بأقلامهم جهاد الزين يكتب من بيروت عن : الحقل الخصب للتدخل الصيني في الشرق الأوسط : by admin 10 يونيو، 2023 written by admin 10 يونيو، 2023 66 متى تستضيف بكين طاولة حوار فلسطينية إسرائيلية؟ النهار اللبنانية \ جهاد الزين في الأساطير الصينية القديمة إله النار ليس الشيطان الشرير في ديانات الشرق الأوسط التوحيدية الثلاث بل هو إله النار الذي نزل من السماء وحاول فض بعض النزاعات بين أفراد، متجنِّباً النزول بكامل طاقته النارية حتى لا يؤذي البشر إلا أولئك الذين لم يتوقّفوا عن تعذيب غيرهم(*). بعدما قررت الصين الاقتحام الديبلوماسي لمنطقة الشرق هل تقرر “آلهتها” النزول إلى جحيم النزاع الإسرائيلي الفلسطيني لاسيما أن القمة العربية في جدة أعلنت بقيادة السعودية “التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية عربيا وعلى المبادرة العربية كسبيل لحلها” كما “التأكيد على أهمية تكثيف الجهود للتوصل إلى تسوية عادلة للقضية الفلسطينية”. تهيمن الولايات المتحدة الأميركية على منطقتنا منذ حلولها في الواجهة كصاحبة النفوذ الأول مكان بريطانيا وفرنسا في الشرق الأوسط وخصوصا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ولا بد من التذكير بأن اسمه أصبح الشرق الأوسط وليس الشرق الأدنى بعدما صار بين يدي واشنطن بعد العام 1945 بل بعد العام 1948. لن تحتاج الصين إلى تغيير الاسم الجِهَوي لمنطقتنا لأنها ستبقى الشرق الأوسط بالنسبة لبكين مع فارق أنها تقع في شمالها، شمال الشرق الأقصى الذي تقع فيه الصين. ما تحتاج إليه بكين هو إعادة فرز هذه المنطقة سياسيا والحصول على مكان سياسي فيها. وهي تحاول ذلك بقوة في آسيا الوسطى المحاذية لأقصى شمالها وغربها عبر القمة التي شهدتها الصين مؤخراً والتي ضمت إلى الرئيس الصيني رؤساء كل من طاجيكستان وقيرغيزستان وأوزباكستان وتركمانستان وكازاخستان. جاءتها الفرصة الديبلوماسية الكبرى الأولى من المملكة العربية السعودية التي تدخل بقيادة ولي عهدها الشاب محمد بن سلمان في ما أصبح يعادل عملية التأسيس الثانية للمملكة، نظاماً سياسيا وموقعاً دولياً. و إذْ التقتْ الحاجة السعودية للتغيير ومن ضمنها وقف حرب اليمن، مع حاجة النظام الإيراني المختنق اقتصاديا واجتماعيا لهدنة وربما أكثر مع السعودية، قطفت الصين تلك اللحظة بكفاءة مشهودة. لقد استبدل النظام الإيراني شعاره التأسيسي “لا شرقية ولا غربية” بسياسة انخراط كامل مع الشرْقَيْن الروسي والصيني فيما السعودية تحاول “فقط” الخلاص من عبء حرب اليمن وأن توسِّع هامش حركتها الدولية إلى جانب التزامها التاريخي بالعلاقة مع الولايات المتحدة، في وقت يستمر التركيز الأميركي الاستراتيجي ضد الصين و على الحرب في أوكرانيا. وهذا في نظر مراقبين ذوي خبرة كإليوت أبرامز المستشار السابق للرئيس جورج دبليو بوش للشرق الأوسط، سيعزز إعطاء الانطباع عن الابتعاد الأميركي عن منطقة الشرق الأوسط. يشير أبرامز في حديث نقلته صحيفة “الجيروزاليم بوست” مؤخراً إلى تضاؤل أهمية النفط كعامل في استراتيجية التخفيف الأميركي من الاهتمام بمنطقتنا ولكنه يقول أن هذا العامل (تضاؤل أهمية النفط) هو صحيح للعام 2050 ولكنه غير صحيح للعام 2030. إذن هي لحظة فراغ ولو غير مكتمل بدأت الصين الاستفادة منه في رعايتها التفاهم السعودي الإيراني وهي أصلا في ذروة استيرادها للنفط الإيراني كما السعودي. السؤال هل آن الأوان لتضرب الصين ضربتها الديبلوماسية الكبرى فتحاول أن تتدخل كوسيط في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أم لا يزال هذا الهدف على الأرجح بعيدا ؟ لا تبدو إسرائيل في الظرف الراهن رغم علاقاتها المتشعبة اقتصاديا وتكنولوجيا (بما فيها بعض التكنولوجيا المحتمل استخدام الصين العسكري لها)….. لا تبدو مهيّأة لقبول دور صيني في صراعها مع الفلسطينيين والسبب طبعا أن واشنطن ستعتبر ذلك استفزازاً كبيرا لها، ثم بالمقابل هل الصين مستعدة للدخول في هذا النفق الصعب والمعقد جدا؟ راجع دراسة مؤسسة “راند” عن العلاقات الصينية الإسرائيلية (**). ثم أي طرف فلسطيني، رسمي أو سياسي يمكن اعتباره جاهزاً للقبول بدور الوساطة الصينية مع إسرائيل؟ قد تكون السلطة الفلسطينية و”حماس” بسبب الوضع الصعب للشعب الفلسطيني والخيبة الدائمة من الغرب مهيأتَيْن لهذا القبول بصورة أو بأخرى، خصوصا السلطة الوطنية بينما السؤال الفعلي هنا مطروح على إسرائيل التي لم تصل بعد إلى هذا الحد من الاستقلالية عن واشنطن، أعني المجازفة بقبول دور وساطة صينية في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. مع أن حكوماتها اليمينية المتعاقبة (إسرائيل) تسير في خط اللاحل مع الفلسطينيين رغما عن إرادة الأميركيين، وهو خط زيادة المستوطنات في الضفة الغربية والقدس. هذا إذا وضعنا جانبا إيغال المجتمع الإسرائيلي نفسه في الجنوح نحو تأييد أقصى اليمين العنصري. وهذا بحد ذاته لا يشجِّع أي طرف دولي في المبادرة إلى أي وساطة. هل يجب تسمية الدور الصيني هذا في حال حصوله “وساطة”؟ تملك الثقافة السياسية الصينية قدرةً على إطلاق تسميات خاصة لو نضج الدور المشار إليه مثلما أنتجت الثقافة السياسية الأميركية مصطلح ” الوسيط الشريف” في الصراع العربي الإسرائيلي. لكن المسألة لا تتعلق بالتسميات بقدر تعلقها بمضمون الأهداف المتوخاة. فلا شك أن الذاكرة الصينية حاضرة في تقييم تجربة الاتحاد السوفياتي الوخيمة في الصراع العربي الإسرائيلي عندما كانت واشنطن وموسكو تستخدمان هذه “الورقة” أيام “الحرب الباردة” بينهما حتى تمكنت واشنطن من انتزاعها كليا لصالحها ولكن بعد سقوط الاتحاد السوفياتي. على أي حال يبقى وسيبقى الشرق الأوسط حقلاً خصبا لتدخل القوى العظمى. كيفما نظر المراقب أو الديبلوماسي يجد دولا بعضها مهتز وبعضها ناقص الشرعية وبعضها قلق واليوم أصبحت على مساحة النفط العائم دول حروب أهلية في بعضها. تعرف الصين أن متاهة الجغرافيا والأديان والقوميات هذه هي متاهة مصالح دائمة كان النفط عنوانها في القرن العشرين، فهل تبقى كذلك في القرن الحادي والعشرين؟ لو افترضنا أن الديبلوماسية الصينية وصلت إلى هذا الحد من الطموح “الوساطي” في المنطقة بعد نجاح رعايتها للتفاهم السعودي الإيراني، فإن حقبة جديدة فعلا قد تكون بدأت، و ربما شهدت أيضا تركيزا صينيا على دور ما للإمارات في هذا السياق. من الطبيعي القول أنه في الحالة السعودية الإيرانية تدخل الديبلوماسية الصينية إلى مجال تفاهمي مدعومٍ بملايين براميل النفط التي تستوردها الصين من آبار السعودية وإيران، بينما في الحالة الفلسطينية الإسرائيلية ستدخل إلى مجال نزاعي، بل إلى المجال النزاعي الأعقد والأطول في العالم المعاصر. وبهذا ينتقل السؤال هو ماذا ستجني الصين من حصاد سياسي؟ وهذا بحث طويل قد ينسف الفكرة من أساسها في بكين أو يؤجلها لزمن آخر! لكن لا بد أن صانعي القرار الصيني يضعون في حسبانهم أنه لا دور مكتملاً في الشرق الأوسط دون شرعية حق التدخل في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. حتى لو أسفر ذلك عن لاشيء أو ما يشبهه. (*) إله النار تشو رونغ -تأليف شياو ماو- “ترجمة شركة مأمون للترجمة” إلى العربية- منشورات الدار العربية للعلوم ناشرون- سلسلة حكايات من أدب الأطفال مستوحاة من”كلاسيكيات الجبال والبحار” (**) The Evolving Israel-China Relationship Shira Efron, Howard J. Shatz, Arthur Chan, Emily Haskel, Lyle J. Morris, Andrew Scobell (2019)- 196 صفحة – RAND Corporation jihad.elzein@annahar.com.lb Twitter: @ j_elzein 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post وثائق: محمد بن سلمان رد على تهديدات بايدن بتهديدات اقتصادية next post عايدة فحماوي تكتب عن : الأدب فوق التاريخ: أولاد الغيتو رواة النكبة You may also like مايكل آيزنشتات يكتب عن: مع تراجع قدرتها على... 21 نوفمبر، 2024 ما يكشفه مجلس بلدية نينوى عن الصراع الإيراني... 21 نوفمبر، 2024 غسان شربل يكتب عن: عودة هوكستين… وعودة الدولة 19 نوفمبر، 2024 حازم صاغية يكتب عن: حين ينهار كلّ شيء... 19 نوفمبر، 2024 رضوان السيد يكتب عن: ماذا جرى في «المدينة... 15 نوفمبر، 2024 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: ترمب ومشروع تغيير... 15 نوفمبر، 2024 منير الربيع يكتب عن..لبنان: معركة الـ1701 أم حرب... 15 نوفمبر، 2024 حميد رضا عزيزي يكتب عن: هل يتماشى شرق... 15 نوفمبر، 2024 سايمون هندرسون يكتب عن.. زعماء الخليج: “مرحبًا بعودتك... 15 نوفمبر، 2024 الانتخابات الأمريكية 2024: وجهات نظر من الشرق الأوسط 15 نوفمبر، 2024