بأقلامهم جهاد الزين يكتب من بيروت عن : أُميّة جوزف سماحة تستكشف المجاهل النفسية للمخيَّم الفلسطيني by admin 22 يوليو، 2023 written by admin 22 يوليو، 2023 105 دفي هذه المراجعة للكتاب الكثير من التعسف، لأن تجليات التجربة ورواياتها بما فيها العنف المنزلي ووجوه أخرى من العنف لا المعيشي فقط، موجودة فيه وبالتالي غير قابلة للاختصار. النهار – جهاد الزين من هو هذا الفلسطيني الذي أحبّه جو (جوزف) كثيرا ؟ هكذا تبدأ أميّة جوزف سماحة مقدمة كتابها ، مقدمة المقدمة، “من فلسطين إلى شاتيلا – اكتشافي لمخيّم لاجئين” الصادر بالفرنسية في باريس عن دار “لارماتان”(*). إنه ليس محض استكشاف جغرافي لمخيم شاتيلا، على وصفه الجغرافي الذي تقوم به كاتبة لأحياء ومساكن هذا المخيم القائم في جنوب بيروت، بل هو استكشاف أو إعادة استكشاف لمجاهله النفسية، بدأته بسبب ما خَبِرَتْه من تعاطف والدها الزميل الراحل جوزف وعيشه منتميا للقضية السياسية الفلسطينية. لكنها إذْ تدخل رحلتها فهي تفعل في وفاءٍ لوالدها ما لم يفعله والدها وهو العيش لأشهر طوال في المخيم، داخله بالمعنى العميق للداخل، الجغرافي والنفسي، وقد ذهبت إلى هناك كمختصة نفسية، محوِّلةً الكتاب إلى شهادات في “عيادة” نفسية لهؤلاء البشر المنكوبين منذ زمن طويل وعلى مدى أجيال. لكن أميّة قبل أن تمضي في عرض الحالات، مع نسبة كبيرة بينهم من الأطفال، تسترسل في رحلة وصف لمن هو هذا اللاجئ؟ وتحاول أن لا تترك أي مجال يتعلّق بشخصيته كفرد فتعيد تعريف مشاعر المتصلين به، وفي المقدمة هي نفسها. ستسبر أميّة غور مشاعرها نفسها كمقيمة في المخيم وكباحثة، ولذلك نحن هنا أمام إعادة تشخيص للزائر (ة) من خلال اللاجئ كأننا في مرآة أحدهما للآخر ينظران لبعضهما البعض ويستكشفان، كلاهما، من هو، قبل أن تنتقل لعرض شهادات – حالات محددة. هكذا نكتشف أن العالم ينقسم إلى قسمين بالنسبة للاجئ- اللاجئة: المخيم وخارج المخيم، يقول لها صديق ” عندما أكون خارج المخيم أشعر أني أصبحتُ عارياً” كذلك هناك “تقسيم” آخر في الكتاب بين الملجأ في البناية العادية تحت الأرض الذي كانت تهرب إليه مع عائلتها ساعات القصف في الحرب الأهلية وبين المخيم الفلسطيني رغم أنّه فوق سطح الأرض! في وصف بليغ بالقدْر الذي تنطوي عليه المأساة المديدة من بلاغة تعبيرية. هنا تدخل الكاتبة إلى ظلمات النفْس الفلسطينية اللاجئة حتى تجد كيف أن البؤس أكثر أمانا في الداخل من مواجهة العالم الخارجي المحفوف بالمخاطر المتنوعة.. يأخذ التحليل النفسي للأطفال، حاجاتهم المنقوصة أو الغائبة، تلهّفَهم لملكية الألعاب، الرغبة بالعنف بين الأشقاء وغير ذلك من مظاهر الحرمان لأطفال بأعمار تبدأ من سن الثالثة إلى صبايا وشبان. مع ذلك هي تلمس أن هذا الداخل (المخيم) مكان يضج بالحياة. وإذ تصف الانقطاع الطويل للكهرباء كجزء لا يتجزأ من حياة المخيم عن بيوت ضيقة تبدو وكأنها بُنِيَتْ دون حساب لمن سيسكنها. (على كل حال أضيف من عندي هنا أن الجحيم اللاكهربائي لم يعد خاصا بالمخيمات الفلسطينية كما هو معروف في ظل انحطاط دولتنا اللبنانية ). لقد تقدّم “عِلم اللجوء” و”عِلْم المخيمات” في العقود الأخيرة حتى أصبح أحد مجالات الدراسات السيولوجية والأنتربولوجية واالبوليتولوجية الأساسية في الجامعات الغربية. هنا عدا عن كون أميّة تقدّم مساهمتها الميدانية كمختصة نفسية فهي أيضا تقدّم شهادة وفاء جادة ودقيقة وحارة للجوء الفلسطيني أينما كان. ويا ليت كان والدها جوزف سماحة معنا لأعبِّر له عن إعجابي بالعمل الذي يستحق ترجمة أكيدة ورصينة إلى العربية وغير العربية. لن أصف ما تصفه أميّة في مقدمتها الطويلة وفصول كتابها الذي يضم أيضا شهادة من مخيم برج البراجنة، بل سأنقل بعض ما تقوله، وهي في ذلك تتيح، عدا قيمة تجربتها في الإطار الذي تعيش فيه، فئاتٍ اجتماعيةً هي الأكثر بؤسا كالسريلانكيين والجنوبْ إفريقيين والغجر ( تقول: المخيم هو عالم جديد بالنسبة لي. أنا كريستوف كولومب)! سِمَتا المخيم كمنفى وبيئة مُستعمَرة تجعلان من هذا الغيتو “حيث الزقاق لا يزيد عرضه عن عرض الكتفين” وحيث يلعب الأطفال بين النفايات، تجعلان أيضاً الكاتبة تفترض أنها هي نفسها، لو كانت أحد هؤلاء الأطفال وتعيش مثلهم في المخيّم، “لما خرجت من”بيتها”. في هذه المراجعة للكتاب الكثير من التعسف، لأن تجليات التجربة ورواياتها بما فيها العنف المنزلي ووجوه أخرى من العنف لا المعيشي فقط، موجودة فيه وبالتالي غير قابلة للاختصار. على أني أقف عند قول أميّة في الخلاصة أنه بعد تجربتها هذه، باتت تشعر إن ما واجهه اللبنانيون والفلسطينيون “هو شيء أكبر منا معا كشعبين”. (*)Oumaya Samaha: “De La Palestine à Chatila- Ma Decouverte d’un camp de réfugiés” -L’Harmattan- 245 pages jihad.elzein@annahar.com.lb Twitter: @ j_elzein 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post Fuel prices take a slight jump overnight next post رضوان السيد يكتب عن : النظرية الأخلاقية والفعل والمسؤولية You may also like الميليشيات العراقية تكشف عن حاملة طائرات “سرايا أولياء... 30 نوفمبر، 2024 يوسف عزيزي يكتب عن: لغز الفرس في إيران 29 نوفمبر، 2024 علي شرف الدين يكتب عن: ماذا يحمي لبنان... 29 نوفمبر، 2024 داريوش معمار يكتب عن: “آلية الزناد” سلاح الغرب... 29 نوفمبر، 2024 شيرين عبادي تكتب عن: السعودية وإيران من وجهة... 26 نوفمبر، 2024 غسان شربل يكتب عن: لبنان… و«اليوم التالي» 26 نوفمبر، 2024 ساطع نورالدين يكتب عن: “العدو” الذي خرق حاجز... 24 نوفمبر، 2024 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: شالوم ظريف والمصالحة 24 نوفمبر، 2024 حازم صاغية يكتب عن: لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ 24 نوفمبر، 2024 مها يحيى تكتب عن: غداة الحرب على لبنان 24 نوفمبر، 2024