاً لضعفنا وافتقاراتنا، لا نتيجة لقوّة مُغيّبة. وبالمعنى هذا، فإنّ الحروب المحتملة التي قد تتسبّب بها تلك الافتقارات ستجمع الكوارث البشريّة والمادّيّة إلى الفقدان الكامل للنموذج. وفي أحسن الأحوال، يكفي أن نفكّر في محاربين اختاروا نماذج الحياة الراهنة في بيروت ودمشق وطهران وراحوا باسمها يفتحون العالم.

في هذه الغضون، وحدها الصواريخ عندنا هي التي تتمتّع بالسيادة، ووحدها تلك السيادة ما يتجسّد في سيّد، وهو ما لم يكن في وسع بودان أن يتخيّله. ولبنان اليوم ربّما كان لديه، بفعل الصواريخ، زند قويّ نسبيّاً، لكنّ جسداً يتألّف من رأس أخرق وأمعاء خاوية وأقدام حافية يصعب أن يحتفظ بقوّة زنده إلى ما لا نهاية.

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00