كثير من أصحاب الأعمال يستغل قلة الفرص ويبرم عقوداً بعضها سيئ السمعة تستنزف الموظف وتمنحه أقل القليل (أ ف ب) منوعات جيل “زد” المصري وسوق الوظائف… من يهزم الآخر؟ by admin 8 أبريل، 2025 written by admin 8 أبريل، 2025 11 المساواة والتوازن بين العمل والصحة النفسية والهرب من إرث الآباء تحديات تواجه المؤسسات في التعامل معهم فهل سيفرضون شروطهم؟ اندبندنت عربية / حميدة أبو هميلة كاتبة في وقت تترقب كثير من الدوائر في مصر التصديق على بنود قانون العمل الجديد، يحاول المنتظمون في سوق العمل تكييف أوضاعهم حفاظاً على أرزاقهم، مهما كان لديهم شعور ضاغط بعدم التقدير أو بقلة الراتب، أو باستغلال أصحاب الأعمال الثغرات مما يجعلهم معرضين للإجحاف وعدم الحصول على الحقوق حتى لو احتكموا إلى مكتب العمل وبنود القانون التي مضى على إقرارها 22 عاماً، وكثير منها بشهادة خبراء ومتخصصين لا تتماشى مع التطور الحاصل، وتنحاز للمستثمر وصاحب العمل. كثير من أصحاب الأعمال يستغل قلة الفرص ويبرم عقوداً بعضها سيئ السمعة تستنزف الموظف وتمنحه أقل القليل، سواء في ما يتعلق بالرواتب أو الإجازات أو التأمينات، وغيرها، لهذا يتوارث الموظفون عادات اضطرارية تجعلهم في غالب الوقت يختارون الصمت مستندين إلى تجارب سابقة لم ينصفهم فيها مسار التقاضي، لكن على ما يبدو فإن حراكاً يتسلل إلى هذه السوق لا ينتظر أصحابه صدور قانون متعثر منذ 10 أعوام، ويحاولون الحصول على مزايا كبيرة هي من صميم حقهم، مسلحين بثقافة جديدة لم تكن سائدة، فحتى لو لم تكن السوق مؤهلة، فليس صعباً أن يفرضوا هم شروطهم تدريجاً. خلال الأعوام الأخيرة أصبح من المعروف أن أصحاب الأعمال يشترطون في كثير من إعلانات الوظائف لديهم أن يكون المتقدم “فريش” أي خريجاً جديداً، لاعتبارات كثيرة بينها أنه سيقبل براتب أقل بهدف التعلم، ولكن هؤلاء “الفريش” أصبحوا جميعهم ممن ينتمون لجيل “زد”، وهم الجيل الأكثر استهدافاً من المعلنين وخبراء التوظيف والباحثين عن مستهلكين لخدماتهم أيضاً، لكن على ما يبدو أن الأمر يأخذ في مصر منحى آخر، حيث الفجوة كبيرة للغاية بين الثقافة العالمية التي يتمتع بها خريجو جيل “زد” وواقع سوق العمل، فهم قد يقبلون براتب ضعيف في بداية مشوارهم المهني، ولكنهم يبحثون قبل ذلك عن مزايا من المفترض أن تتوفر لهم بصورة طبيعية مثل الإجازات والبيئة النفسية السليمة وفرص التعليم المستمر والترقي والتزام ساعات العمل الرسمية من دون الاضطرار إلى المكوث بعدها، وأمور بديهية أخرى لا تلتزمها الغالبية العظمى من الشركات، فهل هذه فرصتهم لتغيير واقع سلبي رضخت له أجيال سابقة اضطراراً، أم أنهم سيجبرون على التنازل عن متطلباتهم قريباً خوفاً من أن ينبذوا من سوق العمل؟ تصفية حسابات افتراضية الميزة أن لا أحد يمكن أن يستبعدهم من السوق لأنهم الشريحة الأكثر طلباً نظراً إلى صغر أعمارهم، ولأن هذه هي طبيعة الحياة فهم الجيل الأكثر قدرة على العطاء، فهل ستُعدل ظروف العمل إجباراً هذه المرة لتستوعب سمات الجيل الجديد، أم سيجري البحث عن الأكثر قبولاً منهم للشروط والتعاقد معهم، أم بالفعل قد تسفر تمرداتهم في المؤسسات عن شيء إيجابي لمصلحة كل الشرائح؟ بالطبع في كل الأحوال ينبغي تأكيد أن الجميع ليسوا نسخاً من بعضهم بعضاً، وأن هناك من يستمر في التعامل بالإرث القديم حتى لو كان عمره صغيراً، كذلك فإن فرص التمرد لا تتاح لكثر نظراً إلى تفاوت مستويات التعليم والمستويات الاجتماعية وقلة الفرص وغيرها، ولكن بشهادة كثير من موظفي الموارد البشرية، فإن هناك صفات عامة بالفعل تميز طائفة الخريجين الجدد خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة في مصر، والأمر يبدو واضحاً بشكل خاص بين متميزي التعليم والحاصلين على شهادات في مجالات مطلوبة، فهل متطلباتهم التي يشكو منها موظفو إدارة الموارد البشرية توحي بأنهم شريحة مدللة فعلاً ولا يرغبون في التزام قواعد الوظيفة، أم أنهم على حق بعدما بنوا تطلعاتهم وفقاً لاحتكاكهم بثقافات أخرى عبر الإنترنت ومنصاته المتنوعة؟ يقلقون بشدة على سلامهم النفسي ويشعرون أنهم مهددون دوماً، والقلق المهني يتذيل القائمة (مواقع التواصل) المنصات بالتحديد تشكل هوساً لمسؤولي الموارد البشرية وبينهم جلال. ع، الذي يعمل بإحدى الشركات الكبرى المعروفة ببيع الأجهزة الكهربائية، إذ يؤكد أنه خلال العام الماضي قام بعمل عشرات المقابلات لموظفين في مجالات مختلفة بالمؤسسة، لافتاً إلى أن نسبة كبيرة منهم كانوا متميزين للغاية خلال المقابلة وخلال الاختبار التقني الذي خضعوا له، وبعد الاستقرار على خمسة واجتيازهم الفترة التدريبية المدفوعة تعاقدنا معهم، لكنه فوجئ بأنه مع أي هفوة تحدث بسبب ضغوط العمل، كأن يرفع أحد المديرين صوته، أو يطلب منهم الجلوس حتى وقت متأخر لإنهاء بعض الأمور المعلقة، يتذمر بعضهم تماماً. ويتابع “ندفع جيداً لساعات العمل الإضافية، ونعتبر شركتنا فرصة لبناء السيرة الذاتية، مع ذلك هناك ثلاثة من الموظفين اعتبروا أن بيئة العمل سامة، وأنه لا يحق للمدير أن يطلب منهم المكوث وقتاً إضافياً، وأن المكان غير أمين لمجرد أن رواتبهم تأخرت 10 أيام لأسباب غير مقصودة، ولم يكتفوا بهذا بل نشروا تجربتهم على السوشيال ميديا، مما سبب أزمة للشركة المعروفة بسمعتها الطيبة”، معتبراً أنه للمرة الأولى يتعرض لموقف مثل هذا ويُشكك في قدراته على انتقاء الموظف الجيد، كذلك فإن تكرار الأمر مع ثلاثة موظفين دفعه إلى إدراك أن الأمر لم يعد سهلاً مع الخريجين الجدد أبداً. ليسوا “أبناء الشركة” تبدو أمور مثل وصف البيئة بالسامة نسبية، إذ إنه من حق الموظف أن يلتزم ما هو مطلوب منه وما هو فوق ذلك لا يعد واجباً، ولكن بحسب ما يشدد مسؤول الموارد البشرية المستاء من تجربته، فإنه يقيس ولاء الموظف للمؤسسة بمدى استعداده للعمل في الظروف الصعبة، بخاصة أنها أشياء استثنائية ولا تحدث دوماً، إذاً فالفجوة هنا بين تعريفات كل منهم للحقوق والواجبات والالتزامات، بخلاف أن بنود القانون رقم 12 لعام 2003 المنظم للعلاقة بين الطرفين تبدو مطاطة في كثير من الأوقات، لذا تحظى بالتجاهل في غالب الأوقات، كونها أيضاً لا تتماشى أبداً مع التغييرات الجذرية التي طرأت على نوعية الوظائف وطبيعة سوق العمل بصورة عامة، إذ تعتبر خديجة الليثي التي تعمل في شركة أدوات طبية وفي إدارة مهمة بالمؤسسة، نفسها موظفة جيدة ومتميزة، ومع ذلك لا تفهم كيف توصف بعدم الولاء لمجرد أنها لا ترد على رسائل مديرتها بعد أوقات العمل الرسمية، أو لأنها تسأل عن موعد ترقيتها المستحقة من وجهة نظرها، ومقدار الزيادة السنوية. تقول خديجة “أستعد قريباً لتجديد تعاقدي مع الشركة، ولكنني طلبت من الموظف المسؤول عن تجهيز العقود أن يحرص على أن تكون هناك بنود واضحة تتعلق بمقدار زيادة الراتب سنوياً، كي أتجنب الخطأ الذي وقعت فيه حينما تعاقدت للمرة الأولى قبل عامين، حيث بدا كلامي له وكأنه شيء خيالي وجنوني، الحقيقة أنني لا أفهم لماذا يتهاون زملائي القدامى في الشركة في أمور مثل ضرورة العدالة والمساواة في الترقيات مثلاً أو الإجازات أو التأمين الطبي والاجتماعي الشامل، ولماذا يُتهاون في عدم التزام الشركة وعودها لمن يثبت كفاءته وفقاً للوثائق والأرقام، الحقيقة أنني أرى هذه بيئة غير صحية للإنتاج وتحمل نوعاً من الاستغلال، ولهذا أصر على شروطي، فما دمت أمنح الشركة وقتي ومجهودي وفقاً للتعاقد، فمن واجبهم أيضاً أن يعطوني الامتيازات المطلوبة”. تبدو خديجة مستعدة للذهاب إلى مؤسسة أخرى إذا وجدت تعنتاً في الاستجابة لمطالبها، بخاصة أنها تخوض بالفعل مقابلات عمل في أكثر من مؤسسة هذه الأيام وقد تحصل على عرض يوازي ما تطمح إليه، وبهذا تكون مكثت في شركتها الحالية عامين تقريباً، وهي مدة تعتبر قليلة بالنسبة إلى زملائها بالمؤسسة نفسها، إذ إن غالبيتهم تجاوز 10 أعوام وأصبحوا “أبناء الشركة”، وهو مصطلح يشير إلى ولاء الموظفين لمؤسستهم، لدرجة أنهم قد يعطون العمل الأولوية على حساب الحياة الخاصة ولا ينتظرون مقابلاً إضافياً، فيما يتمتع المصطلح ذاته بكراهية وعدم تقدير بين أبناء الجيل الجديد، ويعتبرونه تجميلاً لمصطلح الاستغلال. البحث عن الولاء في المقابل تقول ميرا محمود رئيسة إدارة الموارد البشرية في إحدى الشركات الدولية، إن هناك صعوبة في أن تجد موظفاً ينتمي إلى هذا الجيل لديه ولاء للمؤسسة بالمعنى التقليدي الذي كان معروفاً في سوق العمل، وتضيف أنهم “ليس لديهم ولاء في الغالب للشركات، ويرددون دوماً أنهم يرغبون في إحداث موازنة بين حياتهم الشخصية والعملية، وقد يتركون العمل في أزمة كبيرة ولا يحلونها لمجرد أنهم مرتبطون بحفل أو مناسبة تخص أحد المعارف أو حتى للسفر والاستجمام، بعكس الجيل السابق الذي لم يكن يحصل على إجازة عارضة إلا لأسباب حيوية، خوفاً من أن يخسر مكانه بالشركة”. لا أحد يمكنه استبعادهم من السوق لأنهم الشريحة الأكثر طلباً نظراً إلى صغر أعمارهم (مواقع التواصل) وتشير ميرا إلى أن “هناك صعوبة في التعامل معهم، وهذا أمر مؤكد وخصوصاً لمتخصصي الموارد البشرية الأكبر سناً، فأنا من الجيل الذي يسبق جيل ’زد‘ مباشرة، ومع ذلك أندهش من سلوكياتهم، فهم يحبون العمل من بعد، ويفضلون أن تكون الاجتماعات عبر الإنترنت، ولا يريدون التزام مواعيد الحضور والانصراف في المكتب، وفي حال إلزامهم بهذا تقل إنتاجيتهم بشكل ملحوظ، إذ يعتقدون أن إنهاء المهمة بصورة جيدة هو المعيار وليس التقيد بأدائها من مكان بعينه، كذلك يطالبون دوماً بخطة واضحة للترقية وللرواتب، وعلى رغم تميزهم فإنهم مرهقون تماماً في فكرة المتابعة وفي حاجة دائمة إلى التقييم كي يظلوا على مستوى معين”. هل هو صراع؟ فمفاهيم مثل المساواة والعدالة والبيئة الصحية وضرورة التقدم المهني هي مفاهيم إيجابية تماماً، ولكن يبدو أن هناك معايير عالية تتجاوز الواقع لدى بعض أبناء جيل “زد”، وهو ما يسبب هذه الأزمة، وبالحديث مع كثير منهم تبين أنهم أكثر سرعة في اتخاذ قرار الرحيل عن الشركة إذا واجهوا مشكلات تتعلق بهذه المفاهيم، مثل عدم التقدير والتعرض للظلم أو الغضب والتوتر النفسي وعدم التعلم، وبينهم كريم سالم الذي استقال من شركته في مجال التسويق بعد عام ونصف العام، على رغم أنه حقق أرقاماً جيدة وفق تأكيده، لكنه ترك المؤسسة من دون أن يكون لديه بديل، بعدما أيقن أنه لن يتطور مهنياً ولم يعد يتعلم جديداً، ويسعى حالياً إلى البحث عن مكان يمنحه مزيداً من المهارات التسويقية، كذلك فإنه يفكر في السفر إلى دولة أجنبية تفتح المجال لتخصصه. الصحة النفسية أولاً يبدو الوعي المبكر أو المبالغ فيه بالصحة النفسية محركاً أساساً لبعض موظفي جيل “زد” في مصر، إذ يتخذون قراراتهم بناء عليه، وعلى رغم أن من حولهم من أقارب ومعارف يصفون تصرفاتهم بالمتهورة، وبأنهم يفسرون تعريف البيئة السامة وفق هواهم، ويهربون من الضغوط بهذه الحجج، فإنهم على ما يبدو يقلقون بشدة على سلامهم النفسي ويشعرون أنهم مهددون دوماً، ويأتي القلق المهني في ذيل القائمة، إذ يريدون بناء مسار وظيفي جيد ومستقر، ولكن يبدو أن اطلاعهم الدائم على النصائح النفسية التي تمتلئ بها المنصات والتي تصدر عن مؤهلين وغير مؤهلين قد سبب لدى فئة منهم تشوشاً، فالوعي الصحي أمر جيد للغاية، ولكن المثابرة والمواجهة كذلك من أبرز الأدوات التي يمكن أن تؤتي ثمارها وتسهم في بناء الشخصية. تعود ميرا حمود لتؤكد أن متطلبات هذا الجيل بصورة عامة تعتبر ضاغطة على الشركات، فالوعود قد لا تنفذ وفقاً لمتغيرات كثيرة، والترقية قد تتأخر لأن خطة المؤسسة تبدلت، لهذا تنتشر لديهم فكرة ترك العمل لأسباب من هذا النوع، وتتابع “من واقع تجربتي، هناك فئة منهم لا تفرق معها الحوافز المادية، فمهما كانت كبيرة فهي غير مرضية ما دام أنهم لا يشعرون بالتقدير الأدبي والتطوير وبالوجود في بيئة صحية وفقاً لوجهة نظرهم، ودائماً يرددون مصطلحات مثل “تروما”، “توكسيك”، و”نرجسي”، ولديهم (ADHD) أو اضطراب نقص الانتباه، ولديهم كثير من المفاهيم التي قد يوهمون أنفسهم بها، لذا يخسرون وظائفهم، بل إن بعضهم قد يترك العمل لأنه يشعر بالملل”، ونتيجة لذلك، ترى ميرا محمود أن موظف الموارد البشرية بات في حال البحث عن موظف بصورة شبه دائمة، نظراً إلى أنه يفقد موظفيه سريعاً بسبب التوقعات العالية وغير الواقعية. سوق غير مؤهلة لتطلعاتهم جيل “زد” هم مواليد 1997 وحتى الأعوام الـ10 الأولى من الألفية الثالثة، وهو الفئة الأكثر استهدافاً من شركات التسويق والدعاية لأنهم الأكثر استهلاكاً، وكذلك الأكثر اطلاعاً على وسائل التكنولوجيا، إذ إنهم عاصروها أطفالاً وتربوا بين منصاتها، لذا تسعى شركات التوظيف إلى الاستعانة بهم في إدارات مهمة، لأنهم الأدرى بسلوك المستهلكين من جيلهم، وعلى رغم أهميتهم الكبيرة ونسبتهم المرتفعة في المجتمعات العربية فإن الدراسات التي تحلل سلوكهم في سوق الوظائف تبدو شحيحة في الأقل بمصر، لكن عالمياً تولي المراكز البحثية المتخصصة اهتماماً متزايداً بهذا الأمر، إذ إنه بالاطلاع على عدد منها يتبين أن السمات الأساس التي اكتسبها هذا الجيل بفعل التكنولوجيا هي مكمن قوته، وأيضاً سبب أزماته. ووفقاً لدراسة أجريت قبل نحو ثلاثة أعوام في جامعة “بابيش بولياي” في رومانيا، وحملت عنوان “الجيل Z في مكان العمل من خلال عدسات المتخصصين في الموارد البشرية – دراسة نوعية”، فإنهم يتميزون بالإبداع والابتكار وتحمل المسؤولية والطموح العالي، ولكن في المقابل لديهم توقعات غير واقعية بالنسبة إلى مستويات الأجور، ويطالبون المؤسسات بتوفير دورات تدريبية لهم حتى لو كانت باهظة الثمن، وعلى رغم اهتمام مسؤولي الموارد البشرية باستقطاب أبناء هذا الجيل لقائمة الموظفين، فإنهم يمثلون تحدياً كبيراً بالنسبة إليهم، إذ إن كثراً منهم يرون أنه لا داعي للمكوث في المكتب، وأن العمل يمكن أداؤه من بعد، إضافة إلى المعايير العالية التي يرغبونها في ما يتعلق بالتوازن بين العمل والحياة الشخصية، ورغبتهم في البحث عن تطوير مهاراتهم بصورة مستمرة. الهرب من تجارب الآباء إذاً المرونة والصحة النفسية والرواتب المجزية والعمل من بعد والبحث عن مؤسسات أفضل، هي متطلبات مشتركة تقريباً بين غالبية أبناء هذا الجيل في بلدان كثيرة، وهي أمور قد لا تتاح بهذه الصورة في معظم المؤسسات، مما قد يمثل إحباطاً لهم، نظراً إلى أنهم اختبروا بسبب الثورة التكنولوجية الاطلاع على ثقافات عمل مختلفة، كذلك فإن كثراً منهم انتظموا في بيئات عمل جيدة ودائماً يقارنون أنفسهم بمن هم في مثل أعمارهم ببلدان مختلفة، إذ يمكنهم البدء من جديد وتغيير المسار المهني بسهولة، فقد تركت شاهندة جمال وظيفتها في شركة متخصصة بأبحاث التسويق لأنها ترى أن مديرتها تسرق مجهودها وتتعامل معها بصورة غير مقبولة بالنسبة إليها. هل ستُعدل ظروف العمل إجباراً هذه المرة لتستوعب سمات هذا الجيل الجديد؟ (مواقع التواصل) وتتابع شاهندة “كانت تبث طاقة سلبية في المكان، مما أثر في سلباً وزاد من إحباطي تجاه العمل. حاولت اللجوء لخبراء الموارد البشرية ولم يعيروني اهتماماً على رغم أن المؤسسة كبيرة، والحقيقة أنني لم أسع إلى المواجهة والدخول في صراعات، فقررت ترك الوظيفة كي لا أخسر حياتي الهادئة، وتفرغت للرسم والديكورات وهي هواية تدر عليَّ عائداً جيداً للغاية، وكل زبائني أحصل عليهم عبر الإنترنت، وأسعى إلى تأسيس شركة باسمي قريباً في هذا المجال”. ظروف أكثر تعقيداً لدى شاهندة تجربة عصيبة بالنسبة إليها، وهي أن أبويها أفنيا عمريهما في وظائف مرموقة وكانا يعملان ليل نهار ويستهلكان صحتيهما النفسية والبدنية، ومع ذلك استغني عنهما بكل بساطة، ولم يحصلا على تقدير مادي أو معنوي لائق، لذا وضعت على عاتقها عدم تكرار تجربتهما بأي شكل من الأشكال، وكما هو واضح، فإن سلبيات تجارب العائلة قد تكون محفزاً لمحاولات الأبناء وضع حد لما يسمونه استنزافاً لا طائل من ورائه، كذلك فإن وجود مساحة للعمل في وظائف غير معتادة، منها ما هو من بعد مع شركات دولية لديها القدرة على توفير أجواء مرفهة للموظفين، قد جعل ترك الوظيفة غير المرغوبة ولو موقتاً لحين البحث عن بديل يمنح عائداً مادياً جيداً وينطوي على بيئة عمل مرضية قراراً أكثر يسراً بالنسبة إلى المؤهلين لسوق العمل في مصر، لكن ماذا عن الأقل حظاً من التعليم والمهارات؟ وماذا عن الذين ليس لديهم رفاهية هذا النوع من المغامرات المادية؟ يبدو الأمر هنا أكثر تعقيداً ما بين التطلعات المادية والمهنية التي يشاهدها هؤلاء حولهم وعبر الإنترنت ويطمحون للاقتراب منها، وبين الواقع الذي يتميز بقلة الفرص بصورة عامة، وتحديداً للأقل مهارة أو في مستويات التعليم، وعلى رغم ذلك فبعضهم لديه رغبة دائمة في الإنفاق على مظهره وكمالياته الشخصية بما يوازي أكثر من نصف راتبه تقريباً، فيما البعض الآخر يبدو محبطاً تماماً، ويحاول أن يبحث عن مسارات تجلب الربح السريع من طريق الانتظام في أكثر من وظيفة من بعد مثل التسويق للمنتجات المحلية البسيطة، أو العمل بالتجارة الإلكترونية في سلع رخيصة الثمن للحصول على خبرات وأموال أيضاً، أو حتى تجربة الحظ في صنع محتوى يدر عليهم دخلاً، مثل خيري صالح الذي حصل على مؤهل متوسط ويعمل في بيع المخبوزات. الشاب الذي يبلغ 19 سنة، يقول إنه مضطر إلى هذه المهنة لأنه لم يجد غيرها، على رغم الراتب الضعيف من وجهة نظره، حيث يقول “بحثت مدة ستة أشهر عن مهنة بسيطة بمؤهل دبلوم التجارة تكون في مجال الحسابات والصرافة، ولكنني لم أجد أبداً، فقبلت بوظيفة لا أبرع فيها ولكنني يجب أن أتأقلم كي أنفق على نفسي وأساعد عائلتي، على رغم أنني أعمل من دون عقد أو تأمينات من أي نوع، ولكنني أعتبرها خطوة، كذلك فإنني أتعلم التسويق الإلكتروني عبر الإنترنت أيضاً، وقد أجد فرصة مناسبة به”. عدم الرضا يبدو مضاعفاً بالنسبة إلى جيل يؤمن بسهولة الفرص وسهولة الحصول على المال، ويصطدم بأن الواقع ربما تكون له كلمة أخرى، خصوصاً لو كانت ظروفه الاجتماعية والتعليمية لا تتوازى مع متطلبات السوق، وهو أمر ينطبق على شريحة غير هينة، ولكنهم بفعل التكنولوجيا أيضاً يسعون إلى تطوير أنفسهم والبحث عن طرق أخرى للنجاح هرباً من واقع العمل غير المرضي. المزيد عن: جيل زدقانون العملالوظائفبيئة العمل السامةالصحة النفسيةالتسويق الإلكترونيالعمل عن بعد 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post ما أثر البكتيريا الموجودة بأمعائنا في فاعلية بعض الأدوية؟ next post ستالين يصفق لمسرحية بولغاكوف والرقابة السوفياتية تحاصره You may also like لماذا تنتشر “كنائس سرية” في الأحياء الشعبية بالمغرب؟ 8 أبريل، 2025 السياح يلغون رحلاتهم إلى الولايات المتحدة… إليكم وجهاتهم... 6 أبريل، 2025 باميلا أندرسون تذهل الجميع في فيلم “فتاة الاستعراض... 5 أبريل، 2025 فرح فاوست: مأساة موهبة درامية لم تنل حقها... 5 أبريل، 2025 توائم “رقمية” لعارضات أزياء تثير سؤال “الحماية” 5 أبريل، 2025 ميلندا فرينش غيتس تتحدث عن “الغدر” خلال زواجها... 5 أبريل، 2025 الموضة بألوانها وصيحاتها… من يقف وراءها؟ 2 أبريل، 2025 “أسواق بيروت” تعود للحياة: رسالة أمل جديدة للبنانيين 20 مارس، 2025 سقوط الإمبراطورية البشرية: هل نحن حقاً في طريقنا... 18 مارس، 2025 “سليبماكسينغ”… رحلة خطيرة بحثا عن نوم هانئ 15 مارس، 2025