بأقلامهمعربي جهاد الزين من بيروت : النظام الطائفي حوّل اللبناني إلى “حيوان ديني” by admin 12 فبراير، 2023 written by admin 12 فبراير، 2023 20 حاول الجيل الشاب الجامعي اللبناني الذي ضم أفضل ما في الطبقة الوسطى اللبنانية في حراك 17 تشرين 2019 وما بعده فك أسر النظام الطائفي ونجح في إسقاط أخلاقي للمنظومة السياسية ولكنه لم ينجح في إسقاطها السياسي النهار اللبنانية – جهاد الزين هذا التوصيف الجدي جدا ليس مفصولا عن الإرث الذي أطلقه تعبير أرسطو الشهير عن الإنسان ك “حيوان سياسي” ولا عن التعبير الذي ارتسم في القرن السابع عشر في أوروبا كون الإنسان “حيوانا دينيا”. فكما أن الدولة هي نتاج الطبيعة في نظر أرسطو فإن غيابها سمح لمفكرين كثر القول أنها تحوّل الإنسان إلى أسوأ ما في حيوانيّتِه وهو القتل. مدخل النقاش اللبناني خصوصا في هذه الأيام من انهيار الدولة وما يستتبعه من انهيار الاقتصاد وبمعنى ما انهيار المجتمع تحت وطأة انهيار الأمن والصحة وغيرها من الخدمات “الإنسانية” هو تحوّل اللبناني إلى كائن ساعٍ للبقاء بمعانيه الأكثر بدائية. ولكن السؤال الأعمق الذي يطرحه تجدد حروبنا الأهلية وآن الأوان لطرحه هو: هل النظام الطائفي اللبناني يحوِّل اللبناني إلى “حيوان ديني” بأكثر المعاني سلبيةً وهو المعنى العصبي لا الإيماني؟ نظام سياسي يُنتِج الحيوانية العصبية القاتلة في جماعاته “الدينية” ضد بعضها البعض؟ ليست القتالية هنا محصورة بالحرب كفعل إلغاء جسدي للآخر بل إن الدينامية الطائفية للنظام السياسي التي توجِّه نظرة اللبناني نحو تفعيل مستمر لفكرة كونه محتاجا إلى تحسين مواقعه الفئوية هي التي تجعل الحياة العامة للفرد اللبناني حربا يومية بل لحظوية من التجسيد الصراعي ضد الآخر لا كتجمّع إنساني يحدد هدفه بمثال أعلى جامع في الشأن السياسي بل كفئة بشرية ذات صفة مختلفة في المعتقَد الديني وأضع كلمة معتَقد بين هلالين. على أن المعتقد هنا ليس حاسماً لأنه لا شخصٌ معتقِدٌ يبني “موقعه” على الاعتقاد بل على اختلاف الطقوس لا الإيمان وعلى اختلاف المصالح. لذلك النظام الطائفي اللبناني وهو يحدد نظام “الأحوال الشخصية” بالهرمية الطائفية يغلق العَصَب على نفسه ويهيّؤه لحالة دائمة من الاختلاف النهائي. الإيمان الديني هو كذبة النظام الطائفي الأولى والكبرى. فرضية تغرف من الدين حجتَها الوجودية دون أن تأخذه على محمل الاعتقاد بل تأخذه على محمل الابتعاد الدائم عن الآخر في “أهدأ” الحالات، وفي أسوئِها التناقض معه حتى الصدام. هكذا هي “السياسة” في النظام الطائفي: افتراض “حيواني” للصراع يقوم لا على إمكانية التغيير أي على تحوّل يعيد فرز الطبقات والكتل ويغيّرها، بمعنى يرقّيها، بالاختلاط الصراعي للهدف السياسي الوطني والاجتماعي بل على تأبيد انحصاره في مستوى واحد لا يتغيّر: الطائفة. مع مرور الوقت يتحوّل النظام الطائفي إلى إهانة دائمة للبناني. فهو يعيش ويتفاعل مع هدف أدنى مُخجِل (بكسر الجيم) من صورة الآخر وقسرية اختلافه في المصالح ونزعات المصالح على بُعد شقة أو طابق أو شارع أو حي أو منطقة ملاصقة أو قصِيّة. على أن الفكرة الأكثر حيوانية للنظام الطائفي هي فكرة الحماية التي يزعم تأمينها للّبناني كطائفي وكجماعة طائفية. فعدا عن كون الحرب الأهلية مع كل بشاعاتها الإلغائية من البيولوجيا إلى الأنتروبولوجيا هي واقع حياة ماضٍ وحاضرٍ وآتٍ في النظام الطائفي، يصبح الوطن أو الدولة هي الغابة الداخلية المغلَقة للشأن العام، وتصبح الهوية ذات معنى وحيد هو التناطح بين جماعات ذوات مفهوم حيواني للأمان وبين أفرادٍ، كلٌ منهم ذو قرن واحد هو البقاء. يولد الحيوان الديني في غابة النظام الطائفي. وتاريخ كل غابة ليس فقط تقاتل حيواناتها للبقاء بل الأهم هو تاريخ انقراضها الدائم. لذلك على الفكر الإصلاحي السياسي اللبناني المتوقف عن الإنتاج منذ ثمانينات القرن المنصرم أن يجد أجوبة جديدة لعدد من المسائل التي تبدو متباعدة كمفهوم الحماية ومعنى المواطنية ومعنى الوطنية وغير ذلك من مسائل تفعيل الدولة الديموقراطية بعدما ظهر أن سلّة “إصلاحات” الثمانينات المشار إليها أدّت إلى نقل النظام الطائفي من طور من الحيوانية السياسية إلى طور آخر جعل اللبناني في جملة خسائره حيوانا دينيا أكثر مما كان عليه في ظل هذا النظام. حاول الجيل الشاب الجامعي اللبناني الذي ضم أفضل ما في الطبقة الوسطى اللبنانية في حراك 17 تشرين 2019 وما بعده فك أسر النظام الطائفي ونجح في إسقاط أخلاقي للمنظومة السياسية ولكنه لم ينجح في إسقاطها السياسي. ورغم دعم السفارات أي الدول الغربية، الدعم المبارَك، لهذا الحراك، أيضا لم يتمكّن من تخطي المراوحة السياسية. فَشِلَ جيلنا في السبعينات والثمانينات في تقديم إصلاح سياسي فعّال، ربما لأنه قام على اعتقاد هو التخفيف من حيوانية النظام الطائفي وليس إلغاءها وقد يكون هذا تفسيرا مُبتسَرا للفشل بسبب اختلاط أزمات النظام الطائفي بأزمات نظام المنطقة وبسبب عدم تمكّن جيلنا الذي انخرط في أعنف حيوانيًات النظام الطائفي خلال الحرب الأهلية وما بعدها، عدم تمكنه من التصدي الجذري لفلسفة النظام الطائفي ومفاهيمه عن المواطنية والوطن والحماية. لا ننتظر نجاح 17 تشرين بعد الآن على المستوى السياسي. فالمنظومة الحاكمة الساقطة أخلاقيا، منتصرة سياسيا. ولكن ربما باستطاعتنا انتظار فكر سياسي إصلاحي جديد غير الإصلاحية السياسية السابقة المفلسة والتي تتكرر بأشكال مختلفة بل تجترّ نفسها إذا جاز التعبير. فكر جديد ومستوحى من تراكمات الماضي الفاشلة ومن تجربة شباب 17 تشرين، شباب اليوم، “حكماء” المستقبل في الداخل والدياسبورا. شكّلت الحربُ الأهليةُ والهجرةُ الأقنومَيْن الدائمَيْن ل”الإنقراض” اللبناني المعاصر. فالهجرة هي الانقراض المجازي، ليس للنوع القادر على البقاء في مجتمعات أخرى، بل انقراض الحيوية الداخلية التي يتآكل معها مشروع الدولة كما قدرة المجتمع على إنتاج دولة فعّالة. الحيوانيّة الحالية التي يعيشها لبنان الراهن تحتاج إلى جيل وربما أكثر لترميم الطاقة السياسية المبدَّدة. وعلى ما تبقّى من طاقة جيل 17 تشرين أن تواجه هذا الوضع الجديد لتآكل الدولة والمجتمع بفكر سياسي ذي موضوعات مختلفة أهمها، من وجهة نظري، مدى صلاحية فكرة إلغاء الطائفية السياسية التي سيطرت على الفكر الإصلاحي للثمانينات،أن تكون معبّرة عن نظام سياسي جديد. jihad.elzein@annahar.com.lb Twitter: @ j_elzein 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post جنى نصرالله تكتب الى لور غريب next post الشرق والغرب يلتقيان في الثورة البشرية الجديدة You may also like ريفا غوجون تكتب عن: رهانات فعلية في سباق... 12 يناير، 2025 حازم صاغية يكتب عن: مسألة «الصراع» و«القضيّة» اليوم! 12 يناير، 2025 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: نهاية الحروب اللبنانية... 11 يناير، 2025 رضوان السيد يكتب عن: سوريا بعد الأسد واستقبال... 10 يناير، 2025 ابراهيم شمس الدين يكتب عن: هوية الشيعة الحقيقية... 10 يناير، 2025 منير الربيع يكتب عن: “الوصاية” الدولية-العربية تفرض عون... 10 يناير، 2025 لماذا يسخر ترمب من كندا بفكرة دمجها كولاية... 9 يناير، 2025 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: هل مسلحو سوريا... 9 يناير، 2025 حازم صاغية يكتب عن: لا يطمئن السوريّين إلّا…... 9 يناير، 2025 ديفيد شينكر يكتب عن: لبنان يسير نحو السيادة... 9 يناير، 2025