بأقلامهم جهاد الزين يكتب من بيروت عن: المثقفون الإسرائيليون بين “الكلمات والأرض” لشلومو ساند by admin 10 ديسمبر، 2024 written by admin 10 ديسمبر، 2024 130 في الكتاب ملاحظة هامة يدلي بها شلومو ساند أن تيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية كان يطمح إلى أن يكون معترَفا به ومندمجا في مناخ الانتلجانسيا الثقافية الألمانية، وأنه توجّ نحو الفكرة الوطنية للشعب اليهودي بسبب فشله في الحصول على اعتراف بين المثقفين الألمان! النهار / جهاد الزين كلما أقرأ كاتبا إسرائيليا نقديا من كبار المثقفين والباحثين الإسرائيليين تنتابني مشاعر عديدة أولها الفارق الهائل بين سلوك وأفكار المؤسسة العسكرية الإسرائيلية وأدوارها كما المؤسسة السياسية وبين الحياة الثقافية الإسرائيلية على ما فيها من ظواهر ليبرالية وحريات تفكير ونقد شجاع بعكس التوتر العنصري الذي يطبع المؤسسة العسكرية ومعظم المؤسسة السياسية خصوصا هذه الأيام من غلبة اليمين العنصري الإسرائيلي على الحياة السياسية والوطنية الإسرائيلية. ثانيها – وياللحسرة العميقة- التفاوت الهائل بين مستوى الحريات الأكاديمية والثقافية، بما فيه الإنتاج السينمائي، وبين اللا حريات التي تُطْبِق بظلامها على النقاش الداخلي العربي العربي. حتى في بلد كلبنان، ربما يعيش آخر موجة أيديولوجية مُعَسْكَرة في تاريخه. مع العلم أن بعض الجامعات الإسرائيلية لم تُظهِر ليبرالية كافية حيال بعض الأكاديميين النقديين كما حالة إيلان بابيه الذي احتضنته جامعة بريطانية. ثالثها أننا لم “نكتشف” هول التقدم التكنولوجي الإسرائيلي بالملموس، وربما الأصح لم نعترف به، سوى في الحرب الأخيرة في لبنان، ولكن علينا الآن أن نكتشف ونعترف بهَوْل التقدم الثقافي الإسرائيلي، باعتباره، كالتقدم التكنولوجي، جزءا من التفوق الحضاري الغربي. لا ينفصل التقدمان عن بعضهما البعض. الكتاب الذي أعاد تحريك هذه المعطيات في وعيي هو كتاب عمره حوالي 18- 19 عاماً صدر عام 2006 عن دار فايار في باريس، وكتبه الباحث باللغة الفرنسية، هو كتاب الأكاديمي والناقد الإسرائيلي شلومو ساند، وهو أستاذ في جامعة تل أبيب وسيكتب بعد هذا الكتاب كتابه الذي سيصبح شهيرا “اختراع الشعب اليهودي” والذي يقول في مقدمته أنه كتبه بداية باللغة العبرية لأنه يريد أن يخاطب الإسرائيليين بيهودهم وعربهم (حاملي أو مُحمّلي الجنسية الإسرائيلية) ليعود ويصدر عام 2009 بترجمة يائيل لوتان إلى الإنكليزية . يبدأ شلومو ساند كتابه الذي نحن بصدده هنا ( المثقفون الإسرائيليون) بمقدمة طويلة أخّاذة عن أصوله و سيرته مع العائلة، الأب والأم الشيوعيَيْن ، الآتية من النمسا ثم الهاربة من المرحلة النازية إلى فلسطين . سيولد (1946) قليلا قبل إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948 ليصف طفولته ثم ترعرعه في بيئة السنوات الأولى في إسرائيل محاولاً رصد معنى الانتماء للوطنية الإسرائيلية والحاجز الصلب الذي يفصل بين اليهود والعرب في الداخل وتجربته مع أصدقائه داخل الحزب الشيوعي الإسرائيلي يهودا وعربا ومنهم الشاعر محمود درويش. سيؤرِّخ شلومو تحولات الحياة الثقافية الإسرائيلية ومدى التلاشي التدريجي للتجمعات النازعة لسلام عربي إسرائيلي تحت وطأة اشتداد الصراع العربي الإسرائيلي حتى وقعت حرب العام 1967 وكان جنديا في الجيش الإسرائيلي ومدى تأثره بمشاهدة كلاب شاردة في صحراء سيناء تجرجر أشلاء من جنود مصريين. كان هذا مشهدا حاسما في وعيه السياسي وخياراته لاحقا. ثم سينتقل إلى استعراض متدرّج من ارتباط المثقفين الإسرائيليين بالمؤسسة السياسية حتى بدء انفكاكهم عنها كلما زادت سيطرة أحزاب اليمين على الحياة السياسية. هنا تحضرني الإشارة إلى مدى تأثير الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987) في إعادة إطلاق نزوعات مثقفين إسرائيليين لإنصاف الشعب الفلسطيني، وهي المرحلة التي تُوِّجَت باتفاق أوسلو بين إسحق رابين و ياسرعرفات. هنا يتحدث الكاتب عن فرصتين ضائعتين للسلام بين الفلسطينيين وإلإسرائيليين هما: الأولى في أوائل عقد التسعينات من القرن المنصرم مع اتفاق أوسلو، والثانية في نهاية العقد نفسه حين تولت حكومة إيهودا باراك اليسارية السلطة والمحاط بعدد من المثقفين وأجرت محادثات كامب دايفيد مع ياسر عرفات. شلومو ساند يرى أن ما عرضه باراك على عرفات لم يذهب أحدٌ قبله إلى تقديمه وخصوصا القبول بفكرة قدس فلسطينية واقتسام الأماكن المقدسة حتى لو أنه يعترف أن الطرقات الإسرائيلية بين المستوطنات الإسرائيلية بلغ امتدادها على مساحة 88 بالمائة من الضفة الغربية. ويقول شلومو الذي يأخذ على ياسر عرفات أنه لم يكن يجيد شفرات أو مفاتيح أو رموز الثقافة الغربية، أن معظم المثقفين الإسرائيليين وقفوا في صف واحد ضد عرفات، بما شكّل في رأيه لحظة تضامن نادرة بين المثقفين الإسرائيليين والرأي العام الشعبي الإسرائيلي، لأن تاريخ الحياة الثقافية الإسرائيلية هو عزلة المثقفين اليساريين والليبراليين عن الأفكار الشعبية. ليس سهلا اختصار كتاب شلومو ساند الذي يذهب إلى عمق التزاوج والتضاد بين الثقافة الدينية اليهودية قبل تأسيس دولة إسرائيل وبعدها وبين المشروع الوطني الإسرائيلي. ومن هنا عنوان الكتاب الرئيسي “الكلمات والأرض”. فبين تأثير الثقافة اليهودية الدينية (التوراة ككتاب مقدّس)في تشكيل الوعي الثقافي اليهودي وبين مشروع إنشاء الوطن القومي الذي قادته الحركة الصهيونية تتشكّل كل المفارقة بل المفارقات الثقافية لتاريخ المثقفين الإسرائيليين المعاصر. يقف الكاتب طبعا عند ظاهرة “المثقفين الما بعد صهيونيين” ومصيرها معالجا هذا المصير بين كونه حركة تأريخية أو حركة ثقافية وسيكتب أنها تلاشت بعد الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى) في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. فيما سيشير إلى مآل ظاهرة “المؤرخين الجدد” في الثمانينات التي ساهمت في إعادة قراءة نقدية للتاريخ الرسمي الصهيوني وسيشير كيف أن بني موريس أحد أبرزهم سيرتد لاحقا ليعلن أن التطهير السكاني العرقي عام 1948 الذي قام به المقاتلون الصهيونيون لم يكن ممكنا تلافيه!! في الكتاب ملاحظة هامة يدلي بها شلومو ساند أن تيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية كان يطمح إلى أن يكون معترَفا به ومندمجا في مناخ الانتلجانسيا الثقافية الألمانية، وأنه توجّ نحو الفكرة الوطنية للشعب اليهودي بسبب فشله في الحصول على اعتراف بين المثقفين الألمان! ذكّرَتْني هذه المعلومة في كتاب شلومو ساند بالمثقف المعروف ساطع الحصري الذي سينتقل من الدعوة للقومية التركية إلى أن يصبح أبرز مفكر بل مؤسِّس للقومية العربية بعد انهيار الأمبراطورية العثمانية وبين الحربين العالميتين الأولى والثانية وفي ظل حكم الهاشميين في العراق. كيف إذن المؤسسان الأبرز للفكر القومي اليهودي تيودور هرتزل والفكر القومي العربي ساطع الحصري بدآ الأول مثقفا معجبا بالثقافة الألمانية وطامحا لموقع فيها والثاني مثقفا وداعية للقومية التركية؟ 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post عبد الرحمن الراشد يكتب عن: من سيحكم سوريا؟ next post والد ووالدة أسماء الأسد.. تفاصيل من حياة لندن ووقت المغادرة You may also like ريفا غوجون تكتب عن: رهانات فعلية في سباق... 12 يناير، 2025 حازم صاغية يكتب عن: مسألة «الصراع» و«القضيّة» اليوم! 12 يناير، 2025 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: نهاية الحروب اللبنانية... 11 يناير، 2025 رضوان السيد يكتب عن: سوريا بعد الأسد واستقبال... 10 يناير، 2025 ابراهيم شمس الدين يكتب عن: هوية الشيعة الحقيقية... 10 يناير، 2025 منير الربيع يكتب عن: “الوصاية” الدولية-العربية تفرض عون... 10 يناير، 2025 لماذا يسخر ترمب من كندا بفكرة دمجها كولاية... 9 يناير، 2025 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: هل مسلحو سوريا... 9 يناير، 2025 حازم صاغية يكتب عن: لا يطمئن السوريّين إلّا…... 9 يناير، 2025 ديفيد شينكر يكتب عن: لبنان يسير نحو السيادة... 9 يناير، 2025