ثقافة و فنونعربي جيمس آجي وواكر إيفانز يمجدان جمعا من رجال كبار by admin 19 أكتوبر، 2020 written by admin 19 أكتوبر، 2020 84 رد إبداعي على الكارثة الأكبر في التاريخ الاقتصادي الأميركي اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب حتى وإن كانت رواية جون شتاينبك “عناقيد الغضب”، التي حولها جون فورد إلى واحد من أقوى الأفلام الأميركية معطياً هنري فوندا واحداً من أهم أدواره على الإطلاق، تعتبر ومن دون منازع، رواية الكارثة الاقتصادية التي حلّت بأميركا والعالم بدءاً من عام 1929، وكانت ثلاثية سينمائية حققها فرانك كابرا تحت رعاية الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت وصفقته الجديدة التي أنقذت أميركا والعالم. العمل الفني الكبير الذي زرع الأمل في أفئدة الأميركيين وساعدهم على تجاوز الكارثة والعودة إلى الحلم الأميركي المعهود، فإن العمل الإبداعي الأكبر الذي نتج من الكارثة والأوضاع التي نجمت عنها يظل الكتاب الذي تشارك الكاتب جيمس آجي والمصور واكر إيفانز في تحقيقه بعنوان “فلنمجّد الآن جمعاً من رجال كبار”، حتى وإن كان كتاباً يعصى على التصنيف كان في الأصل مجرد تحقيق صحافي، لكنه سرعان ما راح يتخذ أبعاداً أكثر اتساعاً. النخبوية للتعبير عن آلام الشعب صحيح أن تلك الأبعاد التي حملت أولاً وأخيراً لمسات جيمس آجي، أبعدت الكتاب من طابع شعبي كان من الممكن أن يسمه، لكنها في المقابل أعطته طابعاً نخبوياً مدهشاً جعله يُعتمد من قبل المثقفين في أميركا كنموذج لما سُمّي “الصحافة الجديدة”، وسارت على منواله أعمال صحافية / إبداعية مماثلة سيحمل أبرزها تواقيع رفيعة المستوى مثل ترومان كابوتي (بدم بارد) وهانا آرندت (إيخمان في القدس) لكي لا نذكر سوى هذين العملين التأسيسيين. المهم، بشعبية مفرطة أو من دونها، يعتبر هذا الكتاب الاستثنائي اليوم كلاسيكياً في هذا المجال ومن علامات الأدب والفن الجديدين في أميركا أواسط القرن العشرين. وتبدو دائماً ترجمته الفرنسية، التي صدرت ضمن سلسلة “أرض البشر”، مرجعاً أساسياً إلى درجة أن المكتبة العامة الفرنسية التي احتفلت ذات شهر بالسلسلة التي تضم أكثر من مئة كتاب في ميادين السوسيولوجيا والإناسة وما بينهما من علوم، وتحدثنا عنها في هذه الزاوية نفسها، قبل أسابيع، لم تختر إلا عنوان هذا الكتاب كعنوان للاحتفال. فما هو “فلنمجّد الآن جمعاً من رجال كبار”؟ هو قبل أي شيء آخر كاتبه، الذي حقق من خلاله بروزاً استثنائياً في الحياة الثقافية الأميركية، وكان في إمكاننا أن نقول أيضاً إنه كذلك لواكر إيفانز صاحب الصور الفوتوغرافية الرائعة، التي شكلت جزءاً من الكتاب لولا أن إيفانز كان معروفاً من قبل وصوره شائعة، فكمن الجديد في ذلك التزاوج الخلاق الذي ابتكره جيمس آجي ليخلق عملاً من الصعب الحديث عن سابق له. انقلاب في هوليوود! ومن هنا نعود إلى آجي لنتساءل: من يذكر هذا الاسم اليوم؟ ومنذا الذي يمكنه في زمننا هذا، أن يتذكر أن صاحب هذا الاسم هو أيضاً كاتب السيناريو الذي يقف وراء فيلمين على الأقل، من الأفلام التي تعتبر أسطورية في تاريخ السينما الأميركية: أول الفيلمين هو “الملكة الأفريقية” الذي حققه جون هستون واعتبر انقلاباً في مسار السينما الهوليوودية لأكثر من سبب، وثانيهما فيلم “ليلة الصياد” الذي كان الفيلم الوحيد الذي حققه تشارلز لوتون، ولا يزال حتى يومنا هذا يعتبر من أكثر أفلام الشر قسوة، والفيلم الذي عبر أكثر من أي فيلم آخر عن الخطر الدائم المحدق بالبراءة كما يرمز إليها الأطفال. إذاً، جيمس آجي هو كاتب السيناريو لهذين الفيلمين، غير أن كتابته لهما لا تكفي بالطبع لرسم صورة عن المكانة التي يجدر به أن يحتلها في تاريخ الأدب الأميركي الحديث. فالحقيقة أن جيمس آجي، إلى كتابته للسيناريو، كان شاعراً وصحافياً وروائياً، كما كان، بخاصة، ناقداً سينمائياً، عمل طوال سنوات الأربعين عبر ممارسته النقد في مجلتي “تايم” و”نايشن”، على إثارة ذعر المنتجين التقليديين في هوليوود من خلال مطالبته بسينما تستلهم الروح الشعبية والقيم الأخلاقية وسبل التقدم، بدلاً من أن تكون السينما الأميركية مجرد “مصنع للأحلام البورجوازية الصغيرة” و”أفيون جديد للشعوب”، على حد تعبيره في بعض أفضل دراسات كتابه النقدي الشهير “آجي حول السينما”، الذي صدر بعد سنوات من رحيله وجُمعت فيه مقالاته النقدية. مثقفان في صفوف البائسين ولكن، على الرغم من نشاطه المتعدد والأساس في مجال السينما، من المؤكد أن المكانة الاستثنائية التي يتمتع بها آجي في تاريخ الثقافة النخبوية الأميركية تعود بشكل خاص إلى ذلك الكتاب الذي نتحدث عنه هنا والذي وضعه في مجال آخر، هو مجال السوسيولوجيا، “فلنمجّد الآن كبار الرجال”، الذي ما إن صدر للمرة الأولى عام 1941 حتى أتى أشبه بقنبلة سقطت على ركود الفكر السوسيولوجي الأميركي. خلال السنوات التالية، ترجم هذا الكتاب إلى العديد من اللغات، واعتبر بشكل أو آخر تطويراً وتعميقاً للموضوعات التي كان قد عبر عنها جون شتاينبك في روايتيه “عناقيد الغضب” و”رجال وفئران”، أي موضوعات الركود الاقتصادي في أميركا سنوات الثلاثين، تلك المرحلة التي ولدت جانباً أساسياً من كل ما هو تقدمي وثوري في الأدب والفن الأميركيين. كتاب “فلنمجّد الآن كبار الرجال”، كتبه جيمس آجي أصلاً عام 1936 وأرفقه بصور فوتوغرافية حققها إيفانز، الذي كان يعتبر أحد أكبر المصورين الأميركيين، ويدور حول الحياة اليومية القاسية والمدهشة لمزارعي ولاية ألاباما الأميركية خلال حقبة الركود. فالكتاب إنما هو شهادة على ما أصاب أولئك الناس من فقر عظيم وضعهم على حافة الجوع. لقد صور الكتاب حياة المزارعين وفقرهم، لكنه صور كذلك تمسكهم بالحياة. أما القيمة الفنية والفكرية الأخرى للكتاب، فهي أنه للمرة الأولى في تاريخ الأدب جعل للصورة الفوتوغرافية مكانة لا تقل في أهميتها عن مكانة النص المكتوب. حياة قصيرة لكنها غنية جيمس آجي الذي رحل عن عالمنا عام 1955، لم يكن حين رحيله قد تجاوز السادسة والأربعين من عمره، فهو من مواليد 1909 في مدينة نوكسفيل بولاية تنيسي. تلقى دراساته الجامعية في هارفارد، حيث بدأت تظهر عليه منذ وقت مبكر ميول أدبية، حيث نجده ينشر، وكان لا يزال في الثالثة والعشرين من عمره، مجموعة شعرية عنوانها “دعوني أسافر” (1932). صحيح أن أحداً لم يقرأ تلك الأشعار تقريباً، غير أنها كانت بالنسبة إلى صاحبها، طريقه للعمل الصحافي، حيث سرعان ما نجده محرراً في مجلة “فورتشن” ثم في مجلة “تايم”، وكانت مجلة “فورتشن” هي التي كلفته بكتابة التحقيق حول مزارعي ألاباما، لكنها أمام النص ارتعبت ورفضت نشر التحقيق. وظل النص طي أوراق جيمس آجي، حتى نشره عام 1941 في كتاب حقق له بعض الشهرة على الرغم من أن عدد النسخ التي بيعت من طبعته الأولى لم يتجاوز الـ600 نسخة! في تلك الأثناء كان آجي قد أضحى ناقداً سينمائياً وبدأت مقالاته المنشورة في “تايم” و”ناشن” تلفت الأنظار، وفيها كان يدعو إلى سينما تخاطب الحياة والإنسان، وكان يعتبر سينما جون هستون نموذجاً للسينما التي يطالب بها، وهذا ما جعله يكرس دراسة مطولة لسينما هستون. وهكذا توثقت علاقاته بهذا المخرج الاستثنائي، فتعاونا معاً على فيلم “الملكة الأفريقية”، الذي يمكننا أن نلاحظ شبهاً كبيراً بين شخصية بطله التي يلعبها همفري بوغارت، وشخصية آجي نفسه. وبعد ذلك كان سيناريو “ليلة الصياد”، ثم سيناريو لأحد فصول فيلم “وجهاً لوجه” (1951). إضافة إلى هذا كتب جيمس آجي روايتين هما “عشية الصباح” (1951) ثم رواية “موت في العائلة” (1955)، التي كانت أشبه بسيرة ذاتية لأن آجي روى فيها طفولته في الجنوب الأميركي، وتوقف مطولاً عند الموت المريع الذي كان من نصيب أبيه. ولقد نُشرت الرواية في العام الذي توفي فيه جيمس آجي، فأسهمت في تحويله إلى أسطورة في الثقافة الأميركية في ذلك الحين، أسطورة سرعان ما خبت وطواها النسيان على أي حال. المزيد عن: جيمس آجي/الأدب الأميركي الحديث/واكر إيفانز/جون شتاينبك/جون هستون 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post لماذا تناست لجنة نوبل الأدبية إنجازاته السينمائية الكبيرة؟ next post صور غائمة للقاهرة بتناقضاتها في معرض “الطريق الدائري” You may also like فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.