بأقلامهمعربي جهاد الزين : في بطلان نظرية الفصل بين المنظومة السياسية والقطاع المصرفي by admin 8 مايو، 2021 written by admin 8 مايو، 2021 32 النهار اللبنانية / جهاد الزين نحن موتى و شرّ ما ابتدع الطغْ يانُ موتى على الدّروب تسيرُ نحن موتى! وإن غَدَوْنا ورُحْنا.. والبيوتُ المزوَّقاتًُ قبورُ بدوي الجبل حالة القطاع المصرفي اللبناني تشبه حالة تكون فيها جثة الميت ممسكةً بخناق كائن حي كما يحصل في بعض أفلام الرعب الخيالي ومنها الهتشكوكية. لكنه الواقع اللبناني الذي لم يكن ليخطر على بال في مدى ما بلغه من تنكيل باللبنانيين ومعظمهم من الطبقات الوسطى التي جاء الانهيار ليوجّه لمدّخراتها ولنمط حياتها الضربة القاصمة، القاصمة بأل التعريف. “الجثة” المصرفية تمسك بالمودعين “الأحياء” حتى صاروا يشبهون الموتى بل بما تبقى من لبنان الاقتصادي الحي. هنا صار المشهد أقرب إلى أفلام دراكولا وليس هتشكوك لأن العناق القسري المصحوب ب “العضّة” سينقل العدوى ويُفْسد الضحية. هناك فكرة شائعة في لبنان وخارجه يلمسها المراقب المعني من الأحاديث التي يتبادلها مع غير اللبنانيين المتصلين من الخارج للاستفسار وهي أن المسؤول الأول عن الأزمة بل الوحيد، هو المنظومة السياسية النافذة والحاكمة التي حصلت على أموال المودعين عبر إرغام المصارف والمصرف المركزي على الاستمرار في تمويل عجز خزانة الدولة المفلسة على مدى سنوات بدأت تصبح خطِرة وحرجة منذ عام 2010، بل هناك أصوات خبراء مثل توفيق كسبار وإيلي يشوعي كانت تحذّر من مجيىء الكارثة الاقتصادية قبل ذلك بسنوات طويلة، والدكتور كسبار تحديدا في كتابه “اقتصاد لبنان السياسي في حدود الليبرالية الاقتصادية 1948 – 2002” الصادر عن “دار النهار” طرح مبكراً عام 2004 حجم استفادة المصارف من السياسة السائدة وقدّر يومها نفقات الفوائد على الدين العام (ومن ضمنها أرباح المصارف)بخمسة وعشرين مليار دولار من أصل 63,8 مليار دولار هي مجموع نفقات الحكومات اللبنانية خلال عشر سنوات 1993- 2003 (الفصل السادس الصفحة 266) . الكتاب كان يتميّز بمراجعة نقدية لسلوك المصارف من ضمن مراجعته لتاريخ لبنان الاقتصادي وأداء حكومات ما بعد الحرب. وكسبار اليوم يقدّر حجم أموال المصارف الموجودة في الخارج عبر أسماء أشخاص بِ 30 مليار دولار. هو يعتبر رغم مسؤولية المصارف في المضاربة التي أدّت إلى انهيار سعر صرف الليرة في الثمانينات من القرن المنصرم أن القطاع المصرفي بقي صامداً وانهارت الليرة بينما مسؤولية المصارف في الأزمة الحالية أنها تسبّبت في انهيار القطاع المصرفي نفسه فضلا عن مسؤوليتها في المشاركة بانهيار الليرة. نعود إلى النقطة الأساسية: هذا التحميل للمسؤولية للمنظومة السياسية الذي تقوم به المصارف صحيح لكنه يُقال لرفع مسؤولية المصارف وهذا منتهى التضليل لأن هذه المصارف رضخت لسياسة التمويل كونها كانت تستفيد من فوائد عالية هرّبتها كلها إلى الخارج بالتكافل والتضامن اللاأخلاقي مع المنظومة السياسية. وطالما أن المصارف لا تعيد ولا تريد أن تعيد رساميلها وأرباحها المهرّبة فهي شريك كامل في “سرقة العصر” كما باتت تُسمى الحالة اللبنانية في الخارج وليس فقط في الداخل. أما حاكم مصرف لبنان وحتى صدور تقرير المدعي العام السويسري فقد كنت أعتقد، أن خطأه يكمن في أنه لم يصارح اللبنانيين في حقيقة الأزمة وأعطاهم تطمينات ثبت انها غير صحيحة بينما كان يمعن في سياسة إعطاء المودعين فوائد عالية، عبر المصارف، تبيّن أنها، عن حسن نية أو سوء نية كانت فخاً لتكديس المزيد من الودائع. لكن كل هذا كان يمكن إدراجه في سلوك حاكم مصرف لبنان على أنه في خانة السياسات الخاطئة لولا أن أظهر تقرير المدعي العام السويسري ثم التقارير الفرنسية أنه كان يقوم بتحويل أموال إلى الخارج لحسابه الشخصي مع مجموعة شركاء عائليين عبر شركات وعناوين مختلفة. بهذه التهم، التي نأمل أن يقول القضاءان السويسري والفرنسي كلمتيهما الحاسمتين فيها انتقل اتهام الحاكم من خانة إلى خانة. لقد مات القطاع المصرفي الذي نعرف، ولم تعد ممكنةً إعادة الثقة إليه. يجب أن يولد قطاع مصرفي جديد أعني مصارف جديدة ضمن حل شامل للأزمة. مصارف، من الأفضل أن تبدأ بفروع مصارف أجنبية غربية وعربية خليجية قادرة على الحصول على ثقة اللبنانيين والعرب المفقودة بالمصارف الحالية اللبنانية أو بالانطلاق من مشروع الحل الذي أعلنه الدكتور حسان دياب في بداية توليه رئاسة الحكومة، والقائم على تأسيس خمسة مصارف جديدة فقط من حصيلة دمج وتصفية المصارف “السابقة” أو التي ستصبح “سابقة”. تتذرّع جمعية المصارف بوجود حملة عليها تكاد تسمّيها حملة “الشيوعية الدولية” لولا أن الاتحاد السوفياتي لم يعد موجوداً! المادوفيون والبونزيون يملأون حياتنا….. وصاروا المدافعين عن قيم “النظام الحر” وهو النظام غير الحر الذي لا يزالون “يديرونه” اقتصاديا في الوقت الراهن. تصوّر برنارد مادوف زعيما للحزب الأميركي المدافع عن قيم الحريات الأميركية! و إذا تبنّينا هذا الرأي القائل بوجود “مؤامرة شيوعية” ضد القطاع المصرفي سيكون الأمير محمد بن سلمان الشيوعي الأول والأكبر في العالم بعدما جمع قسراً من ظهر أنه اعتبرهم أكبر لصوص الثروة السعودية (و جزء مهم من الثروة العربية) في الخمسين عاماً الأخيرة في فندق ريتز وأجبرهم، مشكوراً في نظر شباب المملكة، على إعادة مائة مليار دولار تعادل الثروة التي بدّدها الفساد السياسي اللبناني. كان ذلك عملاً تاريخياً ثوريا من ولي العهد السعودي وليس هو طبعا وبالمطلق شيوعياً. يجب أن تعلن الدولة ضمان ودائع الناس المجمّدة وتضع خطة لتمكينهم من استعادتها، ولكن أي خطة لا تشمل إرغام المصارف على إرجاع أجزاء أو كل أرباحهم المهرّبة لن تكون لا كافية ولا عادلة. تماما كما هي أموال السياسيين. خطة كهذه من الواضح أنها يجب أن تحظى بدعم الحكومات الغربية المعنية. لبنان بكامله يحتاج إلى إعادة تأسيس ولكن القطاع المصرفي هو قلب الدور اللبناني إذا كان لنا بعد القدرة والحق في الحلم بإعادة إصلاح لبنان ك”سويسرا الشرق” ولكنْ سويسرا كما هي في الغرب دولة قانون وديموقراطية متنوعة وتعددية. إن غياب قوى لبنانية قادرة على إصلاح النظام لا يعني أن تشخيص الأزمة أي انهيار القطاع المصرفي، هو تشخيص خاطئ، فنحن نعيش أزمة أشمل هي انهيار الدولة وبقاء النظام السياسي قويا!؟ ليس معادلها الحالي في الاقتصاد سوى موت القطاع المصرفي وبقاءالمصارف قوية!!! عاش النظام المصرفي طويلا، وعن حق، كعنوان للازدهار اللبناني بل لازدهار الطبقة الوسطى اللبنانية التي من غير الصحيح أنها انهارت بعد الحرب بل بقيت قوية ومتسعة طيلة الثلاثين عاما الأخيرة ولكن وخلافا للخمسينات والستينات من القرن المنصرم كانت قوتها واتساعها قائمَين على عوامل مصطنعة من جهة، وفرة في الديون والهبات من الخارج، ومن جهة ثانية على توحّش في التوظيف في القطاع العام من قبل قوى، خصوصاً ميليشياوية، نهمة وجائعة إلى الزبائنية كما لم يحصل في مائة عام هي عمر الدولة اللبنانية. “الجوع العتيق” لدى هذه القوى أدى إلى وجبات توظيف وفساد دسمة خنقت الاقتصاد اللبناني والقطاع العام بالنتيجة. الآن القطاع المصرفي هو عنوان كل شيء سيِّء في الاقتصاد والسياسة، مرفقاً بتنكيل جماعي بحق أكثرية اللبنانيين وسرقة غير مسبوقة بهذه الوقاحة وذاك الاتساع. وبعكس البورجوازية المتنورة التي قادت القطاع المصرفي حتى العام 1975، فإن البورجوازية المتدهورة التي سيطرت على القطاع المصرفي لاحقا، أظهرت انحطاطاً أخلاقياً غير مسبوق. وإذا كان من غير المأسوف على بعض مظاهر انفلاش الطبقات الوسطى التي لا تستند إلى أساس اقتصادي منتج بما فيها الوظائف الوهمية أو غير المستحَقّة، فإن ما قامت به المصارف في مساسها بحجم ضخم من مدّخرات وتعويضات عمل عقود لهذه الطبقات الوسطى هو قرصنة غير مقبولة بمختلف المعايير وأخصها أن أرباح فوائد هذه الودائع هُرِّبت للخارج وهذا يعني بطلان الاستخدام القائل أن الودائع أصبحت لدى الدولة. فجوهر الموضوع هنا عدم إمكان الفصل بين المصارف والدولة بعد عقود من الشراكة الضخمة والوثيقة التي أصبحت عائداتها في الخارج. j.elzein@hotmail.com Twitter: @ j_elzein 2 comments 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post مصدر سعودي يتحدث عن “توقعات المملكة من الحوار مع إيران” next post راجح الخوري : نظرة فرنسية أخيرة على لبنان المحتضر؟ You may also like غسان شربل يكتب عن: لبنان… و«اليوم التالي» 26 نوفمبر، 2024 ساطع نورالدين يكتب عن: “العدو” الذي خرق حاجز... 24 نوفمبر، 2024 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: شالوم ظريف والمصالحة 24 نوفمبر، 2024 حازم صاغية يكتب عن: لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ 24 نوفمبر، 2024 مها يحيى تكتب عن: غداة الحرب على لبنان 24 نوفمبر، 2024 فرانسيس توسا يكتب عن: “قبة حديدية” وجنود في... 24 نوفمبر، 2024 رضوان السيد يكتب عن: وقف النار في الجنوب... 24 نوفمبر، 2024 مايكل آيزنشتات يكتب عن: مع تراجع قدرتها على... 21 نوفمبر، 2024 ما يكشفه مجلس بلدية نينوى عن الصراع الإيراني... 21 نوفمبر، 2024 غسان شربل يكتب عن: عودة هوكستين… وعودة الدولة 19 نوفمبر، 2024 2 comments Dispensaries In Bozeman 8 مايو، 2021 - 3:07 م I do not even know how I ended up here, but I thought this post was great. I don’t know who you are but certainly you are going to a famous blogger if you are not already 😉 Cheers! Reply betflix 8 مايو، 2021 - 3:07 م I don’t know if it’s just me or if perhaps everybody else encountering issues with your blog. It seems like some of the written text in your content are running off the screen. Can somebody else please comment and let me know if this is happening to them too? This might be a problem with my internet browser because I’ve had this happen before. Thanks Reply Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.