بأقلامهم جهاد الزين يكتب من بيروت عن: بسيكولوجيا الزلازل وعصابة المصرف: الرواية المذهلة by admin 22 فبراير، 2024 written by admin 22 فبراير، 2024 268 بعض مقاطع القصص في كتاب موراكامي تذهب إلى الشِّعر. كاتب فريد لا أكف عن نصح محيطي القريب بقراءته منتظرا نيله جائزة نوبل. وها أنا أكتب عنه الآن وكلما مر الوقت اخترق كتابُه هذا الصميمَ المعذَّب لزلازل الكوارث البشرية. النهار – جهاد الزين قرأتُ هذا الكتابَ “ما بعد الهزة” لهاروكي موراكامي مرة ثانية وهو ما لم أفعله مع أي رواية ثانية حتى كتاب الطاعون لألبير كامو، الرواية التي لم تفارق ذهني ومشاعري منذ حوالي نصف قرن. أعتبِر عملَ هاروكي موراكامي من أعظم الروايات في التاريخ. عمل لا نظير له، يستحق من وجهة نظري جائزة نوبل رغم أنه مجموعة قصص قصيرة، بمعنى القصة الواحدة من مجموعة صفحات، ست قصص في 147 صفحة من الحرف الصغير والمترجمة من اليابانية إلى الإنكليزية، صادرة عام 2002 عن دار راندوم هاوس في الولايات المتحدة الأميركية، وتدور جميعها رغم الاختلاف الشديد بين موضوعاتها على صلة مصائر شخصية بالهزة الأرضية. أحداث في الحب والكراهية والتملك والجنس والثروة والعمل والعائلة والدراسة و و و…في نسيج لا أعرف له مثيلاً في الأدب العالمي. القصة الخامسة في المجموعة عن “الضفدع العملاق ينقذ طوكيو” من هزة مدمرة، تحمل في فرادتها ورمزيتها وبسيكولوجية أبطالها تشابهاً إيحائياً صالحا لاستخدامه بصورة من الصور مع مصير الهزة “الأرضية” التي ضربت بيروت ولا تزال في قطاع المصارف الذي أودى بمدخرات وودائع معظم الشعب اللبناني والعديد من المودعين العراقيين والسوريين وغيرهم. الهزة التي تحوِّل شعبا بكامله أو معظمه إلى متسولين هل هي أكثر أو أقل عنفا من هزة أرضية تحوِّل مدناً إلى ركام ؟ تدور القصة التي يختلط فيها الخيال بالواقع بوجود وحش ضخم في أسفل الأرض تحت مبنى رئيسي لبنك ياباني كبير يعمل فيه بطل القصة في فرع تحصيل الديون في المصرف وعبر ذلك تجعله وظيفته على صلة مع عصابات المال وممارساتها وبعض السياسيين حُماتها.. ضفدع موراكامي واجه الدودة العملاقة في باطن الأرض وأنقذ طوكيو من بث غضب جوف الأرض وموجاته بينما ضفدع بيروت لم يستطع أن ينقذ المدينة من عصابات ما تحت أرض المصارف وديدانها فانهار كل شيئ بما هو أقوى من الهزة الأرضية وهي نكبة انهيار النظام المالي والاجتماعي والسياسي المتحكّم بلبنان بشكل سافر. منذ أكثر من عشر سنوات قرأتُ رواية موراكامي للمرة الأولى، أي قبل هزتنا اللبنانية المدمرة وقد حملتها معي من باريس يومها، ولم أنسها بين رفوف مكتبتي المزدحمة في بيروت، بل فتشت عنها في فوضى الرفوف بعد وقوع الزلزال اللبناني وقد اختمرت عندي كلما مرّ الزمن وجوهُ المقارنة بين الرواية وما حصل في لبنان. ينتقل موراكامي في قصصه في الكتاب بسحر ساحر بين الواقع والمخيلة كعازف ماهر يؤالف بين آلات مختلفة. لكن من وجوه إبداع موراكامي أنه يعيد وضع الغرابة واللاواقعية في سياق واقعي، فلا تبقى الأحداث فالتة من “موقعها” وتفسيرها مهما كانت غرائبية ولا واقعية. إلا أن الذروة في كتابة موراكامي هي في البسيكولوجيا أي في الداخل العميق للنفس البشرية حيث الأبطال العاديون متأثرون بشكل ساحر بارتجاج الأرض وهزاتها التي تكثر في اليابان. الزوج الذي يستفيق ذات صباح ويجد أن زوجته التي كان على علاقة سوية ومخلصة معها تترك له رسالة صباح اليوم التالي لهزة أرضية تبلغه فيها أنها قررت أن تهجره وتطلب منه أن لا يحاول الاتصال بها مطلقا لأنها أكتشفت أنه مجرد “قبضة هواء”، وليكتشف هو أنها بعدما هجرته، وهو زير النساء السابق (قبل الزواج)، لم يعد يستطيع أن يمارس الجنس. في قصة أخرى، ابن الله، الذي تقول له والدته أنه ابن الله، لا لأنها لم تعرف من هو أبوه، بل لأنّها وهي المتعددة العلاقات الجنسية، تخبره أن الطبيب النسائي الذي كان آخر رجل عاشرته جنسيا، رفض الاعتراف بالجنين على أنه من صلبه لأنه متأكد، أي الطبيب، أن طريقته في منع الحمل مُحْكمة ولا يمكن أن يحدث أي خطأ فيها، وأن الله أبلغها أن الطفل ابنه وهي التي أصبحت متعبدة جدا لإيمانها وتوزع المساعدات على المتضررين من الزلزال. كان ابن الله، قد أصبح شابا واكتشف أن لديه عضوا جنسيا كبيرا جدا وأن الفتيات والنساء اللواتي كن يتحلَّقْن حوله خلال الرقص كنّ يرينه أشبه بالضفدع حين يرقص. بينما هو كابن لله ولو كان تخلّى عن إيمانه، كان يستشعر ذبذبات ما تحت قدمه في باطن الأرض و”الأنهار السرية التي تنقل الرغبات” وموجات الزلازل التي تحوّل مدنا إلى ركام في لحظة، ولذا كان يقول لصديقته التي طلبت الزواج منه أنه لا يستطيع أن يتزوجها لأنه ابن الله مع أن “كل أبناء الله يستطيعون الرقص” حسب العنوان الجميل الذي وضعه موراكامي لهذ القصة. بعض مقاطع القصص في كتاب موراكامي تذهب إلى الشِّعر. كاتب فريد لا أكف عن نصح محيطي القريب بقراءته منتظرا نيله جائزة نوبل. وها أنا أكتب عنه الآن وكلما مر الوقت اخترق كتابُه هذا الصميمَ المعذَّب لزلازل الكوارث البشرية. يسيطر الواقع على المخيلة بالنتيجة في سرد موراكامي المبدع. لكن ارتجاج الزلزال يسيطر على الإثنين، الواقع والمخيلة معاً. كأن البسيكولوجيا الفردية هي الحقيقة المتأثرة والمؤثرة الأقوى في العالم. سرد لا يشبه غيره وكاتب يجعل من النفس البشرية قوة لا خلاقة فحسب، بل أيضاً قوة تدمير وبناء لا يتوقفان. المجتمع في خلفية الصورة والفرد المشتبك مع نفسه ومع الآخر في الحب والخوف والوحدة هو بطل عالم موراكامي البسيط والمعقّد معاً. هذا الكاتب هو أحد “أسرار” اليابان وهِبة من هِباتها!! ولأني لم أقرأ لموراكامي غير رواية واحدة سألت تطبيق “الذكاء الاصطناعي”: ما هي ميزات روايات هاروكي موراكامي؟ فأجاب: “روايات هاروكي موراكامي تتميز بعدة جوانب، منها: **غموض السرد:** يعتبر السرد في رواياته غامضًا ومليئًا بالرموز، مما يشجع القارئ على التأمل والتفكير العميق. **العوالم المتوازية:** يقوم موراكامي بدمج عوالم متوازية بين الواقع والخيال، مما يخلق تجارب فريدة وغامضة للشخصيات. **الموسيقى والثقافة:** يبرز استخدامه للموسيقى والثقافة كجزء أساسي في رواياته، ويُظهر ذلك من خلال الشخصيات والأحداث. **الوحدة والبحث عن الهوية:** يتناول موضوعات الوحدة والبحث عن الهوية في عالم معقد، ويقدم للقرّاء تفاعلات معقدة بين الشخصيات. **اللغة البسيطة والعميقة:** يتميز أسلوب موراكامي باللغة البسيطة والجذابة، وفي الوقت نفسه يحمل في عمقه مفردات وأفكارًا تثير التأمل. **الرومانسية الغامضة:** تظهر قصص الحب بشكل مكثف في رواياته، وغالباً ما تكون مليئة بالغموض والروحانية. هذه بعض الجوانب البارزة، ويمكن أن تختلف هذه الميزات بين رواياته المختلفة”. jihad.elzein@annahar.com.lb Twitter: @ j_elzein 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post حازم صاغية يكتب عن: نتنياهو بوصفه بن غوريون المضادّ next post عن قوة الكلمة… إليكم أكثر عبارة تدمر العلاقات الزوجية You may also like عبد الرحمن الراشد يكتب عن: حافظ وليس بشار 26 ديسمبر، 2024 بيل ترو تكتب عن: تفاصيل أسبوع استثنائي في... 26 ديسمبر، 2024 ندى أندراوس تكتب عن: هوكشتاين وإنجاز الرئاسة بعد... 25 ديسمبر، 2024 يوسف بزي يكتب عن: العودة إلى دمشق.. المدينة... 25 ديسمبر، 2024 بناء سوريا ما بعد الأسد: كيفية التأكد من... 25 ديسمبر، 2024 طارق الشامي يكتب عن: هل تضبط واشنطن إيقاع... 24 ديسمبر، 2024 سام هيلير يكتب عن: كيف يمكن الحفاظ على... 24 ديسمبر، 2024 مايكل ماكفول يكتب عن: كيف يمكن لترمب إنهاء... 24 ديسمبر، 2024 حسام عيتاني يكتب عن: جنبلاط في دمشق.. فتح... 23 ديسمبر، 2024 غسان شربل يكتب عن: جنبلاط والشرع وجروح الأسدين 23 ديسمبر، 2024