الجمعة, نوفمبر 29, 2024
الجمعة, نوفمبر 29, 2024
Home » جوفاني الذي جعل الأميرة تنتظر لوحته الموعودة سنوات طويلة

جوفاني الذي جعل الأميرة تنتظر لوحته الموعودة سنوات طويلة

by admin

 

عائلة بلليني في زمن الحيرة بين الكبرياء والجنون والفن النهضوي المؤسس للذات الشامخة

اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب

قبل فترة قريبة وفي هذا المكان بالذات تحدثنا عن العلاقة التي قامت بين الرسام البندقي النهضوي جنتيلي بلليني والسلطان العثماني محمد الفاتح، التي أنهاها كما جاء في الحكاية قطع السلطان رأس عبد من عبيده لمجرد رغبته في تأكيد نظرية ما. يومها جاء في حكايتنا ذكر للأخ الأصغر لجنتيلي جوفاني بلليني الذي ذكرنا كيف أنه وتكليفه مهمة كبيرة من السلطات البندقية كان شرط جنتيلي لقبوله أن ينتدب إلى بلاط محمد الفاتح في القسطنطينة، وبدا من كلامنا حينها أن جوفاني لكونه الأصغر كان أقل أهمية من أخيه ويعيش ويعمل في حمايته، لكن هذا غير صحيح طبعاً.

ففي نهاية الأمر يبقى جوفاني هو الأهم بين أبناء يعقوب بلليني بل الأهم بين كبار الرسامين البندقيين المؤسسين للنهضة الفنية إذا وضعنا معاصرهم تيسيانو جانباً، ولئن كانت حكاية جنتيلي مع محمد الفاتح مثلت على كبرياء هذا الفنان وإنسانيته، لا شك في أن حكاية جوفاني مع الأميرة إليزابيت كونزاغا التي عرفت بإيزابيلا ديستي تكشف عن أن جوفاني الذي تقيم باريس هذه الأيام بالذات معرضاً كبيراً لأعماله حتى أواسط الصيف، كان بدوره ذا كبرياء كأخيه، مما يقول لنا إن كبرياء الفن لديهما لم يكن فردياً أو عارضاً بل إرثاً عائلياً.

الشقيقان جنتيلي وجوفاني بلليني (غيتي)

 

إرث أب كبير

ولعل حكاية جوفاني بلليني التي رواها بين آخرين جورجيو فازاري مؤرخ الفنون النهضوية، يمكنها أن تعبر بأفضل ما يكون كيف أن الكبرياء الذاتية التي حملها الشقيقان بلليني إرثاً من أبيهما كانت جزءاً أساسياً من فنهما، وذلك بالتحديد لأن الحكاية هنا تتعلق بالفن نفسه وبنظرة جوفاني إلى هذا الفن. وهنا لا بد أن نبدأ بتعريف تلك الأميرة السيدة التي ستجد نفسها مجبرة على انتظار الفنان سنوات طويلة قبل أن “يستجيب” أخيراً لرغبتها في أن يرسم لها لوحة، أية لوحة على الإطلاق، تضمها إلى مجموعتها الهائلة التي كان كل فنان يتمنى أن تكون لوحة من رسمه جزءاً منها. فإيزابيلا وزوجها الأمير الحاكم فرانشيسكو كونزاغا كانا بفضل ممتلكاتهما الهائلة وثروتهما الطائلة جعلا من بلاطهما متحفاً لا نظير له في إيطاليا إذا استثنينا ما يحتويه الفاتيكان نفسه.

مكانة من طريق الفن

وكان الزوجان ذواقي فن من طراز رفيع، كما كانا صاحبي أفكار إنسانية تستوعب تجديدات النهضة وتجد جذورها في الأساطير القديمة كما في الفكر الإغريقي والأدب الروماني وربما من طرف خفي في نوع من التحدي للسدة الباباوية التي كانت حينها تنتمي إلى أسرة تتناحر مع أسرة كونزاغا. وكان الزوجان يعولان على الفن وتضلعهما فيه كي يقيما مكانتهما الكبيرة ويجمعان في قصرهما كبار فناني العصر. وكان جوفاني بلليني واحداً من الضيوف الدائمين. ولكن جدران القصر كانت، كما ستقول الأميرة (المركيزة في الحقيقة)، دائماً تفتقر إلى لوحة خاصة يرسمها بناء على طلبها وينال في مقابلها المكافأة التي يحددها.

كتاب عن سيرة جوفاني بلليني (أمازون)

 

الجواب ابتسامة غامضة

كانت إيزابيلا تمتلك في الحقيقة لوحات عدة من رسم بلليني، لكنها كانت تريد لوحة تقترح هي موضوعها وتكون مرسومة لأجلها. وهي فاتحت الرسام بذلك مراراً وتكراراً، وكان هو يعدها بابتسامة غامضة ثم يتملص من دون أن يخبرها أنه لا يقبل أبداً أن يرسم “توصاية” إلا لمؤسسات ضخمة كالكاتدرائيات والمؤسسات السلطوية، ولكن أبداً للأفراد مهما علا شأنهم. في الحقيقة أنه كان يفترض بها أن تدرك ذلك ولم يشأ أن يقوله لها مباشرة لأن في قوله، كما كان يرى، نوعاً من الإهانة، فهي بعد كل شيء تعتبر نفسها وزوجها مؤسسة تعلو على المؤسسات. بيد أن حكاية “القط والفأر” تلك بين الطلب والتملص دامت سنوات بل بالتحديد منذ عام 1496 حين صارحت الأميرة الرسام برغبتها للمرة الأولى، حتى عام 1501 حين سيقبل أخيراً بعد تدخلات عديدة وإلحاح متكرر. بل إنه يوم قبل أخيراً، سرعان ما نجده يستنكف، إذ أبدت إيزابيلا رغبتها في أن يكون الموضوع “مستلهماً من قطعة أدبية تنتمي إلى الأدب الروماني”. وأمام هذا التحديد استيقظت شياطين جوفاني وكرامته ورفض الاقتراح مقدماً بدلاً منه اقتراحاً مضاداً يتحدث عن موضوع ينتمي إلى ما كان يسمى حينها “الأدب القديم”، لكنها ترددت فغاب هو عن السمع والبصر. وطال الغياب حتى عام 1505 هذه المرة بمعنى أن 10 سنوات كانت اكتملت منذ المرة الأولى التي أبدت فيها إيزابيلا تلك الرغبة التي راحت تتآكلها هي، إذ كان من الواضح أنها تريد من إيطاليا كلها أن تعرف أن جوفاني بلليني رسم لوحة لها… بموضوع هي من حدده!

القلعة تذعن أخيراً

إذاً في عام 1505 عادت إيزابيلا إلى محاولتها موفدة إلى جوفاني هذه المرة اثنين من كبار مثقفي بلاطها، ومن بينهما الشاعر بيترو بيمبو الذي كان معروفاً بتأثيره الكبير في آل بلليني. ومن تلك الوفادة رجع بيمبو ليعلن للمرة الأولى، وبلغته الخاصة أن “القلعة باتت على وشك أن تذعن” شرط أن تكتب إيزابيلا بخط يدها رسالة تسأل فيها جوفاني بلليني أن يحقق لها لوحة رمزية الموضوع يرسمها في الحقيقة على هواه، ولكن يعلن أنه اتفق عليها مع الأميرة. وكانت النتيجة لوحة ستحمل عنوان “عيد الآلهة” سيقول المؤرخون إنها أتت لا تشبه أي عمل آخر من أعمال الرسام بحيث يمكن الشك في أنه رسمها على أية حال. ومع ذلك ثمة في قصر دوق دي فيرارا وهو شقيق إيزابيلا، لوحة تحمل العنوان نفسه كما تحمل أسلوب جوفاني وربما ألوانه أيضاً، بل تحمل توقيعه حتى إضافة إلى تاريخ رسم اللوحة الذي يتطابق مع التاريخ المفترض لنهاية الحكاية التي نرويها (!)، وهو عام 1514 الذي تسلم فيه الدوق المذكور اللوحة، ودفع ثمنها في مقابل أوراق تثبت ملكيته هو لها. ولا ننسى هنا أن جوفاني بلليني (بين 1430 و1516) سيرحل عن عالمنا بعد عامين من إنجاز اللوحة وتسليمها، مما استدعى تجديدها غير مرة منذ ذلك الحين، وهو عمل سيقوم به تيسيانو! ولكن يبقى مجهولاً ما إذا كانت إيزابيلا شعرت يوماً بأن “استجابة” الرسام شفت غليلها وأرضت كبريائها الخاصة.

هل كان يمازحها؟

أما بالنسبة إلى بلليني الذي لا شك في أنه حتى وإن كان “استجاب” أخيراً لطلب الأميرة، فلا شك في أنه بتنفيذه تلك اللوحة بدا راضياً عن نفسه في سنوات عمره الأخيرة ولاسيما أن كثيراً من النقاد والمؤرخين نظروا إلى “عيد الآلهة” بوصفها، في بعدها الفني، لوحة مليئة بالتجديدات الشكلية بل تخرج حتى عن سياق ما كان يعتبر ثورياً خارجاً عن المعايير الكنسية أو حتى الاجتماعية. ولاسيما بالنسبة إلى رسم اللوحات الأسطورية. ففي نهاية الأمر يمكن للناظر إلى اللوحة ذات الحجم المتناهي في الصغر (17 سم ارتفاعاً في مقابل أقل من 19 سم عرضاً)، يمكن له إن دقق النظر أن يدرك أن الأشخاص المرسومين ليست لهم سمات الآلهة بل هم بشر عاديون من بينهم من يحمل ملامح وربما أيضاً ملابس الأميرة إيزابيلا نفسها ومنهم من يبدو أنه منسوخ عن الدوق دي فيرارا. بل ثمة من تعرف في واحدة من الشخصيات على الشاعر بيمبو وفي شخصية نسائية على لوكريس بورجيا… إلخ. وربما صدقت تلك الإضافات اللاحقة زمنياً للحكاية التي كان يحلو لها أن تروي كيف أن إيزابيلا نفسها كان لا بد لها أن تشاهد ذات يوم تلك اللوحة معلقة في قصر شقيقها، وأنها حين وقفت تتأملها غاضبة وهي تتصنع الابتسام تمتمت تقول: “هل كان هذا الرجل يمازحني”؟ فهل يمكننا هنا أن نستكمل الحكاية على طريقتنا لنتساءل عما إذا لم يكن أصلاً ذلكم هو السبب الذي جعل الأميرة تستنكف عن شراء اللوحة أصلاً مما أرضى الرسام في سنواته الأخيرة جاعلاً إياه يحقق انتقاماً ما من أصحاب الثروات؟

المزيد عن: جنتيلي بللينيالسلطان العثماني محمد الفاتحالفن التشكيلي الإيطاليجوفاني بللينيالأميرة إليزابيت كونزاغا

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00