بأقلامهمعربي جهاد الزين من بيروت : “الترجمات العربية للكتاب المقدّس وأثرها في عصر النهضة”.. أمين ألبرت الريحاني يدعو إلى عهد جديد للعهد الجديد (القديم) by admin 11 يناير، 2023 written by admin 11 يناير، 2023 85 الكاتب (ص 132) يدعو بشجاعة إلى تجديد العهد الجديد استنادا إلى قول المسيح “جئتُ لأُكمِل لا لأنقض” ويكتب ” العهد الجديد بات عهدا قائما بذاته ولذاته ولم يعد بحاجة إلى عهد قديم قد تجاوزه وتخطّاه”. النهار اللبنانية – جهاد الزين قرأت من الغلاف إلى الغلاف كتاب الدكتور أمين ألبرت الريحاني “الترجمات العربية للكتاب المقدّس وأثرها في عصر النهضة” الصادر مؤخّراً عن “دار نلسن”، وقبل أن أعرض الكتاب الذي يتحدث عن ترجمات العهدين القديم والجديد اللذَيْن تتبنّاهما الديانة المسيحية( أي جميع كتب اليهود بما فيها التوراة كعهد قديم و الإنجيل بكتبه الأربعة كعهد جديد) إلى اللغة العربية منذ القرن السادس عشر إلى القرن التاسع عشر الذي شهد الترجمتين الرئيسيتين الأخيرتين البروتستانتية والكاثوليكية. … قبل أن أعرض الكتاب سأسارع إلى التوقف عند ثلاثة أفكار – استنتاجات بين الخلاصات العديدة التي يصل إليها الكاتب في هذا الكتاب لأنها برأيي شديدة الأهمية. هي ثلاثة أفكار أوافقه في أولاها وأعارضه في ثانيتها وأفكِّر متأملاً في ثالثتها: 1- في الصفحة 126 وقد أصبح الباحث في الأجزاء الأخيرة من دراسته يكتب مستندا إلى ما أثبته وثبّته من أدوار اللبنانيين في ترجمات العهدين القديم والجديد إلى اللغة العربية منذ القرن السابع عشر ما عدا واحدة هي الإنكليزية لم يساهم فيها سوى مترجمين إنكليز (1657) يكتب التالي: ” كوكبة من اللبنانيين نقلوا العهد القديم ثم العهد الجديد إلى العربية وكانوا في عملهم هذا ينقلون كذلك اللغة العربية من العهد القديم إلى العهد الجديد”. اشتقاق مضموني لغوي: العهد الجديد للغة العربية. لم يأت أمين ألبرت الريحاني وحده برأي شبه متفق عليه من حيث تأثير ترجمة الكتاب المسيحي المقدّس على اللغة العربية الحديثة، ولكن القول ب”عهد جديد” لهذه اللغة انطلاقا من ذلك هو توصيف مبتكر وخلاق. كيف ننسى هنا، ونقول هذا في معرض التأييد لصياغة الباحث، أن المصلح الألماني مارتن لوثر في نظر الألمان المعاصرين هو المؤسِّس للغة الألمانية الحديثة مع ترجمته للعهد الجديد (نُشِرت عام 1522) ثم العهد القديم (1534) وهذا طبعا ما كان في ذهن أمين ألبرت الريحاني وهو يكتب في الصفحة الأخيرة من بحثه (ص 136): “حركة الترجمات في العالم غيّرت الحضارات، أو طَبَعتْها بخصائص جديدة….و كذلك حركة الترجمة العربية في القرن التاسع عشر كانت من أبرز أسباب النهضة العربية الحديثة في لبنان ودنيا العرب”. 2- نصل هنا إلى الرأي الذي أعارضه. ففي الصفحة 126 في ملاحظته الرقم 4 يكتب أمين ألبرت الريحاني ما يلي: “حمل العهد الجديد بلغته العربية بذور أدب عربي جديد وبذور شعر عربي جديد، بل بذور نهضة فكرية عربية تصحِّح المسار وتشير إلى أن النهضة العربية في لبنان مع القرن السابع عشر ولم تنتظر نابوليون وجحافله الغازية في أواخر القرن الثامن عشر ومطلع القرن التاسع عشر، الأمر المتداوَل زوراً وبهتانا”. أظن هنا ذهب الكاتب بعيدا، بعيدا جدا في استنتاجه بما لا يتيحه لا البحث نفسه ولا مادته. على الأقل نحن هنا أمام مبالغة كبيرة تحتاج إلى بحث بل أبحاث. فالتخفيف من قيمة غزو نابوليون على حركة الحداثة العربية خصوصا حين يستخدم تعبير “زورا وبهتانا” يلغي إرثا كاملا في حقول معرفية وفكرية مختلفة. ربما من الأدق القول أن بعض عوامل النهضة كانت تحصل في جبل لبنان أو بتأثير لبنانيين في أوروبا ولكن غزو نابوليون كانت أهميته كما يعلم طبعا الكاتب في الصدمة الشاملة والعميقة التي أحدثها بينما البذور الترجمائية اللبنانية كانت تُزرع بهدوء، لاشك، ولكن الفارق لا يُقارَن في الحجم لصالح الصدمة النابوليونية المتعددة المستويات. ناهيك طبعا، وهذا رأيي الخاص، أن حركة رصد حقول النهضة العربية أَهملت طويلا ما كان يجري من تفاعلات تحديثية على مدى القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين في اسطنبول مركز الأمبراطورية العثمانية. هنا عليّ أن أستذكر ما كتبه برنار لويس في كتابه “ما الخطأ الذي حدث” ( What Went Wrong? – The Clash Between islam And Modernity In The Middle East) والصادر عام 2002 – أنه حتى أواخر القرن الثامن عشر كان الكتاب الأوروبي الوحيد الذي تُرجِم في اسطنبول هو كتاب طبي عن مرض السفلس. إنما مسار القرن التاسع عشر أخذ لاحقاً منحى كثيفا مختلفا في محاولات التحديث العثماني، الفكري والسياسي، كما هو معروف، خصوصا بعد أن أصبحت حركة الترجمة إلى التركية حركة منظمة وكثيفة في حقول عديدة. 3- الرأي الثالث العميق الذي استوقفني في الكتاب وأجد أنه يستدعي التأمل حتى بما يتجاوز نطاقه الديني هو قول الكاتب بذكاء جريئ في الصفحة 135: “أرى لكل رسالة سماوية عهدها الجديد، سواء أكانت معلنة أم غير معلنة، ظاهرة أم مُضمَرة….. فلنكمل الرسالة، رسالة العهد الجديد… ولننقلها إلى كل الألسنة وكل الأمم”. على أن الكاتب (ص 132) يدعو بشجاعة إلى تجديد العهد الجديد استنادا إلى قول المسيح “جئتُ لأُكمِل لا لأنقض” ويكتب ” العهد الجديد بات عهدا قائما بذاته ولذاته ولم يعد بحاجة إلى عهد قديم قد تجاوزه وتخطّاه”. يريد إذن عهدا جديدا للعهد الجديد ( القديم). في الصفحات 75 إلى 83 يقيم الباحث مقارنات لغوية دقيقة بين استخدامات الترجمة البروتستانتية (سنة 1865) التي ساهم فيها الشيخ ناصيف اليازجي وبين استخدامات الترجمة الكاثوليكية (سنة 1876)التي ساهم فيها ابنه الشيخ ابراهيم اليازجي. وهو يحسم أن السابقة أي البروتستانتية كان هاجس مترجميها هو تبسيط اللغة العربية لكي تُفهم أكثر على المستوى الشعبي أو ما يسمّيه “أبناء زمنهم” (ص86) بينما اللاحقة أي الكاثوليكية اليسوعية عُنِيت ببلاغة التعبير اللغوي. “فجاءت الترجمتان، عن قصد أو عن غير قصد، تُكمل واحدتهما الأخرى” (ص 87). (أهداني قبل سنوات مشكورا الدكتور الأب صلاح أبو جودة نسخة من طباعة حديثة أنيقة للنسخة الكاثوليكية أحتفظ بها بكل سرور وصرت في السنوات الأخيرة أعود لقراءة بعض أناشيد العهد القديم فيها وأحيانا بعض رواياته. كما أني أحتفظ بين الكتب الموروثة عن مكتبة جدي الشيخ علي الزين بنسخة قديمة عن الترجمة البروتستانتية لم أفتح أياً من صفحاتها بعد!). يتوقّف الكاتب بين الترجمات عند واحدة أرثوذكسية فقط (1706) بينها تمّت بإشراف أثناسيوس الدباس وباشر بها عندما كان مطرانا لحلب وقبل أن يصبح بطريركا للروم الأرثوذكس ويقول الباحث أن الدباس ” استعان، كما ورد في مقدمته للترجمة، بالعديد من المصطلحات والعبارات الإسلامية كالتنزيل والمصحف الشريف (إشارة إلى الإنجيل) والتِّلاوة بدلاً من القراءة”. ويعدّدالكاتب الترجمات التسع : بوليغلوت إسطنبول ( سنة 1546)، بوليغلوت باريس ( 1630- 1645)، بوليغلوت لندن (1654- 1657)، بروباغندا روما (1671)، دبّاسية حلب (1706)، شدياقية بيروت(1851- 1857- والمقصود فارس الشدياق المعروف لاحقاً بعد اعتناقه الإسلام ب أحمد فارس الشدياق)، بروتستانتية بيروت ( 1865)، دومينيكانية الموصل (1875- 1878)، يسوعية بيروت 1876 -1880). ويشرح الباحث تفاصيل وأسماء كل مشروع على حدة لا يسع مجال عرضها في هذه المراجعة. يقول الباحث “11 مترجما لبنانيا من أصل 31 مترجما من جنسيات مختلفة ساهموا في أو نفّذوا ستة مشاريع لترجمات مختلفة أي بمعدل 35,48 بالمائة” من مجموع المترجمين، ويعزو السبب في غياب أي لبناني أو عربي عن الترجمة الإنكليزية إلى احتمال “أن الحكومة الإنكليزية، داعمة هذا المشروع، شاءت أن يأتي تنفيذه من أهل الاختصاص من الإنكليز أنفسهم” معتبرا أنه “لعل في ذلك بدايةً لاستشراق من نوع جديد”. لن يفي أي عرض بمحتوى الكتاب إلا قراءتُه، وأسأل الدكتور الريحاني: هل يعتقد أن الجزء الأدبي من البحث المتعلق بالشعراء كافٍ؟ أم يحتاج إلى المزيد من التوسّع؟ بينما الأجزاء المتعلقة بفرح أنطون وشبلي الشميل ثم أمين الريحاني و جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة من حيث تأثرهم بالعهد الجديد أوفى شرحاً؟ jihad.elzein@annahar.com.lb Twitter: @ j_elzein 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post لمن يرغب في الوطن والمهجر : هنري زغيب يقدم لكم جبران “هذا الرجل من لبنان” مجاناً next post هل تجاوزت مذكرات الأمير هاري الحدود؟ You may also like رضوان السيد يكتب عن: ماذا جرى في «المدينة... 15 نوفمبر، 2024 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: ترمب ومشروع تغيير... 15 نوفمبر، 2024 منير الربيع يكتب عن..لبنان: معركة الـ1701 أم حرب... 15 نوفمبر، 2024 حميد رضا عزيزي يكتب عن: هل يتماشى شرق... 15 نوفمبر، 2024 سايمون هندرسون يكتب عن.. زعماء الخليج: “مرحبًا بعودتك... 15 نوفمبر، 2024 الانتخابات الأمريكية 2024: وجهات نظر من الشرق الأوسط 15 نوفمبر، 2024 نادية شادلو تكتب عن: كيف يمكن لأميركا استعادة... 14 نوفمبر، 2024 جهاد الزين يكتب من بيروت عن: تأملات ثقافية... 12 نوفمبر، 2024 نبيل فهمي يكتب عن: وماذا بعد؟ 12 نوفمبر، 2024 ماري ديجيفسكي تكتب عن: لماذا تفادى الناخبون الأميركيون... 12 نوفمبر، 2024